الخميس , مارس 28 2024

مفهوم التقيّة

مفهوم التقية


صحيفة اللواء اللبنانية – 13-8-2008
* هل أن حقيقة التقارب بين المذهب وسماع بعض الآراء المعتدلة يعود إلى التقية التي هي جزء من عقيدتكم وهذه إشكالية كبيرة في التقدم بالحوار الإسلامي الإسلامي، فهل ما يقوله علماء الشيعة للتقارب هو من باب التقية فقط؟
العلاّمة السيد علي الأمين: – يتحمل التفسير الفقهي المشهور عند الفقهاء مسؤولية التشويه لمفهوم التقية حيث انطلقوا في تعريفهم لها من منطلقات الخوف الشخصي والضرر الفردي مما أوحى أنها طريقة سرية لحفظ الشخص بإظهاره شيئاً لا يبطنه ولذلك أخذ الفقهاء في تفسيرها دفع الضرر مع أنه لم يرد له ذكر في النصوص الواردة في التقية والتي أعلن عنها الأئمة عليهم السلام بشكل علني وظاهر ولم تكن طريقة سرية وإنما كانت حكماً شرعياً يكشف عن تجاوز الأشكال المختلفة في أداء العبادات والمعاملات إلى وحدة الجوهر والمضمون الذي ينطبق على كل الأشكال والأفراد فليس جوهر العبادة ومضمونها في شكلها وإنما هو قائم في حقيقة المعبود الواحد والأمة الواحدة، فالتقيّة تريد أن تقول للجماعة التي اعتادت على شكل خاص في العبادة مثلاً أن هذا الشكل ليس نهاية العبادة التي لا تنحصر بهذا الشكل وبهذه الشروط بل هي واسعة تشمل هذا الشكل وغيره من الأشكال الأخرى التي تتكافأ في الصحة ولذلك لم تكن الدعوة إلى الإتيان بها مخصوصة بظروف طارئة وإنما كانت دعوة شاملة لحالات الإرادة والإختيار فالإمام الصّادق كان يدعو أصحابه وشيعته للذهاب إلى مساجد المختلفين معهم في شكل العبادة وإلى عشائرهم والصلاة بصلاتهم وقال إن المصلي خلفهم كالمصلي خلف رسول الله في الصف الأوّل وأنه كالمجاهد في سبيل الله وهكذا كان الحال بالنسبة إلى الصوم وأداء مناسك الحج ولذلك لم يرد عن الأئمة وجوب الإعادة لتلك العبادات بعد ارتفاع الظرف الذي استدعى إظهار الموافقة وهذا يعني أن التقية ليست طريقة ظرفية سرية وإنما هي الطريقة الدائمة للبحث عن المشتركات والإبتعاد عن مظاهر الإنقسام والإختلاف حفاظاً على وحدة الأمة والجماعة ومن المعلوم أن حاجة الأمة إلى الوحدة ليست حاجة ظرفية وإنما هي حاجة مستمرة ودائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولعله لأن الغاية من التقية هي الوحدة التي تتجلى في البحث عن المشتركات والأخد بها عبر الإمام الصادق عنها (التقية ديني ودين آبائي) (ومن لا تقية له لا دين له) لأن الذي يرفض العمل بالتقية بهذا المعنى يرفض المشترك ويرفض الآخر وهو بذلك يخالف الوحدة التي تقع في طليعة الاهداف الدينية·
ولذلك نقول إن ما يعمل له بعض علماء الشيعة وغيرهم حول التقارب ليس أمراً عابراً وظرفياً إنه تكليف شرعي يجب القيام به والإستمرار عليه وفيه استجابة لقول الله تعالى: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}·


* وقد جاء في أحاديث السنة النبوية: أن رسول الله قال لأسامة (هلّا شققت قلبه !.)عندما قتل رجلاً في غزوة بعد قول الرجل لا إله إلا الله وادعاء أسامة بأن الرجل قالها تقيةً !. وهنا يأخذك العجب العجاب من بعضهم عندما تسمع منه رميك بالتقية عندما ترفض وتستنكر التعرض لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وكذلك عندما ترفض وتستنكر الإساءة والسب للصحابة الأخيار رضي الله عنهم أجمعين .وتقول حينئذٍ ماذا يريدون ؟. فإن سكتنا عن إساءة حصلت في الماضي من بعضهم أو في الحاضر قالوا لنا أنتم موافقون !. وإن أنكرنا الإساءة ورفضناها قالوا لنا: أنتم بالتقية تعملون !. وهل يعلم ما في القلوب إلاّ علام الغيوب؟!. وينسى هذا البعض أنّ ذهاب الكثير من الفقهاء والعلماء إلى عدم جواز الخروج على الحاكم الظالم هو من أظهر الموارد للعمل بالتقية بالمفهوم السائد لها!!!!


إن المشكلة في عدم إدراك بعضهم لمعنى التقية الواردة في تلك الأحاديث مثل ( التقية ديني ودين آبائي ) و(من لا تقية له لا دين الله ).فإن معنى الدين هنا ليس العقيدة والشريعة وإنما جاء بمعنى الطريقة المعهودة التي اعتمدها أئمة أهل البيت في الحرص على وحدة المسلمين والعمل على ما يجمع كلمتهم ولا يفرق جماعتهم إبتداءً من الإمام علي القائل ( لأسَلّمنّ ما سلمت أمور المسلمين ) واستمر أئمة أهل البيت على هذا المنهاج وعلى هذه الطريقة خصوصاً في بداية عصر المذاهب حيث كان يحضر الإمام أبو حنيفة وغيره مجالس الإمام الصادق العلمية.


*الشبكة الليبرالية السعودية – 3- 7- 2011 – : هل السيد علي الأمين تنازل عن جميع الثوابت والمعتقدات الشيعية لإرضاء الأطراف الأخرى ( تقية ) مثلا ، أم أن النهج الذي تسيرون عليه هو إعتقاد جازم بالقضية التي تؤمنون بها ؟!وشكرا جزيلا


العلامة السيد علي الأمين: إنّ إظهار الإنسان لشيء يبطن خلافه ليس خصوصيّة شيعيّة وإنّما هي حالة موجودة في سلوكيّات الأفراد من مختلف الطّوائف والأديان والقوميّات وقد توجد في البيت الواحد والأسرة الواحدة بين الزّوج وزوجه وبين الوالد وولده والأخ وأخيه والصّديق وصديقه وبين ربّ العمل والعامل وهكذا… ولكن القاعدة العامّة المتّبعة بين البشر في علاقاتهم الأخذ بظاهر الأقوال والأعمال وأمّا ما يوجد في القلوب فلا يعلمه إلاّ الله سبحانه وتعالى.
والتقيّة يمكن أن يمارسها البعض في بعض المجالس المغلقة والأحاديث الجانبيّة وفي حالات معدودوة أمّا عندما تصبح في الجهر والعلن ويخسر بسببها القريب و البعيد فلا تكون تلك من التقيّة التي تخفي معتقد صاحبها كما فعل الإمام زيد عندما رفض في العلن الطّعن في سيرة أبي بكر وعمر عندما طلب منه اهل الكوفة ذلك فقال لهم في الجواب ( ما سمعت من آبائي عنهما إلاّ خيرا ) وخسر بذلك الأنصار له في ثورته.
وعلى كلّ حال فإنّ التقيّة عند الإمام جعفر الصّادق لم تكن بالمعنى الّذي يذكره الفقهاء وفهمه الكثير من النّاس بسبب تقليدهم لهم وإنّما نفهمها على أنّها كانت توجيهاً للشّيعة بالتحرّك باتّجاه المشترك والعام وتقديمه على الخاصّ ولذلك كان يأمر شيعته بالذّهاب إلى المساجد وإقامة الصّلاة جماعة مع المسلمين المختلفين معهم في شكل العبادة وليس في جوهرها ومضمونها وكان يقول لهم ( إن المصلّي خلفهم كالمصلّي خلف رسول الله في الصفّ الأوّل…) ولم يكن ذلك العمل في حالة طارئة لأنّه كان يحثّهم على الذّهاب و المشاركة بشكل دائم ولم يطلب منهم إعادة العمل بعد ارتفاع الظّرف الموجب وهكذا كان العمل في سائر العبادات كالحجّ والصّوم ومختلف المناسبات الجامعة للمسلمين وهذا يعني أنّ تلك الإجتهادات في الشّكل مشروعة والعمل بها صحيح.