الخميس , مارس 28 2024

السيّد علي الأمين ثورة … وثروة – بقلم طانيوس علي وهبي – جريدة اللواء

 

السيّد علي الأمين ثورة … وثروة
 
جريدة اللواء-السبت,13 نيسان 2013 الموافق 3 جمادي الاخرة 1434هـ
 
السيّد علي الأمين  إنه ثورة فكرية، وليس ثورة مسلحة ، ثورة العالم الديني المتنوّر الذي تخطى حواجز المذاهب والطائفية والدين إلى رحاب الله والإنسان والوطن ، وما بينهم ثورة المجتهد الفقيه الذي سبر أغوار الكتاب والحديث بعقل نيِّر وبصيرة نافذة ، استنبط الحكم من مداركه الشرعية الأصيلة، الحكم الذي يقرب المسافة بين المكلَّف والمكلِّف. ويعبِّد طريق المخلوق إلى الخالق دون واسطة وبلا عوائق، ثورة المفكر المجدد الذي سلك درب الأنبياء والرسل والصالحين بوسائل العصر وتقنيات العقل المتطور لبلوغ الهدف المنشود والغاية المرتجاة، وهو بناء الإنسان بشخصية العارف لحدود الله والمتيقِّن بوحدانيته وعدالته. انه سماحة العلّامة السيّد علي الأمين الذي لمْ تأخذه في الله لومة لائم، بل إنّه صاحب الرأي الحرّ والكلمة الصادقة والصرخة المدوية التي أطلقها في هذا الزمن الرديء الذي اختلَّت فيه الموازين وضاعت معه القيم فضاع الإنسان وأخطأ طريق الحقيقة فوقع أسيراً لعصبيات مذهبية وسعي لنعيمٍ دنيويّ زائل، في هذا الزمن زمن القحط الفكري، يبقى سماحة السيّد علي الأمين نبراساً وعلماً وموئلاً للأجيال التي تبحث عن الحق والحقيقة ومنارة للسفن التائهة في بحور الظلمات والتي تنشد شاطئ الأمان، وكنزاً يلقي لآليء ملفوفة بالعلم والمعرفة وثروة فكرية تغني المدرسة الدينية فقهاً وتشريعاً وأخلاقاً وأدباً وعلوماً في المنطق والكلام ،وإنّه بحق ثورة وثروة. وإني وفي هذه العجالة قد أبدو عاجزاً عن الإحاطة بهذه الشخصية العظيمة ولكن لا بأس من التقاط لؤلؤة من هذا الكنز الثمين وتلمّس بعض مكنوناتها، فسماحته الذي يقرأ التاريخ ببصيرة نافذة وعقل متحرر من قيود التبعية وقلب مفعم بالإيمان، ويعبر عنه بشخصية المرجع الديني والمسؤول السياسي والمصلح الإجتماعي الحريص على قناعاته ومبادئه الهادفة إلى اصلاح الإنسان والمجتمع والدعوة إلى إلغاء الفوارق بين سائر البشر على أساس ديني أو عرقي ويرى أن لا تعدُّدَ في الدين ، وإنما هو أمر واحد وهو الإذعان والتسليم بأن الكون والحياة خلقهما الله تعالى ، والدين هو ما أرشدت إليه الفطرة السليمة ودل عليه العقل المستقيم وتعزز وتأكد بوحي السماء وقد انبثق عن هذا الدين العقيدة شرائع ورسالات سماوية، وان هذه الشرائع واحدة في المصدر وواحدة في الهدف أي أنها واحدة في الله وفي الإنسان وبهذا اللحاظ فإن الإسلام يعني التسليم والإذعان والإيمان بالله الخالق للسماوات والأرض ولكل مظاهر الحياة وبأنه منزل الوحي وباعث الأنبياء، وهذا لا يعني إنكاراً للمسيحية ولا لليهودية، فهذه الشرائع والرسالات ليس اختلافها بنحو التباين والتباعد وإنما هو بنحو التكامل والتعاضد بعضها للبعض الآخر ومن خلال التعرف على أهداف الرسالات السماوية نتمكن ان نتعرف على الدور الذي يقوم به الدين في بناء الأوطان والإنسان والهدف الواحد. وعليه لا يمكن أن يكون الدين إلا عاملاً من عوامل استقرار المجتمع لأنه يدعو إلى الوحدة والعدالة، وان حركة الإنبياء عبر التاريخ لتغيير الواقع الفاسد واصلاحه، قامت على أسس العدالة الإلهية التي حمل مشعلها الأنبياء والمرسلون وواصل مسيرتها الصالحون والمصلحون من بني البشر المؤمنين برسالات ربهم، وقد ورد في الحديث أن (حب الوطن من الإيمان) وهذا يعني انه لا يجوز أن تكون روابط الدين والعقيدة على حساب روابط الإنسان بوطنه وشعبه، لأن الدين يدعو لتعزيز ارتباط الإنسان بوطنه وشعبه وهي ارتباطات تسبق رابطة الدين ، وعليه فيكون المتهاون بوطنه متهاوناً في دينه، لأن الوطن من المقدسات التي لا يجوز الاستهانة بها ولا التفريط بها تحت أي شعار. وفي ما خص الخلاف بين الفرق الإسلامية فإن سماحته يجيب عنه وبكل جرأة وثقة في كتابه الأخير (السنّة والشيعة أمّة واحدة) وهو أفضل وأصدق ما كتب في هذا المجال ، فهو عبارة عن دراسة فقهية وكلامية في مسألة الخلافة والإمامة تسقط أسباب الخلاف وتثبت حق الإختلاف، فالمسلمون متفقون على مرجعية واحدة تتمثل بالكتاب والسنّة، فهما المصدران الأساسيان للعقيدة والشريعة فيجب الرجوع إليهما، وبالرجوع إليهما يتقلَّص حجم الإختلافات الواقعة بين الفرق الإسلامية إلى درجة كبيرة على ان يبقى الخلاف المشروع في الدائرة الفقهية، فالفقهاء ليسوا هم مصدر التحليل والتحريم وفتاويهم هي نتاج لإجتهادهم في فهم الأدلة الشرعية، وكذلك فليس من الدين في شيء ولا من المصلحة الإسلامية إخراج ملايين المسلمين عن الإسلام بجرة قلم أو بكلمة غير مسؤولة لمجرد بعض الأفعال والأقوال التي يُمكن تأويلها، وفي موضوع الإمامة يرى السيّد أنّ الإمامة لا تعني بالضرورة القيادة السياسية التي تتولى السلطة والإدارة وشؤون الحكم في المجتمع وإنما المقصود فيها المكانة الدينية المتقدمة في الدعوة التي تجعل من صاحبها وهو الإمام مرجعية في تبليغ أحكام الشريعة وتعليمها وهو الذي يشكل القدوة الحسنة في تطبيقها وتبليغها وهي رسالة هدى ودعوة إيمان وليست قيادة سياسية.
والكتاب يقع في عدة بحوث ويمثل مجموعة حوارات جادة بين المذاهب الإسلامية تهدف إلى التقريب فيما بينها ولا يتسع المقام هنا للإحاطة بها والتعليق عليها، ولكن نلفت كل باحث عن الحقيقة إلى الإطلاع على هذا الكتاب وقراءته بتمعُّن وسيجد فيه ضالّته التي تمثّل نفحة من نفحات فكر المرجع الكبير المجتهد سماحة العلّامة السيّد علي الأمين، الأمين على الرسالة التي بلَّغها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) بوحي من المُرسل والتي قلما سبقهُ إليها أحد من كبار المراجع والباحثين.
طانيوس علي وهبي