الخميس , مارس 28 2024

كلمة العلامة المجتهد السيد علي الأمين في مؤتمر العودة الى القرآن : مرجعية القرآن بين الماضي و الحاضر

مرجعية القرآن بين الماضي والحاضر


 العلاّمة المجتهد السيد علي الأمين


________________________


  جريدة السفير –صفحة قضايا وآراء –الاثنين 7كانون اول-1998


________________________


مقتطفات:


 


·         الكتاب الواحد المتمثل بالقرآن الكريم كان من أهم العوامل التي صنعت الأمة الواحدة يضاف إلى ذلك إخلاص القيادة الأمينة على تطبيق تعاليمه وأحكامه.


·         كان للقرآن الكريم الدور المؤثر و الفعال في يقظة تلك الجماعات عندما خاطبها بلسانها وعبر عن أحاسيسها ومشاعرها فأدركت واقعها وعرفت دورها في الحياة وتحملت مسؤوليتها واستجابت للنداء الذي كان مصدراً لحياتها


·         كتاب منزل من السماء لتغيير الواقع ،وقد تعاملوا مع القرآن على هذا الاساس فلم يستعملوه وسيلة لتبرير واقعهم بل لتغييره وصنعه من جديد كما أراد الله تعالى.


·         القرآن يبقى مصدراً للحياة وقادراً على العطاء والتغيير ويبقى دوره مستمرا بعد انتهاء دور الرسول.


·         التراجع الذي تعيشه الامة اليوم ليس ناجما عن عدم تلاوة القرآن فهو يتلى في المناسبات وهي كثيرة ويتلى في الإذاعات بل هناك إذاعات مخصصة لتلاوة القرآن الكريم وتعليمه،وكما أنه ليس ناشئا من قلة في كتب التفاسير فهي كثيرة والحمدلله وليس ناشئا من تعقيد في أساليبها لأنه في إعتقادي يبقى القرآن اوضح بيانا وأكثر هديا وأرقى أسلوبا من كل الكتب التي تحاول إيضاحه وتفسيره.


·         إن المشكلة التي نعاني منها ناشئة من ابتعادنا عن مصدر الضوء ونبع الهدى وما التخبط الذي نعيشه في مجالات الفكر والسياسة والاجتماع الا مظهر من مظاهر السلوك الذي لم يشيده القرآن في نفوسنا.


·         كان سر نجاح المسلمين في الصدر الأول يكمن في تحويلهم القرآن محكمة في النزاعات ومرجعا في الفكر والسلوك.


·         الايمان يكون بالعودة الى محكمة الله والرسول في كل الخلافات التي تحصل وفي كل النزاعات التي تنجم.


·         ما كان للقرآن أن يقوم بهذا الدور لولا استحضار المسلمين له في كافة المراحل والأدوار.


·         ومن أهل العلم الماضين والحاضرين من ساهم إلى حد كبير عن قصد أو غير قصد في تغييب مرجعية القرآن وثابت السنة عن دور الحكم في حياتنا العلمية من خلال المناهج التي يغيب فيها الدليل القرآني عند النزاعات والإختلافات .


·         أصبح من المتعارف أن يرجع إلى قول زعيم أو رأي فقيه ليكون حكما في الخلافات والنزاعات ،واستبدل قال الله وقال رسوله بالقول قال الرئيس وقال الزعيم وقال القائد وقال وكيله الى غير ذلك من الكلمات.


·         ارتكبت الكثير من الأخطاء باسم الدين والاسلام ولا زالت ووقعت الإختلافات بين قيادات دينيه واحزاب كذلك وارتكبت الفظائع المخالفة لنص القرآن ولم نمتلك الجرأة للدعوة إلى مرجعية كتاب الله الذي يشكل الفيصل بين الحق والباطل والفرقان بين الخطأ والصواب .


·         في اعتقادي ان بعض المسالك في أصول الاستنباط هي التي ساهمت في تغييب القرآن عن المرجعية والحكم كمسلك التصويب القائل بأن كل مجتهد مصيب حيث تغيب الحاجة الى معرفة الدليل والسؤال عنه.وقريب من ذلك القول بولاية الحاكم ومنحه ولاية على التشريع فيما يراه مصلحة إسلامية حتى غدت هذه المصلحة التي يراها وحده ولا يراها غيره دليلاً خامساً أو سادساً من أدلة الأحكام وهذا تصويب على المستوى العملي وهو باطل عند الإمامية بالاجماع،وان هذه الهالة التي تمنح للحكام تجعل من اقوالة مرجعادون كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مع انه قد ورد في الاحاديث المعتبرة كل شيء فيه كتاب الله او سنة حتى الارش في الخدش.


·         في ظل التركيز على حاكمية الشخص تغيب مرجعية الكتاب لتحل مكانها مرجعية الشخص والفرد.


·         انعكس هذا التركيز في حياة المسلمين الاوائل وكانوا يعتبرون القرآن بمثابة السلطة التشريعية التي تراقب وتحاسب السلطة التنفيذية عند صدور أي خطأ من الأخطاء وكانوا يرفضون الاختلاف بين القضاة والحكام في الاحكام ويعتبرون ذلك خروجا عن السلطة التشريعية المجسدة بالقرآن.


·         الاعتقاد بأن الفقيه هو مصدر التحليل والتحريم اعتقاد فاسد لا تشهد له من كتاب الله آية ولا من سنة نبيه رواية.


·         فتاوى الفقهاء وأحكامهم هي فرع عن أصل مشروط بعدم مخالفة القرآن الكريم فيثبت هذا الحكم للفرع تبعا لثبوته للأصل.


·         من خلال هذه المرجعية الواحدة يمكننا أن نعيد الوحدة إلى أمتنا الاسلامية وان نعيد أليها دورها في الحياة أمة وسطا شاهدة على الأمم.


 


نصّ المحاضرة:


 


لا شك في أن الباحث المتتبع يرى أن الكتاب الواحد المتمثل بالقرآن الكريم كان من أهم العوامل التي صنعت الأمة الواحدة يضاف إلى ذلك إخلاص القيادة الأمينة على تطبيق تعاليمه وأحكامه ومن خلال إيمان هذه الجماعات ووعيها تحققت لها الحياة الاجتماعية الأفضل، وقد كان للقرآن الكريم الدور المؤثر و الفعال في يقظة تلك الجماعات عندما خاطبها بلسانها وعبر  عن أحاسيسها ومشاعرها فأدركت واقعها وعرفت دورها في الحياة وتحملت مسؤوليتها واستجابت للنداء الذي كان مصدراً لحياتها كما قال الله تعالى:


 ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم). الأنفال- 24.


فاعتبروا القرآن بتوجيهاته وتعليماته وأحكامه وتشريعاته منطلق التغيير الى الحياة الاحسن في مختلف الميادين ،وقد أدركوا أنه كتاب منزل من السماء لتغيير الواقع ،وقد تعاملوا مع القرآن على هذا الاساس فلم يستعملوه وسيلة لتبرير واقعهم بل لتغييره وصنعه من جديد كما أراد الله تعالى وكان التركيز على دور القرآن الكريم في حياة الأمة وانه لا ينتهي بانتهاء حياة النبي (ص)، كما يشير الى هذا المعنى قوله تعالى:


 (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا  وسيجزي الله الشاكرين)آل عمران -144-.


 فالقرآن يبقى مصدراً للحياة وقادراً على العطاء والتغيير ويبقى دوره مستمرا بعد انتهاء دور الرسول.


وقد وصلت الأمة إلى أوج عظمتها في تلك المرحلة من الزمن وفي فترة بسيطة اصبحت أمة وسطا تحمل رسالة السماء الى كل أصقاع الأرض،والفضل يعود في ذلك إلى القرآن الذي غدا شريعة الحياة وقبلة العمل ومنطق الفكر والسلوك .


والتراجع الذي تعيشه الامة اليوم ليس ناجما عن عدم تلاوة القرآن فهو يتلى في المناسبات وهي كثيرة ويتلى في الإذاعات بل هناك إذاعات مخصصة لتلاوة القرآن الكريم وتعليمه،وكما أنه ليس ناشئا من قلة في كتب التفاسير فهي كثيرة والحمدلله وليس ناشئا من تعقيد في أساليبها لأنه في إعتقادي يبقى القرآن اوضح بيانا وأكثر هديا وأرقى أسلوبا من كل الكتب التي تحاول إيضاحه وتفسيره..


إن المشكلة التي نعاني منها ناشئة من ابتعادنا عن مصدر الضوء ونبع الهدى وما التخبط الذي نعيشه في مجالات الفكر والسياسة والاجتماع الا مظهر من مظاهر السلوك الذي لم يشيده القرآن في نفوسنا كما قال الله تعالى:


(ومن أعرض عن ذكري فات له معيشة ضنكا)طه_124_.


لقد أصبحنا نسمع القرآن ونقرأه على أنه قصة من القصص ورواية من الروايات التي تحكي عن تاريخ قد تصرّم وانقضى من دون أن يكون لها علاقة بالحاضر والمستقبل.


وقد كان سر نجاح المسلمين في الصدر الأول يكمن في تحويلهم القرآن محكمة في النزاعات ومرجعا في الفكر والسلوك،وقد كانت سيرتهم عندما يتنازعون في قول أو في فعل أن يرجعوا الى القرآن فيقول بعضهم للبعض الآخر هل عندك من كتاب الله آية أو شاهد على ما تقول من سنة ثابته .


وعند ذلك ينتهي الخلاف مهما كان كبيرا ويحصل الاذعان للآية والرواية وكانوا بذلك يجسدون حاكمية القرآن ومرجعيته وكانوا يترجمون ويجسّدون بذلك وعيهم لدور القرآن وفهمهم لحقيقة الايمان  المستفاد من قوله تعالى:


( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)النساء-65-


ومن قوله تعالى:


(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)النساء-59-.


 قد فهموا من هاتين الآيتين الكريمتين أن الايمان يكون بالعودة الى محكمة الله والرسول في كل الخلافات التي تحصل وفي كل النزاعات التي تنجم وبذلك الايمان والسلوك تحصنت الأمة من التمزق والإختلافات التي تعصف بوحدتها وتذهب بقوتها .فكما أن الدساتير الراقية هي التي تشكل ضمانة لوحدة الامه المؤمنة به كذلك كان القرآن في حياة المسلمين الذين آمنوا به كتاباً منزلاً من عند الله لا يأتيه الباطل وهو في موضع القداسة عندهم لا يختلفون في الحق الذي يظهره ولا في الباطل الذي يكشف عنه، وعلى هذا النهج سار الصحابة والتابعون وتابعو التابعين رضوان الله عليهم، فقد كانوا يختلفون وكان المرجع في حل الإختلاف آية من كتاب الله وسنة ثابته عن رسول الله(ص) وهذا يعني أن القرآن الكريم كان عندهم  المرجع الدائم والحاضر لتصويب المسيرة عندما تتعرض للإهتزاز بسب الإختلافات صغيرة كانت أو كبيره . وما كان للقرآن أن يقوم بهذا الدور لولا استحضار المسلمين له في كافة المراحل والأدوار.


ومن أهل العلم الماضين والحاضرين من ساهم إلى حد كبير عن قصد أو غير قصد في تغييب مرجعية القرآن وثابت السنة عن دور الحكم في حياتنا العلمية من خلال المناهج التي يغيب فيها الدليل القرآني عند النزاعات والإختلافات .


وقد أصبح من المتعارف أن يرجع إلى قول زعيم أو رأي فقيه ليكون حكما في الخلافات والنزاعات ،واستبدل قال الله وقال رسوله بالقول قال الرئيس وقال الزعيم وقال القائد وقال وكيله الى غير ذلك من الكلمات…وقد ارتكبت الكثير من الأخطاء باسم الدين والاسلام ولا زالت ووقعت الإختلافات بين قيادات دينيه واحزاب كذلك وارتكبت الفظائع المخالفة لنص القرآن ولم نمتلك الجرأة للدعوة إلى مرجعية كتاب الله الذي يشكل الفيصل بين الحق والباطل والفرقان بين الخطأ والصواب . إننا لم نمتلك شجاعة تلك المرأة التي وقفت بوجه الخليفة عمر بن الخطاب (رض) عندما كان يريد تحديد المهور وعندما قال : ما بلغني أن امرأة تجاوز مهرها مهر نساء النبي إلا واسترجعت ذلك منها ، فقامت تلك المرأة وقالت له: ليس لك ذلك يا عمر فقد قال الله تعالى:


( وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيأ  أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا)النساء-20-


ولم نمتلك شجاعة الخليفة عمر بن الخطاب (رض) عندما اعترف بالخطأ وقال : أخطأ عمر  وأصابت امرأة وكل الناس أفقه من عمر حتى النساء.على اختلاف الرواية إن هذه الحادثة تكشف عن مدى حضور القرآن حاكما بين المسلمين .ولم نمتلك شجاعة أبي ذر الغفاري ولا إخلاصه عندما كان يتجول في الاسواق ويخاطب الحاكم بقوله تعالى:


 (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)التوبة-34-.


وفي اعتقادي ان بعض المسالك في أصول الاستنباط هي التي ساهمت في تغييب القرآن عن المرجعية والحكم كمسلك التصويب القائل بأن كل مجتهد مصيب حيث تغيب الحاجة الى معرفة الدليل والسؤال عنه.وقريب من ذلك القول بولاية الحاكم الفقيه ومنحه ولاية على التشريع فيما يراه مصلحة إسلامية حتى غدت هذه المصلحة التي يراها وحده ولا يراها غيره دليلاً خامساً أو سادساً من أدلة الأحكام وهذا تصويب على المستوى العملي وهو باطل عند الإمامية بالاجماع،وان هذه الهالة التي تمنح للحاكم تجعل من اقواله مرجعاً دون كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مع انه قد ورد في الاحاديث المعتبرة كل شيء فيه كتاب الله او سنة حتى الارش في الخدش،والحاصل انه في ظل التركيز على حاكمية الشخص تغيب مرجعية الكتاب لتحل مكانها مرجعية الشخص والفرد.


ولذلك نجد في حياة الصدر الاول التركيز على مرجعية القرآن الكريم في كل القضايا وكان السؤال في كل واقعة تستجد عليهم عن موقف كتاب الله منها بل نجد ذلك التركيز أيضاً على مرجعية القرآن في القرآن نفسه كما في بعض الآيات التي تقدم ذكرها (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم )وآية رد النزاع الى الله ورسوله والآيات الكثيرة التي تتحدث عن كون النبي مجرد رسول وبشير يتبع ما يوحى اليه كل ذلك لتركيز مرجعية الموحى به لا الموحى إليه.


وقد انعكس هذا التركيز في حياة المسلمين الاوائل وكانوا يعتبرون القرآن بمثابة السلطة التشريعية التي تراقب وتحاسب السلطة التنفيذية عند صدور أي خطأ من الأخطاء وكانوا يرفضون الاختلاف بين القضاة والحكام في الاحكام ويعتبرون ذلك خروجا عن السلطة التشريعية المجسدة بالقرآن ،كما يشير إلى هذا قول علي عليه السلام في نهج البلاغة: 


((ترد على أحدهم القضية في حكم من الاحكام فيحكم فيها برأيه ،ثم ترد القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه،ثم يجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعاً وإلههم واحد وكتابهم واحد ،أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه ؟أم نهاهم عنه فعصوه؟أم أنزل دينا ناقصا فاستعان بهم على اتمامه ؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصّر الرّسول (ص) عن تبليغه وأدائه والله سبحانه وتعالى يقول: ( ما فرطنا في الكتاب من شيء) وقال: ( فيه تبيان كل شيء ) وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا وأنه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً). وأن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه و لا تكشف الظلمات إلا به)).


ومن خلال هذا النصّ العلوي الذي تلوناه يمكن لنا أن نضع الأهداف من مؤتمر العودة إلى القرآن الكريم بتركيز الرجوع إليه في كل مجالاتنا الفكرية و الحياتية ومحاولة استكشاف كنوزه التي لا تنتهي و التي لم نكتشف منها إلا القليل ومحاولة النظر في مناهج الإستدلال التي قلّلت إلى حدٍّ كبير من الاعتماد على القرآن الكريم.


فنحن بين منهجين:


1-       أحدهما يدعو إلى إغلاق الاجتهاد في الكتاب والسنة.


2-       و الآخر يدعو إلى الاجتهاد خارج إطار الكتاب والسّنّة.


وفي كلا المنهجين غياب واضح لمرجعية القرآن الكريم مع أن الأحاديث قد تواترت في أن كل شيء مردود إلى الكتاب والسّنّة.


ومن المعلوم أن السّنّة مشروطة بعدم المخالفة للكتاب وقد جاء في روايات أهل البيت عليهم السلام:


( ما خالف قول ربنا لم نقله) و (ما خالف القرآن فهو زخرف باطل) و ( ما خالف قول ربنا فاضربوه عرض الجدار). وغير ذلك من الروايات الواردة عنهم و البالغة حدّ التواتر الإجمالي.


وقد ورد عن الإمام الرّضا عليه السّلام في هذا المعنى :


(إن الله حرّم حراماً وأحلّ حلالاً وفرض فرائض فما جاء في تحليل ما حرّم اللّه أو في تحريم ما أحلّ الله فذلك ما لا يسع الأخذ به لأن رسول الله(ص) لم يكن ليحرّم ما أحلّ الله و لا ليحلّل ما حرّم الله ولا ليغيّر فرائض اللّه وأحكامه، كان في ذلك كلّه متّبعاً مسلماً مؤدياً عن اللّه وذلك قول الله تعالى ( إن أتّبع إلا ما يوحى إليّ ). فكان عليه السّلام متّبعاً مسلماً مؤدّياَ عن الله ما أمره به من تبليغ الرّسالة فما جاء في النّهي عن رسول الله(ص) نهي حرام ثم جاء خلافه لم يسع استعمال ذلك، وكذلك ما أمر به لأنّنا لم نرخّصْ في ما لم يرخص فيه رسول الله(ص) و لا نأمر بخلاف ما أمر به رسول اللّه (ص) فلا يكون ذلك أبداً لأننا تابعون لرسول اللّه (ص) مسلمون له كما كان رسول الله تابعاً لأمر ربّه مسلماً له…) انتهى موضع الحاجة من الحديث.


والخلاصة أن أقوال النبي والأئمة عليهم السلام خاضعة لمقياس العرض على الثوابت من كتاب الله فكيف بأقوال غيرهم من الفقهاء المفروض مسبقا أنها مأخوذة منهم وعنهم. وفي الحديث عن الامام الصادق(ع) انه قال:


(خطب النبي(ص) بمنى فقال: أيها الناس ما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله).


ونستنتج من جميع ما سبق ان الحرام ما حرمه الله تعالى والحلال ما احله وليس الحرام ما حرمه الفقيه،وليس الحلال ما احله الحاكم، بل لا بد من مرجعية عليا تعرض عليها احكامه وفتاويه وهي مرجعية القرآن الكريم الذي تعود اليه حجية الأدلة واعتبارها، فحكم الفتاوى والاحكام حكم الروايات  والاحاديث التي تكون حجيتها مشروطة بعدم مخالفة الكتاب . فليس للفقيه الحاكم طاعة بمعزل عن طاعة الله وليس له طاعة في ما خالف كتاب الله وفرائضه من واجبات ومحرمات. والاعتقاد بأن الفقيه هو مصدر التحليل والتحريم اعتقاد فاسد لا تشهد له من كتاب الله آية ولا من سنة نبيه رواية.


وفي الحديث عن الامام الصادق(ص) في اليهود والنصارى الذين اتخذوا احبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ،قال الراوي: قلت له أتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله فقال(ع):


(أما والله ما دعوهم الى عبادة أنفسهم ولو دعوهم ما أجابوهم ولكن أحلوا لهم حراما وحرمو لهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون) وفي رواية أخرى:


 (والله ما صاموا لهم ولا صلوا لهم ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا لهم حلال فاتبعوهم).


والمستفاد من هذين الخبرين أن جملة من اليهود والنصارى كانوا يعتقدون أن الحلال ما أحله الرهبان والحرام ما حرموه ولم يعرضوا تلك التحليلات والتحريمات على مرجعية أعلى وهي الثوابت من حرام الله وحلاله فوقعوا في عبادة الأحبار والرهبان من حيث لا يشعرون فأدانهم وذمهم الله تعالى في كتابه الكريم على التقليد الاعمى الذي يقوم على أن الصواب ما قاله الأحبار والرهبان لأنهم قد أحاطوهم بأطر التقديس والعصمة واعتبروا أن اطاعتهم هي طاعة الله ومعصيتهم هي معصية الله وما كان منهم إلا أن وقعوا في المعاصي من حيث لا يعلمون وعبدوا غير الله من حيث لا يشعرون وهم عن ذلك مسؤولون.


لقد كان عليهم أن يعرضوا أقوال أحبارهم ورهبانهم على كلام الله وأحكامه فيأخذوا بالموافق لها ويطرحوا المخالف لأن الخطأ والصواب اللذين تدركهما العقول لا يرتبطان بالاشخاص والعناوين والمقامات ،انهم جعلوا الباطل ما أبطله الرهبان والحق ما أثبتوه ،انهم حاولوا ان يعرفوا الحق والباطل والخطأ والصواب من خلال الاشخاص وعناوينهم  ولم يحاولوا أن يعرفوا الحق والباطل من خلال ثوابت شرعهم فوقعوا في معصية الله واستحقوا بذلك التنديد، والذم والوعيد، من الله سبحانه وتعالى.


وعن أمير المؤمنين عليه السلام ما يشير إلى هذا المعنى قال:


( احذروا على دينكم ثلاثه:


1-            رجلا قرأ القرآن حتى إذا رأيت عليه بهجته اخترط سيفه على جاره ورماه في الشرك فقلت يا أمير المؤمنين أيهما أولى بالشرك؟قال:الرامي،


2-            ورجلا استخفته الاكاذيب كلما أحدث أحدوثه كذب مدها بأطول منها،


3-            ورجلا أتاه الله سلطانا فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ،وكذب لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر،وانما أمر الله بطاعة الرسول لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصيته وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصيته).


هكذا كان يفعل بعض الناس مع الأحبار والرهبان فكانوا يعتقدون أن طاعتهم هي طاعة الله ومعصيتهم معصية الله مع أنه لا طاعة إلا لله ، وأقوال الرهبان طريق إلى ذلك فإذا انكشف خطأها لمخالفتها لكتاب الله وأحكامه لم يكن جائزا في شريعة العقل والدين الاعتماد عليها.


والحاصل أن فتاوى الفقهاء وأحكامهم هي فرع عن أصل مشروط بعدم مخالفة القرآن الكريم فيثبت هذا الحكم للفرع تبعا لثبوته للأصل.


ومن هنا كان لا بد من التركيز على المرجعية الاستقلالية للقرآن الكريم  وهي مرجعية لا ريب فيها عند المسلمين قاطبة ومن خلال هذه المرجعية المسلمة التصديق والواحدة يمكننا أن نعيد النظر في كثير من الاختلافات في منظومة العقائد في مختلف الأبواب الفقهية من العبادات والمعاملات والسياسات.فإن المرجعية الواحدة من خلالها نأخذ اصول الفكر الموحدة التي تنعكس وحدة في المسالك والاهداف ومن خلال هذه المرجعية الواحدة يمكننا أن نلغي المذهبية الضيقة التي تؤدي الى التعصب المذموم. وقد اشتمل القرآن الكريم على أصول العقيدة وأركان الدين وفروعه وهذه هي التي تشكل معيارا ومقياسا لكل ما عداه.


فلنعد إلى هذا القرآن ينبوعا صافيا لنعرف من خلاله الحق فنتبعه ونعرف من خلاله الباطل فنجتنبه.


ومن خلال هذه المرجعية الواحدة يمكننا أن نعيد الوحدة إلى أمتنا الاسلامية وان نعيد أليها دورها في الحياة أمة وسطا شاهدة على الأمم.


·          مقتطف من محاضرة العلامة المجتهد السيد علي الأمين في مؤتمر -العودة إلى القرآن- –حوزة القائم- دمشق- السيدة زينب