الجمعة , مارس 29 2024

الإرهاب بين الدين و السياسة

الإرهاب بين الدين و السياسة

العلاّمة السيد علي الأمين

جريدة اللواء اللبنانية – 13 – 12- 2014

الإرهاب بين الدين و السياسة : كثر الحديث عن الإرهاب في العقود الأخيرة من عصرنا وتوالت التساؤلات عن موقف الدين وخصوصاً الإسلام من هذه الظاهرة ​الخطيرة التي ألحقت الأضرار الكبيرة في حياة الناس وأثرت بشكل سيء ومباشر على علاقات الشعوب بعضها مع البعض الآخر وأساءت أيضاً إلى علاقات الدول والأنظمة فيما بينها وأصبحت سبباً لإشعال نار الحرب بين دولة وأخرى وداخل المجتمع الواحد، وهو مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى حروب مدمرة في مناطق عديدة من العالم إن لم توضع الضوابط والقوانين التي تحدد الإرهاب وتحدد الأساليب والطرق التي تؤدي للقضاء عليه.

وقد حاولت بعض وسائل الإعلام في غير بلدٍ أن تعطي الإرهاب صفة دينية أو صفة لمنطقة معينة باعتبار أنها تدين بالإسلام، هذا مع أن الإرهاب هو فعل يصدر عن فاعله الإنسان مع غض الّنظر عن لونه ومعتقده، وهو فعل ناشيء عن سوء الإرادة وفساد الإختيار، وهما من الصفات الإنسانية العامة والمشتركة بين الأفراد والجماعات من مختلف الديانات.
ويجب التّنبُّه إلى بعض المحاولات الهادفة إلى توظيف مواجهة الإرهاب في الصراع بين الإسلام والمسيحية من خلال توصيف الارهاب بالاسلامي أحياناً، أو توظيفه في الصراعات المذهبيّة داخل المنطقة العربيّة والأمّة الإسلامية من خلال توصيفه بأنه إرهاب شيعي تارة أو إرهاب سنّي تارة أخرى!.
إننا نرفض مثل هذه التسميات التي تزيد من نار العداوات بين الشعوب وأتباع الديانات، فما يجري في أفريقيا الوسطى من قتل للأبرياء ليس إرهاباً مسيحيّا ضدّ المسلمين،لأن المرجعيّة الروحيّة للمسيحيّة لا تجيز تلك الأعمال وتستنكرها وتدين الفاعلين لها، وما جرى في العراق من تهجير للمسيحيين والإيزديين ومن قتل للأبرياء ليس إرهاباً إسلاميّاً ضدّ المسيحيين وغيرهم، لأن المرجعية الدينية للمسلمين المجتمعة اليوم في رحاب الأزهر الشريف تحرم كل أشكال العنف والإجرام التي تسيء إلى الإنسان وتعمل على تشويه الأديان، كما لا نقول بأن ما يجري للمسلمين في بورما من أعمال الإبادة والتهجير هو إرهاب بوذي، إن الإرهاب هو فعل جماعات وأحزاب لا تمثل المذاهب والأديان، وإنما تمثّل أنفسها وأتباعها بأعمالها الوحشيّة الهادفة من وراءها للسلطة والسيطرة والنفوذ، فالأحزاب والجماعات المتطرّفة لا تختزل شعوبها ومذاهبها وأديانها، وخلاصة القول في هذه الأفعال الشّنيعة: أن الإرهاب هو عمل إجرامي، لا مسيحي ولا إسلامي، والإرهاب هو جنّي، لا شيعي ولا سنّي!
وفي اعتقادي أن محاولة إلصاق تهمة الإرهاب بدين أو مذهب أو منطقة تسيء إلى سبل مكافحة الإرهاب وتعطل الوصول إلى النتيجة المقصودة من محاربته لعدم إمكان مكافحة مظاهر الإرهاب من حياة المجتمع الدولي إذا حاولنا إدخال عامل الدين أو اللون أو المنطقة في انطباق عنوان الإرهاب على الفعل والفاعل، لأن ذلك مما يعطي الإرهابيين فرصة لتمثيل الإرهابيين لمناطقهم وأديانهم ويتيح لهم الإستحواذ على المزيد من العناصر والأتباع.
إن محاربة الإرهاب مسؤولية جماعية تحتاج إلى تجميع الأفكار والقدرات المتوفرة لدى المجتمع الدولي للقضاء على هذا الشرّ المستطير الذي يهدف إلى ضرب صيغ التّعدّدية في عصرنا والتعايش السلمي بين الدول والشعوب والمجتمعات على اختلاف أعراقها ودياناتها، ولا تكون المواجهة لذلك بمحاولات التمييز في وصف الفعل بالإرهاب من خلال هوية الفاعل وانتمائه الديني أو الجغرافي كما نرى ذلك واضحاً في الاستعمالات المتداولة في بعض وسائل الإعلام.

لجنة من علماء الدين والقانون  بإشراف الأمم المتحدة

إن وجود المعايير المزدوجة في تسمية الإرهاب كما ظهر في محطات عديدة وغياب التحديد له أوجد التمييز بين الأفعال الإجرامية بحسب هوية الفاعل الدينية ومنطقته، ولن يتمكن المجتمع الدولي من محاربة الإرهاب والإنتصار عليه بهذه الطريقة من الغموض في المصطلحات الذي قد يكون متعمّداً في بعض الأحيان!.
ولذلك فإننا نرى أن العمل المجدي في مكافحة الإرهاب واستئصال جذوره من هذا العالم يجب أن يبتدئ بتشكيل لجنة من كبار علماء الأديان السماوية وخبراء الشرائع والقوانين الوضعية لتحديد معنى الإرهاب الذي تعتبر مقاومته غاية لكل الشرائع والأنظمة، وتكون هذه اللجنة بإشراف منظمة الأمم المتحدة، وعلى أساس التحديد لمعنى الإرهاب تتحدّد الوسائل والأدوات التي يمكن استخدامها في سبيل إقامة مجتمع دولي نظيف من الإرهاب.

حكم الإرهاب من وجهة نظر إسلاميّة

وعلى كل حال فإن موقف الإسلام من الأعمال الإرهابية ينظر إليها من خلال قبح الفعل نفسه، وهو لا يتبدّل ولا يتغيّر بتغيُّر الفاعل، كما لا يتغّير بتغّير من وقع عليه الفعل، فلا فرق في نظر الإسلام في قبح قتل الأبرياء ومصادرة حرياتهم وممتلكاتهم بين أن يكونوا مسلمين أو غير مسلمين، كما لا فرق في النظرة الإسلامية إلى العمل الإرهابي بين أن يكون الفاعل مسلماً أو غير مسلم،فإن هذا العمل مشتمل على الظلم القبيح بحد نفسه، وهو لا يختلف باختلاف الوجوه والإعتبارات،لأن الظلم لا ينطبق عليه غير عنوان القبح والبشاعة، ولا يستحق فاعله إلا الذمّ والإدانة، وقد جاء في القرآن الكريم الحديث عن هذا المبدأ وهو التجرد عن الكراهية عند إصدار الأحكام على الناس، كما جاء في قول الله تعالى {ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} سورة المائدة-وقوله تعالى {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} النساء.
وكل عمل يؤدي إلى زعزعة الأمن والتواصل بين أفراد المجتمع وبين الشعوب والأمم بعضها مع البعض الآخر يكون مخالفاً لغاية التّعدّديةّ من خلق الشعوب وتنوعها، وهي غاية التعارف الشاملة للتّواصل والتّعايش، وهي تتنافى مع كل دعوة غايتها الفرقة والتحارب، وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك التّعدّديّة الناشئة من وحدة المصدر للبشر والنافية للإمتياز بينهم بغير العمل الصالح بقوله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا} الحجرات.
وللمزيد من التوضيح لهذه المسألة: نقول: إن كلمة الإرهاب وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوَّ اللهِ وعدوَّكُم..} الأنفال.
وكلمة الإرهاب في هذه الآية هي بالمعنى اللغوي الذي يعني إخافة الغير، وهذا التخويف للآخر على قسمين : باعتبار أن الآخر قد يكون عدوّاً كما في حالة العداء بين دولة وأخرى، وقد يكون الآخر فرداً أو جماعة من الأبرياء المسالمين وإن كانوا في دولة معادية.
والقرآن قد استعمل كلمة الإرهاب في القسم الأول يعني ضد العدوّ، والمقصود من إرهاب العدوّ منعه من المغامرة بشن الحرب من خلال الإعداد والإستعداد كما هو موجود في لغة اليوم بأن الإستعداد للحرب هو الذي يمنع من وقوعها وهو الذي يصنع السِّلْم، والإعداد بالمفهوم القرآني ليس استخداماً للقوة ضدّ العدوّ، بل هو عمل سلميٌّ يهدف إلى منع قيام العدوّ بالحرب، وهذا ينسجم مع أهداف الدين في الإنتشار السلمي لدعوته كما جاء في القرآن الكريم مخاطباً المؤمنين بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} سورة البقرة – وقوله تعالى: {أُدْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} سورةالنحل، وقوله تعالى: {لا إكراه في الدين} سورة البقرة.
– وقد تستخدم كلمة الإرهاب ويراد بها من خلال الإستعمال القسم الثاني وهو تخويف البريء المسالم وترهيبه فضلاً عن سلب ماله أو قتله وكل عمل مسلح يعرض سلامة المجتمع للخطر كقطع السبيل، وهذه الأعمال تحرّمها الشريعة الإسلامية تحريماً باتاً وتعتبرها من كبائر الإثم والعدوان التي يستحق فاعلها في الدنيا شديد العقاب وفي الآخرة أليم العذاب، وقد عبرت الشريعة الإسلامية عن الذي يشهر السلاح لإخافة الآخرين وترويعهم ويعرض سلامة المجتمع للخطر( بالمحارب ) (والمفسد في الأرض) ووصفته بالحرب على الله ورسوله، وغلّظت له العقوبة مبالغة في الحسم والردع، فجزاؤه ما جاء في القرآن الكريم: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف..} سورةالمائدة،33.
وقد جاء في بعض الروايات والنصوص الفقهية في تعريف المحارب أن (من شهر السلاح لإخافة الناس فهو محارب سواء كان في بلاد الإسلام أو بلاد الشرك) و(من شهر سيفه فدمه هدر) و(من أشار بحديدة في مصرٍ قطعت يده، ومن ضرب بها قتل) وفي روايات أخرى تحدّثت عن حكم القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه، منها(لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه) ومنها (أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه)وفيها أيضاً (لو أن رجلاً ضرب رجلاً سوطاً لضربه الله سوطاً من نار).

المحارب والإرهابي

ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أن الإسلام قد اعتبر من يعرِّض أمن الناس وحرياتهم للخطر ولو بالتخويف فقط محارباً ومتلبِّساً بفعل الحرب ويعاقب بأقصى العقوبات، وهذا المعنى للمحارب والحرابة الموجود عند الفقهاء هو أوسع دلالةً من كلمة الإرهابي كما يظهر من إطلاق السياسيين وفقهاء القانون في زماننا لكلمة الإرهاب والإرهابي على بعض الأعمال والتنظيمات، وإن كان يلتقي معه في بعض الموارد، وهذا المقدار من الإتفاق في المعنى بينهما لا يغني عن البحث في المدلول المقصود من خلال كثرة الإستعمالات المتداولة في القضاء الدولي وأندية السياسة ووسائل الإعلام، ولا بد من الوصول إلى معنى موحَّد يجمع كل مفردات الحرابة أو الإرهاب حتى لا نقع في الخطأ عند القيام بمحاربة الإرهاب ومواجهته، فقد يتولد من الأسلوب وعدم التّحديد إرهاب من نوع آخر، وعندئذٍ تكون النتيجة هي الفشل في مواجهة هذا الخطر.
وفي كل الأحوال لا يجوز أن نمارس الإرهاب على الآمنين بحجة مواجهة الذين يسلبون أمن الناس وحرياتهم، فإن هذا العمل عندئذٍ يكون من باب دفع الفاسد بارتكاب الأفسد، ودفع الظالم بارتكاب الفعل الأشدِّ ظلماً، فلا يمكن أن نشرِّد شعوباً عن أوطانها أو أن نهدم عليها ديارها من أجل معاقبة الإرهابي الذي لم نستطع الوصول إليه، فإن الغاية وإن كانت صحيحة بذاتها ولكنها لا تبرّر التلاعب بأرواح الناس ومصير الشعوب التي قد تتحول بفعل الظلم اللاحق لها إلى إرهاب أشد من الإرهاب الذي نحاربه! فهل ينتظر المجتمع الدولي من الشعوب إذا هجرت من أوطانها وقتل أبناؤها ودمّرت ديارها أن يحملوا أغصان الزيتون ؟!.
إن الأعمال الوحشية التي يقوم بها الإرهاب المنظّم تكشف عن وجود مسلسلٍ إرهابيٍّ شيطاني يستهدف تفجير مجتمعاتنا العربية من داخلها بإدخالها في صراعات دينية و طائفية، والغاية من وراء هذه الأفعال الشريرة والخبيثة هي وصول أصحابها إلى السلطة بهذه الطّريقة الهمجيّة من خلال إظهار ضعف الدّول والأنظمة القائمة بنظر شعوبها وبنظر المجتمع الدّولي تمهيداً لسقوطها والحلول محلّها انطلاقاً من قاعدة الغاية تبرّر الوسيلة التي يصبغون عليها الصبغة الدينية. ولا شكّ بأن هناك استغلالاً سيّئاً للدّين في إثارة الكراهية ضدّ الآخر المختلف مع الفاعل في الدّين والمذهب و السياسة.

القضية الفلسطينية وأسباب الإرهاب وطرق مواجهته

إن شعوب المنطقة كسائر شعوب العالم يريدون الإعتدال والإستقرار، ويريدون العيش بسلام مع بعضهم البعض ومع العالم، وما ساعد على ظهور حالات التطرّف في بعض المجتمعات هو الإستبداد الذي مارسته بعض الدول والأنظمة في شعوبها وغياب العدالة الإجتماعية والحريات الأساسية عنها، ويضاف إلى ذلك عجز بعض الدول عن القيام بواجباتها في بسط سلطتها ونشر ثقافتها وتنظيم شؤون الأحزاب فيها بما في ذلك الأحزاب الدينيّة،وهذا ممّا جعل المناخ ملائماً لولادة حالات التطرّف مع الأخذ بنظر الإعتبار استمرار مأساة الشعب الفلسطيني وعدم إيجاد الحلّ العادل لقضيّته.

الإرهاب لا دين له ولا مذهب،
ولا وطن له ولا شعب!

ويجب التّنبُّه إلى بعض المحاولات الهادفة إلى توظيف مواجهة الإرهاب في الصراع بين الإسلام والمسيحية وبين الشرق والغرب من خلال توصيف الارهاب بالاسلامي أحياناً، أو توظيفه في الصراعات المذهبيّة داخل المنطقة العربيّة والأمّة الإسلامية من خلال توصيفه بأنه إرهاب شيعي تارة أو إرهاب سنّي تارة أخرى!.
إننا نرفض مثل هذه التسميات التي تزيد من نار العداوات بين الشعوب وأتباع الديانات، فما يجري في أفريقيا الوسطى من قتل للأبرياء ليس إرهاباً مسيحيّا ضدّ المسلمين،لأن التعاليم المسيحية لا تجيز تلك الأعمال الوحشية والمرجعيّة الروحيّة للمسيحيّين تستنكرها وتدين الفاعلين لها،وما جرى في العراق من تهجير للمسيحيين والإيزديين ومن قتل للأبرياء ليس إرهاباً إسلاميّاً ضدّ المسيحيين وغيرهم، لأن تعاليم الإسلام تحرّمها وتعتبرها اعتداءً على الإنسانية جمعاء، والمرجعية الدينية للمسلمين المجتمعة اليوم في رحاب الأزهر الشريف حرّمت سابقاً وتحرّم اليوم كل أشكال العنف والإجرام التي تسيء إلى الإنسان وتعمل على تشويه الدّين، كما لا نقول بأن ما يجري للمسلمين في بورما من أعمال الإبادة والتهجير هو إرهاب بوذي، كما لا نقول بأن ما يجري للشعب الفلسطيني وما جرى للشعب اللبناني في عدوان تموز على يد الدولة الإسرائيلية أنه إرهاب يهودي!.
إن الإرهاب هو فعل جماعات وأحزاب وحكومات لا تمثل المذاهب والأديان والأوطان، وإنما هي جماعات ودول خارجة عن القانون الدولي والشرعي بأفعالها الإجرامية والعدوانية، وخارجة عن قيم شعوبها ومعتقداتهم، وهي لا تمثّل إلّا أنفسها وأتباعها بالأعمال الوحشيّة الهادفة من وراءها للسلطة والسيطرة والنفوذ، ولا يصحّ أن تختزل الشعوب ودياناتها بالأنظمة وبالأحزاب والجماعات المتطرّفة، وخلاصة القول في هذه الأفعال الشّنيعة: أن الإرهاب هو عمل إجرامي، لا مسيحي ولا إسلامي، والإرهاب هو جنّي لا شيعي ولا سنّي!.
وقد شكل الإرهاب المنظّم من الجماعات والدول الداعمة له والمسبّبة له أكبر الأخطار على استقرار دولنا ومجتمعاتنا واستمرارها،والإرهاب المنظّم يرتكز إلى خلفية ثقافية خاطئة يستغلّها في تعبئة أتباعه باسم الدّين، ولذلك لا يصح الإعتماد على الوسائل العسكرية في مواجهته،بل لا بدّ من العمل في مواجهة هذا الدّاء الخطير والشرّ المستطير على تظهير خطاب الإعتدال الذي يتمثّل بعلماء الدّين والمفكّرين من كل المذاهب والأديان العاملين على نشر خطاب التسامح والإنفتاح حتى يصبح خطاب الشارع والثقافة الّتي يتلقّاها عموم النّاس.
وتتم محاصرة خطاب التطرّف وإبطال حججه واستغلاله السيِّء للدّين من خلال دعم أصوات أهل الإعتدال العارفين والرافضين بجرأة لمنطق النزاعات والكراهية الطائفية والدينيّة والدّعاة إلى قيام الدولة الوطنيّة التي تقوم على أسس العدالة والمساواة بين جميع المواطنين.
وتتمّ أيضاً من خلال إعادة نظر الحكومات في مناهج التعليم الدّيني سواء في ذلك المعاهد والجامعات الدينية أو المدارس الأكاديمية التي تعتمد تدريس الدين في برامجها التعليمية بتعديل تلك المناهج الدراسية والكتب الدينية المدرسية بالتركيز على مسائل الحريات الفكرية و الدينية و حرية الاعتقاد وحقوق الإنسان والعيش المشترك ومسائل الحوار بين الأديان و الثقافات.

المعهد الديني المشترك

ونقترح على حكوماتنا إنشاء المعاهد الدّينيّة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين، يجلس على مقاعد الدراسة فيها طلاب العلوم الدينية من المشايخ و القساوسة يدرسون معاً وجنباً إلى جنب الأديان السماوية ويتخرجون بعد ذلك من المدرسة الواحدة مبشرين في مجتمعاتهم وشعوبهم برسالة التسامح التي جاء بها الرسل والأنبياء فإن هذا مع كلّ تلك الأمور التي ذكرناها تساهم مساهمةً فعّالة في نشر ثقافة الإعتدال والعيش المشترك القائم على المحبّة و التّسامح والإحترام المتبادل.
وقبل كلّ ذلك وبعده ومعه لا بدّ من قيام الدّول والأنظمة والحكّام بالمسؤوليات الملقاة على عواتقهم في المحافظة على شعوبهم وحمايتهم والعمل على إصلاح الأنظمة السياسية والقوانين و تطبيقها تطبيقاُ حازماً يردع المجرمين وتطبيقاً عادلاً يساوي بين كلّ مكوّنات الشعب والمجتمع يقوم على أساس المواطنيّة الّتي يشترك فيها كلّ المواطنين على قدم المساواة في الحقوق و الواجبات على اختلاف انتماءاتهم الدّينيّة و السّياسيّة و الطائفيّة.

_____________________________________

 كلمة العلامة السيد علي الأمين إلى «مؤتمر الأزهر لمواجهة التّطرّف والإرهاب» الذي انعقد برعاية الإمام الأكبر شيخ الأزهر العلاّمة الدكتور أحمد محمد الطيب من 3 إلى 4 ك2 في القاهرة، جمهورية مصر العربيّة.