الخميس , مارس 28 2024

الأمين : بين ولاية الدولة ودولة الفقيه…! – الشيخ عباس حايك

المصدر: نيو ليبانون – الشيخ عباس حايك

السيد علي الأمين مرجعيَّةٌ دينيَّةٌ شيعيَّةٌ ، لا نقاش في تبوُّئه – منصب الأستاذ والمعلِّم في الحوزات العلميَّة في النجف الأشرف العراقية ، وقمِّ المقدَّسة الإيرانيَّة ، والحوزات اللبنانيَّة – باكراً وبتوفيقٍ إلهيٍ كان عالماً موهوباً قد امتاز وتميَّز بصفة الإجتهاد في العلوم الحوزوية ، وحاز على إقرار العلماء وشهاداتهم في ذلك..إلى جانب ذلك لم تفتهُ جريدة اليوم ، ومجلَّة الأسبوع ، ونشرات الأخبار اليومية في الراديو والتلفاز ، ومتابعة البرامج السياسية والدِّينية ، الساخنة منها والباردة ..وكان باكراً يُجيد بذكاءٍ حادٍّ قراءة ما وراء المحكي والمكتوب ، وكانت تعليقاته تُنبئ دوماً عن إلمامه بالدافع والغاية في كل قضيَّةٍ وموقفٍ سياسيٍّ يستحق أوصاف التعظيم ، وألقاب التقديس المتداولة وبكلِّ جدارة ، إلاَّ أنه كان يكرهها بل ويظنُّ سوءاً بقائلها والراضي بها على حدٍّ سواء..وكثيراً ما كان يسرّ ويجهر بالقول عنها بأنها أمراضٌ فتَّاكةٌ في حوزتنا الدينيَّة ومجتمعنا المذهبي وخطورتها باتت تصنع مجتمعاً يُقدِّسُ غير المقدَّس ، وهنا الكارثة والمأساة ، يحسبه الثوريُّ الهائج بأنه خارج الزمان في عقله ، ومحدودٌ في الرؤية بأحداث عصره ، وضيِّق الأفق في قراءة مجريات محيطه..ويتفنَّن هذا الثوريُّ الهائج بقوله عنه : إنه عالمٌ دينيٌّ ، لكنه غافلٌ وذاهلٌ عن النظر في السياسة ، ويستعين هذا الثوريُّ في تهكُّمه عليه بالآية والرواية والحكاية ، وكأنَّ هذا الثوريُّ تراه يوميَّاً يحتسي الشاي مع جبرائيل يوحي إليه علم ما كان وعلم ما يكون وما سيكون إلى يوم الساعة..؟ حتى يوهمنا بأنَّ ثوريته الهائجة ترتكز على قوَّةٍ خفيةٍ خارقةٍ في إدراك السياسة وأسرارها..كان سماحته يُعلِّق على ما يسمع من هؤلاء الثوريين من طعنٍ وقدحٍ بقوله : إنَّ هذه طبيعة الشرقيين على العموم لأنهم لم يقرؤا لعليّ بن أبي طالب عليه السلام حيث قال : “وليس أمرؤٌ وإن عظمت في الحقِّ منزلته ، وتقدَّمت في الدِّين فضيلته ، بفوق أن يُعان…”  وشاءت الأقدار أن أكون لسماحته تلميذاً وصديقاً على حدٍّ سواء ، كنت أطرق باب داره المتواضع بين الفينة والأخرى طمعاً بالحصول على ما تيسَّر من ثروته الفكرية التي ترتكز على روحٍ إنسانيةٍ شفَّافة يتجلَّى بها التواضع وإحترام الرأي المعاكس مهما كانت هويَّة صاحبه الدينيَّة والسياسيَّة والفلسفيَّة ، ودائماً كان يذكرنا بمقولة السيد موسى الصدر :” لا حلَّ في لبنان إلاَّ بإقامة الشرعيَّة ، ولا شرعيَّة إلاَّ بتذويب الدويلات مهما كانت صيغتها ، وكان إسمها وشكلها وفعلها…” إنَّ المحافظة على الأمن والحكم بين الناس يجب أن يكون لقوَّة الدولة وسلطان وهيبة الدولة..وترى خلف كل سطر من سطوره تجد دوماً الدليل الساطع الذي يبعث في العقل أقصى درجات الإطمئنان بصحة أفكاره وسلامة مفاهيمه ومتانة مواقفه..وإنَّ كتابه ” ولاية الدولة ودولة الفقيه ” هو سفرٌ عظيمٌ بعباراته ومضمونه..ومن أفحش أنواع المكابرة يرتكب المرء إن لم يقرّ بوضوح صحة العبارة والفكرة وقوَّة الحرف والمعنى التي ترشَّح من حبر قلمه الذي يغرف من بحور المعرفة والموضوعية…إنها مرجعيَّةٌ شيعيَّة دينيَّةٌ محمولةٌ بمشاعر إنسانية صادقة ومسكونة بهاجس هي وليدة خوفه على مصير الدولة اللبنانية وأيُّ شعب من شعوب الأرض تقع دولته تحت الخطر يندفع فطريَّاً للتضحية بأرواح أبنائه ليحمي دولته ، لأنَّ الحياة في ظل قوَّة غير قوَّة الدولة ومؤسَّساتها تُصبح جحيماً ، وإنَّ الحياة في ظل ولاية غير ولاية الدولة تُصبح ساحة من ساحات ، وجبهة بل وجبهات قد تُباع وتُشترى لأول مستثمر ومستأجر.