الجمعة , مارس 29 2024

كيما يسود صوت الإنسان المعتدل – الدكتورة أميرة كشغري

يبرهن مهرجان الجنادرية في برنامجه الثقافي عاما بعد عام على أنه مؤسسة تسعى لأن ترتقي بالفكر في تنوعه وثرائه، بل وحتى في تبايناته وأطيافه، في ظل الإنساني المشترك بيننا. لذا ما برح يفتح نافذة للتواصل والتحاور بين مختلف الأطياف والتوجهات الفكرية، ما يساعد على التعرف عن قرب على الكثير الأدباء والشعراء والعلماء والمفكرين من المملكة والدول العربية والإسلامية والعالم.
واحد من الشخصيات التي قام المهرجان بدعوتها هذا العام هو السيد علي الأمين الذي التقيته للمرة الثانية. والسيد علي الأمين هو واحد من المراجع الشيعية في لبنان، مدرس لمادة أصول الفقه وداعية تعايش بين الطوائف اللبنانية ومقرب بين أتباع الديانات. وهو بشكل أساسي عالم دين مجدد في الفكر الديني والسياسي والإسلامي. درس في لبنان وفي الحوزة العلمية بالنجف.
يطرح السيد الأمين آراء غير تقليدية حول السياسة والدين عند الشيعة، محاولا بذلك التقريب بين المسلمين ونابذا للفرقة ومفرقا بين الولاية الدينية والولاية السياسية، كما يدعو إلى الحوار والتقريب بين أتباع الديانات. وله نظريات عديدة تخرج عن الروتين عند بعض رجال الدين الشيعة. ويرى الأمين أن علاقات الأديان لا يجوز أن تكون على حساب الأوطان. كما يحرص دائما على إطلاعنا على فكره من خلال نشرة (لتعارفوا) التي سعدت بالتعرف عليها من خلال ابنه السيد حسن الأمين على هامش مهرجان الجنادرية هذا العام.
من أهم مؤلفاته «السنة والشيعة أمة واحدة»، «الأحزاب الدينية بين شهوة السلطة ورسالية الأئمة»، «رسالة في تخطئة المجتهد وتصويبه»، «موقع المسلمين الشيعة في العالم العربي والإسلامي انطلاقا من التقريب بين المذاهب الإسلامية»، «الإسلام كما جاء: المذاهب ليست قدرا لا يمكن تجاوزه»، «زبدة التفكير في رفض السب والتكفير»، وغيرها.
من المؤكد أن الساحة الإعلامية بشكل عام، والإنترنت بشكل خاص، تضج اليوم حد النشاز بالأصوات المتطرفة من كل اتجاه. لذا تطفو إلى السطح صور الفرقة والاختلاف والتشرذم إلى نحو يشعرنا باليأس في كثير من الأحيان. كما أن طغيان تلك الأصوات يعزز من نفوذها من تأثيرها المعرقل للتطور الاجتماعي والسلم المجتمعي. ولقد تجلت ثمار ذلك التطرف بشكل جلي في عرقلة عودة العراق للاستقرار، وفي تأجيج الطائفية في سورية، وفي التهديد بانتشار تداعياتها في الدول المجاورة. كما أفرز مظاهر قد تهدد المجتمعات المستقرة وتنحرف بها عن مسار التنمية والبناء لما فيه المصلحة المتوازنة لجميع مكوناتها.
من المؤكد أن التطرف قد يحمل بريقا يخطف الأبصار كالبرق، لكنه لا يضيء مطلقا. كما أن التطرف لا يحمل فكرا متجانسا منطقيا ينقل المجتمعات نحو آفاق الارتقاء. بل هو يستمر في التشرذم والتحارب مرحلة بعد مرحلة دون توقف. لذا فإن الصوت الإنساني المشترك بين جميع الأديان وجميع الثقافات والذي لم يتلوث بصراعات الأحزاب السياسية، هو ما ينبغي أن نعمل جميعا على تعزيزه ومنحه الفرصة لأن يسمع وأن يناقش بعقل وحكمة في ظل حماية القانون بغض النظر عن مرجعيته الدينية وانتمائه الطائفي، فبقاء المجتمع وتماسكه وسلامه في ظل قيم الحق والعدل هو ما ننشده أولا وأخيرا.