الجمعة , مارس 29 2024

بين المصالح والألفة والأخوّة

العلاّمة السيد علي الأمين:

هل نحن إذا دار الأمر بين مصالحنا والإلفة والأخوّة، هل نحتفظ بالأخوّة ونفرّط بمصالحنا؟ أم نحاول أن نحافظ على مصالحنا ونفرّط بكل شيء؟!

 

نعود إلى زيارة علي إلى الكوفة التي كانت تفقدية لبعض الأحياء،  فيجد شيخا كبيرا يتسول ، فاجأت عليا بهذه الظاهرة! بالكوفة عاصمة علي بن أبي طالب و هذه شعارات عن بن أبي طالب و هذا برنامج حكومته ، يجد شيخا كبيرا يتسول ؟؟ فانتفض في وجوه أصحابه قائلا :ما هذا ؟..قالوا نصراني يا أمير المؤمنين ..قالوله هذا مسيحي ..إنتفض مجددا قائلا :لم أسألكم من هذا، أنا لا أسألكم ما دينه ، ما هذه الظاهرة ؟ استعملتموه حتى إذا عجز منعتموه، أعطوه من بيت المال…فيفرض علي ضريبة الضمان الاجتماعي، التي يسمونها الشيخوخة، للعجزة و المساكين من دون أن ينظر إلى سياسة أو دين ، هذا مبدأ علي ( فإنهم صنفان  إما أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق).

مقتطفات لا يمكننا أن نحصرها في هذا اللقاء، و لكنها نتف نحاول أن نأخذ منها الدروس والعبر.

و بعد هذا نصل إلى نقطة أريد أن أثيرها. عليٌّ نقيم له المناسبات ، و عليٌّ له من الحب في القلوب ما لا يزول ، بل يتجدد و يتأكد ، و لكن فرق كبير بين الحب والولاء. المطلوب هو الولاء لتلك الصفحات المشرقة من  تاريخنا و قيمنا.  نجد حباً لعلي و شعارات و لافتات ولكن لا نجد ولاءً لعلي عليه  أفضل الصلاة و السلام . قد نجد القليل القليل من الولاء.

لا أتصور كما يقول البعض أننا بالحب نصل إلى ما نصبو إليه ، متل ما يقول دلك الشاعر : سودت صحيفة أعمالي  ووكلت الأمر إلى حيدر … و الشعراء يتبعهم  الغاوون … ، كما قال الله تعالى : “وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ۝ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ۝ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ” .

يهزنا كثيرا في بعض الأحيان الشعر بينما لا يهزنا السلوك والعمل ، مع أنه دائما العمل والسلوك : ( لا تنظروا إلى كثرة ركوع الرجل و سجوده،  فلربما هي عادة إعتاد إليها و لكن انظرو إلى صدقه في الحديث و أدائه للأمانة )،سلوك .. الدين سلوك و عمل،  الدين ممارسة : ( و لكن أنظروا إلى صدقه في الحديث و أدائه للأمانة).

البعض يقول لك مثلما  قال الشاعر:  سودت صحيفة أعمالي ووكلت الأمر إلى حيدر  ، هو كهفي من نوب الدنيا و شفيعي يوم المحشر إلى الآخر .. الخ  .. لكن هذا الكلام لا يمكن أخذه على ظاهره : (لا تنال شفاعتنا  من لا يعمل ، الدين و علي بن أبي طالب والاسلام ليس حبهم ، الدين عمل ، الدين ممارسة ، علي بن أبي طالب ترك كل شيء  من أجل أن يحفظ وحدة الأمة و تآلفها . نحن إذا دار الأمر بين مصالحنا والألفة والأخوّة: هل نحتفظ بالأخوة  و نفرط بمصالحنا ؟؟ أم نحاول  أن نحافظ على  مصالحنا و نفرط بكل شيء ؟ الولاء هنا.

في الحديث:( لا تنال شفاعتنا مستخفا  بصلاته) و (كونوا دعاة لنا  بأعمالكم)  ليس بالأقوال:  يعني  إسمع تفرح  جرب تحزن. ( كونوا دعاة لنا  صامتين) كما في بعض  الروايات ، صامتين أي بأعمالكم .

العمل هو الداعية الصامت إلى ما آمنت به من مبدأ ورسالة . في بعض الروايات يقول : دخل خيثمة على الإمام الباقر  عليه السلام : دخلت عليه أودعه ، فقلت يا خيتمة أبلغ  من ترى من موالينا السلام و أوصهم  بتقوى الله  العظيم ، و أن يعود غنيهم على  فقيرهم ، و قويهم على ضعيفهم ، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم ، وأن يتلاقوا في بيوتهم ، فإن لقيا بعضهم بعضا ، حياة لأمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا …. أوصهم أن يأدوا الأمانة إلى البر و الفاجر  فوالله  لو ائتمنني  قاتل ابي الحسين  على السيف الذي قتل به  لرددته إليه).

أوصهم أن يؤدوا الأمانة للناس. قالوا له : كيف  نصنع مع خلطائنا؟ قال:( تؤدون لهم الأمانة  و تعودون مرضاهم  و تشهدون  لهم ..الخ )، ليس مسألة حب فقط بل سلوك وعمل .

و لذلك الامام علي بن أبي طالب في رسالته المشهورة  إلى عثمان بن حنيف الأنصاري  رضوان الله عليه  ، عثمان بن حنيف كان واليا لعلي بن ابي طالب على البصرة  ، وصل عثمان بن حنيف إلى البصرة، مثل أيامنا عندما يعين محافظ ويصبح مسؤولا تكثر له الموائد، ويصبح كل شخص يريد التقرب منه وعبر هذه المائدة تمرر القضايا الأخرى، يصل الخبر لعلي بن ابي طالب أن هذا عتمان بن حنيف  يتنقل من مائدة إلى أخرى وهذه مسألة تضر. يرسل له  الإمام علي رسالة وهي موجودة في أهل البلاغة  و هي من  محاسن الكتب يقول له :

(أما بعد  فيا بن حنيف فقد بلغني  أن رجلا  من فتية أهل البصرة  دعاك إلى  مأدبة  فأسرعت إليه  تستطاب لك الألوان،  و تنقل إليك الجفان  و ما ظننت أنك  تجيب إلى مائدة قوم  غنيهم  مدعوّ وفقيرهم مجفو..) هؤلاء القوم الذين تذهب أنت اليهم يدعون أغنياءهم ويتركون فقراءهم، ( و ما كنت أظن أنك  تجيب إلى مائدة قوم  غنيهم  مدعوّ وفقيرهم مجفو..)  إلى أن يقول له بعد ذلك : (  ألا و إن لكل  مأموم إماما ..) ماهو مقتضى المأمومية  و الإمامة ؟ ( ألا و إن لكل مأموم إماما يقتدي به و يستضيء بنور علمه ، وإن إمامكم  قد قنع من طعامه بقرصين و من لباسه بقطرين ، يعني ثوبين ،  ألا و إنكم  لا تقدرون على ذلك  و لكن أعينوني  بورع و اجتهاد و عفة و سداد). قد نرى ورع بدون اجتهاد  ، و ورعا بدون معرفة ، و هنا الأخطر كالجاهل المتنسك  ، وقد نرى عفة بدون سداد  و بدون استقامة  رأي  (.. و لكن  أعينوني  بورع  و اجتهاد  وعفة  وسداد ..)