كلمة سماحة آية الله السيد علي الأمين في تكريم المناضل رفلة أبو جمرة
أصحاب السيادة و السعادة ، الأهل الكرام ، السلام عليكم جميعاً و رحمة الله و بركاته.
تعرفت على رفلة ابو جمرة من خلال سيرته التي تناقلتها الألسن وحفظتها قلوب الأصدقاء و المحبين و رفاق دربه في النضال و العمل الوطني . و لآول مرة في سيرته أحسست بأن ما يجمعني مع هذا الشخص أكثر مما يبعدني عنه. فقد جمعتني به إنسانيته الرحبة و عمله المتواصل من اجل خدمة المجتمع و رفع مستوى الحياة فيه و المطالبة بحقوق الفرد و المجتمع و سعيه لتحقيق العدالة الاجتماعية بدون تحديد لانتمائه السياسي أو للديني أو المناطقي. و قد أدركت أنّي و إيّاه رغم اختلاف الأيديولوجيا في خندق واحد و في جماعة واحدة تكافح من أجل أهداف مشتركة و أنه كان بالنسبة لي الجندي المجهول الّذي يدافع عن الوطن و المواطن دون ان يبحث عن الأوسمة و العناوين و الألقاب ، و هو لذلك يستحق كل العناوين و الألقاب التي لا يستحقها الكثير ممن يحملها لأن الرجال لا تعرف من خلالها و انما تعرف من خلال تجسيد قيم الحق و العدالة في حياتها. فكلما سعى الانسان لاقامة القسط و العدل في حياته و حياة مجتمعه وأمته كلما اقترب من الكمال و الجمال الالهيين اللّذين لا يعترفان بالحواجز و الحدود.
و قد كان رفلة أبو جمرة من طائفة و لكنه كان لكل الطوائف ، وكان من منطقة و لكنه كان بعمله لكل المناطق، و كان منتمياً لحزب و لكنه لم يكن له وحده وإنما كان للانسان في وطنه. لقد كان انسانا بكل ما في هذه الكلمة من معنى و هي التي جعلتني أحبه و جعلته موضع الاعجاب و التقدير ممن عرفه و عمل معه … فهو الذي كان ينسج و يخيط العلاقة مع الآخر من خلال منظومة القيم و المبادئ الانسانية التي تجعل الناس سواسية لا تفرق بينهم أعراق و ألوان و لا تمنحهم الامتيازات أنساب و اديان. فالله قد كرم الجميع بلا استثناء كما في قوله تعالى : ( و كرّمنا بني آدم ) وفي قوله تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ).
و هذا ما عكسته سيرة رفلة أبو جمرة في حياته و علاقاته و هذا مما تريده الأديان في تشريعاتها التي جاء فيها بأن الدّين هو المعاملة أي العلاقة مع الآخر لأنه لا معاملة بدون طرفين و قد استفاد الشاعر من هذا المعنى فقال :
ما دمت محترماً حقي فأنت أخي آمنت بالله أم آمنت بالحجر
و قد نبذ المكرّم صاحب الذكرى كل العوائق التي تباعد بين الانسان و أخيه الانسان من الطائفية و الفساد و الاستبداد و ادرك بفطرته السليمة آثارها المدمرة لحياة الفرد و المجتمع و لذلك ناضل و كافح من أجل إزالتها من النفوس و النّصوص و تنبّه للأخطار المترتبة عليها و التي كان يعمل البعض على إذكائها و لا يزال كما قال بعضهم مشيرا الى هذا المعنى :
و تنبهوا للطائفية فانـثـنــوا يتنادمون على فحيح الأرقــم
الطائفية يا لها من نكبــــة صبّت على الفردوس نار جهنّـم
قتلوا الكفاءة باسمها و مشوا على جثث من الأخلاق يا ربّ ارحم
الدين نعم الدين ان يك داعيـاً للحب يروي من حميّاه الظّمـي
الدّين ليس بآلة للكسب فــي يد خـادم للدّين أو متزعّــم
لقد ثار رفلة أبو جمرة على الطائفية و مفاسدها و كان صاحب الفهم الأوسع و الأرحب فخرج من كهوفها المظلمة و عاش في ميادين الانسانية الرحبة مستنيراً بنور العقل و المعرفة و تخرّج من مدرسة الحياة فكان نموذجاً للبساطة و التواضع و مثالاً في الاخلاص للانسان في عطائه و كفاحه و لذلك من خلال هذه المثل و القيم لم يعد رفلة أبو جمرة ملكاً لفريق دون آخر و إنما هو ملك للإنسانية جمعاء و للأحرار كل الأحرار و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
منتدى صور الثقافي 08-06-2006