الثلاثاء , ديسمبر 10 2024

الإساءة المستنكرة وردات الفعل الآثمة

الإساءة المستنكرة وردات الفعل الآثمة

المصدر: موقع لبنان الجديد

على هامش الأحداث التي أثارتها الصحيفة الفرنسية التي نشرت الرسوم المسيئة للرسول الأكرم (ص) وما تضمنته هذه الأحداث من مواقف نعيد التذكير بموقف المرجع الشيعي سماحة السيد علي الأمين حول هذه الأحداث حيث اعتبر سماحته أن ردّات الفعل أشدّ تحريماً وإساءة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من الصور الكاريكاتورية وقال : إن الإساءة إلى النّبيّ (ص) لا توقع الضَّرر بالإسلام والمسلمين، ولكن ردّات الفعل الآثمة هي التي تسيء إلى الإسلام وتلحق الضرر بالمسلمين.
وفي إشارة قرآنية إلى ذلك أورد سماحة السيد الأمين قوله تعالى : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِين).

معتبراً أن كل تلك الدعايات الكاذبة على رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام ترتد على أصحابها بدليل قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) .

وقال سماحته : إن الذين يسيؤون إلى رسول الله لن تتحقق أهدافهم بالإرتداد عن رسالته بدعاياتهم الباطلة ولن تؤثر في عميق إيمان المسلمين بنبوّته ولا في ازدياد عدد أتباعه ولن يستطيعوا إطفاء نور الله،ولا يقوم بتلك الإساءات إلا الجاهلون والذين يعملون على زرع العداوة والبغضاء بين أتباع المذاهب والأديان .

واعتبر سماحة السيد الأمين أن أعظم ما يسيء إلى الإسلام ويلحق الضرر بالمسلمين المنتشرين في البلاد هي ردات الفعل الآثمة التي تسفك فيها الدماء ويروع بها الآمنون والتي لا تنسجم مع الغاية التي بعث الرسول لتحقيقها والتي عبر عنها بقوله (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقد رفض رسول الله عليه الصلاة والسلام قتل عبد الله بن أُبَيّ الذي أساء إلى الرسول بقوله : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ، وبلغ قوله هذا إلى النبيّ ، فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق! فقال النبي صلّى الله عليه وآله: دعه،لا يتحدث الناس أن محمّداً يقتل أصحابه.

وإن أعظم ما ينفع الدعوة إلى الإسلام هي تطبيق تلك القيم الأخلاقية ومبادئ الأخوة والعدالة والتسامح بين المسلمين أنفسهم ومع شركائهم في أوطانهم وفي علاقاتهم مع الأمم والشعوب الأخرى في العالم.

وأكد سماحته على ضرورة أن يكون المسلم داعية إلى الإسلام بمواقفه،وقال : إن الإسلام يريد منّا أن نكون دعاة له كما قال الله مخاطباً رسوله: (أُدْعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة) وأن نقول للمسيئين (سلاماً) كما قال الله تعالى: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) وبذلك نقطع الطريق على الساعين من وراء هذه الإساءات للرموز الدينيّة إلى تأجيج الصراعات وتعميق الإنقسامات بين أتباع المذاهب والديانات،قال الله فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) ولذلك يجب الإبتعاد عن اعتماد الأساليب المرفوضة بالإحتجاج التي تؤدي إلى التجاوزات والإعتداءات وشحن النفوس بالكراهية والأحقاد.

ورأى سماحته ضرورة العمل في مثل هذه الحالات على إفشال تلك الأهداف والغايات بالتركيز على ما دعت إليه الرسالات بالتنافس والتسابق إلى فعل الخيرات التي تعزز الروابط الإنسانية بين الأمم والجماعات قال الله: (.. لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).

وحول الدعوات الى التظاهر ضد هذه الإساءات لنبي الاسلام (ص) رأى سماحة السيد الأمين في مقابلة له مع صحيفة المستقبل عام 2012 أن “الإساءة الى رسول الله وكل الرموز الدينية أمر مرفوض ومستنكر ويجب أن نقوم بالإحتجاج والإستنكار بطريقة حضارية، لا أن نستغل المناسبة من أجل تجمعات سياسية”. وتابع “رسول الله له من الأتباع ما يزيد على المليار ونصف المليار، ولا يحتاج إلى أن نقوم بأعمال من أجل أن نظهر رسالته بغير الشكل اللائق بها، التي كانت رحمة للعالمين”.

ولفت الأمين إلى أنه “علينا أن نأخذ دروسا من صاحب الرسالة الذي واجه كل الإساءات وكل الإستهزاءات بثبات إيمانه بالله الذي قال له بأن من يستهزئون بك وبرسالتك يريدون أن يطفئوا نور الله “والله متمُّ نوره ولو كره الكافرون”وما هو دور فرق التخطيط والعمل في الردّ على الفيلم المسيء؟ يجيب الأمين “لا علاقة لهذه الفرق بالإساءة الى رسول الله، وهذه محاولة لإستغلال المناسبة لأعمال حزبية وتعبئة شعبية باتجاه تنظيمات وأحزاب وقيادات”.ويضيف “كل الذين يقومون بهذه الإساءات يريدون تعكير صفو العلاقات بين أتباع المذاهب والديانات”.

وما علاقة ذلك بالعيش المشترك والتعايش بين المسلمين والمسيحيين؟ يردّ الأمين بأن “العيش المشترك يكون بتلاقي المسلمين والمسيحيين على مستويات رفيعة وواعية من النخبة على بيان يندد بهذه المناسبة، وأن تعبئة الشوارع واستقطاب الناس وتحريك العصب الديني أو المذهبي أو الطائفي لا يخدم العيش المشترك والعلاقات السلمية بين المسيحية والإسلام في العالم”.
ويختم الأمين مقدّما الحلول المجدية “المطلوب أن نتجاهل مثل هؤلاء المسيئين وأن نسلك الطرق المتعارف عليها في إقامة الدعاوى في هذه القضية من دون استغلالها من أجل تجميع أحزاب واختراع مناسبات تهدف إلى استقطاب الجماهير، ويجب أن نتعلم من الرسول أن الدين هو المعاملة وهو الخلق الكريم وهذا ظاهر في قوله “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، مذكرا بقول الإمام علي بن أبي طالب “رويدا، إنما هو سبّ بسبّ أو عفو عن ذنب”.