الجمعة , أبريل 19 2024

دين واحد و اجتهادات متعددة – الخلفاء مسلمون بلا مذاهب – التّعصّب

دين واحد و اجتهادات متعددة

– د. عتمان: نعود للمذهب هل هو دين؟ ولماذا أصبح التعصب للمذهب أشد من التعصب للدين؟

وما السبيل للخروج من دائرة المذهب الضيقة لدائرة الدين الأوسع؟ وهل كان علي شيعيا وأبوبكر سنيا؟

– العلّامة الأمين: إن تعدد الآراء والإجتهادات في فهم النصوص الدينية يعتبر من الأمور الطبيعية ولذلك ظهر في كل الشرائع السماوية وظهر أيضاً في القوانين الوضعية باختلاف تفسيراتها وتأويلاتها بين الحقوقيين والمحامين. وقد تعددت المدارس ومناهج البحث وطرق الإستنباط بين العلماء وأطلق عليها فيما بعد إسم المذاهب، وهي في الحقيقة تعبير عن آراء لأصحابها المشهورين من العلماء في معرفة أحكام الشريعة الإسلامية، وكانوا جميعاً من أئمة الإسلام في الفقه، ولم تكن لهم نسبة لغير الإسلام كما كانت عليه حال الصحابة حيث لم يكن في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام سنّة ولا شيعة بالمعنى المذهبي، كما قال الله تعالى (ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل). فالمسلمون جميعاً على اختلاف مذاهبهم هم أمّة واحدة بما هم مؤمنون برسالة الإسلام، وتصنيفهم إلى سنّة وشيعة وغير ذلك بالمعنى المذهبي المتأخر كان بما هم أتباع للمدارس الفقهية في معرفة الأحكام الشرعية، وقد أطلق عليها فيما بعد إسم المذاهب نسبة لأصحابها من الأئمة والفقهاء.

الخلفاء مسلمون بلا مذاهب

فالخليفة أبو بكر لم يكن سنّيّاً مالكياً وعمر بن الخطاب لم يكن شافعياً والإمام علي لم يكن شيعياً جعفرياً، وهكذا سائر الصحابة رضي الله عنهم، حتى أئمة المذاهب أنفسهم لم يكونوا منتسبين إلى مذاهبهم، وقد ولدت بعدهم أسماء مذاهبهم كما أسلفنا، فالإمام مالك والإمام جعفر الصادق والإمام الشافعي والإمام أبو حنيفة وغيرهم لم يحملوا صفة مذهبية غير صفة المسلمين وأئمة الدين وعلماء الشريعة.

التّعصّب

وقد حوّل التّعصّب لتلك الآراء الفقهية والسياسة إلى مذاهب متصارعة في بعض مراحل التاريخ بعد أن كانت مدارس متنافسة على العلم والمعرفة تحت راية الإسلام الذي يجمعها كلها.

والمشكلة الحقيقية ليست في تعدد الآراء والمناهج، وإنما هي في التعصب لتلك الآراء برفض غيرها، وزعم دعاة كل مذهب أن مذهبهم وحده يمتلك الحقيقة الشرعية، هذا مع أن الإسلام يتسع لتعدد الإجتهادات المنطلقة من الكتاب والسنّة النّبويّة وإن اختلف أصحابها العلماء في فهم النصوص ووسائل إثباتها ودلالاتها، فجميعهم كانوا يبحثون عن سبل الوصول إلى أحكام الدين الواحد والشريعة الإسلامية الواحدة التي يؤمن بها الجميع، وهم يعترفون بأن ما توصّلوا إليه من نتائج الإجتهاد يمكن أن يتطرّق إليها الخطأ لأن تلك النتائج ليست مبنيّة في معظمها على اليقين، وقد ذكروا في تعريف الإجتهاد، أنّه: بذل المجتهد وسعه في سبيل تحصيل الظن بالحكم الشرعي، وهذا يعني أن المذاهب عندهم هي مناهج متعددة وصلوا إليها بالظن الإجتهادي في فهم نصوص الدين الواحد، وليست أدياناً متعددّة في مقابل الدين الواحد.

المصدر : من كتاب العلاّمة السيد علي الأمين:  ( زبدة التفكير في رفض السب و التكفير ) – 2009

ص: 160 – 163

الناشر : دار مدارك للنشر