االسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السيد علي الأمين المحترم
من خلال حديثك عن إمامة أهل البيت قلت أنها إمامة دينية ولا يشترط فيها الإمامة السياسية وأن المسلمين بعد وفاة النبي(ص) لهم حرية الاختيار في انتخاب القائد السياسي فإذا كان الأمر كذلك لم نجد في سنة النبي حديث يدلهم ويرشدهم على كيفية اختيار هذا القائد مع العلم أن النبي (ص) صدر منه ما يتعلق بأدق وأصغر تفاصيل أمور المسلمين ولم يترك لا كبيرة ولا صغيرة إلا وحدث عنها .
وقد صدر من الإمام علي (ع) الخطب الطوال من وعظ وإرشاد ووصايا لعماله كمالك الأشتر أو محمد بن أبي بكر في كيفية تعيين العاملين معهم فهل تعيين العامل في الدولة أكبر من تعيين قائد المسلمين جميعاً .
وهل حديث ( أنتم اعلم بأمور دنياكم ) يكفي لشغل هذ المنصب الكبير
الاسم فادي محمود
لأخ الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جواب سماحة السيد:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ فادي محمود عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد فإنّ ما ذكرناه في حواراتنا وفي كتابنا ( السنّة والشّيعة أمّة واحدة) عن الإمامة الدّينيّة والإمامة السّياسيّة يرجع إلى وجود ثلاث خيارات اختلف العلماء المسلمون عليها في إنتاج السلطة وملأ الفراغ القيادي بالإمامة السياسية بعد وفاة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسّلام:
الأول : خيار التّعيين وهو الرّأي الّذي اختاره علماء الشّيعة الإماميّة
الثّاني: الشّورى المطلقة وهو الرّأي الّذي اختاره علماء أهل السّنة والجماعة
الثّالث : وهو اعتماد طريقة التّرشيح الّتي تعني الإرشاد إلى اختيار الموجود الأفضل وليس الإلزام به وهذا ما يعطي مساحة لاختيار النّاس قائدهم وإمامهم في الحكم والنّظام وهذا ما يشير إليه قول رسول الله (ص) للإمام علي (ع) ( .. فإن ولّوك أمورهم في خير وعافية وأجمعوا عليك بالرّضا فقم بأمرهم ..).
ولا يكفي في حلّ هذه المسألة الضّروريّة كما نرى في الواقع إصدار قرارٍ بالتّعيين لشخصٍ في ملأ الفراغ القياديّ بعيداً عن قبول النّاس به لأنّ قبولهم به من الشّروط الموضوعيّة لنجاحه في مشروع القيادة السياسية ذات الطّبيعة الدّينيّة الّتي يراد لها الإنبثاق من النّفوس طواعية وانقياداً كما هي الحال في العبادات الشرعيّة . كما لا يكفي أيضاً في أهميّة هذا الموقع القيادي إهمال الأمر دون الإشارة إليه كتركه للشّورى المطلقة المجرّدة عن التّرشيح والدّعوة إلى اختيار المرشّح. وبما ذكرناه من نظريّة التّرشيح يسقط الإعتراض بالإهمال لهذا الموقع الضّروري من صاحب الرّسالة إذا لم يتمّ التّعيين وإذا لم يبيّن كيفيّة حصول الشّورى المطلقة لأنّ الأمر ليس محصوراً بين الطّريقتين . وقد ظهر عدم اكتفاء النّبي (ص) بحديث (أنتم أعلم بأمور دنياكم) في ذلك الأمر الخطير وإنّما هو من مفردات التّوجيه العام الّتي تدفع العموم باتّجاه الإعتماد على النّفس وخبراتها وتجاربها في شؤون الحياة وليس وارداً لتأسيس نظريّة سياسيّة بالخصوص.
وما ذكرته – يا أخي – في تعيين الإمام علي (ع) لمالك الأشتر وغيره من العمال هو تنظيم للأمر الدّاخلي بعد حصول الولاية والإمامة السّياسيّة وليس له علاقة في كيفيّة الوصول إليها وتحقيقها. وما يساعدنا على فهم هذه المسألة أن ننظر إلى طبيعة المرحلة في ذلك العصر وإلى الثقافة الّتي كانت سائدة دون أن نسقط عليها ثقافة عصرنا الحاضر عن السّلطة وطرق إنتاجها الّتي تأثّرت بالتّجارب الكثيرة عبر العصور المختلفة وتمّ وضعها في قوانين وأنظمة ودساتير.
وقد أشار الإمام علي (ع) إلى طريقة اختيار الإمامة السّياسيّة في تلك المرحلة بما يمكن أن نسميه (مجلس شورى المهاجرين والأنصار) عندما قال : ( .. وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجلٍ وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضىً)." ولمزيد من التوسّع يمكنك مراجعة كتابنا ( السنّة والشيعة أمّة واحدة) إسلام واحد واجتهادات متعدّدة.