الثلاثاء , نوفمبر 5 2024

التعايش السلمي بين المسيحيين والمسلمين في الشرق أساس البناء وضرورة البقاء

التعايش السلمي بين المسيحيين والمسلمين في الشرق

أساس البناء وضرورة البقاء

العلاّمة السيد علي الأمين من المؤتمر الدولي في أثينا لـ ( دعم حقوق المواطنة والتعايش السلمي بين المسيحيين والمسلمين في الشرق الاوسط):

مؤتمر التعايش السلمي - أثينا

التعايش السلمي - أثينا

السيد علي الأمين - التعايش السلمي - أثينا عاش المسلمون والمسيحيون في الشرق الأوسط قروناً عديدة، وكان التعايش السلمي فيما بينهم نموذجاً من نماذج الشراكة في الوطن والمصير، معاً بنوا الأوطان وبهم نهضت وتطوّرت، وبهم معاً تستمرّ. وكانوا وما زالوا في مواطن تعايشهم عائلة واحدة تنوع انتماء ابنائها الديني أو السياسي.

ويحدثنا التاريخ عن العلاقة الأولى بين المسيحية والإسلام، والتي حصلت عندما كان الإسلام محاصراً ومطارداً في مكة المكرمة، وعندما أوذي المؤمنون بالرسالة الجديدة لخروجهم من الوثنية والشرك إلى عبادة الله الواحد، فأشار النبي عليهم يومئذ ان يهاجروا ويذهبوا للحبشة التي كانت تحكمها المسيحية، فقال لهم: اذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكاً لا يظلم عنده الناس.

وما أشبه الليلة بالبارحة ! ففي أيامنا يفرُّ المسلمون والمسيحيون معاً من أوطانهم باحثين عن دول تقبل إيواءهم.

 إن ما يدفع لهذه الهجرة الأليمة والمحفوفة بالأخطار هو ما أصاب الناس من ظلم وطغيان وما لحق بهم من اضطهاد بسبب الصراعات الجارية  في أوطانهم بين الدول والجماعات التي فقدوا بسببها الإستقرار وصيغة التعايش السلمي في أوطانهم.

إن ما أصاب صيغة التعايش اليوم من اهتزاز هي حالة طارئة قامت بها شرذمة في العراق وسوريا تنكّرت لكل روابط التاريخ والوطن، وخرجت على مبادئ الأديان الداعية للتسامح وكرامة الإنسان، وهي في أذاها ووحوشيّتها أصابت المسيحييّن والمسلمين وغيرهم.

إني أؤكد على أنها حالة طارئة وشاذة غريبة عن قيمنا الإسلامية والمسيحية، ولن يكتب لها البقاء وإن كان لا بدّ من مواجهتها.

وقد كان من أسباب نشوئها وانتشارها ضعف الدول التي تواجدت فيها ليس على المستوى الأمني والعسكري فحسب ،بل في عجز النظام السياسي عن إقامة الدولة على قاعدة المواطنة الكاملة، وقصور رؤيته عن مواجهة ثقافة التطرّف ببرامج الثقافة والتعليم، وقد أتاح هذا الضعف لتلك الجماعات أن تسيطر على مناطق كبيرة وأن تعمل على نشر ثقافة الكراهة والعداء بين شعوب المنطقة وضرب صيغة التعايش السلمي فيها وفي العالم.

ولا شكّ بأن هذه الظاهرة لم تلق المواجهة اللازمة من المجتمع الدولي الذي اعتبر بعضه أن ما يجري هو لون من ألوان الصراع الداخلي الذي ينهك المتصارعين على أرضهم دون أن يصل ضرره إلى المشاهدين خارجها.

ولكن أثبتت الأحداث عكس ذلك، وأن الخطر والضرر يتجاوزان حدود منطقة الشرق الأوسط لينتشر الإرهاب في أكثر من مكان في العالم.

وهذه الظاهرة التي تستهدف أوطاننا وعيشنا المشترك يجب علينا مسيحيين ومسلمين مواجهتها بالإصرار على العيش المشترك والمطالبة بالإصلاحات التي ترسخ حقوق المواطنية، وفي أنظمة التعليم التي تساعد على نشر ثقافة التسامح والإعتدال.

 إن منطق الإستبداد والظلم والطغيان الذي يدفع لهذه الهجرة والتهجير هي هذه الأنظمة الإستبدادية التي لم تنطلق من قواعد المواطنة والإنسانية التي تساوي بين جميع المواطنين، وهي التي كانت من أسباب ولادة جماعات التطرّف والإرهاب.

إن الواجب علينا أن نسعى إلى تحقيق الإصلاحات التي تقيم لنا الدولة المدنية الحافظة لحقوق المواطنة بالتساوي دون تمييز في انتماءاتهم الدينية والسياسية، ويجب أن يستمرّ سعينا لذلك من أجل أن يبقى أبناء شعبنا في أوطانهم ومناطقهم .

وبذلك نحفظ هذا العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين الذي امتد قرونا وأجيالاً وأسسه الآباء والأجداد في منطقة الشرق الأوسط

إن نشر القيم الدينية الداعية إلى التسامح والتعايش السلمي بين مختلف المكونات الدينية والثقافية هو أمر واجب علينا أن نعمل له وأن ندعو إلى تطوير المناهج التعليمية وتحويل خطاب الإعتدال والتسامح إلى كتاب يدرسه الطلاب في المدارس والجامعات والمعاهد الدينية في منطقتنا والعالم.

ويبقى أن نقول بأن منطق الأخوة بيننا في الشرق هو الذي يشكل أساس نهضتنا وخروجنا من فتنة التطرّف والإرهاب، كما قال الشاعر القروي رشيد سليم الخوري:

يا قومُ هذا مسيحيٌّ يذكّركم _ لا ينهض الشرقَ إلاّ حبّنا الأخوي

 ونقول لجماعات التكفير والإرهاب التي تريد أن تزرع بإرهابها الكراهة والعداوة بيننا:

معاً عشنا بهذا الشرق دهراً __ ولن نرضى بغير الحبّ دينا

 والمطلوب من المجتمع الدولي أن يساعدنا على إطفاء نار الحروب المشتعلة والصراعات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، لأن الحروب والصراعات هي التي تصنع حواجز الكراهة بين الشعوب وتغذّي التطرف والإرهاب الذي يعمل على ضرب صيغة التعايش السلمي بين شعوب المنطقة وفي العالم.

وأخيراً نشكر القائمين على هذا المؤتمر من البطركية المسكونية ومركز الملك عبد الله لحوار الأديان والثقافات، كما ونشكر الدولة اليونانية صاحبة الرعاية لهذا المؤتمر متمنين لكم النجاح والتوفيق.


  • كلمة العلامة السيد علي الأمين في المؤتمر الدولي لـ ( دعم حقوق المواطنة والتعايش السلمي بين المسيحيين والمسلمين في الشرق الاوسط) الذي انعقد في (أثينا) بين  2و 4 أيلول 2015
  • المصدر : جريدة اللواء- بيروت -الثلاثاء  8-9-2015