– ما رأيكم في ما يخص الساحة الاسلامية، هل هي تعيش أزمة أم مخاض التحولات أم حالة مرضيّة؟ –
لا شك بأن المسؤولية تقع على عاتق الحركات الاسلامية التي حملت لواء الدعوة الى الاسلام وأقرّت نفسها بأنها في طليعة هذه الأزمة، وأعتقد أنها لم تستحضر ذلك الماضي الذي انطلقت منه الدعوة، وتلك التحديات التي واجهها الرسول صلى الله عليه وسلم التي كانت موجودة في الجزيرة العربية، وكانت أعظم التحديات التي يواجهها النبي هي تحديات الفرقة والانقسام التي كانت موجودة في الجزيرة العربية، حيث كان الناس يعيشون قبائل وعشائر وصراعات طويلة· النبي (ص) تمكّن في تلك المرحلة أن يواجه تلك التحديات وأن يحوّل تلك الانقسامات الى وحدة، واعتمد النبي عليه الصلاة والسلام في هذه المسألة على توحيد العرب والمسلمين آنذاك ونوّه القرآن الكريم بهذا الإنجاز الكبير الذي تحقق "واذكروا نعمة الله عليكم، إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً"، نعمته طبعاً هي الإسلام، هذه النعمة التي أنعم الله بها على تلك الأمة وذلك الجهد الذي بذله الرسول، وحّد هذه الأمة· هذه كانت من المنطلقات الأساسية ولذلك نرى أنه عندما انطلق في عملية بناء الدولة في المدينة المنوّرة، اعتبر الركيزة الأساسية هي الأخوّة، ولذلك آخى بين المهاجرين والأنصار، ووحّد بين الأوس والخزرج، وفي هذه إشارة واضحة الى أنه لا يمكن أن يكتمل البناء إلا من خلال ركائز الوحدة، والمؤاخاة التي اعتمدها النبي (ص) وانطلق من هذه القاعدة·
-فشل الحركات الإسلامية
بينما الذي نلحظه في الحركات الاسلامية أنها عندما تنطلق في دعوتها الى الإسلام ، تنطلق من منطلقات ضيقة· الرسول آخى بين المهاجرين والأنصار، تجاوز الفوارق في الآراء والأفكار والخلافات القديمة واعتبر أن الوحدة هي الهدف الذي ينبغي أن يسعى إليه، بينما نلاحظ أن الحركات الاسلامية تحوّلت في كثير من الأحيان الى حركات طائفية ومذهبية في بعض الأحيان، وهذا من أدلة الفشل· أعتقد بأن الرسالة التي وحّدت بين المسلمين وجعلت منهم أمة واحدة، بينما هم يحملون شعار الوحدة ولكنهم لم يتمكّنوا أن يوحّدوا المسلمين، وأعتقد أن هذه مسؤولية تقع على عاتق هذه الحركات، بأن تتجاوز المنطلقات الضيقة في مجتمعاتها وفي أوطانها وأن تحمل المشاريع التوحيدية التي تنسجم مع وحدة المسلمين، لا أن تعزل هذا الفريق أو ذاك، وفي طبيعة الحال المشروع الذي يجمع دائماً هو المشروع الوطني، والإسلام لا يرفض هذه المشاريع الوطنية لا بل هو يؤكّد عليها، لأن فيها صفة الجمع التي سعى إليها الدين، وفيها أيضاً الارتباط بالوطن وبالقوم وبالشعب، والإسلام كان يؤكّد على هذه الأمور حيث ورد أن حُبّ الأوطان من الإيمان وليس من العصبية أن يُحبّ الرجل قومه.
جريدة اللواء- ٢٠٠٨/٤/١٤/
العلامة السيد علي الأمين