-طرح الرئيس بري الشروع في إلغاء الطائفية السياسية وطرح السيد نصر الله الحفاظ على الديمقراطية التوافقية, وهذان مطلبان متناقضان, فما رأيكم?
-لا شك أن الطائفية السياسية هي من الأمراض العصية التي أصابت النظام اللبناني عقوداً من الزمن, ونعتقد أن إجماع اللبنانيين في »اتفاق الطائف« على إلغاء هذه الطائفية السياسية, يعبر عن اقتناعهم بأنه مرض يجب إزالته. إذاً لا خلاف على المبدأ, ولكن في الواقع فإن عدداً من الطوائف اللبنانية تجد في اعتماد التوزيع الطائفي للمراكز والمناصب والوظائف الكبيرة في الدولة هو نوع من الضمانة لها للحفاظ على حقوقها. والبديل الوحيد لهذه الضمان -إذا ألغيت الطائفية السياسية- هو قيام الدولة التي تحفظ حق الجميع, وهذه الدولة لم تقم بعد بسبب رفض وممانعة من يدعو اليوم إلى إلغاء الطائفية السياسية. هذا من جهة, ومن جهة ثانية, فإن »اتفاق الطائف« هو سُلّم له درجات سفلى وعليا, الدرجات السفلى هي حل الميليشيات وقيام الدولة الضامنة لحقوق الجميع, هذا الأمر لم يتم بعد 20 عاماً على إنجاز هذا الاتفاق.
ولا نشعر أن هناك دولة قوية قامت وضمنت حقوق المواطنين. وقد أثبت ذلك أصحاب الميليشيات أنفسهم في 7 مايو عام 2008, وفي محطات كثيرة أخرى, هذه القوى الميليشياوية جعلت الدولة عاجزة عن حماية المواطنين من مختلف الطوائف, فكيف يمكن القول لهذه الطوائف إن حقوقها ستحفظ إذا ألغيت الطائفية السياسية?
نحن لا نقر بأن رئاسة الجمهورية للطائفة المارونية هي ضمانة لها, أو أن رئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية هي ضمانة لها, أو أن رئاسة مجلس الوزراء للسنة هي ضمانة لهم, ولكن إذا كان لا بد من إلغاء طائفية الرئاسات, فيجب أن يكون لذلك لمصلحة دولة قوية وقادرة للجميع, تحمي الحريات وتحفظ الحقوق.
من هنا قولنا إنه لا يمكن الصعود إلى أعلى السلّم قبل صعود الدرجات السفلى, أي قيام الدولة, دولة القانون والمؤسسات, ومن ثم إلغاء الطائفية السياسية.
-الديمقراطية التوافقية
وبالنسبة للديمقراطية التوافقية الوارد ذكرها في وثيقة حزب الله فهي الديمقراطية المطبقة فعلاً في لبنان منذ سنوات, وهي ديمقراطية الأمر الواقع المفروض منذ 7 مايو عام 2008 أو حتى قبله من خلال فرض الهيمنة المسلحة بأشكال مختلفة.
والبعض حاول إعطاء هذا الواقع غلافاً قانونياً ودستورياً من دون وجه حق, فما جرى في الطائف هو التوافق على النظام البرلماني الديمقراطي, أي التوافق على الديمقراطية لا ديمقراطية التوافق, وهناك فرق كبير بين الاثنين.
فالديمقراطية البرلمانية هي نظام الأكثرية, بينما الديمقراطية التوافقية تلغي منطق الأكثرية. وتلغي مفاعيل ونتائج الانتخابات, بحيث لا يمكن حكم البلد أبداً من فريق، فلا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية أو تشكيل حكومة وقد حصل الأمران فعلاً،وفرضت الأقلية الناتجة عن الانتخابات نفسها بطريقة غير ديمقراطية, بوصفها قوى أمر واقع, ولا يجوز أن لا تشارك الأقلية في الحكم في كل الأحوال, فإذا ربحت الانتخابات ستحكم, وإذا خسرتها فإنها ستحكم أيضاً, كجزء فاعل ومؤثر يمتلك حق النقض. هذا على المستوى العام, أما على الصعيد الداخلي للطوائف, فإن الديمقراطية التوافقية تمنح ثنائية حزب الله – أمل من دون وجه حق – صلاحية حصر واحتكار التمثيل الشيعي.
________
العلامة السيد علي الأمين
السياسة الكويتية-٢٠٠٩/١٢/٢٠/