سؤال ورد إلى العلامة السيد علي الأمين عن الزواج المؤقت (زواج المتعة).
–جواب: تم الإطلاع على السؤال قبل أيام عن زواج المتعة ، ونحن ننشرالجواب تعميماً للفائدة: فنقول وبالله التوفيق : اتفق علماء المذاهب الإسلامية كلها على تشريع العقد الموقت(زواج المتعة)في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام . قال الفخر الرازي في التفسير الكبير في تفسير قوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) 24 النساء ــروي عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ الآية (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى فآتوهن أجورهن) وهذا أيضاً قراءة ابن عباس، ونقل عن عمران بن الحصين قوله: إن الله أنزل في المتعة آية وما نسخها بآية أخرى، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نهانا عنها.
وقال الرازي بعد استعراض جملة من أدلة الطرفين وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة , فشكا أصحاب الرسول العزوبة فقال : إستمتعوا من هذه النساء . واختلفوا في أنها هل نسخت أم لا ؟ فذهب السواد الأعظم من الأمة الى أنها صارت منسوخة , وقال السواد منهم : إنها بقيت مباحة كما كانت . ثم قال الفخر الرازي بعد ذلك : والذي يجب أن يعتمد عليه في هذا الباب أن نقول : إنا لا ننكر أن المتعة كانت مباحة , إنما الذي نقوله : إنها صارت منسوخة …) . إنتهى كلامه رحمه الله، وجاء في كتاب شرح فتح القدير على الهداية لابن الهمام الحنفي (ونكاح المتعة باطل، وقال مالك رحمه الله :هو جائز لأنه كان مباحاً فيبقى إلى أن يظهر نسخه).
وقال الفقيه ابن رشد القرطبي في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد عن نكاح المتعة بعد اختياره لتحريمه ( واشتهر عن ابن عباس تحليله، وتبع ابن عباس على القول بها أصحابه من أهل”مكة”وأهل”اليمن”،ورووا أن ابن عباس كان يحتج لذلك بقوله تعالى{فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم}النساء-٢٤-،وفي حرف عنه “إلى أجل مسمّى”،وروي عنه أنه قال:”ما كانت المتعة إلا رحمة من الله-عزّ وجلّ- رحم بها أمّة محمد صلّى الله عليه وسلم، ولولا نهي عمر-رضي الله عنه- عنها ما اضطرّ إلى الزّنا إلّا شقيّ“.
وهذا الذي روي عن ابن عباس رواه عنه ابن جريج، وعمرو بن دينار،وعن عطاء قال: سمعت جابر بن عبدالله يقول: “تمتّعنا على عهد رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- وأبي بكر، ونصفاً من خلافة عمر، ثمّ نهى عنها عمر الناس“.
ومن خلال ما تقدّم يظهر أن النزاع بين الفقهاء قي وقوع النسخ وعدمه في زمن النبي (ص)،وقد ذهب معظمهم إلى تحريمه لصدور النسخ لتشريعه في حياته وقد ذكروا لإثبات النسخ عدة روايات بتحريم النبي للمتعة يوم خيبر ، ومنها مارواه مسلم في صحيحه من قول رسول الله عليه الصلاة والسلام(يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وان الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا)وفي بعض الروايات أن النسخ حصل بقول الله ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)-المؤمنون-.
وقد ذهب فقهاء المذهب الجعفري إلى بقاء الزواج الموقت على أصل التشريع بالحلية بالشروط التي شرع عليها وهو يلتقي مع الزواج الدائم في عدم وقوعه على ذوات البعل ولا على ذوات العدة قبل انتهاء عدة الطلاق أو الوفاة ولا على البكر بدون إذن وليها ويثبت به النسب وتترب عليه آثاره كما في الزواج الدائم وتجب على المرأة المتمتع بها العدة بانتهاء مدة العقد أو بهبة المدة الباقية بشرط حصول الدخول أو بسبب وفاة الزوج أثناء مدة العقد وإن حصلت قبل الدخول ويحرم الزواج منها أثناء العدة مطلقاً. وهناك بعض الفوارق الطفيفة مذكورة في الكتب الفقهية . وقد ناقشوا مستند القول بالحرمة بمعارضة روايات التحريم بروايات البقاء على التحليل فيحكم بتساقطها ويرجع إلى أصل التشريع وهو الحلية المتفق عليها بين الجميع، وأما دعوى النسخ بالآية فهي باطلة أصلاً وقد غفل أصحابها عن كون الآية هي من السور المكية وتشريع زواج المتعة كان في المدينة المنورة بعد الخروج من مكة بسنوات. ولو كان النسخ أمراً ثابتاً عند المسلمين في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام لكان الأولى أن ينسب الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه التحريم إلى رسول الله وليس إلى نفسه كما في الرواية المروية عنه(متعتان كانتا حلالاً على عهد رسول الله وأنا أحرمهما…).ومن المستبعد جدّاً أن يكون النهي قد صدر عن الرسول ولم يطلع عليه الخليفة عمر وغيره من الصحابة الذين قالوا ببقائها على تشريع الحلّية في زمان الخليفة أبي بكر أيضاً كما جاء فيما رواه مسلم في صحيح عن جابر بن عبد الله: (كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث). وروى الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبدالله قال: تمتعنا متعتين على عهد رسول الله(ص)الحج والنساء، فنهانا عمر عنهما فانتهينا. وروى مسلم في صحيحه أيضاً عن أبي نضرة قال:
كنت عند جابر بن عبد الله فاتاه آت فقال ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين،فقال جابر فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.وهناك روايات عديدة بهذا المضمون وغيره ، منها ما رواه البخاري في صحيحه أيضاً من روايات غير خالية من التعارض فيما بينها، فبعضها ينقل التحليل المطلق، وبعضها ينقل حصول النهي عن المتعة كما جاء في كتاب النكاح باب نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخرا. حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا ابن عيينة انه سمع الزهري يقول أخبرني الحسن بن محمد بن علي واخوه عبد الله عن أبيهما ان عليا رضي الله عنه قال لابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر. حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي جمرة قال سمعت ابن عباس سئل عن متعة النساء فرخص فقال له مولى له إنما ذلك في الحال الشديد وفى النساء قلة أو نحوه فقال ابن عباس نعم حدثنا على حدثنا سفيان قال عمرو عن الحسن بن محمد عن جابر بن عبد الله وسلمة ابن الأكوع قالا كنا في جيش فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه قد اذن لكم ان تستمتعوا فاستمتعوا وقال ابن أبي ذئب حدثني اياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فان أحبا ان يتزايدا أو يتتاركا تتاركا فما أدرى أشئ كان لنا خاصة أم للناس عامة قال أبو عبد الله وبينه على عن النبي صلى الله عليه وسلم انه منسوخ.
ومن الواضح أن النهي الصادر عن الخليفة لا يكون نهياً دالاً على الحرمة الشرعية لأنه ليس مشرّعا وما صدر عنه لم يكن نقلاً لنهي صادر عن النبي عليه الصلاة والسلام،وإنما هو حكم تدبيري يصدره الحاكم دفعاً لمفسدة يراها أو جلباً لمصلحة يقدّرها، والتدبير ليس من الأحكام التي تأخذ صفة الدوام والإستمرار. وعلى كل حال فإن روايات النسخ تعارضها روايات أخرى، والموقف عند تعارض الروايات والأدلة يرجع فيه إلى علم أصول الفقه الذي يبحث فيه عن ترجيح الأدلة عند تعارضها.
وأما القول بأن الزواج المنقطع (زواج المتعة) ليس فيه بناء لأسرة ولا توارث بين الزوجين فهو مضافاً إلى كونه ليس شرطاً في حصول الزواج الدائم وإنما هو من الأمور المترتبة عليه وقد لا يحصل في الدائم بناء للأسرة في أحيان كثيرة ولذلك لم يشترط في الزواج بملك اليمين مع أنه قد يترتب عليه بناء أسري وكذلك هي الحال في الزواج الموقت الذي يشبه ما ذهب إليه بعض علماء أهل السنة في عصرنا من جواز زواج المسيار والزواج العرفي من حيث الجوهر المقصود والغالب فيهما هو المتعة ولا فرق بين طول المدة وقصرها في أصل الموضوع . ومسألة نفي التوارث بين الزوجين في زواج المتعة كما ذكرت في كلامك ليست دليلاً على بطلانه لأن التوارث في الزواج الدائم ليس من أركانه بل من أحكامه وقد لا يكون عندهما ما يتوارثانه هذا مضافاً إلى إمكان حصول التوارث والنفقة في زواج المتعة بوجه من الوجوه. والحاصل أن اختلاف العقد المنقطع عن الدائم في بعض الآثار لا يدل على الإختلاف في أصل صحة العقد كما هو واضح بأدنى تأمل! فإن الكلام في أصل تشريعه واستمراره وليس في اختلاف آآثاره عن أشباهه وأغياره . وعلى كل حال فما دامت المسألة اجتهادية ولكل حجته ودليله من الكتاب والسنة فلا مبرر لجعل هذه المسألة من أسباب الفرقة والبغضاء بين المسلمين ولا من أسباب التشهير والإتهامات الباطلة بمخالفة الكتاب والسنة فالمجتهدون إن أصابوا فهم مأجورون وإن أخطأوا فهم معذورون والله هو العالم بحقائق الأحكام عليه التوكل وبه الإعتصام .