السيد علي الأمين في -السنّة والشيعة أمة واحدة-: إسلام واحدٌ واجتهادات متعددة
المستقبل – الاثنين 3 تشرين الأول 2011 – العدد 4133 – ثقافة و فنون – صفحة 20
تقديم يقظان التقي
السيد العلامة علي الأمين يشكل إضاءة مهمة على رأس الفكر الذي يعيد الأمل بإمكانية الوحدة بين المسلمين فالسنّة والشيعة أمة واحدة والإسلام واحد على الرغم من الاجتهادات المتعددة. هكذا يتحرر خطاب السيد من الأثقال والاختلافات التاريخية بما تستحقه من تأمل واعتبار متحرراً من كل ما يكبل مسيرة الأمة ويعوقها عن مسيرة الوحدة والإخاء لمواجهة الأخطار المشتركة.
ويقيم أفكاره المعلنة كإشهار النيران فوق الجبال بكل ما ينسجم مع المنطق والحجة ويصمد أمام المخاطر هادئاً وعقلانياً ومهذباً بعيداً بعيداً عن مستنقع الغلو والعزلة عن الآخر على إيمانه ويقينه وسط حصار النيران وحملات الاتهام والتكفير والتباعد والفرقة.
صوت السيد علي الأمين على علو. صوت الاعتدال وداعية التضامن يتقدم في سلوكيات العارف والحاكم بوضوح الفكرة والقدرة على تفكيك المعقد من المغالطات العقدية والتاريخية التي سببت جراحاً وكسوراً كبيرة في جسد الأمة الإسلامية.
صوت يهدف الى توسيع مساحات الحوار والتقارب على أرضية مشتركة يقف عليها المتحاورون فيتجاوز العقل في سلسلة حوارات على قناة المستقلة جمعت في كتاب يحمل عنوان: السنّة والشيعة أمة واحدة، إسلام واحد واجتهادات متعددة، صدر حديثاً عن الدار العربية للعلوم في تقديم ثنائي لعبدالله المعلمي ومحسن علي السهمي.
آراء شديدة الحساسية يتطرق إليها السيد الأمين باحثاً مجتهداً وبآراء مستقلة وعلى معرفة عميقة بما هو كائن بأصول الإيمان قوياً وصارماً برفضه الولاية التكوينية للأئمة على أنهم خلقوا قبل خلق العالم، وأنهم كانوا أشباحاً نورانية تسبح وتقدس الله. ببساطة ووضوح فكري شديدي الوضوح والعمق يدعو السيد العلامة علي الأمين الى عرض الموروث العقدي والفقهي على كتاب الله والسنّة مع تجديد قراءة المذاهب الإسلامية، ويدعو الى إعادة النظر بنهج الرفض والقبول مع إيمانه القاطع بأنه لا يمكن تأسيس عقيدة دينية من دون الرجوع للكتاب والسنّة الصحيحة.
السيد يقرأ في كلام غلاة الماضي و(عقدة التفضيل) ويتعجب من هذا الفكر حين يحجب (العقل الجمعي) بحركة شخص واحد وعلى الجهتين معاً السنية والشيعية.
الكتاب يمثل مجموعة حوارات جادة بين المذاهب الإسلامية هادفة للتقريب بينها. تنطلق الحوارات من مبدأ أساسي وهو أن الإسلام عقيدة وشريعة من آمن بهما صار مسلماً وهناك تجربة إسلامية حكى عنها التاريخ ونقلتها كتب السيرة وقعت فيها الخلافات والاختلافات. والأهم من معرفة أشياء عن تلك التجربة بعد وفاة الرسول. الأهم أن تكون التجربة الإسلامية التي تعاش اليوم صحيحة في الدول والمجتمعات والأوطان وذلك عبر الأسس الجامعة في بداية الدعوة بعيداً عن الانقسامات والخلافات الماضوية.
حوارات جرت في أوقات مختلفة تحمل مجموعة كبيرة من الأفكار والتساؤلات الجديدة بالتوقف والتأمل لأنها تعتمد بمضمونها على غير الشكليات وتبحث بشكل علمي وصريح المسائل الخلافية الأساسية بين المسلمين.
يميز العلامة علي الأمين في مفهوم الإمامة بين الدين والسياسة ومفهوم الإمامة بعيد كل البعد عن معنى القيادة السياسية وهي تشير الى معنى التقدم في الرتبة الدينية ولا تعني مطلقاً الولاية السياسية والإمامة بهذا المعنى تكون ضرورة اجتماعية، علماً أن الولاية السياسية على ارتباط بالبيعة التي تصدر طواعية من الناس في اختيار من يكون إماماً عليهم، أي أن الإمامة الدينية لا تعطي الحق بالإمامة السياسية..
ترتكز فلسفة السيد الأمين على قاعدة اللطافة أو اللطف لزوم الإمامة الدينية كمشروع هداية ودعوة إيمان فيما مشروع السلطة والنظام لا يشكل هدفاً وغاية. أما مشروع استلام السلطة وإقامة النظام السياسي فلم ينجح إلا نادراً.
وهذا التحول الكبير والجذري في هذه المسألة من عالم السياسة الى عالم الفقه والعقيدة، جعل من المعارض السياسي في نظر المعتقد بالإمامة معارضاً في الدين وأصبح المخالف له بالرأي فيها مخالفاً في الاعتقاد ويستحق الرمي بالكفر والعناد. وهذا كان السبب الأساسي في استمرار الخلاف في هذه المسألة الى الزمن الحالي الذي كرّس التباعد والانقسام بين المسلمين.
بجرأة كبيرة يعلن السيد الأمين أن الذي حول الاختلاف السياسي المشروع الى خلاف عقائدي هم الفقهاء وعلم الكلام. والحل برأي الأمين ببساطة العقيدة ووضوحها كما جاء في جملة النصوص الدينية والمستفاد منها وغيرها أن الرسول قَبِل الإسلام من الشخص لمجرد النطق بالشهادتين ولم يسأله عن معنى التوحيد ودقائقه وخفاياه ولم يطالبه بمصطلحات علماء الكلام والفلسفة في الدين والعقيدة التي لم يسمع بها المسلمون من قبل ولم يسأله عن مقولات أهل السلوك والتصوف والعرفان ولم يسأله عن الإمامة ودورها!
واحدة من إشكاليات البحث الفقهي المنهجي والموضوعي والعقلاني التي يعالجها الأمين هي إشكالية الولاء المردد بين الدولة والمرجعية الدينية بحجج بأن المسألة لم تكن مطروحة منذ نشأة المرجعية الدينية لاختلاف وظيفة المرجعية الدينية عن وظيفة الدولة وقيادتها السياسية وهذا الفرق بين الوظيفتين كان ثابتاً في وعي وفهم المسلمين عموماً: المرجعية الدينية ليس لها من ولاية سياسية أصلاً، لا في وطنها ولا في الأوطان الأخرى، وهي مجرد موقع من مواقع تعليم الأحكام الشرعية والتبليغ الديني.
فعلاً، هناك ما يميز نص العلامة والدور الذي يضطلع به في تقريب المساحات الفكرية والقدرة على شرح الخصوصيات المعقدة والطريقة السلسلة واللطيفة التي يعتمدها لبلوغ موضوعه وبلورته وفي نص فقهي غير تقليدي تماماً وينتمي الى الحداثة الفكرية والاجتهاد الرصين والبلاغة الأدبية في الخطابة وبخلاف نصوص كثيرين.
تقرأ فتعبر معه في كثير من التأمل والصمت الفلسفي المعبر وبإحساس عميق بحضور إنساني ما لا يتوارى وراء التواريخ بل يقف أمامها بقوة تجلي الحقيقة التي يمكن إدراكها بالوعي والإصغاء وبتلك اليقظة الفكرية الرائعة في فضائها المنفتح ومن دون أن يجرح أحداً ومن هنا أهميته القصوى في تمثلاته الإيمانية المختلفة وعلى علو الفكرة لبلوغ الوحدة الإسلامية.
هنا مقتطف من الكتاب:
ولاء الشيعة
ان اشكالية الولاء المردد بين الدولة والمرجعية الدينية لم تكن مطروحة منذ نشأة المرجعية الدينية لاختلاف وظيفة المرجعية الدينية عن وظيفة الدولة وقيادتها السياسية وهذا الفرق بين الوظيفتين كان ثابتاً في وعي وفهم المسلمين عموماً الذين أدركوا ان المرجعية الدينية وظيفتها الأساسية هي الاستمرار في تبليغ أحكام الشريعة وتعليمها وهذا لا يحتاج إلى ولاية سياسية على الناس وأما الدولة فبما أن وظيفتها ادارة شؤون البلاد واقامة الحق والعدل بين الناس فهي بحاجة الى ولاية عليهم لتطبيق الأحكام والقوانين حفظاً للنظام العام وصوناً للحقوق والواجبات التي يتوقف عليها قيامة المجتمع واستمراره انطلاقاً من قاعدة نظم الأمر وهذا ما جرت عليه سيرة المسلمين بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام حيث كان للعلماء دور التبليغ والتعليم دون أن يكون لهم حق الولاية السياسية على الرعية وأما الخلفاء والحكام فكانت لهم الولاية السياسية على الرعية ولهم حق الطاعة في ما أمر الله به ولذلك ورد الأمر بطاعة اولي الأمر الذين يتحملون المسؤولية في تسيير شؤون الأمة بالعدل والحق وهذا يعني ان الولاية السياسية تكون للدولة وقيادتها السياسية.
وأما ولاية الفقهاء والقضاة التي جرى البحث عنها في علم الفقه هي الولاية في اطار الأحوال الشخصية كالولاية على أموال الصغير واليتيم وطلاق الغائب وتقسيم تركته وغير ذلك من الأمور كالولاية على الافتاء وتبليغ الأحكام الشرعية مما ليس له علاقة بالولاية السياسية الثابتة للمحاكم.
وقد وجدت هذه الاشكالية بين الولاء للحاكم والولاء للمرجعية الدينية من خلال بعض المصطلحات الفقهية التي وردت على ألسنة بعض الفقهاء في العصور المتأخرة كاطلاق كلمة الحاكم الشرعي على الفقيه والمرجع الديني مما أوحى ان الولاية السياسية الثابتة للقيادة السياسية هي مغتصبة من الفقيه وهو صاحب الحق الشرعي لها ولكن المقصود من كلمة (الحاكم الشرعي) الواردة في ألسنة بعض الفقهاء هو الفقيه المستجمع لشرائط الفتوى وقد ذكرنا ذلك في كتابنا (ولاية الدولة ودولة الفقيه) وذكرنا ان الروايات التي تتحدث عن وراثة العلماء للأنبياء وأن العلماء حكام على الملوك وغير ذلك من الصيغ، هي ناظرة الى دور العلماء الرسالي في تبليغ الرسالة وأحكامها وليست ناظرة الى اثبات ولاية سياسية لهم على الحكام والملوك والشعوب والمجتمعات.
وهذا هو الرإي المشهور بين الفقهاء في عدم ثبوت الولاية السياسية للفقيه بل كاد ان يكون مجمعاً عليه في ما بينهم وتؤيده السيرة العملية التي سار عليها المسلمون في كل الأعصار ومختلف الأمصار,.
ومما عزز الاشكالية السابقة في أن الولاء للدولة وقيادتها السياسية أو للمرجعية الدينية، ما جرى في ايران بعد وصول الامام الخميني للسلطة وإقامة نظام سياسي فيها قائم على ولاية الفقيه وقد أطلق هذا الشعار وكأنه حقيقة دينية مقدسة لا شك في ثبوتها وأنها من القضايا المتيقنة مع أنها ما تزال حتى اليوم أول البحث والكلام وموضع النقض والابرام! وكان الغرض منها إعطاء البعد الديني للقيادة الجديدة تعزيزاً للسلطة السياسية وتبريراً لتلك التصرفات التي تجاوزت حدود المألوف في ثبوت الولاية للفقيه وقد ذكرنا في كتابنا المشار اليه سابقاً ان الفقيه اذا اصبح حاكماً سياسياً في بلد من البلدان فان الولاية السياسية تثبت له بوصفه حاكماً لبلده وشعبه وليست له ولاية عابرة للحدود والشعوب والأوطان لأنه عندما يصير حاكماً في بلده فهو قد أصبح ولي أمر شعبه وبلده وليس ولي الأمر لكل البلاد والشعوب لأن الولاية السياسية التي تثبت لولي الأمر قد نشأت من حاجة المجتمع الضرورية لقيام الدولة وولاية الحاكم عليها وهي ولاية ثابتة للدولة وقيادتها نظماً للأمر وحفظاً للنظام العام المرتبط بحدود تلك الدولة.
وأما امتداد ولايته خارج حدود دولته فهو مخالف لنظم الأمر وقواعد حفظ النظام ولذلك فان الشيعة في أوطانهم، لا توجد للفقيه الحاكم في بلده ولاية سياسية عليهم في بلدانهم وأوطانهم وأما المرجعية الدينية فليس لها من ولاية سياسية اصلاً، لا في وطنها ولا في الأوطان الأخرى، وهي مجرد موقع من مواقع تعليم الأحكام الشرعية والتبليغ الديني.
والأوطان التي نشأ الشيعة فيها واليها ينتسبون لها ولاؤهم وللدولة وقيادتها السياسية الولاية عليهم وعلى سائر المواطنين ولا يجوز ان تكون روابط المذاهب والأديان على حساب الأوطان وقد جاء في بعض الأحاديث المأثورة (حب الأوطان من الايمان) و (إذا اردت ان تعرف وفاء الرجل فانظر حنينه الى وطنه.
ولذلك لا يوجد فرق على مستوى الولاء للوطن والايمان بمرجعية الدولة بين سني وشيعي ومسلم ومسيحي والشيعة هم جزء من المجتمعات التي يعيشون فيها والشعوب التي ينتمون اليها وليسوا قوماً وافدين على مجتمعاتهم وشعوبهم بل هم منها في الصميم فالشيعة في العراق هم جزء من شعب العراق وهم في انتمائهم الوطني والقوي مع بقية الشعب العراقي على حد سواء والشيعة في لبنان هم جزء لا يتجزأ من شعب لبنان والشيعة في الخليج العربي هم جزء لا يتجزأ من شعبهم العربي في الخليج والشيعة في ايران هم ايرانيون وفي باكستان باكستانيون وفي تركيا هم أتراك والروابط الدينية في ما بينهم كما هي الروابط مع بقية المسلمين في دولهم وأوطانهم تستدعي المواخاة والتضامن والعلاقات الثقافية ولا تعني انخراطاً في المشروع السياسي لدولة خاصة.
فشيعة العراق علاقتهم بشيعة ايران تعني علاقات المودة والتعاون من خلال علاقات الدول بين بعضها ولا تعني الروابط الدينية والمذهبية بين شعبين في دولتين انخراطاً في المشروع السياسي للدولة الايرانية والعكس صحيح ايضاً وهكذا الحال بالنسبة الى الشيعة في الخليج العربي ولبنان وغيرهما فلكل منهم مشروعه المرتبط بشعبه ووطنه ودولته. ولذلك يجب التفريق بين الشيعة والتشيع فالشيعة هم أبناء شعوبهم وأوطانهم، تفصل بينهم الحدود الجغرافية والقوميات المتعددة والمشاريع والأنظمة السياسية المختلفة وأما التشيع فهو انتماء فكري عقائدي واختيار لنهج أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الدين والحياة، المطبوع بطابع الوحدة والتقريب بين المسلمين الذي رفع شعاره الامام علي في عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين (لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين) وقوله لمالك الأشتر عندما ولاه على مصر: (ان الرعية صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) وقول الامام جعفر الصادق (عليه السلام) عندما سأله بعض أصحابه ماذا نصنع مع خلطائنا من الناس فقال: (صلوا بصلاتهم وعودوا مرضاهم وشيعوا جنائزهم واشهدوا لهم وعليهم وإن المصلي خلفهم كالمصلي خلف رسول الله (ص) في الصف الأول) و(شيعتنا سلم لمن خالطوا بركة من جاوروا) وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي أكد فيها ائمة أهل البيت على ضرورة الاتحاد بين المسلمين وإن اختلفت آراؤهم واجتهاداتهم.
المصدر: http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=488322