بقلم : مجيد مطر
المصدر : خطط، 13 حزيران 2008
لا جديد ولا مفاجأة، تحت شمس ما تعرّض له السيد علي الأمين، وغيره من المؤسسات الإعلامية والصحفية من قمع وترهيب. فالأمر يتطلب وعياً سياسياً بسيطاً، حتى تظهر الصورة على حقيقتها. فالأقنعة سقطت، وظهر «حزب المقاومة»! على ما هو عليه. لقد قدم نفسه بلا رتوش، وسرعان ما أفصح عما ينضح ُبه:
غلبة وإحساس بالتفوق. ومن كان يعتقد غير ذلك، فليعرّف عن نفسه، وليقل من أي كوكب هو؟
في البداية من المفيد التذكير، بأن الذي تعرض له العلامة المفتي الشرعي والقانوني السيد علي الأمين ليس الأول من نوعه.
فحزب الله قمع أول ما قمع أبناء طائفته من تنظيمات وشخصيات ومؤسسات. مستعملاً الترهيب المادي تارة ، و الترهيب المعنوي طوراً.
ففي العام 1988 أُطلقت النار غزيراً على منزل الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين الكائن في حارة حريك. أما الترهيب المعنوي، فتمثل بخطاب تشهيري لم يبقِ ولم يذر، ضد مرجعيات دينية كبرى، فنال نصيبه وافياً من التشهير «الشيطاني»، والتهديد «الالهي»، كلُّ من عارض أو رفض الإقرار بمرجعية ولاية الفقيه، وأعلمية الخامنئي.
من نافل القول أن هذا التفرّد بقرار الطائفة الشيعية هو أحد تجليات التقارب السوري الايراني الذي سمح لحزب الله أن يفرض هيمنته السياسية، حتى باتت حركة أمل والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى تحت إمرته كمساعدين له، أو صدى لترداد صوته.
وكل ذلك تم بشكل مناقض لتراث الطائفة الشيعية المتصف بالتنوع انتماءً وثقافة وتفكيراً.
ولا حاجة بنا للتأكيد أن تواجد تلك النخبة من المثقفين والمتنورين والشعراء هو نتيجة مباشرة لذلك التنوع والاختلاف، الذي انطلق منه الإمام موسى الصدر في تأسيسه للمجلس الإسلامي، حيث برز كشخصية تواصلية بامتياز، كونه جمع من حوله كل من يختلف معه، كما أكد على السلوك ذاته، حين وضع الملامح الأولى لميثاق حركة أمل عبر الاستعانة بأكثر من 77 شخصية من مختلف المشارب والانتماءات.
من حقنا، ومن حق الكثيرين معنا، التساؤل عن مرجعية القيم والسلوك عند من ينسب نفسه مباشرة لله دون وسيط. فما هو أول وما هو ثان، الأخلاق أم المصالح السلطوية، حيث الغاية تبرر الوسيلة؟
إن المنطق يفترض أن يكون معيار القيم لدى أي حزب ديني قائماً على أولوية الأخلاق قبل كل شيء آخر.
فالأدب القرآني، وأدب أهل البيت قد حذرا من الجور والظلم والاعتداء على أرواح وأرزاق وأملاك وسمعة الآخرين. فالإمام علي يقول: «والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت».
لكن على ما يبدو أن المراهنة دوماً على السياسة بمعناها المصلحي الآني هي الأساس، فالتلاعب بالغرائز المذهبية التي لا ذاكرة لها أمر قد ينفع لبعض الوقت وليس كله، والتشاطر السياسي بقدر ما يعطي القدرة على التملص يورط أيضاً. فهل من يتذكر حين أقيل مدير عام وزارة الإعلام السابق محمد عبيد من قبل الحكومة الأولى لعهد إميل لحود، التي رأسها آنذاك سليم الحص؟ فلماذا لم تقم الدنيا ولم تقعد وقتها؟ وهل الخوف من سوريا أو الثقة بها؟
إن خلق الذرائع المجانية لفرض هيمنة ما، يشبه عملية إصدار بنكنوت ليس له القوة الإبرائية للذمة، فما ارتكب قد ارتكب، وترك جرحاً بليغاً في النفوس، قد تصعب بلسمته.
لا بد من التنويه بأن سياق الاعتداءات على الشخصيات الشيعية المستقلة الرافضة للتفرد والنطق الأحادي باسم المواطنين الشيعة، من قبل الواجهة السياسية للطائفة، على حد وصف سماحة السيد علي الأمين، يأتي من خلفية سياسية كيدية، ترفض الآخر ولا تقر له بحق الاختلاف. فهذا «الآخر» ليس أمامه سوى الإذعان والرضوخ، أو الانعزال والتقهقر. وهذا هو العرض الأوحد الذي تقدمه كل سلطة، علنية كانت أم ضمنية.
وإذا كان سماحته لم يخدع يوماً بالسلعة التي يقدمها حزب الله عن نفسه، فالوقائع تشهد أنه كان خصماً شريفاً للحزب، فلم يداهنه أو يتبع أسلوب الرياء، وبذلك يكون قد احترم خصمه، لأنه صدقه القول ووجه نقده دون مناورة أو مواربة.
وإذا كان السيد الأمين لا يتفاجأ من موقف حزب الله العنيف منه، إلا أنه من المؤكد يضمر لوماً وعتباً على باقي القيادات في الطائفة، التي أمّنت الغطاء لممارسات حزب الله؛ فتلك القيادات تعرف أكثر من غيرها أن ما يجمعها بالسيد أكثر مما يجمعها بالحزب، وتحديداً لجهة الرؤية المتطابقة لمختلف القضايا الوطنية العامة، بينما المساحة المتوترة بينه وبين الحزب بدأت بالاتساع بعد عدوان تموز، حين تكلم سماحته بلسان الكثيرين ممن لم يتجرؤوا على تبيان حقيقة موقفهم من تلك الحرب التي دفع الجنوب وأهله ثمنها غالياً.
على ماذا يلام السيد علي الأمين؟ على الروح الوطنية التي أظهرها، والتي تجلت في الدعوة إلى صيانة الوحدة الوطنية، ورفض العنف المقصود لتحقيق مآرب سياسية، أو الدعوة للحفاظ على اتفاق الطائف، كصيغة للعيش المشترك ومبدأ المشاركة.
أم على تذكير أبناء طائفته بأن لا يساهموا بإسقاط الدولة التي ساعدت في إعمار الجنوب، وتأهيله وتطوير بناه التحتية، حيث تقضي الأمانة منهم الالتزام قولاً وفعلاً بلبنان الرسالة، وليس الساحة كما أراده الإمامان الصدر وشمس الدين.
أم يا ترى يلام أيضاً على أنه يرفض أن يتم تجاوز سيادة الدولة من قبل الجمهورية الإسلامية التي تتعامل مع أفراد وأحزاب خارج سلطة الدولة.
وهذا الموقف على العموم يتطابق مع موقف كان قد اتخذه الرئيس بري في زمن الخلاف مع الجمهورية الإسلامية، حيث قال في إحدى الوثائق السياسية: إن علاقة الحركة بالجمهورية الإسلامية يجب أن تمر عبر قياداتها،لا عبر أفراد محددين، وأية علاقة فردية لا تلزم الحركة في شيء. ثم يضيف: فهذا الأمر يعتبر تدخلاً. فما هو القول في تجاوز سيادة الدولة؟ ألا يعتبر تدخلاً في شؤونها أيضاً؟
ولا أظن أنه يلام على كونه يصر على أن ليس للشيعة اللبنانيين مشروع خاص بهم خارج نطاق الدولة.
إن القرار الذي اتخذه المجلس، بعزل السيد علي الأمين من منصبه، هو مخالف للأنظمة والقوانين، التي ترعى عمل المجلس. ولسنا بحاجة لكبير عناء لإثبات ذلك، فقد أوضح سماحته بكل شفافية بطلان ذلك الإجراء، كونه أولاً لا يستند إلى أيّ مسوغ قانوني أو شرعي، وثانياً كونه جاء من سلطة غير مختصة.
لقد شكل ذلك القرار نموذجاً صارخاً للتفرد القاتل، الذي يمارسه حزب الله ورهطه، وفي ذلك مخالفة واضحة صريحة لمبادئ ونهج الإمام موسى الصدر، الذي أرسى قواعد العيش المشترك في مبادئ وأهداف المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، التي حددها في أول بيان أصدره بعد تأسيس المجلس في 10/6/1969 ومنها:
– القيام بدور إسلامي كامل فكراً وعملاً وجهاداً.
– عدم التفرقة بين المسلمين والسعي للتوحيد الكامل.
– التعاون مع الطوائف اللبنانية كافة وحفظ وحدة لبنان.
– ممارسة المسؤوليات الوطنية والقومية والحفاظ على استقلال لبنان وحريته وسلامة أراضيه.
ختاماً، السيد علي الأمين بات قضية وليس شخصاً. فهو ليس مضطراً للدفاع عن نفسه، خصوصاً أنه لا يمكن لأحد أن يصادر حرية الفكر وإبداء الرأي عبر استعمال العنف والقوة.
فالسيد مواطن لبناني، والنظام السياسي في لبنان يتيح حرية التعبير، بمعزل عن أية اعتبارات سياسية. من حقه إبداء موقفه تجاه أوضاع بلاده دون قيد أو شرط، ما لم يمسّ ذلك حقوق الآخرين.
فالديمقراطية الحقة هي وليدة التجربة والسلوك، مضافاً إليها الوعي الإنساني لحاجات وعلاقات المجتمع والمحيطين به. وكل فرد يتمتع بحد أدنى من الموضوعية سيجد نفسه يقف إلى جانب السيد علي الأمين وغيره من الأحرار، لأنهم رفضوا الرضوخ لقوى تفرض نفسها وكأنها من الحتميات المنزلة.
قدمنا هذا، ولكل قارئ أن يحكم من هو على حق ومن هو على باطل