الشبكة الليبرالية السعودية تحاور العلامة السيد علي الأمين ـ الجز الأول
تموز/ 2011م ـ الجز الأول…
ـ ولادة الكراهية بين السنة والشيعة :
س ـ لماذا اصبحت الطائفية في المنطقة عنيفة جدا ذاك سني ذاك شيعي؟؟ واصبحوا يكرهون بعض اكثر من كرهم للاعداء مثل اسرائيل؟؟
ج – إن السبب الرئيسي في ظهور الطائفية العنيفة في مجتمعاتنا يعود إلى الصراع على السلطة والنفوذ بين الأحزاب الدينية و الجماعات السياسية في الداخل وبين دول اقليمية على مستوى الخارج وزاد من حدّته غياب العلاقات الطبيعية بين الدول العربية والإسلامية في المنطقة خصوصاً بعد أحداث العراق.
لقد عاش السنة و الشيعة إخوانا في مجتمعاتهم وأوطانهم قروناً عديدة وسيبقون كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وكانوا يختلفون في قضايا تاريخية ودينية تبعاً لاختلاف الإجتهادات ولم يؤثر ذلك على حياتهم الطبيعية لأنه لم يكن هناك صراع على السلطة و الحكم وكانت تجمعهم القضايا المركزيّة في الدّفاع عن الوطن الإسلامي وحماية ثغوره وقضاياهم الحياتيّة المشتركة.
ـ سؤال إفتراضي عن تحول السلطة في إيران :
س ـ لو حصلت ثورة في إيران وتسلم العلمانيين السلطة ماذا ستكون ردة فعل التشيع السياسي -حزب الله مثلاُ ؟ وماذا سيكون رأي عامة الشيعة؟
ج – إذا اختار الشّعب الإيراني نظاما سياسياً له يختلف عن النظام الحالي فهذا شأنه ويجب علينا احترام خيارات الشعوب وإذا كان هناك من ردّة فعل قد تحصل على التغيير فإنها إن حصلت فقد تكون من الجماعات المحافظة ذات العلاقة بالنظام الموجود وعلى كل حال فهذا أمر افتراضي والله أعلم بمجريات الأمور .
ـ تغييب صوت الإعتدال لتعزيز الخلافات المذهبية :
س ـ هل ترى ان زيادة حدة العداء الآن بين الطرف السني والشيعي هو لخدمة أجندة سياسية في المنطقة؟
ج – إن حالة الإختلافات المذهبية التي تتصاعد باتّجاه العداوة بين الطرفين السنّي و الشّيعي يظهر منها أنّها ليست ذات طبيعة داخليّة من منطقتنا لأنّ التعدّدية المذهبيّة والطائفية كانت موجودة في المنطقة سابقاً ولم نكن نسمع بالعداوات المذهبية والاحتقانات الطائفية . إن بعض الزعامات الدينية والسياسية ذات الإنتماء الطائفي تحاول أن توحي لجماعاتها بأنّها تدافع عن الدّين والمذهب والطائفة من أجل بقاء تلك القيادات في مواقعها ولا تخلو هذه المسألة من تدخّلات خارجيّة تشجّع على نموّ حالات التّصارع المذهبي في المنطقة لأنّهم بذلك يضعفون الجميع ويكونون المستفيد الأوحد من تلك الصّراعات وهذا ما يفسّر لك عدم تشجيع صوت الإعتدال داخل مجتمعاتنا بحيث لا يسمع إلا صوت التطرّف و التعصّب.
ـ تعرض حملة الفكر الإصلاحي للإضطهاد :
س ـ قابلت شخص من اقاربي – شيعي – الا إنه على نهجكم هذا فضلا على عدد لا بأس به من الشيعة الإصلاحيين والذين يرفضون ما اجتمع عليه كثير من مراجع الشيعة … فهل من الممكن أن نقول بوجود تشيع آخر غير التشيع الذي يمثله الآن المشايخ الرسميين ؟؟ ثم انه وصلني أن كثير من الشيعة – ممن لديهم افكار مختلفة … اصلاحيين , علمانيين , مفكرين … الخ – يتعرضون لمختلف انواع الاضطهاد في العراق … فهل هذا يحدث ايضا بلبنان أم ان الوضع مختلف ؟؟ اقصد بالشيعة الامامية فقط .
ج – هناك حركة وعي وإصلاح بدأت منذ فترة داخل المؤسسات الدينية الشيعية تطالب بالتّطوير والتغيير وهي من خارج المرجعيات الدينية الرسمية المرتبطة بالواقع السياسي وقد حدثت جملة من الوقائع تعرّض فيها حملة الفكر الإصلاحي إلى الاضطهاد والإبعاد بقوّة السلاح حتّى في لبنان وهذا ما حصل معنا عندما اعترضنا على سياسة بعض الأحزاب الشيعية في لبنان وعلى بعض المؤسسات الدينية الرسمية التابعة لهم وكان اعتراضنا منطلقاً من وجهة نظر دينية إصلاحيّة.
ـ النهي عن السب والتكفير مسؤولية علماء الدين :
س ـ كيف ترون ما يقوم بعد عدد من الشيعة بسب الصحابة كأبي بكر و عمر و أم المؤمنين عائشة؟ و كيف يتجاوز الشيعة و السنة هذه المعضلة ،،؟! و من برأيك ترى من مشائخ السنة انه يمثل الاعتدال و بفكره يمكن تجاوز الخلافات السنية الشيعية؟!
ج ـ إن هذه المسألة يجب مواجهتها بالتّعليم الدّيني الذي يتحمّل مسؤوليته العلماء ومراجع الدّين بأن يصدروا الفتاوى التي تحرّم التعرّض للرّموز الإسلاميّة من أمّهات المؤمنين وصحابة رسول الله عليه الصلاة و السلام وغيرهم من الرموز الدينية لكل الطوائف والأديان وأن يقوموا بتدريس تلك الفتاوى في المعاهد الدّينيّة ونحن قد استنكرنا في وسائل الإعلام ما قام به بعضهم من التّطاول على السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ويوجد لنا كتاب اسمه (زبدة التفكير في رفض السب و التكفير) يمكنكم الرجوع إليه .
وأمّا الشق الآخر من السؤال فجوابه أن هناك الكثير من العلماء ومشايخ السنة يسلكون مسلك الإعتدال ويسعون صادقين إلى تجاوز الخلافات السنية الشيعية وقد التقيت بالكثير منهم في المملكة العربية السعودية وفي الآزهر الشريف في مصر ولبنان وغيره من الدول.
ـ الأراء التي ظهرت بعد موت أصحابها :
س ـ لقد نادي الشيخ محمد مهدي شمس الدين بانصهار الشيعه في اوطانهم والتعلق بمصالحهم الوطنيه بعيدا عن التخندق المقيت للطائفيه التي تؤدي للعداوه بين الشعب الواحد. هل انت كذلك تسير علي هذا النهج با نصهار الشيعه ؟
ج ـ نعم نحن كنا وما زلنا مع هذه الفكرة التي عبرنا عنها قبل ذلك بأنّ ( روابط المذاهب والأديان لا يجوز أن تكون على حساب الأوطان).
والمشكلة التي عانينا منها من مواقف بعض العلماء هي أن الكثير من هذه الآراء تظهر بعد موت أصحابها الذين تحالفوا في حياتهم مع القوى الحزبيّة والسياسية الحاكمة التي لا تؤمن بالإنصهار الوطني وتقدّم الإرتباط الخارجي عليه والخاصّ على المشترك وسكتوا في حياتهم عن تلك الطروحات المتطرّفة التي انتشرت بين الناس لأنهم تركوا لتلك الأحزاب دور الثقافة الدينية و السياسية والشيخ شمس الدين رحمه الله قد طرح هذه الفكرة بعد أن ناقشناه في نظرية الديموقراطية العددية التي تنتج نظاما طائفيا للطائفة الأكثر عدداً والتي تخلى عنها فيما بعد. ويمكنكم الرجوع الى كتابنا ( ولاية الدولة ودولة الفقيه).
ـ العلامة الأمين يدعو الى قيام اتحاد عربي على غرار الإتحاد الأوروبي :
س ـ هل انت ضد قيام دوله شيعيه كانت ام سنيه عالميه والقبول بالامر الواقع الحالي اي القبول بالمجزء من الدول العربيه.
ج ـ إن الواقع الحالي قامت عليه شرعة الأمم المتحدة ووافقت عليها الشعوب والحكام الّذين يمثلونهم وهذا الواقع يكتسب شرعيته من العقود الإجتماعية القائمة بين كلّ شعب ونظامه الذي اختاره ولكن هذا لا يمنع من قيام اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي وهذا مرتبط بإرادة الشعوب العربية وحكوماتها وأنظمتها ومن الممكن جدّا أن نصل من خلال الوعي الجديد الذي تنشره الحركات الشعبية في العالم العربي إلى هذه الغاية أو الأوسع منها.
ـ هيئة التقريب بين المذاهب :
س ـ ما الجديد في هيئة التقريب بين المذاهب والي اين وصلت في مسعاها. ؟
ج ـ لست مطّلعاً على ما تقوم به هيئة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة والذي يظهر من خلال حالات التّصعيد في الخطاب الطائفي والمذهبي في مجتمعاتنا أنّ ما تقوم به تلك الهيئة دون المستوى المطلوب منها في هذه المرحلة التي تتطلّب المزيد من الجهود الحثيثة لنشر ثقافة الإعتدال والوسطية.
ـ مكانة أهل البيت (ع) :
س ـ اشرح لنا حديث تركت فيكم ما ان تمسكتم به بعدي لن تظلوا أبداً كتاب الله و عترتي أهل بيتي ، فهل ترك الرسول يعود على الشيئين بينما الحديث بنصه به لا بهما !
ج ـ إن الحديث يدل على المكانة الدينية لعترة النبي أهل بيته حيث قرنهم بكتاب الله الذي يعتبر المصدر الأول للتشريع والرجوع إليه أمان من الضلال لأنه كتاب هدى وكذلك فإنّ أهل بيت النبي يعتبرون القدوة من خلال اقتدائهم به واتّباعهم لرسول الله (ص). هذا من ناحية المعنى تقريباً وأمّا من ناحية اللفظ فإنّ كلمة (ما) هي إسم موصول في الحديث وهو مفردٌ في لفظه ولذلك عاد الضّمير إليه مفرداً مراعاة للفظه وإن كان المقصود غير المفرد. ويجوز الإتيان بالعائد غير مفرد ومراعاة للمعنى كما يقول بذلك علماء النحو وقد روي الحديث بألفاظ أخرى .
ـ مكانة الإمام علي (ع) :
س ـ هل علي بن أبي طالب إمام منصب من الله إمامة سياسية أم دينية ؟
ج ـ إن الإمامة الدينية الثابتة للإمام علي نستكشفها من تلك النصوص الدينية الكثيرة الي رويت عن النبي (ص) في أكثر من واقعة يشيد فيها بمكانة الإمام علي في الدين والجهاد والعلم والمعرفة التي تلقّاها عن رسول الله (ص) كما روي عنه ( أنا مدينة العلم وعلي بابها) وأمّا الإمامة السياسيّة فهي تحتاج إلى إرادة الناس واختيارهم كما جاء في حديث الإمام علي عن رسول الله عندما قال له: ( .. لك يا علي ولاء أمتي، فإن ولّوك في عافية وأجمعوا عليك بالرّضا فقم بأمرهم وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم عليه فإنّ الله سيجعل لك مخرجاً) – مستدرك نهج البلاغة .
ـ ارتباط المرجعية الدينية بالسلطة السياسية :
س ـ هل ترى سماحتكم بأن عدم وجود مراجع عرب له تأثير على تأخر اعتدال كثير من أتباع التشيع ..!!
ج ـ لا شكّ بأن المرجعية الدينية ارتبطت أخيراً بأوضاع السلطة السياسية والحزبيّة في أماكن تواجدها وتحولت في كثير من الأحيان داعمة لها وداعية إليها وفي نفس الوثت هي لا تشجع على الإعتدال وتخلّت عن دورها الأساسي في التعليم والتوجيه كما يخبرنا العلماء و الطلاب القادمون من العراق بأن السيد السيستاني ترك القيام بمهمّة التدريس منذ سنوات عديدة وهذه كلها من العوامل التي تعيق مسيرة الإصلاح والإعتدال وتضع العراقيل أمام ظهور مرجعيّات أخرى تقود عملية الإصلاح الديني.
ـ ولاية الفقيه عقيدة أم مخطط سياسي :
س ـ لماذا الحكومة الإيرانية مقلقة لدول الخليج منذ قيام ثورة الفقيه وهل ولاية الفقيه عقيدة أم مخطط سياسي ؟؟
ج ـ إن نظرية ولاية الفقيه الفقهيّة مع غضّ النّظر عن صحّتها بحسب موازين علم الفقه أو عدم صحّتها قد أصبحت نظاماً سياسياً في إيران وهي ليست من العقائد الدينية ولا يجب الإعتقاد بها وفي كل الأحوال نحن لسنا ضدّ ما يختاره أي شعب في بلده من طريقة الحكم وشكله ولكنّنا نرفض أن تكون لأي دولة ولاية على شعب دولة أخرى ونرفض أن تتدخل دولة في شؤون دولة أخرى و المطلوب من إيران أن تكون عنصر اطمئنان في المنطقة وأن تقوم بينها وبين الدول العربيّة خصوصاً مجلس التعاون الخليجي أحسن العلاقات ولذلك نحن ندعو القيادات في هذه الدول و القيادة الإيرانية إلى حوار جدّي يعتمد على الصّراحة والوضوح والإحترام المتبادل.
ـ إمكانية تجاوز الخلاف السني الشيعي :
س ـ هل هناك امكانية لتجاوزات الخلاف السني الشيعي على الصعيد الديني ؟ وفي حال استحالة تجاوز هذا الخلاف هل بالإمكان التعويل على قوانين مدنية تقوم بتجريم كل أشكال التمييز على اساس المذهب سواء شيعي أو سني ؟
ج ـ يمكن من خلال الحوار المتواصل أن نصل إلى تقليص القضايا الخلافية من خلال عرض تلك الموروثات على الكتاب و السنّة وحتى ننفي عن خلافات الماضي الصفة الدينية فهي ليست جزءاً من تعاليم الإسلام ومبادئه فمن أدّى أركان الإسلام كان مسلماً وإن لم يكن مطّلعاً على تلك الخلافات والمفاضلات التي حصلت في تلك المرحلة من تاريخ المسلمين. وفي كلّ الأحوال نحن بحاجة إلى الدولة المدنيّة التي تقوم على أساس المواطنيّة التي يتساوى فيها الجميع على أساس وطني وإنساني بعيداً عن المذهبية والطائفية.
ـ العلامة الأمين : لست من المؤمنين بالحتمية الثورية في المجتمعات :
س ـ ماهو رايك في الثورات العربية وخاصة في سوريا والبحرين ؟
ج ـ إنّ تطلّع الشّعوب العربيّة إلى الحرية و العدالة كان هو الطابع الغالب على تلك التحركات الشعبية ولكنني لست من المؤمنين بالحتميّة الثوريّة في المجتمعات لإمكان الوصول إلى الكثير من الإصلاحات عبر الحوار والتّفاهم بعيداً عن العنف خصوصاً في المجتمعات التعددية. ونحن قد عبّرنا عن رأينا في الأحداث في سوريا بأنها تؤلمنا وتفطر قلوبنا و المطلوب أن يقف العنف وسفك الدماء والإستجابة لصوت الشعب بالإصلاح الحقيقي عبر حوار جاد. وفي البحرين كنا من المطالبين بالإستجابة لدعوة الحوار الأولى والداعين إلى فك الإعتصام الّذي أدّى دوره بإيصال المطالب إلى مسامع المسؤولين الذين استجابوا لهم بوضعها على طاولة الحوار وهم رفضوا ذلك من خلال رفضهم دعوة ولي العهد إلى الحوار وهذا ما أدّى إلى تفاقم الأمور بعد ذلك وسقوط الضحايا منهم ومن أفراد الشرطة وتعطيل عجلة الإقتصاد وأدّى ذلك أيضاً إلى إيجاد شرخ في المجتمع البحريني واختلطت هناك المطالب الإجتماعية بمطالب إسقاط النظام وهذا ما أضرّ بالحركة المطلبيّة لأن إسقاط النظام ليس مطلباً شعبياً كما أظهرت ذلك وقائع الأحداث.
ـ العلامة الأمين :وظيفة الأحزاب والجمعيات خدمة الإتجاه المدني والعمراني لصالح المشترك العام :
س ـ وفقا للتجربة التاريخية للامم المتقدمة التي فصلت الدين عن الدولة و ليس فصله عن المجتمع بهدف اقامة انظمة مدنية ديموقراطية و علمانية متبوعا بحظر تأسيس او انشاء احزاب او جمعيات سياسية مبنية على اسس دينية او طائفية هل هذه سياسة واقعية يمكن اعتمادها في البلدان العربية و الاسلامية على غرار البلدان الغربية ؟
ج ـ نحن نرى أنّ الدولة هي مؤسسة ناظمة لأمور المجتمع وهذا شأن بشريّ يتعاقد عليه المجتمع وكلّما كان الإتجاه في التشريعات والقوانين نحو المشترك والصالح العام كلّما كان هناك استقرار وإعمار ووظيفة الأحزاب والجمعيّات هي في خدمة هذا الاتجاه المدني والعمراني ولذلك يجب أن تقوم على أساس البرامج الإجتماعية والوطنية وليس على أسس دينية وطائفية لأن ذلك سيحدث صراعات في المجتمع الواحد وتتحوّل خلافاته في السياسة إلى اختلافات طائفيّة تهدّد مشروع الدولة والنسيج الوطني الواحد.