بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ وبارك على سيدنا محمد النبي الخاتم وآله وصحبه وعلى جميع إخوانه من النبيين وسلِّم تسليما،
حضرة الحبر الأكبر البابا فرانسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، ضيف الإمارات العربية المتحدة،
فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب
سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان
أصحاب الفضيلة والنيافة والسعادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يطيب لي باسم بلدنا الإمارات و إخواني أعضاء المجلس أن أرحّب بضيفنا الحبر الأعظم ووفده المُكْرَّم.
مرحبا بكم ضيفا لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ودولة الإمارات، في دار زايد، التي أسّسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان من أول يوم على روح التسامح والسماحة، فلم تزل منطلق دروب السلام ومهوى الأفكار البناءة والمبادرات الريادية، نموذجا فريدا، تحوطه الأطر القانونية الملائمة لحمايته واستدامته.
فمرحبا بكم وأهلا وسهلا، لتلمِسوا بأنفسكم وتَرَوْا بأعْيُنِكم وتَشْعُروا بوجدانكم بروح التسامح وبعبق أريج المحبة وما راءٍ كمن سَمِعا.
إننا نلتقي اليوم برجل من صُنّاع السلام ومحبي الخير، الذين يشهد لهم الجميع بجهودهم الجليلة في المدافعة عن المستضعفين والمرافعة عن المظلومين.
حضرة الحبر الأعظم
نستقبلكم اليوم، في بيت جميل من بيوت الله، جامع الشيخ زايد، كما سبق أن اسْتَقْبَلَنا إخوتُنا المسيحيون في كنيسة القديس بطرس، وهو ما يدعوني للتذكير بأنّ دُور العبادة في الإسلام لا سيما دور عبادة العائلة الإبراهيمية محترمة، بل نَدَبَ القرآنُ المسلمين إلى حمايتها والدّفاع عنها، قال تعالى (ولولا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا).
لقد أسست هذه الآية الكريمة لمفهوم الحماية القانونية للتعددية من جهة، ومن جهة أخرى لمبدإ تحييد العامل الديني عن الصراعات والنزاعات، وأنّ الموقف من الآخر لا يحدّده دينه بل تصرّفه ومعاملته.
ولذلك فإننا نؤكّد لكم أنّ المسيحيين في الشرق وجدوا ليبقوا، وولدوا ليحيوا، وهم أصلٌ من أصول شجرة العائلة الإبراهيمية، وجذر من جذورها لا يمكن أن يُجْتَثّ مهما عتت العواصف وغلت مضلات العواطف.
أيها الحبر الأعظم،
إن اجتماعنا اليوم يمثل رفضا لنظرية مسؤولية الدين عن الحروب والكراهية، وتفنيدا لهذه التهمة التي ألصقت بالدين حتى جعلها بعض الفلاسفة مثل كانت وغيره، قانونا اجتماعيا على أساسه يجب عزل الدين عن المجال العام، باعتباره عاملا يفرّق ولا يجمع، يضرُّ ولا ينفع.
إننا نعترف أنّ الدين كالطاقة النووية قد تجلب الازدهار والاستقرار لكنّها قد تجلب أيضا الخراب والدمار، فالدّين في الأصل طاقة سلام ومحبة ووئام، لكنه قد يسيء استعمالَه من لا يعرفه بحسن أو سوء نية فيجلب الخراب والدمار.
إن واجب الوقت يحتّم على رجال الدين العودة إلى نصوصهم الدينية وتراثهم ليستمدوا أسسا متينة للتسامح، ونماذج مضيئة يسهم إحياؤها في إرساء قيمه، في نفوس أتباعهم ، عن طريق التأويل الملائم للزمان والمكان ومصالح الإنسان، وذلك هو ما نقوم به في مجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب.
أيها الحبر الأعظم،
إن لدينا مشتركات كثيرةً أَدَّى تجاهلها وإذكاء الخصوصيات عوضها إلى ما هو مشاهد من الحروب والاقتتال، وهي مشتركات متينة نبهت عليها الوثيقة المجمعية الصادرة عن مجمع الفاتيكان الثاني، وأسسّنا عليها في وثائق الأزهر الشريف وفي إعلان مراكش التاريخي، وفي إعلانات أبوظبي، أنه يجب أن تصحّح الذاكرة التي تختزل العلاقة بين الديانتين في الحروب والصراع حول البحيرة.
إننا نحن أبناء العائلة الإبراهيمية نتشارك في الرواية الأصيلة للقيم والفضيلة وأصول الأخلاق التي تؤسس للسلام والتعايش بين مختلف الشعوب. ونحن المسلمين نعتبر أنفسنا امتدادا للديانات السابقة، فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ننظر إلى الأنبياء جميعا كعناوين للحقيقة، قال تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيئون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون).
ولذلك فإننا ننظر إلى الديانات نظرة احترام وتكامل وانسجام، فلا نُنْكِر أو نَتَنَكّر لإسهام الأديان والحضارات في تشييد العمارة الأخلاقية للبشرية فرسول الله صلى الله عليه وسلم يرى نفسه في سلسلة من الأنبياء فيقول (إنما بعثت متمما لمكارم الأخلاق) ويؤكد أنه لبنة متممة لهذا البناء العظيم، الذي قال عنه نيتشه في لحظة وعي شاردة، في كتاب “ما وراء الخير والشر”: (إن الذين أوجدوا القيم في البشرية قلة في التاريخ ومنهم موسى وعيسى ومحمد ).
إن إيماننا بهذه المشتركات يتيح مدّ الجسور فوق التباينات وينيط بنا مسؤولية التعاون لئلا تغرق سفينة البشرية ولا يحترق البيت الإنساني، نحن أيها السادة إطفائيون إنقاذيون، فعلينا أن نتضامن جميعا، وأن تتكامل أدوارنا انطلاقا من مواقعنا ودوائر تأثيرنا، لنسهم في استعادة الضمير الأخلاقي للإنسانية، وأن ندعو إلى أن يتوازى التقدم العلمي مع التقدم الأخلاقي ، فالتاريخ يعلمنا أن الحضارة المادية بلا أخلاق تدمر نفسها.
حضرة الحبر الأعظم،
إن زيارتكم وما نرجو أن يَتْلُوها من حوارات جادة ومتجددة تبعث الأمل وتؤكد القناعة بأن اليوم الذي ننبذ فيه جميعُنا التصورات النمطية ومشاعر الكره لتجمعنا مشاعر الأخوة الإنسانية وحب الخير والصداقة، سيكون بحق يوما مشرقا في تاريخ الإنسانية.
فدعونا جميعا نتعاون على البر والتقوى ونعمل بما جاء في رسالة بولس إلى أهل روما (فنلعكف إذا على ما هو للسّلام، وما هو للبنيان، بعضُنا لبعض).
وفي الختام أُجَدِّدُ الترحيب وأشكركم جميعا. Gracias
رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة