الشيعة بين الإمامين الصدر والأمين
الشيخ عباس حايك
يبدو أنَّ الهويَّة السياسية للشيعة قد انحصرت سماتها في الخطِّ الفارسي رغم محاولات جادَّة للحؤول دون أخذ الشيعة إلى مآل يلغي من شخصيتهم العربية على ضوء الإختلاف الحادِّ والقائم بين إيران ودول عربية….
كانت حركة أمل إلى ما قبل التماهي والذوبان في الخيار الإيراني إلتزاماً بالمصالح السورية تؤكِّد على لبننةٍ يستند إليها القَسَمُ والميثاق ، ومن ثّمَّ جاءت تجربتها السياسية حصاداً لبنانياً فقاتلت وقُوتِلت بناءاً على إلتزامها خيارات ثابتة ومتصلة بالدولة اللبنانية والعيش المشترك ووظيفة الجيش في حفظ الأمن دون غيره من الجهات اللبنانية والفلسطنية وخاصَّة في موضوع لبنان الجنوبي….
بقيت حركة أمل تصرف من رصيدها "الصدري" ومن أرصدة علمائية ساهمت في تعزيز وطنية الحركة..الأمر الذي جعلها إطاراً أعمَّاً من صفتها التمثيلية لطائفةٍ عندما أعلن الإمام موسى الصدر ومنذ بدايات وصوله إلى لبنان عن إعترافه بالكيان اللبناني وبالصيغة اللبنانية وبالدولة كسقفٍ سياسي وقانوني ، وضرورة أن يبقى رئيس الدولة مسيحيَّاً لأنَّ ذلك يمنح لبنان بُعداً دوليَّاً..تفتَّحت عليه ومن حوله مواقف كفَّرت من دينه ونالت من خُلُقه الرفيع واعتبرته مخالفاً لفقه المذهب الإمامي وعندما أسَّس حركة أمل على مساحة مسيحية مشتركة إكتملت مواجهة السيد مع يمين الطائفة ويسارها من المؤمنين والمَلاحِدة وفي آنٍ معاً، وعندما خُطف الإمام الصدر وجدت خياراته الوطنية ممرَّاً واسعاً في الطائفة الشيعية وأدركت نُخبُها أنَّ الصدر تجربة سياسية جديرة بالإهتمام والإتباع لأنها أدركت باكراً مشروع الدولة العادلة لا المزرعة والطائفة… والسلام والإستقرار في الداخل لا الحرب الأهليَّة، وأنَّ الجنوب مسؤولية الدولة وخندق الجيش اللبناني…. وجاءت قيادة الإمام محمد مهدي شمس الدين لمراحل من غياب الإمام الصدر صورة مطابقة للسياسة التي تمأسست عليها الهويَّة الشيعية الصاعدة من قاع الحرمان وبقيت الدولة واقعاً ومشروعاً والعيش المشترك ومسؤوليات الأمن.. في لبنان عناوين وأهداف كرَّسها الشيخ في جهاد الحركة المفتوح على جبهات متعدِّدة..
وبُعيدهما "الصدر – وشمس الدين" أمسك السيد علي الأمين بسياستيهما الوطنية وأكَّد على نهج الطائفة كمكوِّنٍ أساسي وشرط لقيام الدولة العادلة والمنصفة ، لا كحالةٍ مصطدمة مع الدولة ورافضة لقيامها بعد صبرٍ وطول جهاد ومسيرة كفاح بدأت مع السيد الصدر وشمس الدين وحملها الإمام السيد علي الأمين كأمانةٍ يجب أن تُحفظ بأمرٍ من الله والوطن..لذا تجاوز سياسة المكاسب وإغراءات المواقع في الطائفة وخرج منحازاً إلى مسار التأسيس للحركة الشيعية وأعلن بشكلٍ واضحٍ أنَّ الشيعة عرب بكل ما تحمل هذه الكلمة من محمولاتٍ تاريخيَّةٍ وثقافيةٍ وأنَّ الدولة وحدها هي الحماية لخصوصيات الطوائف…..(دائماً كان شعاره أنَّ المواطن اللبناني لا تحميه طائفته ولا حزبه بل تحميه الدولة)…وأيضاً رفض إنتاج حالة "الكانتونية " داخل الدولة وفي الوطن..هذه الجرأة في مرحلةٍ قلَّ فيها الجريئون وضعته في حِرابٍ واحترابٍ مع يمين الطائفة كما كان حال الإمام موسى الصدر مع خُصَمائه من أهل اليمين الشيعي… أمام هذه المخاضات في الوضع السياسي الشيعي وعلى ضوء الأحداث في لبنان وسورية وفي ظلِّ مُناخات الثورات العربية ونتائجها أدرك السيد علي الأمين أنَّ ما قاله السيد موسى الصدر في خصوص اللبننة الشيعية مساهمة فعلية في ربيعٍ شيعيٍّ دائم مع أيِّ ربيعٍ عربي وفي أيِّ مرحلة من مراحل النهوض الرافض لسياسات الإستبداد والقمع والإلغاء وتزوير إرادات الشعوب العربية والإسلامية..