محمد عبد الجبار الشبوط – جريدة الصباح العراقية – 3-3-2014
اصدر السيد علي الامين، من علماء المسلمين الشيعة في لبنان، كتابا في العام 2011 حمل اسم "السنة والشيعة امة واحدة". وهو عنوان يعبر عن رؤية "السيد" لقضية الشيعة والسنة التي اصبحت الان محور صراع مرير في الشرق الاوسط فجرته السلفية الجهادية بدعواها ان الشيعة وغيرهم من مخالفيها كفار او مرتدون وان حكم الله فيهم هو القتل، لا غير، حتى و ان كانوا من اهل السنة. فليس ينفع مع هؤلاء، كما ترى حركات السلفية الجهادية، امثال القاعدة والنصرة و(داعش)، الحوار او الهداية الى السبيل المستقيم الذي تزعم هذه الجماعات انها تعرفه وحدها.
هذه الدعاوى الطائفية اثرت على الكثير من الناس من الطائفتين. ويمكنك تتبع هذه التأثيرات في التعليقات والتعليقات المتبادلة التي يكتبها الشيعة والسنة على صفحات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. قد لا يكون هؤلاء اكثرية، وقد لا يكون اتباع السلفية الجهادية اكثرية، لكن الجو العام في الشرق الاوسط اضحى مشحونا بتوترات طائفية لا يمكن نكرانها وتجاهلها.
وكنت قلت في مقال سابق ان هناك 3 مستويات من الطائفية هي: الطائفية الدينيةـ الفقهية والطائفية الاجتماعية واخيرا الطائفية السياسية. ولابد ان السيد الامين يقصد ان الشيعة والسنة امة واحدة بغض النظر عن هذه الانواع من الطائفية. فالشيعة والسنة بنظره هم امة واحد على المستوى الديني وعلى المستوى الاجتماعي وعلى المستوى السياسي.
لكن لا يصعب ان نلاحظ ان الامين ينطلق من الوحدة الدينية ليقيم الدليل على وحدانية الامة الشيعية السنية. تعود هذه الوحدة الدينية الى "الاسلام الاول"، الاسلام الذي حمله جعفر بن ابي طالب الى ملك الحبشة في هجرة المسلمين الاوائل الاولى الى هناك. ذلك الاسلام لم يكن شيعيا ولا سنيا، ولم يعرف المسلمون في ذلك الوقت السلفية، ولا تنظيمات متطرفة مثل القاعدة و(داعش). كان لسان حال الاسلام الاول يقول، بعبارات جعفر:
"ايها الملك! كنا قوما اهل جاهلية جهلاء نعبد الاصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الارحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وامانته وعفافه، فدعانا الى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن واباؤنا من دونه من الحجارة والاوثان، وامرنا بصدق الحديث، واداء الامانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور واكل مال اليتيم وقذف المحصنات، وامرنا لنعبد الله لا نشرك به شيئا، وامرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنا به."
كانت كلمات جعفر بمثابة بيان اول يشرح اسس "الاسلام الاول" ومعالمه الكبرى وقواعده العريضة. وبالتأمل في هذا البيان نجد ان "الاسلام الاول"، كما فهمه ونقله جعفر، كان واضحا، بسيطا، لا يقبل الاختلاف والخلاف، يجمع ولا يفرق، يهدي ولا يضل. وكان ذلك الاسلام كفيلا بانشاء امة واحدة، وصفها القران بانها "خير امة اخرجت للناس". امة تتوحد على اساس التوحيد، وتتعايش فيما بينها على اساس منظومة اخلاقية تشمل الصدق والامانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن الفواحش وقذف المحصنات، وغير ذلك. لا يختلف الناس على هذه القواعد والاسس والاخلاقيات، لكنهم يختلفون على غيرها، وهذا الاختلاف الثاني هو الذي اوجد الاسلام الثاني والثالث والرابع وهكذا، حتى تعدد الاسلامات وتمزقت الامة، وصارت امما وشيعا واحزابا.
كلام السيد الامين يتضمن دعوة الى اعادة وحدة الامة بجناحيها الشيعة والسنة، واعادة بناء الامة على اساس الاسلام الاول الذي تحدث عنه جعفر. اليوم تقتل (داعش) مسلمين يقولون بنفس ما جاء على لسان جعفر. ويتصارع المسلمون من شيعة وسنة وليس فيهم من ينكر اسس جعفر. لكنهم يتناسونها عند الممارسة.
قد لا يكون هناك جدوى من حل الخلافات الفقهية الشيعية السنية، وقد لا توجد ضرورة لذلك. لكن من الممكن ان يعود الجميع الى الاسلام الاول، ويتخذوه قاعدة للوحدة واساسا للتعايش السلمي، واللقاء والتعارف والتعاون، وبناء وطن واحد، على اساس القيم الانسانية والمنظومة الاخلاقية التي جاء بها الاسلام الاول، ونطق بها جعفر. هذا اذا كانوا يزعمون انهم مازالوا مسلمين، وهم بذلك يدعون.