السبت , سبتمبر 7 2024

آراء فقهية في مسألة رجوع الزوج في العدة ثم إيقاعه الطلاق من زوجته قبل الدخول

آراء فقهية في مسألة رجوع الزوج في العدة ثم إيقاعه الطلاق من زوجته قبل الدخول

العلاّمة السيد علي الأمين

-ذهب جمع من الفقهاء -ومنهم الأستاذ السيد الخوئي رحمهم الله جميعاً -في هذه المسألة إلى القول بلزوم استئناف العدة على الزوجة من زمن وقوع الطلاق الثاني،وهو المنقول عن الشيخ في المبسوط.خلافاً للقائلين بإتمام العدة من الطلاق السابق.
والوجه في القول بالإستئناف أن الرجوع في الطلاق يلغي أثره في لزوم التربّص على المطلقة الوارد في قوله تعالى(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء).
وقد ثبت حق الرجوع للزوج بقوله تعالى(وبعولتهنّ أحق بردّهنّ في ذلك)وإعمال هذا الحق منه يعني الإبقاء على الزوجية بينهما،ومع بقاء الزوجية بينهما تنتفي العدة التي ثبتت بالطلاق، فهي معلقة على عدم الرجوع،وقد حصل.وعليه فلم تبق عدّة من طلاقها الأول ليقال بإتمامها بعد الطلاق الثاني الذي وقع قبل الدخول.وبناءً على ذلك فإذا وقع الطلاق الثاني انطبق عليها قوله تعالى(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) فتجب عليها العدّة من حين وقوعه، لحصول سببها،وهو معنى لزوم استئناف العدّة،كما عرفت.ومنه ظهر لك ضعف القول بالإتمام.
ومثله في الضعف القول بعدم العدة في هذه الصورة لكونه طلاقاً قبل المسّ،فإن الرجوع-كما تقدم-قد ألغى أثر الطلاق في التربص واستمر به النكاح الذي وقع فيه المسّ،ولم يكن نكاحاً جديداً.وعليه فلا ينطبق على الطلاق الثاني أنه من الطلاق قبل المسّ الذي لا تثبت العدة فيه.وسيأتي مزيد بيان لقوله تعالى (…ثم طلقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ )في المسألة التالية.
-وأمّا إذا كان ما وقع منه أولاً هو الطلاق البائن بعد الدخول ورجع إليها في العدّة بعقد جديد ثم طلقها ثانياً قبل الدخول فقد قيل بعدم لزوم العدة لقوله تعالى(يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) وما جرى يصدق عليه أنه طلاق قبل المسّ،وليس فيه عدّة على المطلّقة.
وقد ذهب بعضهم إلى القول بإتمام العدة من الطلاق الأول في هذه الصورة.والوجه في ذلك أنه بالطلاق البائن الذي وقع بعد الدخول انقطعت بينهما العلاقة الزوجية،ولا تعود إليه إلا بعقد جديد،فليس له حق في إرجاع الزوجية كما كان له ذلك في الطلاق الرجعي الذي وقع في الصورة الأولى.
ومع انقطاع الزوجية بينهما بالطلاق البائن يكون الحكم عليها بلزوم التربص ثلاثة قروء مطلقاً من زوجها السابق وغيره،وإن كان لزوم التربص بالنسبة إلى زوجها السابق لا يمنعه من تجديد العقد عليها في المدّة برضاها. والعقد الجديد منه عليها يعتبر نكاحاً جديداً،وليس استمراراً للنكاح كما كان في رجوعه بالطلاق الرجعي،فإن بقاء أحكام الزوجية فيه دليل على عدم انقطاع الزوجية بينهما.
وعليه فإذا عقد عليها من جديد ثمّ طلّقها قبل الدخول انطبق عليه الطلاق قبل المسّ بالنسبة إلى العاقد عليها وهو زوجها السابق،فقد حصل النكاح الجديد بالعقد الجديد،وحصل الطلاق فيه قبل المسّ، فينطبق عليه قوله تعالى في الآية(…ثم طلقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة…)
والجمع بين حكم الطلاق البائن بعد الدخول المقتضي لعدم جواز رجوع الزوج في مدة التربص بدون عقد جديد وبين لزوم التربص المستفاد من قوله تعالى(والمطلقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء) يقتضي أن يكون حكم التربص على الزوجة ثلاثة قروء من الزوج ومن غيره،كما تقدم،ولكن لزوم التربص عليها من زوجها الذي انقطعت معه علاقتهما الزوجية بالطلاق البائن لا يمنعه من العقد عليها من جديد في مدة التربص إذا كان الطلاق بائناً،وأما لزوم التربص عليها من غيره فهو باق حتى انتهاء العدّة.
وبالجملة،فإن ما ينتفي في صورة وقوع الطلاق بائناً هو حق الرجوع بدون عقد جديد لانتفاء الزوجية بينهما،وأما لزوم التربص ثلاثة قروء من الزوج ومن غيره لم يحصل ما يوجب انتفاءه. وما حصل بالعقد الجديد عليها من الزوج هو رفع الحكم بالتربص بالنسبة إليه،وهو الذي كان مشروطاً بعدم العقد عليها من جديد كما عرفت،ولم يرفع حكم التربص من غيره الذي ثبت بالطلاق البائن.وهذا يعني بقاء لزوم التربص عليها في الزواج من غيره.فإذا طلقها الزوج ثانيةً بعد العقد وقبل الدخول فلا عدّة عليها بالنسبة إلى من طلّقها،لأنه يصدق عليه الطلاق قبل المسّ،كما في الآية(…من قبل أن تمسّوهنّ)فليس له الرجوع إليها إلا بعقد جديد.وهو -كما يظهر من الآية-خطاب للذين وقع منهم الطلاق بعد النكاح، وهم الأزواج،وليس شاملاً لغيرهم. وبذلك ظهر الفرق بين الطلاق الرجعي والطلاق البائن في الصورتين،وظهر أيضاً ضعف القول بانتفاء العدة بعد الطلاق الثاني فيهما.
ومما تقدم يظهر فساد ما قيل من صحة عقد جماعة بالمنقطع على من وهبها زوجها المدة بعد الدخول ثم عقد عليها في العدة ثم وهبها المدة قبل الدخول،فيجوز لغير الواهب العقد عليها،ثم يقوم بما قام به الأول،وهكذا يتم العقد عليها والدخول بها من أفراد الجماعة…والوجه في الفساد أن العدة المنتفية عنها بعد هبة المدة هي بالنسبة إلى زوجها الذي وهبها المدة بعد العقد فيها وقبل الدخول،فيحتاج هو في الزواج منها إلى العقد عليها من جديد، وليست بالنسبة إلى غيره الذي لم يكن طرفاً في هبة المدة بعد تجديد العقد فيها،فلا يصح العقد عليها من غيره قبل إتمام العدّة.عصمنا الله وإياكم من الزلل وأبعد عنا وعنكم الخلل في القول والعمل،وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.