الخميس , نوفمبر 7 2024

العلامة السيد علي الأمين لـ جريدة الجريدة الكويتية: بعض الدعاة صوَّر الإسلام كأنه رفض للآخرين

 العلامة السيد علي الأمين: بعض الدعاة صوَّر الإسلام كأنه رفض للآخرين  

جريدة الجريدة – بيروت – محمد الحجيري

الجمعة 19 يوليو 2013

العلامة السيد علي الأمين أحد أبرز رجال الدين في لبنان، تعرض لمضايقات وتهجير من منطقته بسبب مواقفه المتميزة والمستقلة، لديه المواقف لافتة في الشأن العربي والإسلامي، ويدلي بكثير من الاجتهادات. يعتبر أن الغرب المسيحي ليس عدوه الإسلام، والإسلام ليس عدوه الغرب المسيحي، العداء يحصل بين الغرب الذي يستخدم المسيحية لأغراض سياسية وبين المسلمين الذين يستخدمون الإسلام لأغراض سياسية. 

كتب الخبر: محمد الحجيري

في سطور:   السيد علي الأمين هو عالم دين شيعي، مجتهد ومرجع ديني لبناني، مدّرس لمادة أصول الفقه وبحث الخارج وداعية تعايش بين الطوائف اللبنانية ومقرّب بين أتباع الدّيانات. شهد نشاطه السياسي الكثير من المواقف والنشاطات وما زال في أهم هذه المحطات السياسية

  ما هو مفهوم التطرف في تعريفك؟      

 التطرّف بحسب المعنى المتداول يعني التّشدّد والتعصّب للرأي والابتعاد عن طريق الوسطية والاعتدال، وهو ما يدفع بصاحبه إلى كراهية الآخر ورفض رأيه خلافاً لقول الله تعالى {ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}، وقد جاء في بعض النصوص الدينية {ليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين».

“إنّ الدين عند الله الإسلام} (19- آل عمران) هل هذه الآية يمكن أن تؤسس لفهم متطرف في الإسلام؟

يفهم البعض الآية المذكورة على سبيل الخطأ، فيعتبر أنه على حق وأن غيره على باطل بمجرد الاعتقاد بالإسلام، مع أن صحة المُعتَقَد لا تعني صواب الشخص المُعتَقِد بمعزل عن السلوك والمعاملة، فقد ورد في الحديث أن المسلم من سَلِمَ الناس من يده ولسانه. ثمّ إن الإسلام في قول الله تعالى {إن الدّين عند الله الإسلام} يراد به الإسلام بالمعنى اللّغوي وهو التّسليم والاعتقاد بأن لهذا الكون بكلّ ما فيه خالقاً ومبدعاً وهو الله سبحانه وتعالى الذي أخرجه من ظلمة العدم إلى نور الوجود وإليه المصير. يشترك في هذا المعنى أتباع الرّسالات السماوية كافة، وغيرها ممّن يؤمن بهذا المعنى. ولا يقصد بالإسلام هنا المعنى التشريعي الذي يذكره الفقهاء وعلماء الكلام. وبهذا المعنى اللغوي جاء قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام {إذ قال له ربّه أسلم قال: أسلمت لربّ العالمين}، وقوله تعالى {وله أسلم من في السماوات والأرض}. على هذا المعنى اللغوي المتقدّم، يكون المقصود من قوله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} غير النصارى وغير اليهود لأنهم وغيرهم ممّن آمن بالله رباً وخالقاً وباليوم الآخر موعداً يكونون مسلمين لله بالمعنى المتقدّم، وقد جاء في القرآن الكريم ما يدلّ على أنهم من المؤمنين الرابحين وفي الجنة من الداخلين كما في قوله تعالى {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنّصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. وعلى هذا فلا يكونون من الخاسرين الذين ورد ذكرهم في الآية {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً…}. على هذا المعنى الذي ذكرناه، لا تكون الآية المباركة ناظرة إلى فكرة الرسالة الواحدة أو الرأي الواحد الذي يرفض التّعايش مع الرأي الآخر المغاير له، ويستفاد من عدّة آيات أنّ القرآن الكريم يرفض نظريّة الرأي الواحد كما جاء في قوله تعالى: {ولو شاء الله لجعلكم أمّة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم..}. وبهذا تكون الآية {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً….} ناظرة إلى الربح والخسران في عالم الآخرة من الذين لم يؤمنوا بها من الجاحدين للرّبوبية والمنكرين للخالق. حيث يكون من الطبيعي حينئذ ألا يكون لمنكر الخالق حقّ في المطالبة بنصيب رابحٍ في آخرة نفاها ولم يؤمن بها وأنكر خالقها! وقد يفهم هذا المعنى من قول الامام علي عليه السلام في دعائه الشهير بدعاء كميل الذي يخاطب به الله {ولولا ما حكمتَ به من إخلاد معانديك وتعذيب جاحديك لجعلتَ النار كلها برداً وسلاماً وما كانت لأحد فيها مقراً ولا مقاماً..} . وقد غفل عن هذا المعنى الكثير من الفقهاء والمفسّرين السابقين والمعاصرين من الذين حكموا بخسران الناس أجمعين في يوم الدّين ما عدا المسلمين، وانعكس ذلك على علاقات الدنيا مع الآخرين. وقد بالغ بعضهم عندما حصر جنة عرضها السموات والأرض بجماعته أو طائفته ومذهبه وضيّق رحمة الله الّتي وسعت كلّ شيء فحكم وأفتى بكفر المخالفين له في فهم الدين أو المذهب. قال الله تعالى: {قل أَتَّخَذْتُم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون}.

برأيك لماذا يتهم الغرب الإسلام والمسلمين بالتطرف دائماً؟

وجهت إلي مجلة «جسور» الأسترالية سؤالاً، أثناء زيارتي لأستراليا في عام 1995، عن العداء بين الإسلام والغرب، وقد قلت في جواب السؤال: أعتقد أن الغرب المسيحي ليس عدوه الإسلام، والإسلام ليس عدوه الغرب المسيحي، العداء يحصل بين الغرب الذي يستخدم المسيحية لأغراض سياسية وبين المسلمين الذين يستخدمون الإسلام لأغراض سياسية، وإذا عدنا الى جوهر الإسلام من خلال العودة الى الينابيع الصافية التي يجب أن نفهم الإسلام من خلالها كدين سماوي وشريعة فإننا نرى أن الإسلام لم يأت لأجل إلغاء الآخرين ولم يأت لأجل فرض نفسه كعقيدة وشريعة على الآخرين بقوة السلاح، لأن من المبادئ الأساسية التي انطلق منها حرية العقيدة وقد عبر عنها القرآن الكريم بقوله «لا إكراه في الدين» وفي بعض الآيات إشارة واضحة إلى طبيعة العلاقة التي يجب أن تكون مع الآخر كقوله تعالى «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين». في هذه الآية دلالة واضحة على لزوم سلوك طريق العدالة والمحبة مع الجماعات والشعوب الأخرى. ولكن بعض الدعاة إلى الإسلام صور الإسلام وكأنه عبارة عن رفض الآخرين والسعي الى إلغائهم وأنه لا يقبلهم وأنه حرب على كل البشر الذين لا يؤمنون به، وهذه الصورة على ما أعتقد هي صورة خاطئة لا تعكس الوجه الحقيقي للإسلام الذي هو رحمة للعالمين، وأنه ليس ناراً لإحراق الآخرين بل هو نور وهدى ودعوة لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهدى. من هنا، فإنني أرى أن الصراع بين الغرب وبين من يعطي الصورة المشوّهة عن الإسلام من الذين يستخدمون الإسلام بعيداً عن أهداف الدعوة الأساسية وأسلوبها الموسوم بالحكمة والموعظة الحسنة توصّلاً لأغراض سياسية، من بينها الحفاظ على مواقعهم، أو لأجل الوصول إلى مواقع السلطة والنفوذ فيستثيرون العواطف ويحركون غرائز الجمهور تحت شعار إن الآخرين يرفضون الإسلام ولا يحترمونه.
لا أجد ضرورة لوجود عداء بين الغرب المسيحي وبين الشرق المسلم، وثمة صور واضحة في تاريخنا على عهد النبي عليه الصلاة والسلام تدل على العيش بسلام واحترام مع أهل الكتاب، وقد رأينا في القرآن آيات تثني على اهل الكتاب وتشجع على العلاقة معهم بعدالة ومحبة، لذلك أرى أن الصراع الذي تتكلم عنه ليس في جوهره صراعاً دينياً، إنه صراع سياسي. قد يكون الغرب، كما يقول بعض التحاليل السياسية، يبحث عن خصم بعد زوال الاشتراكية ولكن ليس بالضرورة أبداً أن أقدم الإسلام كخصم للغرب وللعالم حتى تتحقق أطراف الخصومة.

ماذا تفعل الأمة الإسلامية لتصحيح صورتها ودحض تلك الاتهامات؟

ليس المطلوب من الأمة الإسلامية أن تقدم شهادة حسن سلوك للغرب، ولكن المطلوب أن تقوم الأمة عبر حكوماتها ودولها وأفرادها وجماعاتها بتطبيق قيم الرسالة الإسلامية في علاقات بعضهم مع البعض الآخر ومع الآخرين، والعمل على تحقيق العدالة والحرية وحفظ حقوق الإنسان، وبذلك هي تقدم الشهادة لله سبحانه وتعالى الذي وصفها بقوله {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}، وإن العالم لن ينظر إلى الإسلام إلا من خلال علاقات المسلمين الجارية في ما بينهم ومع غيرهم من الشعوب والأمم الأخرى.

لماذا برأيك يربط الغرب بين الإسلام والإرهاب؟

 حاول بعض وسائل الإعلام وبعض الحكومات الغربية لأغراض سياسية أن يعطي الإرهاب صفة دينية أو صفة لمنطقة معينة باعتبار أن معظم أهلها يؤمنون بالإسلام، مع أن الإرهاب فعل ينتسب إلى فاعله الإنسان مع غض الّنظر عن لونه ومعتقده، وهو فعل ناشئ عن إرادة واختيار وهما من الصفات الإنسانية العامة والمشتركة بين الأفراد والجماعات. في اعتقادي، تتعلق هذه المحاولة بطموحات التدخل الخارجي عند بعض الدول وتبريره لدى شعوبها وهي بهذا التعميم بحكم الإرهاب تساعد على زراعة الكراهية بين أتباع الديانات السماوية وتسيء إلى سبل مكافحة الإرهاب وتعطل الوصول إلى النتيجة المقصودة من محاربته لعدم إمكان مكافحة مظاهر الإرهاب كافة من حياة المجتمع الدولي إذا حاولنا إدخال عامل الدين أو اللون أو المنطقة في انطباق عنوان الإرهاب على الفعل والفاعل.

ما الفرق بين الجهاد والإرهاب؟

الجهاد حركة دفاعية شرّعت لدفع العدوان عن الأوطان والإنسان، ولا يكون دفع العدوان بممارسة العدوان، وهو ما يستفاد من قول الله: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين». وقد ذكر الفقهاء شروطاً عدة للجهاد في كتبهم الفقهية كوجوب الإعداد والاستعداد، ووجوب تجنيب الأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال وأماكن العبادة وغيرها كالشجر والحيوان، وهذا يعطي صورة عامة عن أهداف الجهاد ومقاصده ووسائله، ويختلف اختلافاً جوهرياً عما اصطلح عليه أخيراً في السياسة بالإرهاب الذي أصبح قتل الأبرياء وترويع الآمنين لدوافع سياسية من أبرز معانيه. وهذا المعنى للإرهاب تمنع الشريعة الإسلامية القيام به منعاً باتاً، وتعتبره من كبائر الإثم والعدوان التي يستحق فاعلها العذاب الأليم في الآخرة والعقاب الشديد في الدنيا، وقد عبرت الشريعة السمحاء عن الذي يشهر السلاح لإخافة الآخرين وترويعهم بـ»المحارب» و{المفسد في الأرض»، واعتبرت هذا العمل حرباً على الله ورسوله وجزاؤه ما جاء في القرآن الكريم: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف..». وقد ذكر الفقهاء أن من شهر السلاح لإخافة الناس فهو محارب، وفي بعض النصوص الدينية روايات تتحدث عن حكم القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه من بينها «لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه»، و{أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه»، و{لو أن رجلاً ضرب رجلاً سوطاً لضربه الله سوطاً من نار».

بعد ثورات الربيع العربي زاد العنف والتطرف في بعض الدول التي نجحت في تغيير أنظمتها الاستبدادية، ما تفسيرك لذلك؟

يمكن أن يقال بأن السبب، في ازدياد حالات العنف في بعض الدول الاستبدادية التي أسقطتها ثورات الربيع العربي، يعود إلى أن بعض الجماعات المتطرفة كانت تنتمي إلى حركات مقموعة في الأنظمة السابقة لسنوات طويلة فوجدت في سقوط الدولة المناخ المناسب لها، والتطرّف الفكري يجرّ أصحابه إلى العنف على مستوى الشارع عندما يغيب الرادع الذي يتمثّل بالدولة الناظمة لأمور المجتمع، لذلك يجب العمل على بقاء الدولة التي تقوم بمسؤولياتها في الحفاظ على الحريات الدينية والسياسية والتي تشكل المرجعية في فصل الخصومات وفضّ الخلافات. وقد ورد في الحديث «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، فوجود الدولة التي تحكم بالقانون العادل يبقى ضرورة في المجتمعات البشرية كافة التي تنشد الأمن والتقدم والاستقرار.  

كيف يمكن مواجهة التشدد الفكري تجنباً لاتساع دائرة التطرف في المجتمعات الإسلامية؟

يساهم تنظيم التعليم الديني في المعاهد الدينية والمدارس إلى حدٍّ كبير في تضييق دائرة التطرّف وإعادة النظر في المناهج المعتمدة في الدراسات الدينية ووسائل الإعلام. ونرى في إطلاق العنان لحركات التطرف الدينية أشدّ الأخطار التي تواجه العالم الإسلامي بعد الفقر والتخلف وتسلط الحكومات الدكتاتورية، إن لم نقل إنّ بعض ما هو حاصل من انقسام وتخلف هو بسبب تلك العقلية المتطرفة الظلامية التي تأخذ من الماضي الجانب المظلم تاركة الجوانب المضيئة الكثيرة من تاريخ أمتنا. كذلك نرى في هذه الحركات المتطرفة التي تضيق بالرأي الآخر محاولات مشبوهة لتفجير العالم الإسلامي من داخله، لذلك على الحكومات العربية والإسلامية والمرجعيات الدينية كافة العمل بالحكمة والموعظة الحسنة وبالوسائل النافعة والناجعة كلها لدرء هذا الخطر الماثل، فضلاً عن تأسيس المعاهد الدينية والمدارس المشتركة بين مختلف المذاهب والمحطات الإذاعية والفضائية لإظهار مفاسد التطرّف من الطوائف والفئات كافة وتبيان محاسن الإسلام الذي يتسع لجميع المدارس الفقهية والمذاهب الفكرية والآراء السياسية.

يهاجم بعض التيارات العلمانية الإسلام اليوم بوصفه يُقصي المرأة، فكيف نرد على هؤلاء؟

ما يقصي المرأة في كثير من بلدان العالم على تفاوت في ما بينها، خصوصاً في بعض البلاد الإسلامية، جملة من العادات والتقاليد والأنظمة السياسية المتأثرة بها، ولا علاقة للتشريعات الدينية في ذلك. فالإسلام لم يفرق في نظرته الحقوقية بين الرجل والمرأة وقد أرست الشريعة الإسلامية جملة قواعد تلغي الفوارق بينهما كما في قوله سبحانه وتعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً». وقد أرست هذه الآية المباركة من سورة «النساء» قاعدة المساواة بين الرجل والمرأة في عالم الخلق والتكوين فلا تمايز في العنصر، ولا اختلاف في الجوهر بين الرجل والمرأة فهما من عنصر واحد ومن نفس واحدة فلا مبرر لنظرة الاستعلاء التي كانت سائدة في عصور الجاهليّة. فالرجل والمرأة في ميدان النسب الخارج عن قدرتهما وإرادتهما هما من أصل واحد كما قال الله تعالى: «وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى» و{إنا خلقناكم من ذكر وأنثى». وفي ميدان العمل هما يخضعان لقاعدة العدل التي لا يضيع فيها عمل عامل من ذكر أو أنثى كما قال الله تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» و{ومن يعمل من الصالحات من ذكر وأنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة…» و{أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى». ولأنه قد يُتوهم أن المرأة عليها واجبات وليست لها حقوق قال تعالى: «ولهن مثل الذي عليهن»، وقال أيضاً في تعبير آخر عن الحفظ المتبادل بين المرأة والرجل: «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن». فهذه الآيات ومثيلاتها تقرر قاعدة العدالة في الاستحقاق الذي لا منشأ له سوى العمل كما قال الله تعالى: «وأن ليس للإنسان إلا ما سعى». فلا يأخذ الإنسان استحقاقاً لأنه ذكر ولا يُحرم منه لأنه أنثى وكما قال الشاعر الذي نظم هذا المعنى الإنساني الذي جاء به القرآن: «فما التأنيث لاسم الشمس عار/ وما التذكير فخر للهلالِ. ومن خلال هاتين القاعدتين الأساسيتين يجب أن نفهم قيمومة الرجل على المرأة في إطار تنظيم شؤون الأسرة والعلاقة الزوجية، على أنها قيمومة إدارة في الحماية والرعاية وأداء الأمانة التي استؤمن عليها وليست قيمومة تسلط واستيلاء وتحكم. وقد جاء في السنة النبوية الشريفة أنّ: «النساء شقائق الرجال» و{أنه ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم» و{المرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح».

لماذا لم يظهر التطرف في الدولة الإسلامية الأولى التي أسس لها النبي محمد (ص)؟

ينشأ التطرّف غالباً من فهم غير صحيح للنصوص الدينية الموجودة في الكتب، وقد لا يكون بعضها صادراً عن النبي عليه الصلاة والسلام لأن السنّة النبويّة نقلها إلينا المتأخرون بقرون عن عصره، لذلك يقع الاختلاف بين العلماء في سند الأحاديث ودلالتها، ونشأت بعد ذلك المدارس والمذاهب، وهذا لم يكن له موضوع في عصر صاحب الرسالة الذي لا يمكن مع حضوره أن ينسب إليه حديث لم يقله أو أن يسكت على فهم خاطئ، لذلك نحن بحاجة في عصرنا إلى تنظيم مناهج التعليم الديني وتوحيدها بالشكل الذي يمنع من ولادة ثقافة التطرّف والتعصّب وتضع الموازين التي تأخذ بنظر الاعتبار وحدة الأمة وأخوة أبنائها كمقصد أساس من مقاصد الشريعة السمحاء.

يرى مفكرون غربيون أن غزوات الرسول (ص) تدخل تحت بند العنف الممارس ضد المخالفين لعقيدة الإسلام؟ كيف نرد على ذلك؟
 

الحروب التي خاضها رسول الله عليه الصلاة والسلام هي حروب دفاعية فرضت عليه من المشركين وغيرهم من الذين رفضوا دعوته السلمية التي حملها إلى قومه «يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة». ولكنهم رفضوا إعطاءه الحرية في التعبير السلمي عن دعوته وأخرجوه من بلده بعد محاولات قتله والتضييق عليه وعلى المؤمنين بدعوته. لم يكتفوا بذلك، بل طاردوه إلى المدينة التي لجأ إليها وشنّوا عليه الحروب، في «بدر» و{أحد» و{الأحزاب» وغيرها. ولعل تسمية كتب السيرة لهذه الحروب بـ»الغزوات» هو مما أوجد هذه الشبهة لديهم ولصقها بالإسلام مع أن آيات القرآن واضحة في رفض الإكراه في الدين كما في قول الله تعالى: «لا إكراه في الدين» و{فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» وغيرهما من آيات يستفاد منها حرية المعتقد والعيش السلمي مع الآخر المختلف في الدين كقوله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تَبَرُّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» وما دلّ أيضاً على أن تشريع القتال كان لغرض الدفاع كما في قوله تعالى: «وقاتلوا في سبيل الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحبّ المعتدين».

 

 كيف عالج الإسلام ظاهرة التطرف في المجتمع؟

 المستفاد من النصوص الدينية وسيرة الحكم في الإسلام أن الحوار مع الرأي الآخر ونشر ثقافة التسامح والاعتدال في المجتمع ووضع الضوابط لأدب الخلاف بعدم التجاوز على الحقوق والحرمات بما لا يتنافى مع الحرية الفكرية، وقد أعطى الدين المساحة الواسعة التي تشمل مختلف التيارات الفكرية من دون إخراج بعضها عن الإطار الديني الذي يتّسع لمختلف الآراء والأفكار، وإذا عدنا إلى القرآن الكريم فإننا نرى أن ثمة خطوطاً عدة ودائرة وسيعة يدخل فيها الجميع ودعوة إلى الوسطية والاعتدال واعتماد الحكمة والموعظة الحسنة في إظهار الرأي والالتزام به والدفاع عنه، ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى {لا إكراه في الدين} و}ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} و}ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا}… وغير ذلك من آيات دالة على عدم جواز قمع الآخرين وإرهابهم.
بالعودة إلى تاريخ الأنبياء والصالحين، نرى أن سيرتهم كانت قائمة على استيعاب الآخرين ومناقشة آرائهم وأفكارهم. وقد كان الإمام الصادق (ع) يناقش الملحدين أمثال ابن أبي العوجاء والديصاني وحماد عجرد وأمثالهم ممن اشتهر إلحادهم وكان يبعث إليهم أحياناً من يجادلهم في أفكارهم لإقناعهم وإرشادهم إلى مواطن الضعف والخلل في معتقداتهم وكانوا يعيشون مع المجتمع المسلم من دون أن يواجهوا قمعاً لأفكارهم. وفي حياة الإمام علي (ع) بعض الشواهد على ذلك، ومن بينها أن جماعة الخوارج كانت تروج لأفكار تنسف الأسس الفكرية التي تقوم عليها حكومة الإمام علي ولكنه لم يمنع تلك الجماعة من إظهار أفكارها وآرائها بل كان يتصدى للكشف عن بطلانها. واللغة السائدة معهم كانت لغة الفكر والجدل الذي لا يتعدى الكلام. ولم يواجه الإمام علي تلك الجماعة عسكرياً إلا بعدما حاولت أن تفرض أفكارها بقوة السلاح وبعدما عرّضت سلامة المجتمع إلى الخطر وهددت الأمن والاستقرار بأعمالها المسلحة. أنقل لكم هنا حادثة وقعت في زمن خلافة الإمام علي تكشف عما ذكرناه من الانفتاح والنقاش الفكري مع المعارضين، وهي أن الامام علي كان يخطب ذات يوم في مسجد الكوفة بالناس وأثناء الخطاب قاطعه بعض الخوارج بقوله {الحكم لله! ليس لك يا علي} وأصبح هذا شعاراً سياسياً وفكرياً للخوارج يعتمدونه في رفض حكومة الإمام علي والترويج لأنفسهم. وقد تصدى الإمام علي لإبطال هذه الفكرة وقال {كلمة حق يراد بها باطل. نعم لا حكم إلا لله ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله، وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر…}. إن الإمام علياً بهذا الكلام حاول أن يبطل ادعاءهم بالفكر والحوار وليس بالسلاح والوعيد والتهديد، فهو يقول: {نعم، الله هو المشرع للحكم ولكن الناس تحتاج إلى الأمير الذي ينفذ حكم الله تعالى. تحتاج إلى حاكم من البشر يعاقب المسيء ويثيب المحسن ويدير شؤون البلاد والعباد وهذه أمور يقوم بها البشر}.
وفي حادثة أخرى، كان الإمام علي مع مجموعة من أصحابه وكان هناك خارجي يعتقد كفر الإمام علي، وقد مرت امرأة أمامهم فنظر إليها أصحابه فقال الإمام في مقام التوجيه لأصحابه إن أبصار القوم طامحة فإذا رأى أحدكم امرأة أعجبته فليذهب إلى زوجته فإنها مشابهة لها، هذا مضمون الحادثة والحديث، وقد سمع الخارجي هذا الكلام من الإمام علي فأعجبه ذلك، وقال بصوت مسموع: قاتله الله كافراً ما أفقهه! وحيئذ قام بعض أصحاب الإمام علي وأرادوا أن يضربوا الرجل الخارجي بالسيف لأنه تجرأ على الإمام وحكم بكفره، ولكن الإمام علياً قال لهم: {مهلا إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب!}، وعفا عن الرجل الخارجي. وثمة شواهد عدة من حياة المسلمين السياسية تدل بوضوح على عدم جواز إرهاب الآخرين وقمعهم لمجرد أفكار وصلوا إليها أو لآراء أظهروها، ولدينا قاعدة دينية واضحة في هذا المجال وهي الحديث الشهير {الحدود تدرأ بالشبهات}، أي أن العقوبات لا تثبت على إنسان دخلت عليه شبهة من الشبهات جعلته يطرح أفكاراً تخالف السائد العام ويعلن عن آراء مرفوضة من الناحية الدينية، بل اللازم مناقشته لإزالة الشبهة التي دخلت عليه من خلال إبطالها وإظهار فسادها. وهذه تعتبر من الشواهد على عدم الحكم بالكفر والارتداد على من لم يؤمن بإمام زمانه، فالإمام علي لم يقل عن الذين لم يؤمنوا بإمامته أنهم مرتدون عن الدين! ولم يعاقبهم على ذلك. والحوادث كافة التي ذكرناها تتفق مع الحرية الفكرية والدينية، وهي موافقة لقول الله: {لا إكراه في الدين} و}وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}. وفي كل الأحوال، لا يكون عدم الالتزام منافياً للإيمان ولا منافياً للإسلام لأنه دون الارتداد والإلحاد في الحكم، فإذا قبل الإمام علي بالخارجي الذي حكم بكفره ولم يرض بمعاقبته! وقبل الإمام الصادق الحوار مع الملحدين الذين كانوا يجاهرون بآرائهم! فكيف لا تقبل جماعة المسلمين وبعض الأحزاب الدينية بالرأي الآخر الذي لا يلتزم بآرائهم وأفكارهم؟! ولذلك أعتقد أن المرجعيات الدينية يفترض أن يصدر منها توجيه وتعميم مستقل يؤكد على استيعاب الرأي الآخر والحوار معه واستبعاد التطرّف معه وعدم جواز التعرض لأصحابه بالقمع والأذى لمجرد فكرة طرحوها أو اعتقدوها لأن في ذلك مجافاة وابتعاداً عن سماحة الإسلام ورحابة أرجائه، ولأن في ذلك إطفاءً لسراج العقل وخنقاً لروح الإبداع.