العلامة السيّد علي الأمين لـ جريدة الجريدة الكويتية
فليحمل الشيعة هويّة أنظمتهم السياسيّة
جريدة الجريدة الكويتية – أجرى الحوار : نوال نصر – العدد 792 – 27/11/2009
سماحة السيد كيف تحددون مفهوم الشيعية السياسيّة ؟
نحن نرفض أن يكون هناك شيعيّة سياسيّة لأنّ هذا المفهوم يعني امتياز طائفة على أخرى في بلد العيش المشترك بين الطوائف وهذا الامتياز إذا حصل فسيكون عاملاً من عوامل عدم الإستقرار للنظام السياسي في لبنان وقد شاع مصطلح المارونيّة السياسيّة قبل اتفاق الطائف الّذي أنهى الحرب التي دارت رحاها على الأرض اللبنانيّة منذ منتصف سبعينات القرن الماضي وقد رفض اللبنانيون منطق الإمتياز وتمّ الإتفاق فيما بينهم على إلغاء امتيازات الطوائف ولذلك أقرّوا في الطائف منطق المناصفة بين المسيحيين والمسلمين ولعلّ السبب في ظهور مفهوم الشيعيّة السياسيّة بعد اتفاق الطائف هو عدم تنفيذ اتفاق الطائف الّذي نصّ على حلّ الميليشيات اللبنانيّة وغيرها ونصّ على بسط سلطة الدولة اللبنانيّة على كلّ أراضيها وهذا ما لم يحصل حيث بقي السلاح بأيدي الميليشيات الشيعيّة تحت شعار مقاومة الإحتلال الإسرائيلي مع أنّ بعض هذه الميليشيات تركت عمل المقاومة بعد اتفاق الطائف ودخلت قياداتها في السلطة والنظام ولكن الّّذي ظهر في السابع من آيار عام 2008 عند اجتياح بيروت من قبل حزب الله وحركة أمل وأتباعهما أن السلاح لا يزال موجوداً بأيدي تلك الميليشيات وهو سلاح فاعل لم تتمكّن أجهزة الدولة العسكريّة والأمنيّة من مواجهته وكان له تأثيره في القرارات السياسيّة والحياة العامّة وهذا ما ساهم في ظهور الشيعيّة السياسيّة وتعزيز دورها في مواقع السلطة بعيداً عن الدّستور والقانون.
س- ماذا عن تطوّر الفكر السياسي الشيعي؟
إنّ ما نشهده من حركات سياسيّة لدى بعض الأحزاب والتنظيمات الشيعيّة لا يعكس بالضرورة الفكر السياسي الشيعي الذي تعكسه مدرسة أئمة أهل البيت عليهم السلام في العصور الماضية ولا يعكس أيضاً الفكر السياسي الذي اعتمده علماء الشيعة في العصور المتأخرة وصولاً إلى عصرنا الّذي كان النّموذج فيه الإمام موسى الصّدر الّذي آمن بدخول الشيعة في مشروع الدّولة ومرجعيّتها الدستوريّة والقانونيّة ورفض منطق الدويلات الحزبيّة والطّائفية وانطلق في عمله السياسي من رؤية وطنيّة جامعة ترفض الإمتيازات والإنقسامات وترفض ربط الشيعة أو غيرهم بالمشاريع الخارجيّة وتحويلهم إلى أدوات لإضعاف بلدهم لصالح البلدان الأخرى شقيقة كانت او صديقة ولذلك نرى أنّ ما تقوم به الحركات الشيعية اليوم يعتبر تراجعاً في الفكر السياسي وإن كان يراها البعض ويعتبرها مكاسب سياسيّة ولكنّها بنظرنا هي مكاسب لأشخاص وزعامات وليست مكاسب لطائفة أو شعب وهي لا تصبّ في مصلحة الطائفة على المدى الطّويل لأنها تزرع بذور الشقاق بين أبناء الوطن الواحد.
س- هل يمكننا الحديث عن سياسيّة شيعيّة بمعزل عن المفهوم الشيعي الدّيني؟
لقد أثبتت التجارب المعاصرة أنّ من الصّعب إقناع الشيعة بمشروع سياسي بعيداً عن الرؤية الدينية ولذلك نجح الإمام الصدر في لبنان في جمع الشيعة حول مشروعه ورؤيته عندما أتيحت له الفرصة وتهيّأت له الأسباب في مخاطبتهم وقيادتهم وكان ذلك من أسباب ضعف القيادات السياسيّة العريقة في الطائفة الشيعية حيث إنّها لم تستفد من عامل الرؤية الدينية في عملها السياسي وهذا ما اتاح الفرصة لولادات تيارات دينية داخل الطّائفة الشيعيّة استفادت من العامل الديني في العمليّة السياسيّة ولكن الرؤية الدينية التي يميل إليها الشيعة عموماً هي الرؤية القائمة على العدالة والإعتدال وهي التي عمل عليها الإمام الصدر في لبنان وهذه الرؤية لا تزال معتمدة عند عموم الطائفة الشيعية في لبنان رغم اعتماد بعض الأحزاب القائمة على الرؤية المغايرة لها لاستقوائها بالسلاح الخارج عن الدولة وعدم إتاحة الفرصة لقوى الإعتدال بالتعبير عن رؤيتهم داخل الطّائفة الشيعيّة.
س- كيف يجري التعبير عن الهويّة السياسيّة الشيعيّة في عالمنا العربي؟ وكم يبلغ التأثير الإيراني على إرساء الإنتماء السياسي؟
ج – إنّ الهويّة السياسيّة التي يجب أن يحملها قادة الأحزاب الشيعيّة في العالم العربي يجب أن تكون هي هويّة أنظمتهم السياسيّة وشعوبهم ودولهم بعيداً عن الهويّات المذهبيّة وهذا ما أرى أنّ عموم الشيعة يحملونه ولكنّ المشكلة نشأت من تلك الأحزاب التي تحتكر تمثيلهم فهي التي تحاول أن تلقي عليهم هويّة سياسيّة غير وطنيّة من خلال ارتباط تلك الأحزاب بالسياسة الإيرانية وهذا ما يجب أن يتنبّه إليه الشيعة في أوطانهم وأن يرفضوا الهويّات السياسيّة المستوردة من الخارج فنحن الشيعة في لبنان نرفض أن تكون هويّتنا السياسيّة هويّة نابعة من الخارج وتابعة له وإنّما يجب ان تكون هويتنا السياسيّة هي الهويّة التي يعتمدها الشعب اللبناني عموماً من خلال الدولة ومؤسساتها القانونيّة والدستوريّة وهكذا هم الشيعة في الكويت والبحرين وفي المملكة السعودية وفي الإمارات وهكذا يجب أن يكونوا في العراق وفي الوطن العربي كلّه ويجب أن تكون الأحزاب السياسيّة التي نتبناها ونؤيدها ذات مشاريع سياسيّة وطنيّة تنبثق عن حاجة المواطنين إلى التغيير والتطوير والإصلاح في بلدهم من خلال مؤسسات الدّولة التي يجب أن تكون المرجعيّة الوحيدة في إدارة شؤون البلاد والعباد ولذلك لا نرى أيّ مبرّر لظهور شيعيّة سياسيّة هنا وسنيّة سياسيّة هناك لأن الدولة ليست لطائفة أو لحزب أو لمذهب إنها لكلّ المواطنين الّذين تجمعهم روابط الوطن الواحد والعيش المشترك فالعمل السياسي لا يصحّ أن يكون من منطلقات مذهبيّة أو طائفيّة لأن العمل السياسي في نظرنا هو العمل الوطني من منطلقات إنسانيّة تشمل جميع المواطنين وفي رأينا أن الذي يساعد على إلغاء هذه الحالات المذهبيّة والطائفيّة هو إعادة النظر في تشكيل الأحزاب السياسيّة وتأسيسها بحيث تنصّ القوانين على قيامها على الأسس السياسيةّ والإجتماعيّة والثقافيّة والبرامج الإقتصاديّة بعيداً عن الإنتماءات الدينيّة والمذهبيّة وحينئذٍ يكون انتساب المواطن إليها انتساباً سياسياً وطنياً وليس انتماءاً دينياً أو مذهبياً وبذلك تسحب الوكالة الطائفية والمذهبية من الأحزاب السياسيّة التي تستغل الخلافات المذهبيّة لتحصيل المكاسب السياسية.