الجمعة , أكتوبر 11 2024

العلامة المجتهد السيد علي الأمين لـ السياسة الكويتية : حزب الله يريد الدولة إطارا لشرعنة سلاحه والوثيقة الجديدة لم تبدل نظرته الى الوطن

الحزن على ما آل إليه الوضع الشيعي في لبنان, لا يتحول في قلب المفتي السيد علي الأمين إلى يأس وانطواء, إنما يحوله العلامة المجتهد إلى قوة وعزيمة تنضح بهما كلماته في الدفاع عن المصلحة الحقيقية لشيعة لبنان والعرب, أي بناء الدولة والانخراط الصادق والنهائي في النظام السياسي. جرأة في الموقف كلفته غاليا, فهجّر من بيته, وطرد بقوة السلاح من دار الإفتاء الجعفري في صور (جنوب لبنان), ولكنه ما بدّل تبديلاً.
ليس الحوار مع السيد السبعيني في الفكر والفقه والاجتهاد, بل هو حديث عن الناس ولهم يقول: لم تبدل الوثيقة السياسية الجديدة ل¯حزب الله في نظرته إلى الوطن كساحة قتال, وإلى الدولة كإطار يفيده لشرعنة العمل المسلح. والمزاوجة بين السلاح غير الشرعي والجيش أمر غريب, لأن ناس الجنوب عندما أيدوا المقاومة, أرادوها لتحرير الأرض, وليس كبديل عن الدولة. وإمامهم السيد موسى الصدر كان رائدهم في السبعينات من القرن الماضي بالمطالبة بالجيش على أرضهم للذود عنها, ولتخليصهم من التنظيمات المسلحة.
أما دعاة إلغاء الطائفية السياسية الآن بحجة »الطائف«, فيتجاوزون أولى درجات سلم تطبيقه, ويريدون القفز عن البند الأساسي فيه, أي قيام الدولة الضامنة لكل مواطنيها, وقد فعل هؤلاء الدعاة كل ما يعطل هذه القيامة.
والسيد متفائل بالناس وقد عبرت بصمتها أحياناً وبصوتها أحياناً أخرى عن رفضها لاختزال الطائفة الشيعية في حزب أو اثنين, فبينت الانتخابات الأخيرة أن ثنائيةحزب الله حركة أمل نالت أغلبية ظاهرية, وهي في الواقع أكثرية الأقلية, إذ شارك في عمليات الاقتراع 45 في المئة فقط من الشيعة, رغم كل الإمكانات التي جندت لهذه المعركة.
ويقول السيد الأمين: إن »اتفاق الطائف« أرسى التوافق على الديمقراطية البرلمانية وليس الديمقراطية التوافقية, وهذه الأخيرة هيديمقراطية الأمر الواقع المفروض بقوة السلاح.
أبعد من الوطن الصغير لبنان إلى رحاب الأمة, يذهب العلامة المجتهد إلى حكم فقهي وسياسي واحد, إن الشيعة في أي دولة عربية, هم جزء لا يتجزأ من شعبها, لا يجوز ارتباطهم بأي مشروع غير مشروعها ونظامها, وإذا وجد رابط مذهبي مع الشيعة في دولة أخرى, فهو رابط ثقافي لا أكثر. لا ولاية للفقيه الإيراني على الشيعة في أي مكان خارج إيران, لأنها ولاية سياسية تطبق على الشعب الإيراني فقط, إذا كان هذا الشعب قابلاً بها, أما نحن العرب فقد اخترنا أنظمتنا وحكوماتنا وهي الوالية علينا. والحقيقة فإن ولاية الفقيه هي مجرد مسألة فكرية فقهية, وليست من صلب العقيدة الشيعية, كما يحاول البعض أن يوهم الناس لإجبارهم بها. ونحن نسأل هل أن ملايين الإيرانيين الذين تظاهروا ضد الولي الفقيه ليسوا شيعة?.
وبالعودة إلى لبنان يجزم السيد الأمين »أن حزب الله شارك في النظام السياسي اللبناني في العام 1992 بفتوى من الخامنئي, وليس بقرار ذاتي يؤمن بالدولة المنبثقة عن الشعب, لذا فإنه ورغم انخراطه اللبناني يظل محكوماً بمرجعيته السياسية الإيرانية«.
  السياسة حاورت العلامة المجتهد السيد علي الأمين على النحو التالي:

عناوين:


الوطن عند الحزب هو أرض تشكل ساحة للعمل المسلح والدولة مجرد إطار يمكن أن يستفاد منه في شرعنة هذا العمل.


ليس دور ولاية الفقيه في كيانحزب الله دور الإرشاد والتوجيه والوعظ وإنما هو دور قيادي يحركه ويضعه في المشروع السياسي في المنطقة.


 لا يمكن المقارنة بين مشروع الإمام الصدر وبين الوثيقة السياسية ل¯حزب الله فالحزب يقول بمنطق المزاوجة بين المقاومة والجيش


الإمام الصدر لم يرد أن ينشئ مقاومة على حساب الدولة وإنما كان يؤكد دائماً على دور الجيش اللبناني وصعوده وانتشاره في الجنوب والقيام بدوره دفاعاً عن الأرض بديلاً عن التنظيمات المسلحة التي كانت موجودة آنذاك


الجديد في نظرة حزب الله أنه في الماضي لم يكن يؤمن بالمزاوجة وقد طرح المقاومة آنذاك مع عدم إيمانه ورفضه للدولة والنظام أما اليوم فهو يريد قيام دولة ولكن تابعة وليست حاكمة.. أي دولة محكومة لهذه المزاوجة


الشيعية السياسية موجودة لكنها غير مقبولة لا على المستوى الوطني ولا على المستوى الديني ويجب الخروج منها لأنها ليست من أدبيات قياداتنا ومرجعياتنا ونحن نرفض انتقال الامتيازات من طائفة إلى أخرى.


الدولة ساهمت في تقوية الثنائيحزب الله وأمل من خلال تخصيصهما بحق توزيع المساعدات العربية للشيعة في الجنوب.


الثنائية الشيعية ترفض السياسة العربية وتحاربها ولكنها تقبل المساعدات العربية وتستفيد منها.


نسبة المشاركة الشيعية في الانتخابات الأخيرة بلغت 45 في المئة والثنائي الشيعي حاز  الأغلبية في 45 في المئة من الناخبين أي أكثرية الأقلية وليس أكثرية الأكثرية.


ذهبت إلى السيد نصر الله محاولاً منع وقوع حرب 2006 من خلال الدعوة إلى عقد اجتماع شيعي عام ولكنه رفض ووقعت المأساة.


المقاومة حققت إنجازاً العام 2000 بعد تضحيات ومآسي الجنوبيين وهم لا يؤيدونها على أساس أنها بديل للدولة.


نحن لا نرفض الصراع مع إسرائيل ولكننا أدينا واجبنا في القتال وتحرير الأرض وقد أنجزناه بصعوبات شديدة وتضحيات كبيرة ونرفض أن نتحمل كل تبعات الصراع منفردين.
 
  قلتم في تعليقكم على الوثيقة السياسية الجديدة ل¯حزب الله إنها لا تختلف عن الوثيقة التأسيسية الصادرة في العام 1985, كيف ذلك?
  قارئ الوثيقة لا يجد شيئاً جديداً في الجوهر, قد يكون هناك اختلاف في الشكل, ولكن في جوهر النظرة إلى دور الدولة اللبنانية وإلى الوطن اللبناني وإلى مرجعية حزب الله الخارجية المرتبطة بولاية الفقيه, هذه كلها لا تزال من الثوابت في جوهرها. لم تتغير نظرة حزب الله إلى الدولة, بما هي دولة لا تملك الوصاية على أرضها وشعبها, وعلى قضايا الحرب والسلم, وإنما هي مجرد إطار يمكن أن يستفاد منه في شرعنة العمل المسلح خارج إطار الدولة اللبنانية الذي يقوم بهحزب الله, والاستفادة من الدولة في هذا الإطار.عندما أخرجحزب الله وثيقته الأولى أثار هذا الأمر خلافات في لبنان, واليوم تستمر نظرةحزب الله ويستمر الخلاف معه, فالحزب يعتبر لبنان عبارة عن أرض تشكل ساحة للعمل المسلح والانطلاق في مواجهة المشروع الصهيوني الأميركي في المنطقة, كما عبر عنه مراراً. وبرأينا الوطن ليس مجرد أرض يسكن عليها الآباء والأجداد, ويسكن عليها الأبناء والأحفاد, وإنما الوطن هو أرض وشعب ودولة مؤسسات تنبثق عن هذا الشعب وتحكم البلاد. وكأن حزب الله يعتبر الوطن أرضاً بلا شعب له رأي, وبلا مؤسسات منبثقة عن إرادة هذا الشعب, وهي الدولة الناظمة لأمره.لذا قلت إن نظرة الحزب في الوثيقة الثانية لا تختلف عما كانت عليه في الوثيقة الأولى, مضافاً إليها العلاقة بولاية الفقيه, التي كانت سابقاً في الوثيقة الأولى, وأكد عليها في الثانية. وولاية الفقيه هي عبارة عن ارتباط خارج إطار الدولة والشعب والمؤسسات المنبثقة عنه, لأن لها دوراً قيادياً. ليس دور ولاية الفقيه في كيانحزب الله دور الإرشاد والتوجيه والوعظ, وإنما هو دور قيادي يحركه ويضعه في المشروع السياسي في المنطقة.
  ألا تجدون أن حزب الله حاول في وثيقته الانخراط في النظام السياسي اللبناني مع احتفاظه بورقة السلاح, في ما قد يكون تكراراً لتجربة الإمام موسى الصدر, الذي عمل على انخراط الشيعة في الدولة مع احتفاظهم بحق المقاومة المسلحة ضد إسرائيل?
  الإمام الصدر في أواخر طروحاته, قبل اختطافه, كان واضحاً في تمسكه وتركيزه على ضرورة بناء الدولة, وعلى قيامها. وكان يقول بلا شرعية كل الدويلات. وإنما الشرعية هي للدولة الواحدة التي ينتظم فيها الجميع. حزب الله لم يقترب من نظرة الصدر, فالأخير لم يرد أن ينشئ مقاومة على حساب الدولة, وإنما كان يؤكد دائماً على دور الجيش اللبناني وصعوده وانتشاره في الجنوب, وممارسة دوره دفاعاً عن الأرض بديلاً عن التنظيمات المسلحة التي كانت موجودة آنذاك.
لقد نبه الإمام الصدر إلى المخاطر التي كانت تحدثها التنظيمات التي تغتصب حق الدولة في الجنوب, لذا لا يمكن المقارنة بين مشروع الإمام الصدر وبين الوثيقة السياسية ل¯حزب الله. فالحزب يقول بمنطق المزاوجة بين المقاومة والجيش, وهذا منطق جديد يختلف تماماً عن منطق الصدر, لأنه يريد أن يجعل لجماعته كيانية مستقلة عن الدولة, وهذا لا يشجع على انخراط الشيعة في الدولة, الذي نادى به الإمام الصدر. انخراط يجعل من هذه الدولة المرجعية الأساسية.
الجديد في نظرةحزب الله أنه في الماضي لم يكن يؤمن بالمزاوجة, وقد طرح المقاومة آنذاك مع عدم إيمانه ورفضه للدولة والنظام, استناداً إلى مقولة الإمام الخميني في ذلك الوقت, بأن النظام اللبناني مجرم وفاسد ويجب تغييره. أما اليوم فهو يريد قيام دولة ولكن تابعة وليست حاكمة, أي دولة محكومة لهذه المزاوجة, وليست حاكمة على أرضها وشعبها.
  ماذا عن الطرف الآخر في الثنائية الشيعية أي حركةأمل, وأين هي من مشروع مؤسسها الإمام موسى الصدر?
  لا شك أن هناك تراجعاً كبيراً في دور حركةأمل على الساحة الشيعية وعلى الساحة اللبنانية, وقد ابتعدت كثيراً عن المشروع الذي أطلقه الإمام الصدر. أما على مستوى المقاومة فقد تخلت عن هذا الدور منذ الثمانينات, وتولى حزب الله منفرداً موضوع المقاومة, وأصبحتأمل كسائر القوى السياسية تكتفي بدعم المقاومة قولاً.
حبذا لو كان هذا التحرك لمشروع المقاومة الذي قامت به الحركة من أجل تعزيز الدولة اللبنانية انسجاماً مع طرح الإمام الصدر, ولكن الواقع أنأمل تخلت عن الأمرين معاً, تخلت عن المقاومة وشكلت عائقاً في مواجهة مشروع الدولة في مراحل متعددة. مثال على ذلك في التسعينات, عندما ذهب الجيش لبسط سلطته في الجنوب, لم تكن الحركة داعمة فعلياً قيام الدولة بهذا الدور, وإلا لما كنا قد وصلنا إلى ما نحن فيه, وظهر موقف أمل الحقيقي من قيام الدولة في 7 مايو 2008.
  ..لكن حركة أمل برئاسة الرئيس نبيه بري كانت من أركان »دولة الطائف«?
  إن أحد أهم بنود »الطائف« الذي أوقف الحرب هو حل الميليشيات ونزع سلاحها وبسط سلطة الدولة, وكأن الثمن لحل الميليشيات هو إدخال قياداتها في السلطة, والذي جرى أنهم جمعوا بين الأمرين معاً, بين الثمن والمثمن. دخلوا في الدولة وأبقوا على ميليشياتها كما أظهرت الأحداث لاحقاً.
وهذا يكشف أنهم لم يكونوا يؤمنون بمنطق الدولة من الأول, ولو كان العكس صحيحاً, لكان حل الميليشيات حقيقياً, وقد أظهرت الوقائع أن قيادات الميليشيات, أمسكت بمفاصل الدولة واحتفظت بجيشها الميليشياوي, ولم تسمح للجيش بممارسة دوره. هذا يعني أن حركة »أمل« خالفت مشروع الصدر ببناء الدولة وخالفت أيضاً »اتفاق الطائف«.
  هل تشكل حركةأمل الواجهة السياسية ل¯حزب الله المسلح?
حزب الله أصبح في الحقيقة الكتلة الأقوى, ليس على مستوى الجنوب فحسب, بل على مستوى الساحة اللبنانية, أما حركة أمل حيث كان تواجدها السياسي في الجنوب ومع تخليها عن دور المقاومة ضعف دورها, ثم تخلت الحركة عن المسألة التثقيفية والتعليمية والعقائدية, وأصبح حزب الله المسؤول عن الشأن الثقافي والعقائدي, أما الدور السياسي فإنه يتبع هذين الشأنين, وارتضت حركة »أمل« دور الداعم مكتفية ببعض المكاسب السياسية لقياداتها, وأصبحت في وضع التابع ل¯حزب الله ومشروعه الأبعد من حدود لبنان أي المشروع الإيراني.
  ثمة كلام عن أن لبنان تحكمه الشيعية السياسية التي تمثلها ثنائيةحزب الله وحركة أمل, مع وجود معارضة داخل هذه الطائفة, تماماً كما حكمت المارونية السياسية البلد قبل الحرب الأهلية بوجود معارضة أو تمايز داخل طائفتها, هل هذا صحيح?
  مفهوم الشيعية السياسية مطروح بالفعل, وهو متداول نتيجة الأداء الذي اعتمد منذ »اتفاق الطائف« وما بعده, أي منذ قيام ثنائية حاكمة للطائفة الشيعية, وتكرس ذلك من خلال مواقفها داخل النظام ومطالبتها بالحصة الشيعية.
الشيعية السياسية موجودة لكن هذا المفهوم غير مقبول. نحن لا نعتبره مقبولاً لا على المستوى الوطني ولا على المستوى الديني, ولا على مستوى المشاريع التي طرحتها القيادات الشيعية ابتداء من الإمام الصدر, هذه القيادات لم تطرح قيام شيعية سياسية, وقد رأينا في تجارب الماضي إلى أين وصلت المارونية السياسية. كنا في الماضي نرفض منطق الامتيازات لطائفة معينة, لأنه ولد الصراعات والنزاعات في لبنان. وجاء» اتفاق الطائف« لينتزع هذه الامتيازات من طائفة, ليعطيها للوطن ككل. ولم ينتزعها لتنتقل من طائفة إلى أخرى. لذلك قلنا في بعض المرات عندما طرح البعض, ومنهم الشيخ محمد مهدي شمس الدين الديمقراطية العددية, إننا كشيعة لا نؤمن بمنطق العدد بل بمنطق الشراكة, لأن الوطن ليس قابلاً للقسمة إلى حصص كبيرة لهذا وصغيرة لذاك, وإنما الوطن لكل طوائفه وأبنائه. والنظام السياسي يفترض أن يؤدي الحقوق للجميع, لا من خلال منطق الأكثر والأقل. في العائلة الواحدة لا يمكن القول إن هذا الفريق أكبر وذلك أصغر, فالعائلة فريق واحد.
إذاً سلوك وأداء ثنائية حزب الله – أمل, هما اللذان كرسا مفهوم الشيعية السياسية, وتعزز ذلك بفعل »اتفاق الدوحة« والتسويات التي تلته, صحيح أن المفهوم لم يتكرس دستورياً, ولكن يبدو وكأن الحالة الشيعية تفرض نوعاً من حق النقض على أي موقع من المواقع, سواء كانت سياسية عليا أو أقل من ذلك.
يجب الخروج من هذا الواقع, لأن الشيعية السياسية ليست من الأدبيات التي تعلمناها من قياداتنا ومرجعياتنا. كما أنه ليس من العدل انتقال الامتيازات من طائفة إلى أخرى.
  ماذا عن القوى والشخصيات الشيعية الأخرى, وأنتم أبرزها, وما دورها, وهل يكفي التذرع بأن الثنائية تفرض قرارها على الطائفة الشيعية بقوة السلاح والأمر الواقع?
  نحن لا ننكر أن لهذه الثنائية وجودها وحضورها في الطائفة الشيعية, وهي ليست وليدة الأمس, إنما هي وليدة عقود من الزمن, تواجدت فيها وتوافرت لها الإمكانات العسكرية والمالية والإعلامية. حتى أن الدولة كانت خلال هذه العقود تساهم في تقوية هذا الثنائي, فالدول العربية كانت تقدم المساعدات للشعب اللبناني, وكانت الدولة اللبنانية تمنح الثنائية حق توزيع هذه المساعدات للشيعة. والمفارقة أن الثنائية كانت ترفض السياسة العربية وتحاربها, ولكنها كانت تقبل المساعدات العربية وتستفيد منها.
للأسف فإن الدولة اللبنانية بسبب تركيبتها وخلال فترة الحكومات المتعاقبة بعد »الطائف«, كانت تعتبر أن هناك وكالة حصرية على الطائفية الشيعية, يمثلها ثنائي حزب الله – أمل.
لقد قلت للرئيس فؤاد السنيورة مرات عدة في فترة ما بعد حرب يوليو عام 2006, وبعد الأحداث المتلاحقة التي تلتها, إن الدولة أعادت إمساك الثنائي الشيعي برقاب الناس, لأنها لم تبن جسور التواصل المباشر مع المواطنين, فأبقتهم في الجنوب وغيره مرتهنين لقوى الأمر الواقع, لأن أي مساعدة لن تصل إلا عبرهم, ولا يمكن لمواطن شيعي أن يحصل على وظيفة إلا من خلالهم, حتى الخدمات الصحية التي تقدمها الدولة مجاناً, لا يمكن لمريض في أي قرية جنوبية أن يحصل على سرير في مستشفى على حساب وزارة الصحة إلا من خلال قوى الواقع.
كنت دائماً أقول وكأن الدولة لا تريد أن تدافع عن أتباعها, وكل من يناصر مشروع الدولة, لا يستطيع الحصول على أي معونة من الدولة التي يؤمن بها ويدعو ويكافح من أجلها.
ولكن رغم كل ذلك, يبقى أن نعرف حقيقة حجم تمثيل هذه الثنائية للطائفة الشيعية, ولنأخذ تجربة الانتخابات النيابية الأخيرة, فنجد أنه رغم عدم تكافؤ الفرص بين قوى الأمر الواقع, وبين القوى الأخرى المستقلة, في التعبير عن نفسها وعن حضورها, خلال المعركة الانتخابية, فإن نسبة المشاركة الشيعية في الانتخابات بلغت 45 في المئة, والثنائي الشيعي حاز على الأغلبية في 45 في المئة من الناخبين. أي أخذت أكثرية الأقلية, ولم تأخذ أكثرية الأكثرية. وهذا يعني وجود أكثرية صامتة, لم تعبر عن موقفها, لأنه لم يتح لها فرصة إثبات حضورها والتعبير عن نفسها, وليس لها إمكانات قوى الأمر الواقع.
صحيح أن الثنائية موجودة, ولكنه ليس الحضور الذي يختزل الطائفة الشيعية, لأنه لا يمكن لأي حزب سياسي أن يختزل طائفة أو مذهباً من المذاهب, إنما هو جزء منه فقط.
  تروج الثنائية الشيعية لفكرتين سياسيتين تدعي أنهما لمصلحة الطائفة, أي موضوع المقاومة والدفاع عن حقوق الشيعة في النظام, وعلى هذا الأساس تحظى بتأييد شعبي, ما موقفكم من هاتين المسألتين?
  نحن لا نشك بأن المقاومة في الساحة الجنوبية كان لها دور مؤثر وفعال, لكن الشيعة الذين آمنوا بالمقاومة لم يفعلوا ذلك في مواجهة مشروع الدولة. عندما كان الفلسطينيون يمارسون شيئاً من المقاومة في الجنوب, كانت الطائفة الشيعية تؤمن بالمقاومة, باعتبار أن الشعب الفلسطيني مظلوم والطائفة تنطلق من نصرة المظلوم, بناء على وصية الإمام علي لولديه الإمامين الحسن والحسين كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً. لكن رغم تأييد الشيعة للمقاومة في الجنوب, وكانت فلسطينية آنذاك, لم يكونوا يؤمنون أنها يجب أن تكون بديلاً عن الدولة, أو أن تغتصب حق الدولة, لذا فإنه رغم التأييد الشعبي للمقاومة التي حققت إنجازاً العام 2000, بعد تضحيات ومآسٍ للجنوبيين, فإنهم لا يعتقدون أن المقاومة التي حققت هذا الإنجاز يمكن أن تكون بديلاً للدولة.
بعد التحرير في العام 2000 كان من المفترض بالجيش أن ينتشر في الجنوب, قبل ذلك كان وجود الاحتلال يحول دون ذلك, مع أننا كنا نطالب بالأمر, ولكن مع زوال الاحتلال وجب تحقيق هذا الانتشار, وقد كنا نردد ذلك دائماً.
حتى أنه في العام 2006 وقبيل حرب يوليو, ذهبت إلى السيد حسن نصر الله وإلى الرئيس نبيه بري, وقلت لهما إننا نقبل أن تكونا في قيادة سفينة الطائفة الشيعية, ولكن على متن هذه السفينة يوجد ركاب كثر ونحن منهم, ومصيرهم يتعلق بمصيرها, ويجب عليكما أن تستمعا إلى آراء هؤلاء الركاب, ماذا يقولون, وما وجهة نظرهم ,وما الأخطار التي يتصورونها, هل يجب أن يبقى الجنوب ساحة للحرب غير المتكافئة? لقد حققنا إنجازاً مهماً في العام 2000 فهل يجوز أن نفرط به? ولكي لا نفرط به يجب دعوة العقلاء والحكماء والمثقفين وأهل الخبرة في الطائفة والاستماع إليهم. وقد وعدت بتحقيق الأمر, ولكن ذلك لم يحصل ووقعت الحرب.
وبعد اندلاعها التقيت الرئيس بري وطلبت مرة أخرى الدعوة لهكذا اجتماع لكن دون جدوى. فالناس تؤيد المقاومة, ولكن ليس لجعل الجنوب ساحة حرب غير متكافئة, حزب الله يريد حرباً مفتوحة, كيف يمكن خوض هكذا حرب, وليس لدينا ملجأ واحداً لإيواء الناس في الجنوب. من أراد الحرب أعد عدتها, فنحن لا نقبل أن نجعل من أجساد أهلنا آلة للمواجهة.
لا شك أن هناك استعداداً للتضحية وحالة من الفدائية موجودة عند المقاومة, لكن هذا لا يكفي لمواجهة آلة حرب وحشية ومدمرة معدة لمواجهة الجيوش العربية مجتمعة, ونحن لسنا مكلفين بأن يبقى الجنوب يتحمل كل أعباء الصراع العربي – الإسرائيلي. نحن لا نرفض الصراع مع إسرائيل, ولكننا أدينا واجبنا في القتال وتحرير الأرض, وقد أنجزناه بصعوبات شديدة وبتضحيات كبيرة, أما أن نتحمل كل تبعات الصراع منفردين, فهذا لم يكلفنا الله عز وجل به, فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
نحن جزء من الأمة العربية, وهذه الأمة لها أنظمة تمثلها, وقياداتها وضعت مبادرة للسلام, فإذا اختار العرب الحرب نحن جزء منها, وإذا اختاروا السلم فنحن أيضاً جزء من هذه الأمة. أما أن يختار العرب السلم, ونحن وحدنا نختار الحرب, فهذا يعني أنها حرب غير متكافئة, وهو شيء لم يكلفنا به الله. لدينا دولة في لبنان وهي التي تقرر في الحرب والسلم.
  نحن نؤيد المقاومة ونريد حفظها, ولكننا لسنا من الذين يكيلون لها المديح كما حصل مع المقاومة الفلسطينية العام 1982, من الدول والشعوب العربية, وعندما وقعت الحرب ذبحت وتركت وحدها. إذا نحن لسنا مع المقاومة التي تجعل الجنوب ولبنان كله يدفع ثمن الصراع العربي – الإسرائيلي.
  ماذا عن شعار الحفاظ على حقوق الشيعة, وهو شيء يتكرر أيضاً في بعض الدول العربية, ألا تعتقدون أن ثنائيةحزب الله- أمل تدافع عن هذه الحقوق في لبنان?
  هذا منطق خطأ. المطالبة بما يسمى حق الشيعة خطأ, المفروض أن نطالب بحق المواطن بغض النظر عن طائفته. قيل لي ذات مرة إن وزير الكهرباء شيعي, فأجبتهم إذا كان وزير الكهرباء شيعياً, فهل حلت مشكلة التيار الكهربائي وتمت إنارة بيتي? خذوا الوزير الشيعي وأعطوني الكهرباء. المهم أن تتأمن لي الخدمات التي تقدمها الدولة, أياً يكن الوزير وأياً تكن طائفته.
يكذب من يقول إن حقوق الطائفة الشيعية تأمنت بوصول وزراء شيعة إلى الحكومة. نحن نريد أن تصل الحقوق إلى كل المواطنين بغض النظر عن الانتماء الديني لهذا الوزير أو ذاك, أما القول بأن حزب الله و»أمل« يطالبان بحقوق الشيعة فيؤدي إلى الفرز داخل المجتمع بين طائفة وأخرى, وبين مذهب وآخر.
المطلوب من الحزب السياسي أن يطالب بحقوق المواطنين عموماً. وهذا يتطلب إعادة النظر بقوانين تشكيل الأحزاب, بحيث تقوم على أساس البرامج السياسية, وليس على أساس الانتماء الطائفي والمذهبي.
  طرح الرئيس بري الشروع في إلغاء الطائفية السياسية وطرح السيد نصر الله الحفاظ على الديمقراطية التوافقية, وهذان مطلبان متناقضان, فما رأيكم?
  لا شك أن الطائفية السياسية هي من الأمراض العصية التي أصابت النظام اللبناني عقوداً من الزمن, ونعتقد أن إجماع اللبنانيين في »اتفاق الطائف« على إلغاء هذه الطائفية السياسية, يعبر عن اقتناعهم بأنه مرض يجب إزالته. إذاً لا خلاف على المبدأ, ولكن في الواقع فإن عدداً من الطوائف اللبنانية تجد في اعتماد التوزيع الطائفي للمراكز والمناصب والوظائف الكبيرة في الدولة هو نوع من الضمانة لها للحفاظ على حقوقها. والبديل الوحيد لهذه الضمانة, إذا ألغيت الطائفية السياسية, هو قيام الدولة التي تحفظ حق الجميع, وهذه الدولة لم تقم بعد بسبب رفض وممانعة من يدعو اليوم إلى إلغاء الطائفية السياسية. هذا من جهة, ومن جهة ثانية, فإن »اتفاق الطائف« هو سلم له درجات سفلى وعليا, الدرجات السفلى هي حل الميليشيات وقيام الدولة الضامنة لحقوق الجميع, هذا الأمر لم يتم بعد 20 عاماً على إنجاز هذا الاتفاق.
لا نشعر أن هناك دولة قوية قامت وضمنت حقوق المواطنين. وقد أثبت ذلك أصحاب الميليشيات أنفسهم في 7 مايو عام 2008, وفي محطات كثيرة أخرى, هذه القوى الميليشياوية جعلت الدولة عاجزة عن حماية المواطنين من مختلف الطوائف, فكيف يمكن القول لهذه الطوائف إن حقوقها ستحفظ إذا ألغيت الطائفية السياسية?
نحن لا نقر بأن رئاسة الجمهورية للطائفة المارونية هي ضمانة لها, أو أن رئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية هي ضمانة لها, أو أن رئاسة مجلس الوزراء للسنة هي ضمانة لهم, ولكن إذا كان لا بد من إلغاء طائفية الرئاسات, فيجب أن يكون لذلك لمصلحة دولة قوية وقادرة للجميع, تحمي الحريات وتحفظ الحقوق.
من هنا قولنا إنه لا يمكن الصعود إلى أعلى السلم قبل صعود الدرجات السفلى, أي قيام الدولة, دولة القانون والمؤسسات, ومن ثم إلغاء الطائفية السياسية, بالنسبة للديمقراطية التوافقية الوارد ذكرها في وثيقة حزب الله فهي الديمقراطية المطبقة فعلاً في لبنان منذ سنوات, وهي ديمقراطية الأمر الواقع المفروض منذ 7 مايو عام 2008 أو حتى قبله من خلال فرض الهيمنة المسلحة بأشكال مختلفة.
البعض حاول إعطاء هذا الواقع غلافاً قانونياً ودستورياً من دون وجه حق, فما جرى في الطائف هو التوافق على النظام البرلماني الديمقراطي, أي التوافق على الديمقراطية لا ديمقراطية التوافق, وهناك فرق كبير بين الاثنين.
فالديمقراطية البرلمانية هي نظام الأكثرية, بينما الديمقراطية التوافقية تلغي منطق الأكثرية. وتلغي مفاعيل ونتائج الانتخابات, بحيث لا يمكن حكم البلد أبداً فلا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية أو تشكيل حكومة وقد حصل الأمران فعلاً. وفرضت الأقلية الناتجة عن الانتخابات نفسها بطريقة غير ديمقراطية, بوصفها قوى أمر واقع, لا يجوز أن تشارك الأقلية في الحكم في كل الأحوال, إذا ربحت الانتخابات ستحكم, وإذا خسرتها فإنها ستحكم أيضاُ, كجزء فاعل ومؤثر يمتلك حق النقض. هذا على المستوى العام, أما على الصعيد الداخلي للطوائف, فإن الديمقراطية التوافقية تمنح ثنائيةحزب الله – أمل من دون وجه حق صلاحية احتكار التمثيل الشيعي.
  ما هو برأيكم القانون الانتخابي الأمثل لإنتاج أكثرية سياسية متنوعة طائفياً ومذهبياً, لتحكم البلد وفقاً للأصول الديمقراطية البرلمانية, وليس الديمقراطية التوافقية?
  الشرط الأساس لهكذا قانون, هو إلغاء التوزيع الطائفي للمقاعد النيابية في كل المناطق, بحيث يكون الترشح لكل المقاعد مفتوحاً ومتاحاً لجميع المواطنين, لأنها مقاعد للبنانيين وليس للطوائف أو المذاهب. يمكن أن يترشح الشيعي في أي مكان من لبنان, وكذلك الماروني والدرزي وكل الأحزاب. هكذا ننتج مجلساً نيابياً بأكثرية سياسية وليس طائفية أو مذهبية.
  مشكلة الشيعة ومشاركتهم في النظام السياسي مطروحة من بعض الأوساط في الدول العربية أيضاً, ما الموقف الفقهي والسياسي من هذه المسألة?
  الموقف السياسي المعتمد على الموقف الفقهي أن الشيعة في أوطانهم جزء لا يتجزأ من شعوبهم, ولا يجوز أن تكون لهم مشاريعهم السياسية الخاصة, ولا يجوز أن يكون لهم ارتباط خارج أوطانهم على حسابها. يمكن أن توجد روابط مذهبية بين الشيعة في لبنان والشيعة في إيران, أو روابط بين شيعة الكويت والعراق, أو شيعة البحرين والسعودية, وغيرها. ولكن هذه الروابط لا تكون على حساب الأوطان, الرابط المذهبي هو عبارة عن علاقة ثقافية ومودة واحترام, ولا يعني أبداً رابطاً سياسياً على حساب الأوطان.
العلاقات بين الدول يجب أن تكون من دولة لدولة. شيعة الكويت هم كويتيون قبل أن يكونوا شيعة, وكذلك في لبنان والبحرين والسعودية وغيرها, ومشروعهم السياسي يجب أن يكون مشروع وطنهم وشعبهم, وأن يكون منبثقاً من مصلحة وطنهم, وليس من مصلحة طائفية أو مذهبية, ولا يصح الارتباط بمشاريع خارجية.
المشكلة أن بعض الأحزاب الموجودة في لبنان أو الخليج تحاول أن تجعل العلاقة بينها وبين إيران مباشرة, وهذا خطأ. العلاقة يجب أن تكون بين دولة ودولة, وليس بين طائفة ودولة, أو حزب ودولة. لسنا ضد أن يكون لشيعة لبنان مثلاً علاقة ما مع إيران, ولكن يجب أن تكون من خلال الدولة اللبنانية. ما يحصل من مشكلات سببها بعض الأحزاب والجمعيات التي تحاول أن تجعل لنفسها ارتباطات خارج حدود دولها مبنية على أسس مذهبية, وهذا خطأ كبير.
  حجة هؤلاء أن مرجعيتهم الدينية في إيران على أساس ولاية الفقيه?
  ولاية الفقيه ليست مرجعية دينية, إنما أصبحت نظاماً سياسياً في إيران يترأسه الولي الفقيه, والعلاقة معه هي علاقة سياسية وليست دينية. من هنا لا يصح أن يقال إن العلاقة مع الولي الفقيه هي علاقة الإنسان الشيعي مع المرجعية الدينية. الشيعة عبر العصور كان لهم علاقة مع المرجعيات الدينية في العراق أو إيران, ولم تكن هذه الإشكالية قائمة. كانت مجرد علاقة دينية روحية. أما الآن, فإن مرجعية الولي الفقيه ليست دينية فقط, وإنما تعتبر ولاية الفقيه قيادة النظام الإيراني الذي لديه طموحات في المنطقة. والولي الفقيه هو رأس السلطة.
ولاية الفقيه السياسية برأينا ليست عابرة للحدود والقارات, بل هي ضمن الأراضي الإيرانية فقط. وليس لإيران ولاية على الشيعة في أي دولة أخرى, إنها ولاية على مواطنيها, فالولي الفقيه إذا اختاروه في إيران حاكماً, تكون ولايته على الشعب الذي اختاره. أما نحن الشيعة في لبنان والكويت والعراق والبحرين والسعودية فلم نختره حاكماً, نحن اخترنا أنظمتنا السياسية وحكوماتنا والولاية علينا هي لهذه الأنظمة وللحكومات. وليس علينا أي ولاية من إيران وحاكمها.
  قال السيد حسن نصر الله إن ولاية الفقيه ليست موقفاً سياسياً قابلاً للمراجعة, وأكد أن التزامه بها لا يتناقض مع انخراط حزب الله في النظام السياسي اللبناني. برأيكم أين الولاية الحقيقية على حزب الله, هل هي في لبنان, أم في إيران?
  هذه عقائد خاصة ب¯حزب الله, لأن ولاية الفقيه ليست من معتقدات الشيعة. هناك مسائل عقائدية عند الشيعة لا خلاف عليها بطبيعة الحال, أما ولاية الفقيه فهي مسألة فكرية فقهية, وليس لها صفة العقيدة, بحيث أن الذي لا يؤمن يمكن أن يتهم بأنه أخل بالعقيدة الشيعية.
  رأينا بالأمس في إيران ملايين الشيعة يخرجون في تظاهرات ضد ولاية الفقيه, فهل هذا يعني أن هؤلاء ليسوا شيعة?
  يحاولون الإيحاء أن ولاية الفقيه جزء من معتقدات الشيعة ليجبر هذا الشيعي أو ذاك بها. وهذا خطأ, أنا لا أؤمن بولاية الفقيه وأنا شيعي بالتأكيد. وكما قلت لا خلاف على العقيدة مثل إمامة علي, والأئمة ألاثني عشر. أما مسألة ولاية الفقيه فليست من الطبيعة نفسها, إنها مسألة فكرية فقهية فرعية خلافية, وليس كل الشيعة يؤمنون بها.
يحاولحزب الله من خلال منظوره الخاص للعقائد اعتبار ولاية الفقيه عقيدة دينية, أما قوله إن انخراطه في النظام اللبناني لا يتناقض مع ولاية الفقيه عليه, فهذا صحيح من ناحية أن الولي الفقيه لم يقل له بعدم المشاركة في النظام, بل على العكس, وعندما أرادوا المشاركة في الانتخابات النيابية في أول دورة بعد »اتفاق الطائف« في العام 1992, ذهبوا إلى إيران واستفتوا الخامنئي بشأن مشاركتهم. ومن المؤكد أنه طلب منهم الدخول في النظام. وليس المهم أن يدخلوا أو لا, بل المهم إلى من يرجعون إليه في المسائل السياسية وليس في المسائل الدينية, يذهبون إلى الخامنئي ليسألوه عن الصلاة والصوم, بل عن المشاركة في الانتخابات, إذا هم يؤكدون أن ولاية الفقيه هي مرجعيتهم السياسية. وكذلك الأمر بالنسبة للعمل العسكري وغيره.
القضية ليست المشاركة فقط في النظام اللبناني إنما هي الإيمان بهذا النظام, وأن تكون سياسة حزب الله منبثقة عن رؤية الشعب اللبناني ولمصلحته وليس منطلقاً من رؤية خارجية.
  ما حقيقة أصل فقيه الولاية?
  تحدث علماء وفقهاء كثر في هذه المسألة, ولكنها في الأساس لم تكن سياسية. كان أحدهم الشهيد الأول محمد ابن مكي العاملي تحدث عن ولاية الفقيه في وقت لم يكن هناك قيادة سياسية للشيعة في أي مكان, ومن الواضح آنذاك أن القيادة كانت في الدولة العثمانية.
ولاية الفقيه كانت تطرح سابقاً في إطار يسمى بالوصاية, أي الولاية على الصغار والقاصرين وعلى فاقدي الأهلية, لإدارة شؤونهم الإنسانية والاجتماعية. وقد أعطيت الطابع السياسي بداية في إيران في أوائل القرن التاسع عشر, حين نشب صراع بين المشروطة والمستبدة, وبعدها في زمن الخميني من أجل إعطاء الفقيه صلاحيات دينية واسعة في قيادة الثورة والدولة بعد ذلك.
عند الشيعة كانت مسألة الخروج على الحاكم التي تستلزم سفك الدماء والهدم والقتل, تحتاج إلى إذن خاص من الإمام المعصوم. وبما أن الإمام المعصوم غير موجود طرحوا مسألة الولي الفقيه ومنحه صلاحيات واسعة في الثورة وإقامة الدولة, أي منحه الهالة الدينية المطلوبة.
  سؤالنا الأخير هو عن شخصكم, فهل ما زلتم مبعدين عن الجنوب?
  نعم. منذ 9 مايو 2008 عندما هوجمت دار الإفتاء الجعفري في مدينة صور في الجنوب. لم أتمكن من العودة إلى هناك, لأن قوى الأمر الواقع, حركة أمل وحزب الله اقتحمتا المكان بقوة السلاح واحتلاه, ومنذ ذلك التاريخ لم يتغير شيء.