المستقبل – الثلاثاء 22 شباط 2011 – العدد 3919 – شؤون لبنانية – صفحة 5
لا يحاذر العلامة السيد علي الأمين في تبيان أخطاء 14 آذار في تعاطيها مع جمهور الشيعة، وهو الذي دفع ثمن مواقفه السياسية في دعمه لمشروع الدولة والعدالة، وفي مناهضته لهيمنة الثنائية الشيعية على الجنوب، وأخذ الجنوبيين رهينة لمشاريع اقليمية تحت عنوان المقاومة.
العلامة الأمين صوت مختلف ومميّز، له جرأة القول في مقارباته، ولذلك لا يلبس القفازات، في حديثنا معه، كان واضحاً وشفافاً في نقده لتجربة 14 آذار مع الجمهور الشيعي. وهو يرى أنه “خلال السنوات الماضية لم نجد المقاربة الحقيقية والجادة من قوى 14 آذار باتجاه الرأي الآخر داخل الطائفة الشيعية وقوى الاعتدال فيها، ولذلك نحن نرى أن قوى 14 آذار لم تنجح في السابق، ليس بمعنى الفشل في مسعاها، بل لأنها لم تكن تسعى أصلاً بهذا الاتجاه إرضاء للثنائي الشيعي (“أمل” و”حزب الله”)، الذي تقاسمت معه السلطة على قاعدة المحاصصة بين الطوائف، والوكالة الحصرية في المسؤولية عن كل طائفة للفريق السياسي المهيمن على الطائفة، ولذلك فقد انحصرت خدمات الطائفة الشيعية ومصالحها بالفريق الذي يحتكر تمثيلها في كل المجالات، وهذا كان بتوقيع وإمضاء من قوى 14 آذار التي كانت السلطة بيدها في تلك المرحلة، وهذا من أهم العوامل التي أدت إلى تكريس هيمنة الثنائي على قرار الطائفة الشيعية”.
وشدد على أنه “عندما كانت السلطة بيد 14 آذار لم تعمل لربط المواطن بالدولة، بل كانت تأتي بالمساعدات العربية والدولية وبكل التسهيلات وتقدمها للثنائي شريكها في السلطة، مما جعل الطائفة الشيعية مرتبطة بمن يقدم لها الخدمات والعون المباشر وليس بالدولة التي اقتطعت طائفة بأكملها وبكامل احتياجاتها إلى الثنائي المهيمن عليها، حتى صَّدق المهتمون بالشأن اللبناني والشيعي خصوصاً، أنه لا يوجد من يمثل الطائفة الشيعية في الدولة سوى الثنائي، لا سيما بعد استقالة وزراء الشيعة التابعين لأمل وحزب الله، ورفض سلطة 14 آذار تعيين البديل عنهم وكأن الطائفة الشيعية خلت من الكفاءات!”.
ويضيف موضحاً الصورة: “إن الدولة بكل أجهزتها ساعدت على إقناع الناس المهجرين الذين دُمرت ديارهم وقُتل أبناؤهم في عدوان تموز بنظرية الانتصار، وأضافت إلى إنجازات الثنائي حصرية الخدمات والإعمار، فأصبحوا بنظر الناس صنّاع الانتصار ورجال الإعمار والدولة غائبة عن الأبصار”.
ويتوقف عند أحداث السابع من أيار 2008 واتفاق الدوحة، فيجدد تأكيده أن “قوى 14 آذار بقيت على عهدها في الوفاء بالمحاصصة، لا ترى ممثلاً للطائفة الشيعية سوى الثنائي المهيمن عليها، والذي يأخذ بأيدي أبنائها إلى خارج مشروع الدولة، وانخرطت مع الثنائي في مشروع جديد للسلطة قام أيضاً على المحاصصة والوكالة الحصرية وإبعاد الرأي الآخر، وأعطت بذلك انطباعاً بأن الذي يسقط الدولة ويخرج عليها هو الذي يشارك في السلطة، وأما الذي يقف معها ويدافع عنها، فليس له من موقع فيها ولا يستحق أن يكون شيئاً مذكوراً!”.
ويشدد العلامة الأمين على أن “كل هذه التصرفات وغيرها من قوى 14 آذار، جعلتها بعيدة عن جمهور الرأي الآخر داخل الطائفة الشيعية، ولم تشجعه على الدخول معها والقبول بمشروعها، خصوصاً عندما لم تقم هذه القوى بواجبها تجاه رموزٍ شيعية وقفوا معها في أصعب الظروف دفاعاً عن مشروع الدولة ودفعوا الأثمان في سبيل ذلك”.
ويرى أن “مشكلة قوى 14 آذار التي ظهرت من خلال تجربة السنوات الماضية، تكمن في أنها فقدت الآلية الصحيحة لتطبيق المشروع الذي طالبت به جماهيرها وهو مشروع دولة القانون والمؤسسات الحامية للسيادة والاستقلال والحافظة للحريات الدينية والسياسية”، معتبراً أن “هذا المشروع كان يتطلب من قوى 14 آذار الاحتضان والتعاون مع كل أنصار مشروع بناء الدولة الحديثة المدافعين عنها من كل الطوائف اللبنانية، ولكن الذي حصل أن قوى 14 آذار حوّلت ذلك المشروع الهدف إلى مشروع سلطة وقتية، فاستسلمت للواقع الفاسد الذي جاءت لتغييره، وفقدت بذلك الرؤية والمشروع لمواجهة المشاريع الأخرى الهادفة إلى عدم قيام الدولة ولبقاء الوطن ساحة للنفوذ الإقليمي ومدت يدها وأعطت إمكاناتها في السلطة وخارجها إلى الفريق الذي لا يريد قيام الدولة، بل يريد إسقاطها إذا لم يتمكن من ابتلاعها والهيمنة عليها”.
ويلفت الأمين إلى أن “قوى 14 آذار لم تستطع خلال وجودها في السلطة أن تثبت أنها النموذج الآخر المختلف عن فريق ما يسمى بالمعارضة المهيمنة على الشارع بقوة السلاح، لا على مستوى الأداء والممارسة ولا على مستوى الاحتضان لأصحابها، على عكس الفريق الآخر من هذه الناحية، حيث كان يتمسك دائماً بأصحابه ويثبتهم، بينما قوى 14 آذار كانت جاهزة للتخلّي عن أصحابها وإقصائهم تحت عنوان التشدد والتعصب وغير ذلك من العناوين، طلباً لرضى الفريق الآخر وتسهيلاً لعملية الوفاق الذي تتطلبه الشراكة في السلطة”، ويستدرك قائلاً “رغم ذلك فإن قوى 14 آذار لم تحصل منهم على ما تريد كما أثبتت الأحداث والوقائع المتعددة، خصوصاً ما حصل أخيراً من الاستشارات النيابية التي كشفت عن خسارة قوى 14 آذار للأكثرية النيابية”.
أما عن المطلوب من قوى 14 آذار من خلال توصيفه، فيشدد العلامة الأمين على أهمية إجراء “عملية جرد حساب شاملة لمواقع الخطأ والصواب، ولا يكفي الاعتراف بالخطأ بالجملة، لأن ذلك لن يصحح الخطأ ولن يمنع من الوقوع في الأخطاء نفسها مرة أخرى، ويجب عليها العودة لتوضيح الأهداف الأساسية التي كانت من أجلها الانطلاقة، لأن ذلك يساعدها على اختيار واعتماد الآليات الصحيحة لنشر أفكارها وتوسيع قواعدها في مختلف المناطق اللبنانية، ويساهم ذلك في كسر الأسوار المذهبية والحواجز الطائفية وصولاً إلى المشروع الوطني الكبير الذي يتطلع إليه اللبنانيون جميعاً”.
ويختم الأمين كلامه بقول الشاعر:
“ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبسِ”.