العلاّمة السيد علي الأمين:
-حرب الإسناد لم تمنع عن غزّة وقوع المجازر، وأوقعت لبنان في دائرة المخاطر
– المشهد الدامي في غزة ولبنان يظهر عجز المجتمع الدولي ومؤسساته عن وقف الحروب والمجازر
-الدولة اللبنانية وحدها هي التي تحمي اللبنانيين،لا أحزابهم،ولا طوائفهم،ولا مذاهبهم
-انتخاب رئيس للجمهورية يمهد لوقف الحرب وتنفيذ القرارات الدولية
-تشريع الحرب في الإسلام للدفاع مرتبط بدفع العدوان وليس لاستدراجه
-حصر السلاح وقرار السلم والحرب بيد الدولة اللبنانية
-الوحدة الوطنية تجلت في احتضان النازحين
….. فيما يلي نص المقابلة كاملة مع سماحة العلاّمة السيد علي الأمين:
خاص – دبي- المصدر: العربية.نت ١٠-١٠-٢٤
1- كيف تتابعون مشاهد الحرب المؤلمة والدامية بين إسرائيل وحزب الله في لبنان خاصة مع تسبب القصف بقتل مدنيين وطواقم ميدانية عاملة لا علاقة لهم بالطرفين؟
العلامة السيد علي الأمين: نتابع مشاهد الحرب في لبنان وآثارها على الإنسان والعمران كما تابعنا ونتابع الحرب في غزّة بالآلام والأحزان،وقد رأينا الإجرام الذي طال ويطال الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال الذين يدفعون أثمان هذه الحرب دماءً ودماراً وتهجيراً،ولم يؤخذ فيها رأيهم ولم يكن لهم فيها خيار. ومما يبعث على المزيد من الأسى عجز المجتمع الدولي وتراخيه عن وقف هذه الحروب والمجازر،وهو ما سوف يؤدي الى المزيد منها وإلى اضعاف الثقة بالمؤسسات الدولية ودورها في وقف العدوان وتحقيق السلام بين الشعوب.
2- شرائح لبنانية وعربية عريضة تحمل حزب الله مسؤولية فتح الجبهة اللبنانية وإقحام لبنان في حرب لصالح الأجندة الإيرانية وعلى حساب المصلحة اللبنانية. هل تتفقون مع هذا الطرح علما بأن التهديدات الإسرائيلية كانت واضحة؟
العلامة السيد علي الأمين: “نحن عبرنا عن رأينا في هذه الحرب بعد اندلاعها،وقلنا بأنها غير مفيدة لغزّة وتجرّ الضرر إلى لبنان وتجعله في دائرة الخطر. وأما القول بأن التهديدات الإسرائيلية كانت واضحة تبريراً للدخول في الحرب فهو قول غير صحيح،لأن هذه التهديدات كانت موجودة قبل السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، فلماذا لم يعلن حزب الله بسببها الحرب؟ ولماذا أجرت الحكومة اللبنانية التي يشارك فيها حزب الله اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي في ظل تلك التهديدات الواضحة كما يقولون عنها!”
3- هل تعتقدون أن حزب الله أخطأ الحساب والتقدير بفتح ما أسماها بجبهة لإسناد غزة من لبنان وبالتالي خاض مرة جديدة مغامرة غير محسوبة كما وصف البعض حرب عام 2006؟
العلامة السيد علي الأمين: “نحن قلنا في حرب تموز عام ٢٠٠٦ أنها كانت بلا إعداد ولا استعداد،وقد أدخل حزب الله لبنان في حرب غير متكافئة،كما ثبت ذلك بالوقائع،وقلنا أيضاً بأن لبنان هو جزء من العالم العربي،لا يمكنه أن يتحمل تبعات الحرب وحده،وهناك مبادرة سلام عربية،فإذا اختار العرب السلام فنحن جزء منهم،وإذا اختاروا الحرب فنحن جزء منهم،وليس لنا أن ندخل لبنان وحده في حرب تضره ولا تنفع قضية الشعب الفلسطيني،وهذا ما يتكرر اليوم في حرب جبهة الإسناد لغزّة التي اتخذ قرارها حزب الله وحده دون الرجوع إلى الدولة اللبنانية والشعب اللبناني. وقد سكت عن كل ذلك المسؤولون في الدولة اللبنانية!.”
4- يدعو البعض حاليا إلى نزع سلاح حزب الله تنفيذا للقرارات الدولية ذات الصلة ومنها 1559 و 1701. هل تؤيدون هذا الطرح لإنهاء الحرب؟
العلامة السيد علي الأمين: “عبرنا عن رأينا بسلاح المقاومة منذ عام ٢٠٠٠ بعد انسحاب العدو الإسرائيلي من الشريط الذي كان يحتله في جنوب لبنان،وقلنا نحن لا نريد أن يُلقى هذا السّلاح في البحر ولكنّنا نريد له الإنتظام في مشروع الدّولة اللّبنانيّة المسؤولة وحدها عن حفظ البلاد وأمن العباد كما هو معمول به في كلّ دول العالم. ومن خلال تسليمه إلى الجيش اللبناني وانخراطهم في مشروع الدّولة يصبح الجيش اللبناني أكثر قدرة على مواجهة الإعتداءات الإسرائيلية المحتملة.ولكن الذي حصل أن حزب الله انخرط في الدولة بدون تسليم سلاحه إليها، وانتزع من الدولة بحكوماتها المتعاقبة منذ حرب تموز ٢٠٠٦ شعار الثلاثية…جيش وشعب ومقاومة.”
5- هل فتح حزب الله لجبهة الإسناد كما يصفها مقبول من الناحية الشرعية خاصة وأنه لم يثبت حتى الآن أنه تمكن من حماية لبنان واللبنانيين ومع حالات القتل والإصابة والتشريد التي يتعرض لها المدنيون بما يفوق المليون شخص كضرر مباشر؟
العلامة السيد علي الأمين: “من مقاصد تشريع الحرب الدفاعية في الإسلام هو دفع العدوان وليس استدراجه للقضاء على البشر والشجر والحجر،ولا يتحقق ذلك بدون الإعداد والإستعداد،كما جاء في قول الله تعالى(وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة…).والدفاع هو تكليف شرعي،ومن المعلوم عند أهل الشرع والفقه أن التكاليف الشرعية مشروطة بالقدرة .
6- هل أنتم قلقون من اندلاع قلاقل أمنية أو حرب أهلية في لبنان لا سمح الله بسبب التطورات الأخيرة؟
العلامة السيد علي الأمين: في ظل وجود سلاح غير سلاح الدولة يبقى القلق موجوداً من وقوع الأحداث الأمنية،وقد حصل القمع بالسلاح غير الشرعي للإنتفاضة الشعبية التي حصلت قبل سنوات في وسط بيروت وغيرها من المدن اللبنانية،ويزداد هذا القلق بسبب هذه التطورات الجارية في ظل وجود السلاح الخارج عن سيطرة الدولة اللبنانية،وما يبدد هذا القلق هو قيام الدولة ببسط سلطتها الفعلية على كامل الأراضي اللبنانية على نحو تكون فيه هي المرجعية الوحيدة في قضايا الشعب اللبناني.
7- تقول تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي، ووزير خارجيته وقياداته العسكرية باستمرار دعم حزب الله وربط لبنان بغزة دون دعم تسهيل تطبيق القرارات الدولية وانتخاب رئيس توافقي في لبنان رغم كل الدعوات بهذا الشأن والحالة الإنسانية المزرية، ما هي رسالتكم اليوم للنظام أو الحكومة الإيرانية؟ وهل تعتقدون بأن إيران ومحورها في المنطقة قاما بواجباتهما كاملة في دعم حزب الله عندما اندلعت الحرب منذ أسابيع وسقطت قواعد الاشتباك التي كانت قائمة منذ عام؟
العلامة السيد علي الأمين: ربط لبنان بغزّة وانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية هو شأن لبناني، وقد قلنا للمسؤولين في النظام الإيراني منذ ثمانينات القرن الماضي بأننا نرفض مبدأ تدخل دولة في شؤون تخص دولة أخرى،وطلبنا منهم مراراً أن تكون علاقة الدولة الإيرانية مع الدولة اللبنانية بشكل مباشر وليس من خلال الأحزاب والجمعيات والطوائف، وهذا ما طلبناه من الأحزاب المرتبطة بإيران وغيرها وقلنا لتلك الأحزاب والجماعات : إن التأييد لسياسة دولة خارجية لا يعني الارتباط العضوي بها وتنفيذ سياستها،لأن هذا يتنافى مع الولاء للوطن ومؤسساته.
أما عن سؤالكم هل قامت إيران ومحورها بواجبات الدعم لحزب الله في الحرب…فالجواب أن ما جرى ويجري في غزّة وصل إلى حد الإبادة الجماعية لأهلها ولم نر من إيران ومحورها عملاً يتناسب مع تلك المأساة الجارية،وكذلك هي الوقائع التي جرت في لبنان حتى الآن تدل على أن دعم إيران لحزب الله المعدود يدها اليمنى لم يكن بمستوى الخسائر التي وقعت بحزب الله والشعب اللبناني.
8- تطالب الدول العربية بوقف الحرب وتطبيق القرارات الدولية وانتخاب رئيس توافقي للبنان والحفاظ على وحدة الأراضي اللبنانية وسيادتها، ما هي رسالتكم للدول العربية في ما يتعلق بدورها المنوط بها أن تلعبه في الأزمة الراهنة؟
العلامة السيد علي الأمين: نحن مع هذه المطالب التي أعلنتها الدول العربية،ونعتبر انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وفق الدستور اللبناني أمراً مهمّاً لوقف الحرب في لبنان،فهو الذي يفتح الطريق لتطبيق القرارات الدولية.وهو أمر يمكن أن يحصل غداً إذا تم الإلتزام بالدعوة لانتخاب رئيس للجمهورية.
ومع عدم الإلتزام يمكن صدور دعوة عاجلة من الدول العربية للإجتماع بالأطراف المختلفة على انتخاب رئيس للجمهورية ومطالبتهم بواجب القيام بالعملية الإنتخابية ووضعهم أمام مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية.
9- هل تتفقون مع ما يذهب إليه البعض من دور محوري يجب أن يلعبه اليوم رئيس المجلس النيابي نبيه بري في توحيد صفوف الطائفة الشيعية الكريمة في لبنان ودفعها للانخراط في مؤسسات الدولة بعيدا عن الفصائل المسلحة ونفوذها الذي تمارسه في الدولة والوطن بعيدا عن مفاهيم السيادة والحرية والاستقلال التي لطالما تمسكتم بها كمنقذ للبنان واللبنانيين؟
العلامة السيد علي الأمين: الجواب الإجمالي عما ذهب إليه البعض،هو:…كما ورد في كلام السيد المسيح عليه السلا الإنجيل(من ثمارهم تعرفونهم).وهل ما عاشه أهلنا في عدوان تموز ٢٠٠٦ وما يعيشه أهلنا اليوم في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية من المآسي إلا ثمرة من الثمرات المرّة للتحالف بين الثنائي الشيعي المؤيد للسياسة الإيرانية في لبنان والمنطقة العربية.هذا التحالف الذي وقعت في ظله مصادرة دور الدولة في الحرب والسلم وغيره من التجاوزات التي لا يتسع المجال لتعدادها والتي امتدت إلى قمع الحريات.
10- كيف يمكنكم مخاطبة بنات وأبناء الطائفة الشيعية الكريمة ممن لا يزالون يعتقدون بضرورة بقاء حزب الله كحام لهم ولطائفتهم وللبنان، وبالتالي هل من مبرر لخوفهم من الآخر الذي يبررونه تارة بتاريخ من المظلومية في الدولة وتارة أخرى بتخوين أفرقاء آخرين يفترض أنهم شركاء في الوطن والمواطنة؟
العلاّمة السيد علي الأمين: بنات وأبناء الطائفة الشيعية المنتسبون لحزب الله والمناصرون له وإن اختلفنا معهم في الرأي ولكن لا يفسد اختلاف الرأي في الودّ قضية، فهم جزء لا يتجزأ من أهلنا،وهم منّا ونحن منهم،وكلنا جزء من الشعب اللبناني الواحد المؤمن بلبنان العيش المشترك،والذي تجلت صورة عيشه المشترك في احتضان أهلنا النازحين إلى صيدا وإقليم الخروب والشوف وجبل لبنان وبيروت وجبيل وكسروان وطرابلس وعكار،هذه الوحدة الوطنية التي تجلت في هذا الإحتضان والتعاون تخاطب اللبنانيين جميعهم بالخروج من اسوار الطائفية وسجون المذهبية الى رحاب الوطن الواحد ودولة العيش المشترك،ونقول إن الطائفة الشيعية لم تخرج في تطلعاتها عن تطلعات سائر الطوائف اللبنانية في الإيمان بالوطن الواحد، والعيش المشترك وقيام دولة المؤسسات والقانون،ولن تحمينا مذاهبنا ولا طوائفنا ولا أحزابنا، بل الذي يحمينا هو الانصهار الوطني والدولة العادلة التي تشكل المرجعية الوحيدة لشعبها والتي تبسط سلطتها على كامل أراضيها.