اجرى الحوار : ماريو عبود
* وزير الخارجية المصري يتحدث عن احتمال التوصل إلى وقف دائم للنار وبداية اتفاق في شأن المصالحة: هل ما يحصل في غزة يؤشر إلى هكذا احتمالات؟
– أعتقد أن ما جرى في غزة سيؤسس لهذه المرحلة المقبلة من المصالحة الداخلية ولعملية التهدئة الطويلة، فلا أظن أنه توجد مقومات لاستمرار الصراع والنزاع، لأن الكارثة كانت كبيرة جداً، والأطراف أصبحت تدرك مدى عواقب الاستمرار في هكذا عمل أو الرجوع إليه. لذلك نرى أن التدخل المصري الفاعل والمؤثر أدرك هذه الأمور. فمن هنا أتوقع أن ما يقوله السيد أبو الغيط سيتحقق خلال الشهر المقبل.
* لكن »التخوين« وصل إلى مرحلة متقدمة، خصوصاً بعد كلام السيد أسامة حمدان الذي أكد أن من أخفق في العودة إلى غزة على ظهر دبابة إسرائىلية لن يستطيع العودة إليها من خلال الإسمنت، إذاً ماذا ستفعل مصر؟
– »حماس« لا يمكنها الاستغناء عن الدور المصري لأنه فاعل ومؤثر إذا ما أرادت »حماس« أن تحصل على ما تطرحه من بنود، وإذا ما أرادت أن تكون واقعية، وذهاب »حماس« المتكرر إلى مصر أكبر شاهد على ذلك.. ولو كان ما يقوله الأستاذ أسامة حمدان بعيداً عن التعبئة الإعلامية، صحيحاً، لما ذهبت »حماس« إلى مصر وأجرت المفاوضات المتكررة من أجل أن تقوم مصر بدور التهدئة التي تطلبها »حماس«.
* عندما ترون أن »حماس« تدفع هذه الأموال لعوائل الجرحى والشهداء وحتى لإعادة البناء، فهل هذا الموضوع يطرح عليكم علامة استفهام معينة، ومن أين تأتي »حماس« بالأموال؟
– علاقاتها معروفة ببعض الدول الإقليمية التي تمنحها مالاً مثل إيران وغيرها، لكن لا أظن أن هذا المال سيكون كافياً للقيام بالإعمار بمعزل عن التضامن العربي. التضامن داخل فلسطين. المطلوب من »حماس« أن تكون جادة وتبادر إلى عملية المصالحة الداخلية وإلى السعي الجاد لتضامن عربي، لأن مصالحتهم الداخلية تؤدي إلى تضامن عربي يؤدي بدوره إلى إزالة أثار العدوان.
* عندما يقول أوباما إن على الفلسطينيين والإسرائيليين أن يدركوا أن الوقت حان ليعلموا أن المسار الذي يسلكونه لن يؤدي إلى الرخاء وأمن الشعبين، أليس في ذلك اقتناع ضمني أن السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي الإسرائىلي فشلت؟
– يبدو أن الرئيس أوباما يريد أن يعطي انطباعاً أن هناك سياسة جديدة تسعى من أجل تحقيق ما رفعته الإدارة السابقة من تحقيق السلام في الشرق الأوسط.. لا شك أن الإدارة السابقة رفعت شعار السلام وكانت هناك مساع لم تكلل بالنجاح؛ فالرئيس أوباما يقول إن ما رُفع من شعارات لم يتحقق وقد آن الأوان من أجل أن يصبح هذا السلام ناجزاً.
* هل في كلام أوباما إشارات إلى ضرورة أن تغير إسرائىل من تعنتها، خصوصاً أن المعادلة قبيل الحرب كانت (وقف الصواريخ مقابل وقف النار) فأصبحت اليوم (إطلاق جلعاد شاليط مقابل فتح المعابر ووقف النار)؟
– حجم العدوان الهمجي كشف أن هناك إعداداً لضربة قوية لغزة وكانت أشدّ من مسألة الرد على الصواريخ، مع أنني لا أعتقد أن ضرب الصواريخ عمل ينفع في المقاومة، لأن عملية ضرب الصواريخ هي مهمة جيوش، والمقاومة عندما تتحول إلى جيش، لن تكون نيرانها بحجم العدو والخصم ولن تحقق أهدافها المرجوة.
* إذاً، كيف تكون مقاومة فعالة وكيف تحقق أهدافها؟
– عليها أن تعتمد على المقاومة والوسائل الشعبية، أما مقاومة الصواريخ هذه يمكنها أن تصل إلى مدى محدد، لكن بإمكان العدو أن يصل إلى كل الأمكنة. إذاً، كيف يمكن أن تُنازِل خصمك القادر على أن يصل إلى كل مكان بقواه النارية، بينما في عملية العبوَّة والكمين تنجح المقاومة وهذه وسائلها، أما وسائل الصواريخ فهي للجيوش. لذلك لا يمكن للمقاومة أن تقوم بالدورين: المقاومة الشعبية والجيوش، فهي، إذا قامت بدور الجيوش احتاجت إلى أعداد أكبر واستعداداً أشمل وإلا كشفت شعبها ومنطقتها لمزيد من الأخطار والأضرار. وبالتالي إذا عدنا إلى السؤال السابق يفهم من كلام أوباما أن هناك إشارة إلى الأطراف المتصارعة بأن هذا النموذج الذي اعتُمد خلال السنوات الماضية أنتج كارثة غزة.
* أليست مفارقة أن نرى الحذر إسرائىلياً تجاه رئيس أميركي، مقابل نوع من الارتياح العربي، خصوصاً أنه يقول إنه أميركي – عربي؟
– السياسة في أميركا تضعها مؤسسات لا أشخاص ولا أعتقد أن أوباما سيكون منحازاً إلى العرب أكثر من انحيازه إلى إسرائيل. أوباما يريد أن ينجح في تحقيق سلام في المنطقة وأن ينهي حالة الحرب والصراع.
جديد أزمة المنطقة: المشكلة الإيرانية
* هل تكفي إرادته لذلك، وما هي العناصر التي تلعب لصالحه وضده (إقليمياً)؟
– طبعاً يحتاج إلى عوامل عدة وإلى حل جملة من الملفات التي يمكن أن تساعد على الحل الشامل، وبالتالي الانطلاق من مقولة السلام العادل، وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني لأن مشكلته أساس الأزمة في المنطقة؛ فإذا تحققت العدالة وفي طليعتها حق العودة للفلسطينيين أعتقد أنه عندئذ يمكن أن يحقق نجاحاً كبيراً، مع حل بعض الملفات الإقليمية كإيران مثلاً لأنها يمكن أن تنعكس إيجاباً.
* إذاً، هل يمكن بعد حرب غرة أن نتحدث عن فلسطين ونترك الموضوع الإيراني؟
– إيران لا تريد أن تصبح منفردة في هذا الأمر.
* أو مُستفرّدة؟ – مُستفردة طبعاً، وسوف تسعى من أجل أن تحصل على شيء في عملية السلم التي طرحها أوباما. الملف الإيراني أصبح جزءاً من مشكلات المنطقة ولم تعد المشكلة في المنطقة منحصرة في أزمة الصراع العربي الإسرائيلي.
* وبالتالي هل تستشعرون أي خطر على حل القضية الفلسطينية في حال بقي موضوع الملف النووي عالقاً؟
– طبعاً، إذا بقي الملف عالقاً ستكون هناك عقبات لإنجاز وحل الملف كاملاً في الشرق الأوسط؛ لقد أدركنا، من خلال حرب تموز/ يوليو والتداعيات، أن الملف النووي أصبح حاضراً على ساحة الصراع العربي الإسرائيلي، لذلك يجب أن تكون هناك حلول، والإيراني يجب أن يدرك أيضاً أن الاستفادة من هذا الأمر لصالح الملف النووي ليست استفادة طويلة الأمد، لأنني أعتقد أن هناك قراراً دولياً حاسماً بمنع صيرورة إيران دولة نووية، وعليها أن تفكر، لأنه قد يسبقها القطار ويحدث انفجار كبير في المنطقة.
»الانتصار« مفهوم عربي – نسبي!
* الرئيس الأسد يعتبر أن الانتصارات الصغيرة هي كدرجات السلم ستؤدي إلى انتصارات أخرى وصولاً إلى الانتصار الأكبر. هل توافق؟
– لا أعتقد أن ما حصل في غزة فيه انتصار للمقاومة الفلسطينية ولحركة »حماس« وفي الوقت نفسه لا نريد أن نشهد للعدو الإسرائىلي بأنه قد انتصر، ولا نريد أن نشهد للعدو سوى ما حققه من مجازر ودمار في غزة؛ لكن الانتصار لا يؤخذ دائماً من عدم تحقيق العدو لأهدافه، ونحن غالباً في قضايانا العربية نحاول أن نضع للعدو أهدافاً لمعركة يقوم بها، ومن ثم نقول بما أنه لم يحقق هذه الأهداف، إذن فقد انتصرنا عليه. عدم تحقيق العدو أهدافه شيء والانتصار عليه شيء آخر. وإذا أردنا أن نتحدث بلغة علماء المنطق والأصول، إن الانتصار ليس معنىً عدمياً، إنما معنىً وجودي. في اللغة يؤخذ من الغلبة في وقائع الميدان ومن الظهور على الخصم. مع الأخذ في الاعتبار معادلات الربح والخسارة. ونحن لم نر ظهوراً لحماس على العدو الإسرائىلي أو أنها تغلبت عليه في وقائع الميدان، لذلك نقول لقد وُجد صمود وصبر وشجاعة وتحمّل، وهذه المعاني لم تكن بحاجة إليها لأنها ثابتة منذ ستين عاماً.
* الوزير (أبو الغيط) يقول إن إيران و»حزب الله« و»حماس« يريدون إشعال حرب في الشرق الأوسط، هل توافقه؟
– لو استمرت الحرب في غزة لكانت قد أدت إلى دخول أطراف أخرى على ساحة الصراع، وكان بالإمكان أن تندلع حرب في الشرق الأوسط، فالنية موجودة.
»الحزب«.. والحرب
* أضيف أن المبعوث الرئاسي الفرنسي (فيليب ماريني) ذكر أن الأسد استخدم نفوذه للتأثير على »حزب الله« لعدم التدخل أثناء الحرب على غزة. إذاً، كنا لنتورط؟
– لا أشك أنه لو تدخل »حزب الله« في المعركة لتجاوز الصراع حدود لبنان.
* إذاً. ليس صحيحاً أنه ملتزم قرار الإجماع داخل الحكومة واحترام القرار 1701؟
– »حزب الله« قبل بالقرار 1701 مكرهاً وهو يقول إنه قرار ظالم، ولا يزال يقول أنا موجود، ولي وجود حتى على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، ويؤكد أن ترسانة الأسلحة ازدادت، كما لا يزال يمارس دوره بشكل طبيعي. والقرار 1701 لم يحد من تحركاته، بالشكل الظاهر.
* إذاً، ما كان يقوله خلال حرب غزة، عن أن الصواريخ التي أطلقت ليس لها احتضان سياسي نوع من »الخداع السياسي«، وبالتالي لو لم يكن هناك نفوذ سوري لكنا تورطنا؟ – هو لا يريد أن يتحمل المسؤولية، وفي الوقت نفسه كأنه لا يريد التنكر للتضامن مع غزة والدفاع عنها، ويريد أن يقول للبنانيين إنني لست مسؤولاً عن الصواريخ. وهذا الكلام ليس كافياً لكي يُقبل، لأنهم يقولون سلاحنا لحماية لبنان، فنقول لهم: حماية لبنان لا تكون فقط من العدوان الإسرائيلي على لبنان، بل من عمليات تنطلق من لبنان وتؤدي إلى زجه في حرب خاسرة.
* لكن ذلك ليس من مسؤولية الحزب، بل واجب الدولة واليونيفيل؟
– هو يقول بستراتيجيته الدفاعية لحماية لبنان، فكيف تكون حماية لبنان؟ هي لا تكون فقط من رد العدوان، بل يجب أن تحمي لبنان من بقاء أرضه مفتوحة للقيام بعمليات تستدعي عروض الحرب الإسرائيلية.
المصالحات.. وما بعدها
* ما هي الاحتمالات المطروحة للعلاقات السعودية السورية بعد مصالحة الكويت، وبعد وصف الرئيس الأسد لها أنها كسر للجليد؟
– كانت خطوة مهمة وتحتاج إلى متابعة واستمرارية، وهي منعت انفجار القمة العربية في الكويت، كما أعتقد أنها مهدت لخطوات لاحقة يتم فيها اللقاء بين مصر وسورية والسعودية وبعض الأطراف العربية الأخرى.
* إذاً، لا يمكن وصفها بربيع سياسي، بل سنونوة ومرَّت في الفضاء العربي؟
– البناء عليها يحتاج إلى تكريس وتثبيت.
* عندما يقول الرئيس الأسد إن العلاقات العربية – العربية مرهونة بإيقاف العلاقة مع إسرائىل لا مع إيران، أليس هذا اعترافاً واضحاً أن الانفتاح على الخصم العربي لن يكون على حساب العلاقة بإيران؟
– المصالحة، هي مصافحة، تشكل مقدمة للمصالحة، فالعلاقات التي تربط سورية بإيران والمقاومة في فلسطين ولبنان أعمق من أن تزول بعملية لقاء بين الرؤساء والملوك، وعندما يقول الأسد بوجوب قطع العلاقة بإسرائىل فهذا يجب أن يقود إلى وضع خطة بديلة وإحياء حالة الحرب والخروج من الحرب الكلامية إلى حالة الاستعداد لدى الدول العربية، وهذا لا يتم من دون تضامن عربي، فكيف يمكن أن يتفق العرب على هذا الأمر وهم لديهم مبادرة سلام؟
* ألا ترى أنه من مصلحة سورية القومية أن تتعاون مع ما يسمى بالاعتدال العربي، خوفاً من التمدد الأفقي للأخوان المسلمين وعلاقتهم بـ»حماس«؟
– مصلحة سورية أن تكون علاقاتها متينة مع كل الدول العربية، خصوصاً مع المحور السعودي المصري وما يمثلانه من محور اعتدال في العالم العربي، لأنه وفي نهاية المطاف، إيران البعيدة لن تكون لها تلك الأجواء الإيجابية داخل المجتمع العربي، ونحن مع مطلب الأسد بألاّ يعادي العالم العربي إيران، ولكن هذا النفوذ الذي تسعى إليه إيران داخل العالم العربي مرفوض، إذ يجب أن يتم التعاطي بين العرب وإيران لا بين إيران وبعض الجماعات والتنظيمات في العالم العربي.
المختبر اللبناني..
* ألا تعتقدون أن الساحة اللبنانية تشكل المختبر لأي نية طيبة بين العرب؟
– عندما تكون العلاقات طبيعية بين الموالاة والمعارضة أو حتى عندما تتحسن، فهذا يكشف عن تحسن عربي، لأنها انعكاس للنزاع والصراع. فلكي نستكشف إذا ما كانت المصالحة أخذت طريقها إلى الاكتمال يجب أن نرى شيئاً على الساحة اللبنانية.
* لكن الخطاب الأخير للأفرقاء لا يؤشر إلى أن المصافحة ذاهبة إلى مصالحة؟
– ما نراه ونسمعه من خطاب له أبعاد انتخابية. لكن إذا استمر هذا الوضع فهذا يؤشر إلى أنه لا يوجد اتجاه نحو المصالحة الحقيقية.
* كان واضحاً الرئيس الأسد عندما اعتبر أن »إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة«، لكن هل هذا الكلام يحمل في طياته انتقاداً ضمنياً إلى الهدوء الذي ساد جبهة الجولان أكثر من ثلاثة عقود؟
– لا يقصد النقد النفسي (الذاتي). إنما الضعف العربي بشكل عام، إذ ليست المسألة مسألة قوة عسكرية فحسب، لأنه حتى القوة السياسية التي تمثلها الدول العربية بما لها من ثقل دولي وإقليمي، لو كانت متماسكة ومتضامنة لأمكن الضغط على إسرائيل بمعزل عن القوة العسكرية، أما القول إن إسرائيل لا تفهم إلا بالقوة فلا أعتقد أنها دعوة إلى الحرب في الوقت الذي توجد فيه مبادرة سلام وهناك مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لاسترجاع الجولان.
الستراتيجية وخلفياتها
* هل الخلاف فعلاً على الستراتيجية الدفاعية، أم إن الستراتيجية انعكاس لخلاف أكبر وأعمق؟
– »حزب الله« أعلن مراراً وتكراراً أن الستراتيجية الدفاعية هي عبارة عن بقائه كما هو عليه، من دون الاندماج في مشروع الدولة والتنسيق معها، وقال إن أحداث غزة وما قبلها أثبتت نظرية ستراتيجيته الدفاعية، مع العلم أنه يفترض أن تثبت النظرية المعكوسة، فإذا كان هناك شك في حرب تموز/ يوليو حول الستراتيجية الدفاعية، جاءت أحداث غزة لتثبت أن الستراتيجية التي يطرحها »حزب الله« لا تحمي البلاد والعباد إنما تعرض البلاد إلى أفدح الخسائر والأخطار وتجعل البلد مكشوفاً أمام أعتى الأسلحة من دون إعداد أو استعداد.
* وبالتالي، لكل هذه الأسباب هو لا يعرض ستراتيجية مكتوبة على باقي الأفرقاء ويلتزم بها؟
– طبعاً، لأنه يقول هذه ستراتيجيتي، يتسلَّح ويحاول إطالة أمد الحوارات حتى تخرج عن إطار البحث والنقاش.
* إذاً ، مسألة تضييع الوقت؟
– تقطيع للوقت، وهي عبارة عن حالة من الارتباط بمشاريع إقليمية، ولذلك لو افترضنا أن قضية الصراع العربي الإسرائىلي حُلَّت غداً مع بعض الملفات الإقليمية، تنتهي مسألة الستراتيجية لأنها مرتبطة بالوضع الإقليمي لا بوضعنا نحن.
* سماحة السيد نصرالله قال إن غزة حسمت مسألة الستراتيجية، بينما الرئيس سليمان اعتبر أنها تأخذ وقتاً في بعض الدول وتستلزم سنوات فهل ذلك رد من الرئيس أن غزة لم تحسم الستراتيجية وهي فعلاً تحتاج لوقت؟
– كيف تأخذ سنوات، أنا لا أفهم ذلك!
* الرئيس تحدث عن ستراتيجية وطنية، والموضوع لا يتعلق فقط بالسلاح؟
– وكأنه يُقال، لا تنتظروا من جلسات الحوار أن تحسم الستراتيجية بجلسة أو جلستين وإنما سيبقى الأمر على ما هو عليه في الجنوب وفي المربعات الأمنية وفي كل المناطق إلى ما شاء الله، وإلا فإن الدولة هي التي يفترض بها وضع الستراتيجية الدفاعية، وتدافع عن أرضها وشعبها، وعلى كل الأفرقاء الموجودين على الساحة أن ينخرطوا في مؤسسات الدولة ويشاركوا في الدفاع.
مصيرية الانتخابات..
* سماحة السيد، هل صحيح أن الانتخابات مصيرية أم ستخرج فقط بنهج لأربع سنوات؟
– من قال إنها مصيرية يقصد بأنها ستحدد سياسة لبنان في السنوات المقبلة، ولم يقصدها بمعنى بقاء الوطن أو عدم بقائه. فهناك نهج يطالب بنهوض الدولة وقيامتها وتفعيل مؤسساتها لكونها المرجعية الوحيدة في السلم والحرب، وهناك نهج آخر يقول بأن الأمور تبقى على ما هي عليه؛ وبالتالي المقصود ممن قال إنها مصيرية، أن يعبِّر أن نهج »حزب الله« ومن معه سيؤدي إلى مزيد من عزلة لبنان في المراحل المقبلة وقد يوصلنا إلى ما وصلت إليه غزة وأعظم، هذا هو المقصود.
* من يمكن أن يكون قد أخطأ في حق الوطن والمواطن واستهان بثوابت لبنان يعتبر الانتخابات مصيرية بالنسبة لمشروعه، هكذا يقول الرئيس بري، فهل سعد الحريري استهان بثوابت لبنان؟
– الذي استهان بثوابت لبنان هو الذي اجتاح بيروت وثوابت العيش المشترك. ثوابت لبنان تقضي بعدم جواز استخدام السلاح في الداخل، ثوابت لبنان أننا نريد دولة المؤسسات والقانون؛ سعد الحريري لم يعطل المؤسسات، لم يعطل المجلس النيابي، ولم يجتح بيروت والجبل.
7 أيار جديد؟ ممكن!
* هل هذا الخطاب يؤشر لا سمح الله إلى 7 أيار آخر، وهل لدى الفريق الآخر الاستعداد للقيام بـ 7 أيار آخر حسبما قال النائب الحريري؟
– لا يوجد ضمانة لعدم عودة 7 أيار جديدة، لا يزال السلاح غير المنضبط موجوداً ولم تقم الدولة بعد اتفاق الدوحة بجمعه، وكان يُفترض أن يُجعل لهذا السلاح ضوابط من خلال الستراتيجية الدفاعية، لكنها لا تزال بعيدة المدى ولم تجر أي أمور جديدة لمنع تكرار ما حصل سوى ذلك البند الذي ذكر في اتفاق الدوحة، وهذا لا يشكل ضمانة من دون قوة الدولة.
* لماذا يغيب الحديث عن كتلة مستقلة خارج الوسط المسيحي: لماذا لا كلام عن هكذا كتلة في الوسط الشيعي مثلاً، هل هناك تسليم بالثنائية، وهل ذلك مستحيل؟
– ليس مستحيلاً، إنما أعتقد أنه لا توجد محاولات جدية من قبل الدولة ومن قبل قوى سياسية لتغيير المعادلة داخل الطائفة الشيعية.
* لا استعداد؟
– لا محاولات، حتى بعد 7 أيار، أنا قلت لبعضهم إن عملية المجاملات قبل 7 أيار كانت لدفع شرهم، لكن بعد ذلك، أي معنى للمراهنة لوجود تحالفات مع هذه القوى، يجب أن يكون هناك سعي من الدولة والقوى السياسية الأخرى لتغيير المعادلة داخل الطائفة الشيعية.
* لكن إذا سعت الدولة إلى تغيير المعادلة داخل الطائفة الشيعية ستُتهم بالسعي إلى ضرب الطائفة. فلماذا لا يأتي »التغيير« من قبل النخب الشيعية؟
– نحن نعمل، ويوجد في الطائفة شخصيات لها أثرها وتواصلها مع القواعد، كما ليس المطلوب أن تدعم الدولة فريقاً ضد آخر، لكن على الأقل ألاّ تدعم الفريق المهيمن .
* كيف تدعم الدولة الفريق »المهيمن«؟
– لأن كل إمكانات الدولة الممر الإجباري لها، بالخدمات والوظائف، هي عبر قوى الأمر الواقع. الممر الإجباري لخدمات الطائفة الشيعية هي الثنائي حركة »أمل« و»حزب الله«. نحن نقول للدولة: تعاطيْ بشكل مباشر مع المواطنين وأوصلي الخدمات إلى المواطن بشكل مباشر، حتى تخرجه من الارتهان لقوى الأمر الواقع.
* في آخر حديث للرئيس الأسد يقول: إن أي تعاون بين القضاء السوري والمحكمة الدولية يفترض وجود اتفاقية تحدد الحقوق والواجبات، هل هي بداية تجاوب مع المحكمة؟
– يمكن أن يحصل مثل هذا الاتفاق، ويمكن أن نستكشف من هذا الكلام أن الموقف بدأ يتعدل من المحكمة الدولية لأنها أصبحت واقعاً ومطلباً سيتحقق في القريب العاجل وحددت له أوقات، فكيف يمكن أن تقول سورية أنا لا أتعاطى مع المحكمة، لأنه عندها ستذهب الاتهامات باتجاهها.