السبت , ديسمبر 14 2024

العلاّمة السيد علي الأمين – مواجهة ثقافة التطرّف بالعمل على ترسيخ قواعد المواطنة ودعم خطاب الاعتدال الديني

أكد العلاّمة السيد علي الأمين خلال مشاركته في مؤتمر حوار الحضارات والثقافات أن منابع الحضارة البشرية تعدّدت بتعدّد الشعوب والأمم والجماعات واختلاف تجاربها على مرّ العصور وجهودها في إعمار الحياة وتقدّم الإنسان، ولا شكّ أن الجوانب المضيئة في هذه الحضارة من العلوم والثقافات والصناعات وسائر الإنجازات التي تقدّمت بالإنسان وجعلته تتغلّب على مصاعب الحياة، والتي أخرجته نسبيَّاً من الحال البدائية وظلمها وظلامها وصولاً إلى عصر العولمة والتنوير.
وقال العلاّمة السيد علي الأمين: لا شك أن التعدّدية التي انبثقت عن أصل واحد يلازمها التغاير والاختلاف في الآراء والأفكار والمعتقدات بين الشعوب والأفراد والجماعات، ولا يكاد يخلو وطن من الأوطان، ولا شعب من الشعوب، ولا أمَّة من الأمم من خصوصيَّة التعدُّد في الثقافات والديانات والتقاليد والعادات، وهذا لا يعني بالضرورة حصول الخلافات والنزاعات لوجود الكثير من المشتركات التي تؤسس لبناء أفضل العلاقات من خلال ثقافة الحوار التي تؤدي إلى التفاهم الذي يجنّب المجتمعات في العالم آفة النزاعات والحروب والصراعات.
وشدد على رفض تفسير الحروب والصراعات على أنها نتيجة حتمية لتصادم الحضارات واختلاف الأديان لأن الأديان في جوهرها واحدة وهي التي ساهمت إلى حد كبير في ترشيد الإنسان والوصول به إلى مجموعة القيم الإنسانية التي تلغي الفوارق بين الأمم والشعوب والنظرة الموحدة إلى الإنسان وحقوقه على اختلاف الاعراق والألوان، وقد كانت الرسالات السماوية جزءاً لا يتجزأ من تكوين الحضارة البشرية، وهي في أصل وجودها هادفة لإطفاء نار الاختلافات التي حدثت في حياة المجتمع البشري وهدايته إلى سواء السبيل.
وقال العلاّمة السيد علي الأمين: يجب البحث دائماً عن القواسم المشتركة في هذه الحضارة التي يجتمع تحت لوائها كل أصحاب الديانات والثقافات المتعددة، وسنجد في كتب السماء وكتب أهل الأرض ما يجتمع الناس حوله من قيم ومبادئ تحفظ الجميع، وفي اعتقادي أن الخطر المحدق بالبشرية اليوم ليس له من علاج إلا بإطلاق الحوار الديني والثقافي بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة والتي تشكل في تعددها واختلافها مصدراً من مصادر الغنى في المعرفة البشرية وتطور أنظمتها السياسية والاجتماعية، ولا نراها سبباً لحدوث الاختلافات والنزاعات بين المجتمعات البشرية كما يزعم بعضهم، ومن خلال تعميق هذا الحوار المتعدد الجوانب يمكن أن نصل إلى رؤية مشتركة بها يبتعد العالم عن ويلات الحروب ومآسيها ويمكن أن تسهم هذه الرؤية المشتركة في المزيد من تقدم العالم وازدهاره وعيش شعوبه وأممه ودوله في أمان واحترام وسلام.
وأكد العلاّمة السيد علي الأمين أننا نرى أن البشرية يمكن أن تعيش كلها بسلام خارج دائرة الصراع والذي يسهم بذلك مساهمة فعالة هو العودة إلى قيم السماء التي حملتها الرسالات السماوية، ويتم ذلك من خلال حوار جاد بين أهل الاختصاص من أتباع الديانات والمذاهب والثقافات يقوم على أساس القبول بالآخر واحترام خصوصيته وعدم السعي إلى إلغائه والسيطرة عليه.
وهنا تبرز مسؤولية الدول وولاة الأمر وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي بلغ فيها الشحن الطائفي مستوى خطيراً يهدد نسيج الوحدة والتعددية في شعوبنا ومجتمعاتنا والذي بات يشكل المناخ الملائم لانتشار ثقافة العداء والكراهية للآخر المختلف مما يهدد أيضاً العلاقات مع شعوب ودول العالم الأخرى.
والمطلوب لمواجهة هذه الحالة الطائفية الطارئة التي تهدد الاستقرار في بلداننا وعلاقاتنا مع الشعوب الأخرى أن يتحرك – بالدرجة الأولى – ولاة الأمر والحكام في دولنا العربية والإسلامية – لانهم يمتلكون الإمكانات لمواجهة ثقافة التطرّف بالعمل على ترسيخ قواعد المواطنة التي تقوم على العدل والمساواة بين المواطنين، وبدعم خطاب الاعتدال الديني وتنظيم التعليم الديني وإقامة المعاهد الدينية المشتركة، واعتماد الوسائل الإعلامية والقنوات التلفزيونية التي تنشر فكر الوسطية والاعتدال في مجتمعاتنا المحلّية وعلى المستوى العالمي، كما أن المطلوب من علماء الدين التمسّك بخط الوسطية والاعتدال الذي دعت إليه الشرائع السماوية، والابتعاد عن الانخراط في الحالات الحزبية التي تدفع بطبعها أصحابها الى التعصّب لآراء أحزابهم.

شارك المعرفة وانشر