المرجع الدينيّ السيّد علي الأمين لـ"البيان": اشتعال الفتنة سيحرق الجميع!
جريدة البيان – طرابلس – ريما طرباه الجندي
على ما يبدو، زجّت بنا العمليّتات الإرهابيّة الأخيرة في طلائع المقلب "الداعشيّ" الإقليميّ، ورسمت علامات انزلاق لبنان مجدّداً إلى هذه الدوّامة الجهنميّة، ودفعته تكراراً لمرحلة نزفٍ إضافيّة. فالعالم العربيّ يغلي منذ سنوات، ويفور ويقذف حمم النار في كلّ اتّجاه. وليس أمام اللبنانيّين، إلّا أن يحموا أنفسهم من التداعيات، في وقتٍ جرّ الغرور البعض في لبنان لمدّ يده إلى صحن النار المموّه بالإغراءات، التي تُداعب الغرائز وتُخاطب التطرّف المذهبيّ.
في هذه الأجواء المتفجّرة، والفتاوى المتبادلة بالقتال تحت السقف المذهبيّ، يبرز علّامة مجتهد درّس أصول الفقه، وتولّى منصب مفتي صور، إلى أن هُجِّر من مدينته، وعُزِل من منصبه بقرارٍ من المجلس الإسلامي الشيعيّ الأعلى. رفض السيّد الأمين الحروب المذهبيّة، وطالب الجميع بحقن الدماء، وليس بإصدار فتاوى القتال.
"البيان" التقت المرجع الشيعيّ السيّد علي الأمين، واستوضحت منه مستقبل الصراع المذهبيّ في المنطقة، وهل تفتح الساحة اللبنانيّة على جحيم الفتنة المذهبيّة؟ وهل ما يحصل في العراق ثورة أم تخريب؟ وكيف يمكن مواجهة الجحيم الداعشيّ؟ وما هو أفق الصراع في المنطقة؟ وفيما يلي نصّ المقابلة كاملاً:
في الملف العراقي
1. هل نحن نعيش اليوم فعلاً عصر الثورة السنية التي تغزو المنطقة لوقف المد الايراني الشيعي؟ ومن يستطيع اليوم إخراج أو توقيف "تسونامي" داعش الذي يكتسح منطقتنا؟
– إن إسقاط العناوين الدينية والمذهبية على الصراعات الجارية في المنطقة يزيد من الإحتقانات الطائفية والعداوات بين أبناء الأمّة الواحدة ويهدد وحدتها وعيشها المشترك. ونحن نرى أن جذور الصراع هي سياسية وإدخال المذاهب فيها هو للإستقواء بالعصب المذهبي والديني لجمع المزيد من الأنصار والأتباع، ونحن نجد أن السبب الرئيسي في ظهور الطائفية العنيفة في مجتمعاتنا يعود إلى الصراع على السلطة والنفوذ بين الأحزاب الدينية و الجماعات السياسية ودولها في الداخل، وقد زاد من حدّته غياب العلاقات الطبيعية بين الدول العربية والإسلامية في المنطقة خصوصاً بعد اندلاع الأحداث السورية واستمرارها بدون حلول فانتقلت اليوم إلى العراق لوجود المناخ لها بسبب سياسة الحكومة العراقية . وقد عاش السنة و الشيعة مع كل الطوائف والقوميات إخوانا في مجتمعاتهم وأوطانهم قروناً عديدة وسيبقون كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكانوا يختلفون في قضايا تاريخية ودينية تبعاً لاختلاف الإجتهادات التي لم تمنعهم من إقامة الروابط العائلية، ولم يؤثر ذلك على حياتهم المشتركة، لأنه لم يكن هناك صراع على السلطة و الحكم. ويقف المرء متعجّباً أمام هذا التحشيد الطائفي على الرغم من أن منطقتنا في تعددّها الطائفي وتنوّعها الديني والقومي تعدّ فقيرة من حيث التعددّ والتّنوّع بالقياس إلى أمم كثيرة ودول عديدة في العالم، ففي اميركا وحدها يقال بأن فيها ما يقارب أربعماية جماعة دينية وطائفة، وفي الهند يقال بأن فيها ما يتجاوز الألف من الطوائف والقوميات تتعايش معاً، فما بالهم لا يتصارعون، ولا يقتل بعضهم بعضاً، ولا يطلبون التقسيم والإنفصال عن بعضهم في العصر الحديث ؟!. فما بالنا نحن المسلمين اليوم، ونحن نزعم بأننا الورثة لخير أمّة أخرجت للناس ! و نحن من خلال واقع التاريخ والحاضر نرى أن نهج الدولة الإيرانية لا يمثل المذهب الشيعي، ولا يمثّل كلّ الشيعة، ونهج داعش لا يمثل المذهب السنّي، ولا يمثّل كلّ السنّة، وليس هناك من ثورة للسنّة على الشيعة، وليس من ثورة للشيعة على السنّة، ولكن كما قلنا هناك احتقانات طائفية ولدتها الصراعات القائمة في المنطقة على النفوذ والسياسة من دول وأحزاب تطغى أصواتها على مذاهبها وطوائفها لأنها هي الموجودة وحدها في الواجهة في ظلّ تغييب صوت الإعتدال، ولكن على كل حال لا يصح اختزال الشعوب والمذاهب بدول وأحزاب وجماعات، فإن حزب الإخوان المسلمين في مصر هو من أكبر الأحزاب الدينية في مصر والعالم الإسلامي ولكنه لم يكن ممثّلاً لكل الشعب المصري، ولم يكن أيضاً ممثّلا لرؤية المذهب السنّي في العالم الإسلامي.
2. هل ستنجح الوساطات الدولية في انتاج الحل السلمي في العراق، لا سيما وأنه لم ينجح مسبقاً، وان مرجعية ملايين الشيعة المتمثلة بآية الله علي السيستاني قد أصدر فتوى شرعية بقتال "داعش" السنية؟
– لا نرى أن المجتمع الدولي على عجلة من أمره لإنتاج حلٍّ سلمي في العراق وغيره من الدول العربية التي تعاني صراعات داخلية، لأن بعض الدوائر الصانعة للقرار السياسي فيه ترى أن الصراع القائم بين المسلمين في العراق وسوريا يشغل دول المنطقة وشعوبها بأنفسهم، ويستنزف قدراتهم ويضعفهم، وهذا ما يريح بعض الدول الغربية وأميركا وحليفتهم إسرائيل، وهذه السياسة الخاطئة سوف تزيد من ثقافة العداء والكراهية التي لن يقتصر ضررها على منطقة الشرق الأوسط، بل ستنتشر في الكثير من دول العالم، لأننا أصبحنا في عصر التواصل السريع بين الأمم والشعوب. ولا شك بأن دخول الفتاوى على ساحة الصراع سيزيد من الإحتقانات المذهبية ويساهم في إسقاط العناوين المذهبية عليه، وهذا ما يؤدي إلى تعقيدات الحلول السلمية، ولذلك وجّهنا نداءاً للمرجعيات الدينية من كل الطوائف بالإبتعاد عن إصدار الفتاوى التي يستغلّها المتصارعون في الإستقواء بالعصب الطائفي والإصطفافات المذهبية، وقلنا بأن المطلوب من هذه المرجعيات الدعوة إلى مؤتمر وطني للمصالحة في العراق يجمع بين كل المكونات الوطنية يسبقه الدعوة إلى وقف سفك الدماء، وإذا لم يسع العراقيون والدول العربية إلى هذا الحل السلمي فلن يكون المجتمع الدولي أكثر حماسة منّا إليه.
3. البعض يرى ما يحصل مجرد مناورة واتفاق بين ايران والولايات المتحدة لعودة الأخيرة قوية إلى العراق؟
– لا نظنّ أن أميركا في وارد العودة إلى العراق بعد تجربتها وخسائرها فيه، ولا نعتقد أنها كانت تريد أصلاً بناء دولة قوية ومستقرة في العراق، ولماذا نجعل من شعوبنا وأوطاننا ساحة للمناورات التي ندمر فيها دولنا ونسفك فيها دماءنا بأيدينا؟! إن المسؤولية تقع على عاتق الدول العربية والإسلامية في وضع حدّ لهذه المناورة الدموية التي تستهدف العراق والمنطقة برمّتها.
4. ما هو مستقبل الاقليات في المنطقة، من شيعة ومسيحيين وعلويين ودروز، في حال استمرت الحروب المذهبية، ومن يستطيع أن يحميهم؟
– إن خطر الفتنة إذا حصلت-لا سمح الله- لن يوفر أكثريات وأقلّيات في المنطقة، ولذلك فإن المطلوب من الدول العربية والإسلامية بالدرجة الأولى قبل المجتمع الدولي العمل على وقف هذه النزاعات الدموية في العراق وسوريا وليبيا والمنع من اشتعال الفتنة التي لن تقتصر نيرانها على هذه الدول، ويجب علينا نحن في لبنان أن نعمل لتجنيب بلادنا الفتنة من خلال الإجتماع على مشروع الدولة الواحدة ومطالبتها ببسط سلطتها على كامل أراضيها، ولن تحمينا طوائف ومذاهب، ولا دول خارجية ولا أحزاب، ولا أكثرية ولا أقليّة، إنّ ما يحمينا فقط بعد الله ويبعد عنا الفتن هو التمسك بالدولة ووحدتنا الوطنية والعيش المشترك، وهذا ما ينبغي أن نكون عليه في كل دولنا وأوطاننا، فدولة المؤسسات والقانون هي الدولة الوطنية الجامعة التي تشكل الضمانة لحقوق مواطنيها والحماية لهم بعيداً عن منطق الأقليّات والأكثريّات وهيمنة فريق على آخر.
5. هل الخط البياني للأحداث يدل على أننا في طريقنا لتحول العراق إلى أقاليم، خصوصاً مع فتاوى تؤكد ضرورة إنشاء جيش رديف ضد الارهاب؟ ومن عليه أن يقدم التنازلات لحقن الدماء؟
– إن مصلحة العراقيين والعرب والمسلمين هي في بقاء العراق واحداً دولة وأرضاً وشعباً، وإن خطر تقسيمه سيؤدي إلى انتشار عدوى التقسيم في كل دول المنطقة والمستفيد الوحيد من ذلك هي دولة إسرائيل الغاصبة ومن وراءها من الطامعين في إضعاف أمّتنا العربية والإسلامية، ولذلك فإننا نرفض كل الخطوات التي تؤدي إلى إسقاط الدولة العراقية وتحويلها إلى ميليشيات متصارعة، والمطلوب من الحكومة العراقية أن تعمل على مشاركة كل المكوّنات العراقية في العملية السياسية بتوازن وعدالة دون استبعاد لأحد.
6. دائماً تأخذون على ايران تدخلها ودعمها لبعض المجموعات الموالية لها، ولا تنتفضون ضد التدخل السعودي في أزمات المنطقة ودعمها لبعض المجموعات السنية المتطرفة؟
– نحن نحكم على ظواهر الأمور، والذي نراه ونسمع به أن إيران تدعم تنظيمات وأحزاب مسلّحة في المنطقة، والسعودية قد أعلنت رفضها التدخل في الشؤون الداخلية في المنطقة، وقد أصدرت قبل مدّة قراراً يقضي بمنع ذهاب مواطنين منها إلى سوريا وغيرها بهدف القتال كما أعلنت عن محاكمة العائدين من ساحات القتال، ولم نسمع أن الحكومة الإيرانية طلبت من مواطنيها ومن المرتبطين بسياستها الإمتناع عن الذهاب إلى ساحات القتال في سوريا، ومشاركة حزب الله هناك خير دليل على ذلك.
في الملف اللبناني:
7. هل سيتدخل حزب الله في العراق لنفس الأسباب التي تذرع بها لدخول المستنقع السوري، لا سيما بعد الدعوات الجهادية المتبادلة؟
– كما رفضنا تدخل حزب الله وغيره في سوريا وطالبنا بخروجه وخروج كل المقاتلين الغرباء عن سوريا، فإننا نرفض تدخله وغيره في العراق،وعلى حزب الله أن يرجع إلى قرارات الحكومة اللبنانية الداعية لالتزام سياسة النأي بالنفس عن التدخل في أحداث المنطقة.
8. بعد هذه الهبّة العراقية المفاجئة، كل الاحتمالات بالنسبة للبنان أضحت واردة، خصوصاً مع التقارير الأمنية غير المطمئنة، فهل سيصل المد الداعشي للبنان، وهده المرة علناً وبشكل واضح وصريح؟
– لقد قلنا مراراً بأن ما يبعد عنّا داعش وغيرها يكون بالرجوع إلى الدولة اللبنانية والإلتزام بأحكام مؤسساتها، وقيام الدولة اللبنانية ببسط سلطتها الكاملة على كل الأراضي اللبنانية، وتمنع من خلال حدودها عبور المسلّحين والسلاح من الداخل والخارج. وبذلك نبعد لبنان عن استدراج الأحداث إلى أرضه. وإن إعلان حزب الله عن مقاتلته لهذه التنظيمات خارج لبنان هو ما يجعل أرض لبنان ساحة مرشّحة لانتقال الصراع إليها.
9. لو لم يدخل حزب الله إلى سوريا وقاتل التكفيريين لكانوا احتلوا بيروت بدقائق، وهناك خطر وجودي ومواجهة فرضتها داعش على المجموعات الشيعية، فهل لا يزال إنكار هذا الخطر منطقياً؟
– إن دخول حزب الله إلى سوريا قد صعّد من الإحتقانات الطائفية في المنطقة، وجعل الساحة اللبنانية هدفاً من أهداف الإرهاب، والشعب اللبناني لم يمنح حزب الله وكالة في الدفاع عنه والذهاب إلى سوريا، وهو بذهابه إلى سوريا قد استدرج الخطر إلى لبنان ولم يمنعه، كما شهدت بذلك الأحداث خصوصاً التفجير الذي وقع أخيراً في منطقة ظهر البيدر، ونحن نرى أن المكلّف بالدفاع عن لبنان وشعبه هو الدولة اللبنانية وحدها.
10. ما هي مصلحة حزب الله اليوم بتعطيل انتخاب رئيس جديد؟
– إن مصلحة حزب الله وحلفاءه من تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية هي في إيصال رئيس يكون منفّذاً لسياسة حزب الله في لبنان والمنطقة ومؤيّداً لبقاء سلاحه خارج إطار الدولة اللبنانية.
11.هل لا يزال الرهان على الاتفاق السعودي الايراني ممكناً لانتخاب رئيس للجمهورية، لا سيما بعد الاتهامات المتبادلة بين السعودية والمالكي؟
– لا شك بأن التقارب الإيراني السعودي ينعكس إيجاباً على الكثير من ملفّات المنطقة، وخصوصاً الملف اللبناني المتعلّق بانتخاب رئيس للجمهورية، والذي يبدو من خلال تصاعد الأحداث في المنطقة أن هذا التقارب ليس قريب المنال في الوقت الراهن.
12.هل المثالثة تصبح يوماً بعد يوم أكثر ضرورة ومنطقية؟
– ليست مشكلة لبنان في المناصفة لنبحث عن المثالثة ! إن المشكلة في لبنان تقوم في عجز الدولة عن تطبيق دستورها على الأحزاب المسلّحة التي تهيمن على كل مفاصل الدولة العسكرية والسياسية، ولذلك فإن المثالثة لن تحلّ المشكلة القائمة وسيبقى السعي إلى الهيمنة مستمرّاً، هذا مع أن المتّهمين بالعمل للمثالثة قد أنكروها بصراحة.