الإثنين , ديسمبر 2 2024

العلاّمة السيّد علي الأمين لـ ” الجريدة”:قوى 14 آذار لا تساهم في تغيير المعادلة داخل الطائفة الشيعية

العلاّمة السيّد علي الأمين لـ ” الجريدة”:


قوى 14 آذار لا تساهم في تغيير المعادلة داخل الطائفة الشيعية


بيروت – ليال أبو رحالالعدد 484 – 14/12/2008


لا يمكن الحديث عن واقع الشيعة المستقلين في لبنان، من دون الوقوف عند آراء العلاّمة المفتي السيد علي الأمين، الذي يعبّر بمواقفه الصارخة والجريئة عن شريحة واسعة من الشيعة خصوصاً واللبنانيين عموماً. يشدد، في حديث الى «الجريدة»، على أهمية توحيد الهيئات الشيعية المستقلة، منتقداً الدولة التي تقف بعيدة عن المستقل الشيعي الذي يرشد الناس الى مرجعيتها، وتدعم الذين بالأمس عطلوا مؤسساتها.


• ما هو توصيفك للواقع الشيعي في ظل استفراد قوى حزب الله وحركة أمل بالقرار ؟


لا يزال الاستفراد بالقرار قائماً من قبل هذه القوى ولم يطرأ سوى تغيير طفيف على الواقع الشيعي الرسمي، حيث لا يزال التمثيل في إدارات الدولة ومراكز الخدمات فيها محصوراً بأيدي قوى الأمر الواقع التي تشكل الممر الوحيد والإجباري للخدمات الوظيفية والاجتماعية للمواطنين، مما يجعلهم مرتهنين لتلك القوى والأحزاب التي تقسم المواطنين على أساس ولاءاتهم السياسية وانتماءاتهم الطائفية. ولم نجد لدى إدارة الدولة ما يشعرنا بأن هناك شيئاً من التغير حصل في طريقة التعاطي مع المواطنين لإخراجهم من الارتهان لتلك القوى المسيطرة، فما كان سبباً للهيمنة وإضعاف مشروع الدولة قبل أحداث مايو (أيار) وقبل اتفاق الدوحة لا يزال قائماً حتى اليوم على صعيد الواقع المفروض، خصوصاً على صعيدي الأوضاع الأمنية والمعاناة المعيشية التي استخدمتها المعارضة في بعض الأحيان غطاءاً وشعاراً لتحركاتها.


• ماذا يعني أن تكون شيعياً مستقلاً في ظل ثنائية أمل وحزب الله؟


الاستقلال عن الثنائية المذكورة التي تحولت بفعل ممارسات القيّمين عليها إلى أطرٍ حزبية ضيقة، يعني التحرر والخروج عن الانغلاق والابتعاد عن عصب المذهبية وكهوف الطائفية والدخول الى رحاب الوطن الفسيحة التي تجمع كل الطوائف اللبنانية في صيغة إنسانية وطنية فريدة هي صيغة العيش االمشترك.


وفي ظل هذه الثنائية المدعومة من الخارج، والمسكوت عنها طوعاً أو كرهاً من قبل إدارة الدولة والحكومة التي تشكل هذه الثنائية جزءاً منها، فإن المستقل عنها وإن كان قدره أن يدافع عن رأيه ووجهة نظره بالكلمة والموقف الذي يرى فيه حماية أهله ووطنه من خلال الدعوة الى مشروع الدولة الواحدة، ولكنه متروك لقدره وحده يواجه منطق الولاية الجبرية على الطائفة الشيعية لهذه الثنائية التي فرضت نفسها وكيلاً حصرياً عنها لا تؤمن بوجود الآخر خارج إطار الوكالة والولاية، فكيف تؤمن هذه الثنائية بالاستماع إلى رأي الآخر غير الموجود بنظرها ومنطقها؟ والأشد غرابة أن الدولة تقف بعيدة عن المستقل الشيعي الذي يدافع عنها ويوجه ويرشد الناس إلى مرجعيتها وهي تعطي كل الدعم والإمكانات لأولئك الذين خرجوا بالأمس عليها وعطلوا مؤسساتها ورفضوا أحكامها وقراراتها!!. وهذا يعطي انطباعاً لدينا أن الدولة لا تريد الدفاع عن مشروعها.


• بماذا تتفقون مع حزب الله وبماذا تختلفون عنه؟


نختلف مع حزب الله في مشروعه السياسي الذي يبتعد فيه عن مشروع الدولة الواحدة والذي يحاول من خلاله ربط مصير البلاد بالمشاريع الخارجية التي لا علاقة للبنان واللبنانيين بها، ويريد تحميل لبنان وحده أعباء الصراع العربي الإسرائيلي وفرض نظرته على شركائه في الوطن من دون الرجوع الى مؤسسات الدولة ونظامها الديموقراطي. هو يريد الدولة على شاكلته ويريد منها تنفيذ سياسته واعتماد آرائه واستراتيجيته في تحويل الجنوب وكل لبنان ساحة حرب مفتوحة من دون مراعاة لمصلحة الناس والوطن.


نحن نتفق معه في الخطوط العريضة للمشاركة في السلطة والنظام، لكن لا يصح استخدام عنوان المشاركة في السلطة للهيمنة عليها والاستئثار بها والدخول في صراعات مسلحة عليها تحت أي عنوان من العناوين الدينية والسياسية. باختصار نقول إن من حق حزب الله أن يفكر كما يشاء ويطرح أفكاره ومشاريعه وآراءه ولكن ليس من حقه أن يفرض تلك الآراء والمشاريع على شركائه في الطائفة والوطن بعيداً عن آليات القانون والنظام الديمقراطي .


• كيف هي علاقة الشخصيات الروحية والهيئات الشيعية المستقلة بحزب الله؟ هل من تواصل؟


النهج المعتمد عموماً عند حزب الله هو أن يقيم العلاقات مع الشخصيات الروحية داخل الطائفة الشيعية والهيئات الأخرى فيها إذا كانت تشاركه في الرأي وتوافقه على مشاريعه في المقاومة والسياسة، ولذلك هو لا يفتح قنوات للحوار والاتصال مع الذين يختلفون معه في الرأي داخل الطائفة الشيعية. أظهرنا استعدادنا مراراً للقاء معه والحوار في قضايا الوطن والطائفة ولم نجد عنده استعداداً لذلك، وفي اعتقادي أن مسألة عدم انفتاح حزب الله على الرأي الآخر لدى الطائفة الشيعية مرتبطة بعلاقته الخارجية وليس بالنهج وحده .


• إلى أي حدّ ساهمت قوى 14 آذار من خلال التحالف الرباعي أولاً وأدائها السياسي لاحقاً في تهميش الشيعة المستقلين؟ وما هي العلاقة التي تربطكم بها؟


أصبح التحالف الرباعي من الماضي، وفي الأحوال كلها لم أجد مبرراً معقولاً لانكفاء العاملين وقتئذٍ تحت عنوان الشيعة المستقلين عن استمرارهم في العمل تحت العنوان المذكور وغيره، لأن الشيعة المستقلين إذا كان لديهم مشروع منطلق من الإحساس بالخطر ومن ضرورة التغيير فهذا أمر لا يستطيع التحالف الرباعي إلغاءه ولا يوجده الانقسام الخماسي!


أما الحديث عن علاقة قوى 14 آذار بالشيعة اليوم فهي لا تزال علاقة مع أفراد وليست مع جهة جامعة، ولا يبدو أن قوى 14 آذار بهذا الصدد. على كلٍّ لا يمكن توصيف الحالة بأنها علاقة بين طرفين وإنما هي علاقة من جانب واحد، كما هي الحال في العلاقة مع الحكومة وأعضائها المحسوبين على قوى 14 آذار، حيث نرى علاقة خجولة من طرفهم بالمستقلين الشيعة تعطي انطباعاً بأنهم لا يريدون المساهمة في تغيير المعادلة داخل الطائفة الشيعية رهبة أو رغبة والنتيجة واحدة في كلتا الحالتين. نحن سنبقى في الحالات كلها ملتزمين بمشروع الدولة الواحدة التي تبسط سلطة القانون على جميع الناس وفي المناطق كلها لأنه المشروع الوحيد الذي يحقق مصلحة أهلنا وشعبنا ووطننا وهو المشروع الذي يبعد عنا شبح النزاعات والانقسامات ويضمن لنا وحدتنا الوطنية وحرياتنا وعيشنا المشترك.


• في الحكومة وزير شيعي مستقل، هل تعتقدون أنه يضيف بأدائه على رصيد الشيعة المستقلين في لبنان؟


ساهم بعض قوى 14 آذار في هذه الخطوة وكانت خطوة جيدة ساعدت في كسر الوكالة الحصرية للثنائية الشيعية، وهي وإن تمت في حينها من دون تنسيق ولكنها عبرت عن بداية حضور سياسي للشيعة المستقلين في السلطة كان يجب الاستفادة منه بشكل أكبر في بروز وجهة نظر الشيعة المستقلين داخلياً وخارجياً. في اعتقادي، الفرصة لا تزال موجودة لتفعيل هذا الحضور من خلال مزيدٍ من التواصل مع القواعد الشعبية التي تشكل أساساً في عملية التغيير داخل الطائفة الشيعية.


• هل بالإمكان اليوم الحديث عن حراك نقدي داخل االطائفة الشيعية؟ وعلى أي مستويات؟


لا شك في وجود الحراك النقدي داخل الطائفة الشيعية على مستوى لا بأس به من الكتّاب والمثقفين، وقد شاهدنا ذلك في مظاهر مختلفة من كتابات ومقالات عدة ومقابلات تلفزيونية ولقاءات صحفية وغيرها، وهذا لم يكن موجوداً بهذا الكم في فترات سابقة، وقد ازدادت الجرأة على النقد والاعتراض في الأوساط الشعبية وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة الثنائية الشيعية على الرغم من عدم توافر الوسائل الكافية للتواصل مع تلك المناطق والقواعد. هذا ما نراه ونسمعه من جهات كثيرة نلتقي بها ونتواصل معها، ونحن نتوقع المزيد من اتساع حالات النقد والاعتراض في مختلف المناطق التي تسكنها غالبية شيعية خصوصاً عند انخفاض نسبة الخوف واكتشاف الناس أن أداء الثنائية الشيعية كان السبب وراء تردّي الأوضاع الاقتصادية والأمنية وإضعاف الدولة لمصلحة نفوذ القوى الحزبية، ولم يكن للناس أي مصلحة في زعزعة الاستقرار وتخريب العلاقات مع سائر الطوائف اللبنانية والدول العربية.


• ما هي العوامل التي حالت سابقاً دون توحّد الشخصيات الشيعية المستقلة تحت عنوان جامع موحّد ؟ وهل هي الأسباب ذاتها اليوم؟


هناك منطلقات عدة في اعتراض المستقلين الشيعة، وقد يختلفون في الدواعي والأغراض والأهداف. يجمعهم خط عريض وهو التطلع الى التغيير في الأداء والإصلاح الثقافي والسياسي، لكنهم قد يختلفون كثيراً في التفاصيل والآليات، وهم على رغم تناميهم عدداً يفتقرون الى المؤسسة التي توحّد رؤيتهم وتجمع صفوفهم وتصقل تجاربهم وتكون منبراً لكلمتهم، وهناك من يعتبر نفسه غنياً عن التجارب وهذه مشكلة. هناك مشكلة أخرى تكاد تكون عامة وهي تتمثل في تفكير البعض الكثير منهم في الحصاد السياسي من دون العمل في حقل الإصلاح الثقافي ولذلك هم يخشون من عملية الانخراط في مؤسسة واحدة توحد الجهود لأنهم يعتقدون بأن المؤسسة الواحدة تلغي عناوينهم وطموحاتهم التي لا يمكن الوصول إليها وتحقيقها بالانفراد وعدم التعاون أو بالخوف على زوال بعض المصالح والمنافع الآنية التي تصل إليهم تحت إسم العناوين التي يحملونها والجمعيات التي يؤسسونها.


• ما هي الأصداء التي تصلكم حول المواقف اللافتة التي تتخذونها؟ وبرأيكم ما الذي تضيفه على المشهد الشيعي أولاً والوطني ثانياً؟


أسمع بعض الأصداء الإيجابية التي تعطيني مزيداً من الأمل والرجاء بالاستماع الى الكلمة وأنها لا تذهب هباءاً وهدراً، وأن لها قدراً كبيراً عند الأحرار والمنصفين من مختلف الطوائف اللبنانية وهذا ما يجعلني أكثر إيماناً بأن العاقبة هي للاعتدال الذي قام عليه بنيان لبنان .


في الأحوال كلها، فإن رضا الناس غاية لا تدرك والمهم أن يرضي الإنسان ربه وضميره عندما ينطلق في مواقفه من قناعاته المنبثقة من مصلحة شعبه ووطنه.


• كيف تستطيع الهيئات الشيعية المستقلة خوض الانتخابات النيابية؟ وهل من تواصل مع القاعدة الشعبية؟


تحتاج الهيئات الشيعية المستقلة الى توحيد صفوفها ونظرتها في قضايا متعددة، ومنها الاستحقاق الانتخابي المقبل الذي لا يعتبر نهاية الاستحقاقات، ومن حق هذه الهيئات التعبير عن رأيها والسعي الى إثبات حضورها في مجالات عدة ويجب ألا يُنظر إلى التمثيل النيابي على أنه هو أقصى الغايات ونهاية المطاف وإنما هو خطوة على طريق التغيير الطويلة. الأمر في ذلك متروك لتلك الهيئات في دراسة الظروف والإمكانات لخوض الانتخابات وفي قدرة الدولة اللبنانية على تأمين الفرص المتكافئة للناخبين والمرشحين للتعبير عن آرائهم واختياراتهم بعيداً عن تأثيرات السلاح غير المنضبط على حرية الناس .


فيما يتعلق بالتواصل مع القاعدة الشعبية الشيعية فهو موجود على نطاق ضيق بالنسبة إلى بعض الراغبين في الترشيح، وهناك من هو ممنوع من الذهاب إلى منطقته للتواصل مع قاعدته الشعبية ويجب على الدولة أن توفر الأجواء الأمنية للتواصل كما يجب. على من يريد خوض الانتخابات الخروج من مكتبه والتواصل مع الناس في مناطقهم والاطلاع على مطالبهم وتقديم رؤيته وبرنامجه وإفساح المجال للناس في ملاقاته والاستماع إليه، فالناس لا تعرف بعض الوزراء والنواب إلا من خلال بعض وسائل الاعلام أو في موسم الانتخابات كما يفعل بعض القيادات في الجنوب.


• لماذا لا تأخذون زمام المبادرة وتدعون إلى لقاء مشترك لاحتضان جميع مكونات النسيج الشيعي المستقل، لا سيما أننا على أبواب استحقاق انتخابي؟


عرضت على مختلف العناوين في الشيعة المستقلين جملة أفكار وطروحات تساهم في عملية لمّ شملهم وتوحيد جهودهم وإيجاد مرجعية لهم، لكنني لم أجد تجاوباً عملياً منهم لأسباب ذكرتها آنفاً. بعضهم يريد أن يكون مثل بعض قيادات الأمر الواقع في الطائفة الشيعية مرجعية بنفسه في الدين والدنيا والسياسة وفي كل شيء على رغم افتقاده للمقوّمات المناسبة لذلك. وبعضهم يستعجل العمل الانتخابي قبل تكوين رؤية واضحة للناخب عن مشروعه ودوره ومن دون أن يكون له من وجود فاعل، ولا يعمل على بناء قاعدة شعبية تتجاوز الإسم والعنوان ومن دون أن يكون له تاريخ أو قاعدة يرتكز إليها. قلت لهم إن المهم ليس وصول شخص أو أشخاص إلى قبة البرلمان نتيجة تحالفات مع من لا يؤمنون بمشروع الدولة وإنما المهم في هذه المرحلة هو إظهار الوجه الآخر للطائفة الشيعية الذي يؤمن بمشروع الدولة والنظام وهو الوجه الذي غيبته قوى أمر الواقع الشيعي طيلة سنوات عدة بفعل الارتباطات الخارجية والإمكانات الإعلامية التي أدخلت ثقافة جديدة على حياة الطائفة الشيعية أثرت على مواقفها السياسية ونظرة الآخرين إليها.


جريدة الجريدة