المذاهب ليست قدراً لا يمكن تجاوزه… ونحتاج الى تنظيم السلك الديني
العلاّمة المجتهد السيّد علي الأمين: التطرُّف سبّب مشكلة الإسلام مع الغرب
نشأت المشكلة عند البعض لأنه توهّم أن المذهب هو الدين، ومن يغايره في المذهب يغايره في الدين، وهذا خطأ.
جريدة الجريدة- العدد 399 – 02/09/2008
بيروت – ليال أبورحال
لا يشبه الحوار مع مفتي صور وجبل عامل العلامة السيد علي الأمين الحوار مع أية شخصية دينية أو روحية أخرى. فهو إن اشترك مع البعض منهم في رهبة حضوره وهدوئه وانسياب كلماته وسلاسته في التعبير، إلا أنه ينفرد بثورته على التقوقع والمؤسسات والأفكار القديمة البالية، التي تخطاها الزمن. ينفرد، كذلك، بانفتاحه على الآخر بغض النظر عن انتمائه الطائفي والمذهبي، وبوطنيته الصادقة التي تضع الوطن وحده قبل أي شيء آخر.
الفكر الديني بالنسبة إليه، يجب أن يتعايش ويتماشى مع التحديات الراهنة، فليس من مواجهة بين الإسلام والعولمة، إن كان القصد منها انفتاح الشعوب والجماعات على بعضها البعض. أمران اثنان، وفقاً لقناعته، أوجدا مشكلة العالم الإسلامي مع الغرب من جهة، ومع نفسه من جهة ثانية، والمطلوب مواجهتهما: التطرف الديني والتعصب المذهبي.
يدعو العلامة الأمين الى تنظيم السلك الديني، على غرار ما فعلته الكنيسة، وإنشاء مجمع فقهي كبير يضم عموم المسلمين ليكون هو المخوَّل بأن يصدر الفتاوى في عالمنا الإسلامي. الحوار المسيحي الاسلامي، بالنسبة إليه، لم يصل بعد الى مرحلة تبديد الهواجس، والمطلوب نقلة نوعية للتقارب بين الأديان السماوية.
كيف يستطيع الفكر الديني التأقلم مع التحديات والمعطيات التي تفرضها العولمة؟
لا يوجد في الحقيقة ما يجعل العولمة تتنافى مع الفكر الديني الذي يقوم على اعتماد العقل مصدراً من مصادر المعرفة. وليس في الدين ما يوجب الالتزام بما يتنافى مع أحكام العقل ونتائج العلم والمعرفة اليقينية. وبعبارة أخرى فإن الفكر الديني من المرونة و الانفتاح ما يجعله قادراً على التعايش مع غيره من الآراء و الأفكار لأنّه لا يرفض التطوّر بشكل مطلق وليس معاديا للمتطلبات الضروريّة لكلّ عصر. بمعنى أنه يمكن أن يتعايش الفكر الديني على تقدير حصول اختلاف مع أية طريقة أخرى من طرق التفكير والحياة من دون أن يلزمه بمعتقده، على القاعدة القرآنية (لا إكراه في الدين)، (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ).
هل تعتقدون أنه ينبغي على الروابط الدينية أن تكون دائماً على حساب الأوطان؟
لا يجوز أن تكون الروابط الدينية بين الشعوب على حساب أوطاننا ودولنا، لأن الرابطة الدينية تقتضي أن يحترم الإنسان معتقدات الآخرين والأنظمة التي اختاروها لأنفسهم. ينشأ من خلال الروابط الدينية بين الشعوب الاحترام والتعارف والتواصل من دون أن يكون هناك رفض للمعايير التي اعتمدها أي شعب في حياته. حتى في الأحاديث الدينية هناك تقديس لفكرة الوطن، وقد جاء في بعض الأحاديث الدينية «حب الأوطان من الإيمان»، واعتبرت الشريعة أن «من يُقتل في سبيل وطنه وشعبه شهيد». إذا من هنا، نفهم أن علاقة الإنسان بوطنه هي أسبق من علاقته مع الآخرين. ينشأ الانسان في بيئة ويصبح له علاقته بمحيطه وهو الوطن، ويأتي الدين لتنظيم هذه العلاقة مع محيطه وشعبه. عندما يكون هناك شعب آخر يؤمن بالدين الذي ينتمي اليه، فهذا لا يعني أنه ينبغي أن يكون على حساب الصيغة التي اختارها مع أبناء شعبه ووطنه لحياتهم. لذلك قلنا منذ سنوات إن روابط المذاهب والأديان لا يجوز أن تكون على حساب الأوطان.
هل تعتقدون أن العولمة تنتقص من خصوصيَّة الجماعات؟
العولمة التي نفهمها لا تقوم على تذويب الجماعات وإلغاء خصوصيات الدّول و الشعوب والأمم وإنّما تعني البحث عن المشتركات فيما بينهم وايجاد الصيغة التي تجمع أكبر قدر من المشتركات وهي صيغة اختيارية لها علاقة بوعي الناس وثقافتهم وإراداتهم. ولا نمنع الخصوصيات المختلفة بين الشعوب من قيان العلاقات الجامعة فيما بينهم والتي تقوم على التعارف و التواصل كما في قوله تعالى (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ) فإن هذه التعدّدية التي يعترف بها الدّين ليست عائقاً بنظره من قيام هذه العلاقات بين مختلف الجماعات و المجتمعات.
الهدف من هذه التعددية الموجودة بين الشعوب والأمم هو التواصل والتعايش والتعارف وليس كما يذهب بعضهم ويقول «صدام الحضارات». هذه التعددية تستدعي التواصل والتقارب، فليس بالضرورة عندما أختلف عنك أختلف معك. لا شكّ بأن كل أمة تختلف عن الأخرى.
نشهد في السنوات الأخيرة ربطاً دائماً بين الإسلام والإرهاب، فهل للإرهاب هويّة دينيّة؟
هناك طبعاً تجنٍّ بأن يُتهم الإسلام بالإرهاب، لأن الإسلام لا يفهم من خلال بعض المسلمين. كذلك لا يمكن فهم المسيحية من خلال ممارسة بعض المسيحيين، أو من خلال ممارسة الجيش الايرلندي، كما لا يمكننا أن نفهم الإسلام من خلال ما يقوم به أسامة بن لادن والقاعدة أو ما يجري في العراق. اذا أردنا أن نفهم الإسلام أو المسيحية يجب أن نعود الى الينابيع الصافية والأصيلة التي تتمثل بالإنجيل والقرآن والسنّة وسيرة الأنبياء الذين جسّدوا هذه القيم الدينية في حياتهم. نعم هناك إرهابيون ينتمون الى الإسلام لكنهم لا يطبقونه في حياتهم، لأن الإسلام يرفض الاعتداء على الآخر. في القرآن الكريم جاء «من قتل نفساً بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً». يعني ذلك أن القرآن الكريم اعتبر أن قتل البريء وسفك دمه لمجرد الاختلاف معه في الرأي، فسادا في الارض واعتداءً على البشرية جمعاء. جاء في الإنجيل المقدس: «لا تقتل». هناك اتفاق بين الرسالات السماوية على نبذ التطرّف والإرهاب، وإذا مارسهما بعضهم فهو يمارسهما لحساب مشروعه السياسي وليس لحساب دين أو أمة من الأمم أو طائفة من الطوائف ومن الخطأ أن ينسب هذا الفعل لغير فاعله الشخصي وجماعته السياسية التي تدفعه إلى الفعل المرفوض من كل الشرائع والأديان.
الى أي حد يساهم انتشار التيارات الأصوليّة والجماعات المتطرفة في تشويه صورة الإسلام؟
لا شكّ في أن من يمارس الإرهاب بإسم الدين هو داعية سوء بالنسبة إلى الدين ويؤدي الى اتهامه بأنه مصدر لهذه الأفكار والأعمال. لذلك، يجب أن تنشط المؤسسات الدينية وعلماء الدين في كل مكان كي يرفعوا الغطاء عن مثل هذه التصرفات ويظهروا العناوين والأسس التي تزرع المحبة والتسامح بين بني البشر.
في ما يتعلق بالصراع السني – الشيعي في العالم العربي، كيف تنظرون إليه؟ وهل تعتقدون أن ثمة قوى تعمل على إذكائه؟
إن بذور الصراع السني الشيعي ليست دينية، إنما يراد منه السلطة والنفوذ، وهذا ما رأيناه في العراق وبعض مظاهره في لبنان. كنا قديماً في العراق وعشنا فترة طويلة من الزمن، ولم نشعر بأن هناك صراعاً طائفياً أو مذهبياً. لكن بعد سقوط النظام العراقي، أرادت بعض الجهات الاستفادة من الوضع الجديد والتغيرات التي حصلت للوصول الى السلطة، لذلك بدأ التنافس بين هذه الأطراف على السلطة وأخذ صراعها أشكالاً عسكرية ومسلحة، وأخذ البعض يظهر أن الصراع مذهبي لاستقطاب أبناء مذهبه لتحصيل مزيد من المكاسب.
هنا، يجب أن نواجه هذا المشروع، لأننا نعتقد أن هناك أمرين في العالم العربي والإسلامي يجب أن نواجههما هما التطرف والتعصب المذهبي أو التفرق، لأن التطرف هو الذي أوجد مشكلة للعالم الاسلامي مع الغرب كله، والتعصّب المذهبي هو الذي يحدث الفرقة داخل المجتمعات الإسلامية نفسها ويضربها من الداخل. كذلك يحاول البعض أن يستفيد منهما لتعزيز مواقعه وبسط نفوذه في الوطن العربي. تتحمّل إيران مسؤولية في هذا الإطار، لأن بعض الجماعات في العراق محسوبة عليها ، كذلك في لبنان. هذه لا تسيء الى نفسها فحسب، بل الى الشيعة في الوطن العربي ككل وتجعل إيران في موقع رفض من العالم العربي والإسلامي.
ترددون دائماً بأن «المذاهب ليست قدراً لا يمكن تجاوزه»، كيف يمكن تجاوزها؟
المذاهب هي عبارة عن اجتهادات وآراء وأفكار، كيف نشأت هذه المذاهب؟ لم تكن في صميم الدين، لأن الدين هو واحد في الرسالات السماوية المختلفة. لكن عندما يأتي بعضهم في مرحلة متأخرة ليفهم هذا الدين، بعد أن ابتعد عن عصر النص الديني، تبدأ هناك أفكار واجتهادات يتبناها بعض العلماء والكبار، وعندئذ يصبح لهم أشياع وأتباع في آرائهم وأفكارهم وعلى مرّ الزمن تنشأ المذاهب. الدليل في الإسلام أن عصر المذاهب جاء متأخراً في القرن الثاني والثالث ليكتمل في القرن الرابع الهجري. لذلك فإن المذاهب لم تكن موجودة في الأصل وليست قدراً لا يمكن تجاوزه، ويمكن أن نصل في مرحلة من المراحل الى القول إننا مسلمون من دون مذاهب، لأن الاسلام الذي جاء به النبي محمد بن عبدالله كان إسلاماً واحداً، وهذه المذاهب عبارة عن اجتهادات لفقهاء وليس من الضروري أن تتعدد المذاهب بتعدّد الاجتهادات، لأن الأمة هي أمة واحدة لا تفرّق بينها تلك الآراء وتبقى مجتمعة تحت راية الدّين الواحد.
كيف السبيل للوصول الى هذه المرحلة؟
تحتاج الى جهود، بمعنى أن ننشىء جامعة دينية علمية كبرى، ندرس فيها هذه الآراء والمذاهب على أنها اجتهادات لا على أنها أديان. وقد نشأت المشكلة عند البعض لأنه توهّم أن المذهب هو الدين، ومن يغايره في المذهب يغايره في الدين، إذاً من يغايرني في المذهب يغايرني في الدين وهذا خطأ. من يغايرني في المذهب يغايرني في الرأي والفكر، لا في الدين الواحد.
بعد ذلك، ينطلق المتخرجون من هذه الجامعة الى أوطانهم وشعوبهم ليبشّروا بذلك، كذلك نحتاج الى بعض وسائل الإعلام،لا سيما الفضائيات، لنشر الوعي عند عموم المسلمين ولمنع استغلال هذا الاختلاف في مشاريع التطرف والارهاب والسياسة…
هل تعتقدون أن الإسلام يحتاج اليوم، على غرار ما فعلت الكنيسة، الى تحديث بعض جوانبه، لا سيما ما يتعلق بالسلوكات الاجتماعية وحقوق المرأة…؟
طبعاً، هناك مسائل فقهية عدة تطرّق إليها الفقهاء عبر التاريخ وهي لا تعتبر من المقدسات التي لا يجوز تبديلها او تغييرها، لأن آرائهم كانت انتاجاً بشرياً وفكرياً، وهذا الانتاج يحق لنا في عصرنا وفي العصور التي تأتي بعدنا أن ينظروا في ما توصّل اليه الفقهاء السابقون حول المرأة والنظم السياسية والأحوال الشخصية، وما شابه ذلك. هناك أمور يجب إعادة النظر فيها وفتح باب الاجتهاد حولها، لكن نحن بحاجة في عالمنا الاسلامي الى تنظيم السلك الديني كما فعلت الكنيسة.
سبقتنا الكنيسة في هذا الإطار، بحيث أنه لم يصبح الناطق باسم الدين غير محدد وأي انسان يمكنه أن يتحدث باسم الدين وأن يصدر الفتاوى، هناك مؤسسة مركزية هي التي تعبّر عن رأي الدين. في عالمنا الإسلامي، لا يوجد بعد تنظيم للسلك الديني، بحيث تكثر الفتاوى، فهذا يصدر فتوى وذاك ينشئ تنظيماً ويبدأ بإصدار الفتاوى. هذه خطورة كبيرة ونحن بحاجة الى تنظيم السلك الديني وإنشاء مجمع فقهي كبير يضم الفقهاء من عموم المسلمين ليكون هو المخوّل وحده بأن يصدر الفتاوى في عالمنا الإسلامي.
ما تعليقكم على خبر إنشاء مفتٍ إلكتروني يُعمل عليه راهناً في مصر، من خلال تحميل كل البيانات والمعلومات المتوافرة لحاسوب، بشكل يمكّنه بعد أن يتم ادخال المعطيات الشخصية اليه، أن يصدر الفتوى الملائمة؟
هذه مسألة خطيرة جداً، بحيث أنه يمكن عندئذ لأية مجموعة أن تقول إنها أخذت الفتوى من المفتي الإلكتروني، ولا حاجة عندئذ الى الرجوع الى أي مؤسسة. هذا خطر كبير تستفيد منه الجماعات التي تريد أن تحدث لها كيانات منفصلة، وتوظفه في مشاريعها السياسية.
لذلك دعينا منذ ما يزيد على ربع قرن، كما سبق وذكرنا، الى تنظيم السلك الديني.
في الفترة الأخيرة، تكررت ظاهرة نشر رسوم مسيئة للنبي محمد(صلعم) في عدد من الصحف والمجلات الأوروبية، لماذا برأيكم هذه الإساءة المتعمَّدة على رغم ردات الفعل السلبية التي لاقتها في العالم العربي؟
لا شكّ في أن ثمة جهات تريد أن تحدث دائماً حالة من الفرقة والصدام بين مختلف الأديان والشعوب والأمم. لكن هذه إن أساءت فهي تسيء الى أصحابها لا الى الأنبياء والرسل التي تعرف هوياتهم وسلوكياتهم، والله سبحانه وتعالى نزّههم وعصمهم. مَن من الأنبياء لم يتّهم في حياته؟ لكنهم كانوا دائماً عندما يُتهمون ويكذّبون أو تشوّه صورتهم يقولون: «يا أبتاه إغفر لهم فإنهم لا يعلمون». بهذه الروحية كانوا يواجهون هذه الإساءات، التي ليست تعبيراً عن حرية وديمقراطية، بقدر ما توظّف لخدمة ابقاء الصراع متوقداً بين أتباع الأديان السموية. لذلك نلاحظ أنه عندما يحدث تقارب بين الفاتيكان والمرجعيات الإسلامية في العالم الإسلامي، تخرج صورة من هنا أو هناك لإحداث خرق في عملية التقارب. طبعاً، لست مع ردات الفعل التي هي أكثر سوءاً في بعض الأحيان من هذه الصور التي تسيء الى أصحابها، لأنه كما قلت، اذا أردنا أن نواجه هذه الصور المسيئة فيجب أن نواجهها كما علّمنا القرآن الكريم «إدفع بالتي هي أحسن»، وبالدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، كما كان يفعل الأنبياء عند محاولة بعض الأشرار أن يشوهوا صورهم، كانوا دائماً يتقبلون ذلك ويقولون انه سيأتي الوقت الذي يدرك فيه هؤلاء سوء ما يفعلون.
ما هي أطر التواصل القائمة راهناً مع الطوائف الأخرى؟ وكيف تقيّم الحوار المسيحي- الاسلامي؟
الحوار المسيحي الإسلامي لا يزال على المستوى النظري والفكري بين أشخاص محدودين، ولم يصل الى مرحلة إزالة الهواجس والمخاوف وإعطاء الصور الواضحة التي تزيل بعض العوالق من التاريخ الماضي. أعتقد أن هناك تقصيراً في مسألة الحوار، وقديماً قلت لعدد من المبعوثين البابويين إننا موجودون في بلد العيش المشترك، ولبنان يحمل رسالة هذا العيش المشترك والتسامح بين الأديان والشعوب، لذا يفترض أن ننشئ فيه مقراً دائماً لهذا الحوار لترسيخ الحوار ونشره في العالم. حبذا لو ينشئون لنا معهداً أو جامعة دينية مشتركة يجلس فيها الشيخ والخوري والراهب على مقاعد دراسة واحدة، ندرس فيها الأديان وقواسمها المشتركة. سوف نجد أن القواسم المشتركة أكثر بكثير من العوامل التي تفرّق. عندها يمكن أن نُحدث نقلة نوعية في عملية التقارب بين الأديان السماوية.
انطلاقاً مما سبق، كيف يجب أن تكون علاقة الإسلام بالدولة؟
ليس للإسلام موقف يتعاكس أو يتناقض مع الدولة، لأنه يريد أن تنتظم الأمور ين الناس وتقوم على أساس من العدالة والوفاق، هو لا يرفض الدولة المدنية الحديثة، ويتعايش معها. يمكن أن يلتزم الفرد بالقواعد الإسلامية العامة ومرجعية الإسلام له في الدين، وأن تكون الدولة ليس لها دين، أي أن يكون دين الدولة هو الإنسان، وهذا لا يرفضه الإسلام. هناك رأي عند كثيرين من الفقهاء والمفكرين أن الاسلام، وإن كان فيه دولة إلا أن دولته ليست دولة دينية بل مدنية. لذلك لم تكن الدولتان الأموية والعباسية دينيتين في نظر الكثير من الباحثين والمؤرخين وحتى الدولة في عهد الخلفاء الراشدين كانت تقوم على أساس حاجة المجتمع لنظم أمور العباد و البلاد.
رأيه في ولاية الفقيه التي دعا اليها بعض قادة الشيعة
انتقلت ولاية الفقيه أو الفقهاء من علم الفقه الذي كنّا ندرس في مسائله الكثيرة مسألة ولاية الفقيه المرتبطة بالأحوال الشخصية للمكلفين أو القاصرين. لكن تحوّلت هذه المسألة من مسألة فقهية الى عنوان لنظام سياسي، بمعنى أنها أصبحت مشروعاً سياسياً بغض النظر عما اذا كانت الأدلة الفقهية تساعد عليها أم لا. يرتبط هذا النظام السياسي بالوطن الجغرافي للفقيه، حيث أنه لا يوجد لهذا الفقيه أية ولاية سياسية خارج وطنه.
حتى في بلده، لا نرى أن له ولاية سياسية باعتباره فقيهاً بل باعتباره حاكماً. تكون الولاية للدولة أو الحاكم وليس للفقيه باعتباره فيه وإلا فهناك فقهاء كثر في ايران وليس لهم ولاية. إذاً الولاية هي للفرد في إيران لا بوصفه فقيهاً، وإنما باعتبار أن هناك فقيهاً وصل الى السلطة فأصبحت له ولاية من خلال سلطته كحاكم وليس من خلال علمه كفقيه.
إذا هذا الأمر أصبح مرتبطاً بالنظام الذي يختاره شعب من الشعوب أو تصل جماعة الى السلطة وتفرضه على الناس. أما في بلاد أخرى خارج إطار الدولة الايرانية، فليس هناك من ولاية سياسية لإيران، لأن ولاية الفقيه محدودة بمنطقة نفوذه، وليس له ولاية عابرة للحدود أو الأوطان، خصوصاً في بلد كلبنان، البلد المتنوع والمتعدد، كيف يمكن أن تعيش ولاية الفقيه كنظام سياسي مع أن هناك تنوعاً وتعدداً ورفضاً لولاية الفقيه كمشروع سياسي من قبل أكثرية الشيعة في لبنان. ولاية الفقيه في العراق والخليج غير ممكنة أيضاً، لأن هناك شعوباً لا تؤمن بولاية الفقيه حتى ممن يتجانس معهم مذهبياً، لأنهم يرون أن الولاية هي للدولة ولقيادتها السياسية وليست للفقيه القادم من وراء الحدود. حتى في إيران، لا تزال ولاية الفقيه محل جدل، إذ توجد مذاهب أخرى لا تؤمن بها. حتى فقهاء المذهب الشيعي في إيران يرفضونها ولكنها أصبحت أمراً واقعاً باعتبار أنها تحولت الى سلطة.
لذلك، لا نرى أن لولاية الفقيه مناخاً خارج إيران يساعد في أن تصبح فيها مشروعاً أو نظاماً سياسياً، وهي غريبة عن الوطن العربي والمجتمعات العربية، فإذا كتبت لها الحياة والبقاء فهي كتبت لها في ايران، ولا أعتقد أنه تكتب لها الحياة على نحو الاستمرار والبقاء، لأن هناك رفضاً على المدى الطويل لأن يحكم الفقيه الأوحد أو أن تكون له ولاية خارج حدود دولته.