فاديا سمعان – جبلنا ماغازين
حذر المرجع الشيعي العلامة السيد علي الأمين من حتمية انتقال المشهد السوري إلى لبنان ما لم تقم الدولة اللبنانية بإغلاق الأبواب المشرعة على الفتنة. وقال إنه رغم كل ما يجري على الساحة اللبنانية اليوم، لا يزال هناك أمل في منع الفتنة، ولكن المطلوب من الدولة تطبيق القانون دون انتظار الرضى من الزعامات والاحزاب. وأكد العلامة الأمين في حديثه ل"جبلنا ماغازين" أن هناك اعتراضات في الشارع الشيعي على تدخل حزب الله في سوريا ولكنها لا تظهر الى العلن خوفاً مما سماه ب"قوى الأمر الواقع التي تحتكر تمثيل الشيعة".
وتوجه إلى الطائفة الشيعية واللبنانيين بالقول إننا "لا يمكن أن نحافظ على هذا الوطن إلا من خلال وحدتنا الوطنية ورفض الدعوات الطائفية والمذهبية والإلتفاف حول مشروع دولة المؤسسات والقانون المسؤولة وحدها عن مسائل الأمن والدفاع على كل الأراضي اللبنانية".
ومن جهة أخرى، رأى العلامة الأمين أن لا مانع من تشكيل حكومة خوفاً من حصول الفراغ، رغم أنها لن تكون قادرة على حل المشاكل الجوهرية التي تعطل بناء الدولة وتعيق بسط سلطتها الكاملة على كل الإراضي اللبنانية.
وهنا النص الكامل للحوار مع العلامة الأمين:
س: سماحة السيد، كيف تصف ما يعيشه لبنان اليوم؟ هل هي فتنة طائفية سنية شيعية؟ أم هي الجزء الثاني من مسلسل الحرب الأهلية اللبنانية؟
ج: يعيش لبنان في هذه الأيام حالة من الإحتقان الطائفي بسبب ما يجري في المنطقة من أحداث خصوصاً على الساحة السورية وانقسام اللبنانيين بين مؤيد للتدخل في القتال هناك وبين رافض له، ويزداد هذا الإحتقان خطورة بسبب غياب مرجعية دولة المؤسسات التي يحتكم إليها في الخلافات، وهذا التصاعد في الإحتقان مع غياب الإحتكام إلى الدولة ينذر بانتقال المشهد السوري إلى لبنان وحصول الفتنة إذا لم تقم الدولة اللبنانية بدورها في إغلاق الأبواب المشرّعة على الفتنة من خلال بسط سلطتها على كامل أراضيها بما في ذلك ضبط الحدود مع سوريا منعاً لدخول المسلحين والسلاح من سوريا وإليها.
س: في ظل كل هذا الموت في الضاحية وطرابلس وبيروت والبقاع وقبلها صيدا… هل تعتقد أن هناك أملاً ما يلوح في الأفق؟ ومن أي اتجاه تراه؟
ج: نعم ، الأمل يبقى عندنا بقيام الدولة اللبنانية بواجباتها في تطبيق القانون الذي يحفظ أمن الوطن والمواطنين دون انتظار الرضا من الزعامات والأحزاب، ولا شك بأن الغالبية من الشعب اللبناني مع كل خطوة تقوم بها الدولة لدفع الأخطار وتثبيت الأمن والإستقرار.
س: بعد سقوط أبرياء ضحايا الإرهاب في وسط الضاحية وفي الهرمل، ماذا عن حقيقة موقف الشارع الشيعي من حزب الله وتدخله في سوريا؟ وهل الأمن الذاتي سيكون الحل؟
ج: هناك تساؤلات عديدة في الشارع الشيعي عن المبررات التي يطرحها حزب الله لتدخله في سوريا، وهي وإن لم تظهر إلى العلن في الوقت الحاضر خوفاً من قوى الأمر الواقع، ولكنها تساؤلات واعتراضات موجودة في المجالس الكثيرة في المدن وفي القرى المتعددة وسوف يأتي الوقت لإظهارها، ولا أعتقد أن الحل في الأمن الذاتي الذي تمت تجربته في مراحل سابقة في الضاحية والجنوب وتراجعت عنه ظاهراً تلك القوى لعدم القبول به من قبل الناس الذين لا يرغبون عن الدولة بديلاً.
س: هل ترى في الأفق 7 أيار جديداً؟ هل ظروفه برأيك موجودة اليوم كما كانت في العام 2008؟
ج: قبل أحداث السابع من أيار كان هناك حكومة تحاول أن تسير بالدولة على طريق البناء وتثبيت مرجعيتها القانونية، وقد سقط هذا المشروع بسبب السلاح الذي خرج عليها في السابع من أيار، وبعد اتفاق الدوحة لم يعد من الممكن تشكيل حكومات فاعلة بدون أن تنال الرضا من القوى التي شهرت السلاح بوجه الدولة في السابع من أيار وأسقطت هيبتها، وقد أصبح بإمكان تلك القوى تشكيل حكومة من فريق واحد كما جرى في الحكومة الحالية قبل استقالتها.
س: وسط كل ما يجري على الساحة اليوم، هل تعتقد أن بالإمكان تشكيل حكومة سياسية جامعة؟ وما موقفك مما أعلنه سعد الحريري ومما أعلنه سمير جعجع في هذا الخصوص؟
ج: لا نرى مانعاً من تشكيل حكومة في الظروف الراهنة كما ظهر من خلال تصريحات بعض السياسيين خوفاً من حصول الفراغ ومن باب القبول بأقلّ الضررين، وهي على كل حال لن تكون حكومة قادرة على حل المشاكل الجوهرية التي تعطل بناء الدولة وتعيق بسط سلطتها الكاملة على كل الإراضي اللبنانية والتي تلغي العملية السياسية الديمقراطية، لأن الحكومة المطلوب تشكيلها اليوم كسابقاتها "حكومة تخدم ولا تحكُم". وأرى أنّ الإختلاف حول تشكيل الحكومة بين دولة الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع هو اختلاف في الوسائل الموصلة للأهداف وليس اختلافاً في الأهداف المشتركة.
س: متى سيكون للشيعة المستقلين مكان في الساحة السياسية اللبنانية؟
ج: الوجود السياسي للمستقلين الشيعة يحتاج في ظهوره إلى الدولة الديموقراطية الحافظة للحقوق والحامية للحريات وإلى القوى السياسية التي تؤمن بأن دولة القانون والمؤسسات لا ينحصر بناؤها والعبور إليها بقوى الأمر الواقع التي تحتكر تمثيل الشيعة وتقمع الرأي الآخر داخلها وتفرض منطق المحاصصة على من ترضاه شريكاً لها !
س: هل ما زلت ممنوعاً من زيارة الجنوب؟ من الذي يمنعك ولماذا؟
ج: نعم، ما زلت مبعداً عن الجنوب وغيره من المناطق الواقعة تحت سيطرة الثنائي (أمل وحزب الله) منذ أحداث السابع من أيار 2008 عندما تم ّ اقتحام دار الإفتاء الجعفري في مدينة صور من قبل مسلّحين تابعين لحركة أمل، وكان فيها مسكني ومكاتبي ومكتبتي ومستنداتي، وهي ما تزال بأيديهم حتى اليوم، وقد حوّلوها إلى مكتب حزبي لهم، وما حصل معنا لم يكن ليحصل بدون رضا من حزب الله، وعلى رغم الدعاوى القضائية منذ ذلك الحين لم نتمكن أن نسترجع منها شيئاً. ولم نتمكن من العودة إلى الجنوب أيضاً لأن السيطرة هناك ما زالت للأحزاب المسلحة التي ترفض وتقمع الرأي الآخر، ولأن من شهر علينا السلاح هناك لم يكن يريد إخراجنا من مدينة صور وحدها وإنما أراد أن يخرجنا من الجنوب كله -على الأقل- ليمنعنا من التواصل مع الناس الذين كانوا يرجعون إلينا ويؤمنون بآرائنا وأفكارنا بعد أن أصبحت دار الإفتاء الجعفري منبراً لهم ومنتدى فيه يجتمعون ويتلاقون ولذلك أقدمت قوى الأمر الواقع الحزبية على خطوتها النكراء. ولم نحصل على أية ضمانات من أجهزة الدولة بعدم الإعتداء إذا قمنا بزيارة الجنوب، مع أن الإعتداء السابق الذي أخرجنا من الجنوب كان بمرأى ومسمع منها.
س: في ظل ما يشهده لبنان اليوم، إذا كنت ستتوجه لأبناء الطائفة الشيعية بكلمة، فماذا تقول لهم؟
ج: ما أقوله للطائفة الشيعية هو ما أقوله لكل اللبنانيين: وهو أننا جميعاً ننتمي إلى وطن العيش المشترك لبنان، ولا يمكن أن نحافظ على هذا الوطن الذي لا نملك سواه إلا من خلال وحدتنا الوطنية ورفض الدعوات الطائفية والمذهبية والإلتفاف حول مشروع دولة المؤسسات والقانون، المسؤولة وحدها عن مسائل الأمن والدفاع على كل الأراضي اللبنانية.