الإثنين , نوفمبر 4 2024

المرجع الشيعي السيد علي الأمين لـ «الأهرام العربى»: ولاية الفقيه نظرية سياسية وليست دينية – نرفض سب الصحابة وأمهات المؤمنين

المرجع الشيعي السيد علي الأمين لـ «الأهرام العربى»:

ولاية الفقيه نظرية سياسية وليست دينية – نرفض سب الصحابة وأمهات المؤمنين

 

* ولاية الفقيه ليست معتقداً دينياً أو مذهبياً للشيعة ولكنها نظرية سياسية فى السلطة والحكم.

* السياسة التى اعتمدها حزب الله وحركة أمل عطّلت بناء الدولة داخلياً.

* ارتباط حزب الله بالمشاريع الخارجية ألحق الضرر بلبنان وبالطائفة الشيعية.

* نرفض أن تكون علاقات إيران مع لبنان من خلال حزب الله.

* دعم إيران لبقاء سلاح حزب الله خارج الدولة يؤدى إلى الاحتراب الداخلى.

*وجود أي سلاح وجود أي سلاح خارج الدولة اللبنانية هو خطر على الدولة ويستدرج إلى الساحة سلاحاً غيره، وهذا ينذر بالحروب الداخلية وتفكيك الدولة والوطن وهذا ما يعود بالضرر على حزب الله وغيره وكل اللبنانيين

* المظاهرات تؤسس لمرحلة جديدة فى لبنان الواحد وطناً وشعباً ودولة.

*التحرّك الشعبي الحاصل في بيروت هذه الأيام يحمل السمات الوطنية العابرة للطوائف والمذاهب والأحزاب الموجودة في السلطة والنظام

* اختلفت مع الثنائى الشيعى فطردنا من جنوب لبنان.

* نرفض سب الصحابة وأمهات المؤمنين لأنه ضد تعاليم الإسلام.

* رفضنا وما زلنا مشاركة حزب الله فى القتال على الأراضى السورية وغيرها.. وندعوه للانسحاب وتطبيق قوانين الدولة اللبنانية.

* شكل الموقف المشهور عن الإمام الشيخ محمود شلتوت خطوة ذات أهمية كبرى فى التقريب بين أبناء الأمة الواحدة من السنة والشيعة.

حاوره فى بيروت – عبداللطيف نصار

المرجع الشيعى العلامة السيد علي الأمين، هو عالم دين شيعي، مجتهد ومرجع دينى لبنانى، ولد فى بلدة قلاوية العاملية سنة 1952 م، مدّرس لمادة أصول الفقه وبحث الخارج وداعية تعايش بين الطوائف اللبنانية ومقرّبا بين أتباع الدّيانات، اختلف مع سياسة حزب الله وحركة أمل الشيعية، فتم تهديده والتضييق عليه وطرده من مكتبه جنوب لبنان، يرفض ولاية الفقيه وسلاح حزب الله، وسيطرة الحزب وحركة أمل على مقدرات الطائفة الشيعية فى لبنان، ويدعو للتقارب بين السنة والشيعة ويرفض الطائفية ويدعو للدولة المدنية بعيدا عن الدين، ويرفض سب الصحابة وأمهات المؤمنين،ويرى أن تدخل إيران فى لبنان يضر لبنان والطائفة الشيعية معا.

التقيناه فى مسكنه ببيروت وكان هذا الحوار..

مجلة الأهرام: سماحة العلامة السيد علي الأمين يغرد خارج سرب المفهوم الشيعي لولاية الفقيه في إيران ، بالرغم من أن ولاء الشيعة في الدول العربية لولاية الفقيه،  لماذا؟

 

العلاّمة الأمين:  ليس صحيحاً أن ولاء الشيعة العرب هو لنظام ولاية الفقيه في إيران، فالشيعة كشركائهم في أوطانهم ولاؤهم للدولة والوطن والنظام السياسي الذي اختاروه معاً في بلادهم، ولعل السبب في هذا الانطباع عن الشيعة هو بسبب ارتباط الأحزاب السياسية الشيعية بالسياسة الإيرانية، ولكن لا يصح اختزال الشيعة بحزب أو أحزاب، فالطوائف والشعوب لا تختزلها الأحزاب لأنها أكبر منها، وكمثال على ذلك فإن حزب الإخوان المسلمين هو من أكبر الأحزاب في مصر إن لم يكن الأكبر في العالم الإسلامي ولكنه لم يختزل المسلمين في مصر وغيرها.

وولاية الفقيه ليست معتقداً دينيّاً أو مذهبيّاً للشيعة، ولذلك لم يقل بها الكثير من علمائهم في الماضي والحاضر.

إن ولاية الفقيه هي نظرية سياسية في السلطة والحكم، وقد عارضها ويعارضها الكثير من الشيعة داخل إيران وخارجها،  وهي ليست ولاية عابرة للشعوب والأوطان، وهي مثل غيرها من النظريات السياسية التي يختص تطبيقها بالشعب الذي يختارها على أرضه، والشيعة خارج إيران ليسوا جزءً من عملية اختيار الولي الفقيه في إيران فلا تكون له ولاية عليهم.

 

الارتباط بمشاريع خارجية

مجلة الأهرام: إنتقدتم حزب الله وحركة أمل في رؤيتهما للطائفة الشيعية في لبنان وعملهما لمصلحة الطائفة ، إلي أي مدي يضر توجههما بلبنان الوطن والدولة؟

 

العلاّمة الأمين:  ان خيار الطائفة الشيعية في لبنان هو خيار سائر الطوائف اللبنانية الأخرى يقوم في الدولة الواحدة والعيش المشترك ورفض الإرتباطات الخارجيّة المضرّة بالمصلحة الوطنية،  وهذا ما أعلنت عنه الطائفة الشيعية مع غيرها من الطوائف منذ قيام لبنان،  والسياسة التي اعتمدها حزب الله وحركة أمل عطّل بناء الدولة داخلياً،  وارتباطهما بالمشاريع الخارجية ألحق الضرر بلبنان عموماً وبمصالح أبناء الطائفة الشيعية وروابطها التاريخية مع العالم العربي، ولذلك فإن المطلوب من حزب الله وحركة أمل العودة إلى الخيار المشترك بين كل الطوائف اللبنانية، وهو خيار العيش المشترك والإنخراط في دولة المؤسسات القانون التي تشكل مرجعية وحيدة في الأمن والدفاع وكل الشؤون التي تتولاها الدول على أراضيها بعيداً عن الإرتباط بسياسة إيران وغيرها من الدول.  

 ونحن قد عبّرنا عن رأينا بضرورة الالتزام بهذا الخيار الوطني المتمثّل بمشروع الدولة الواحدة والعيش المشترك وقيام أحسن العلاقات مع الدّول العربيّة. 

علاقة إيران وحزب الله

مجلة الأهرام: لا يخفي علي أحد الدور الإيراني الفاعل في لبنان ودعم إيران لحزب الله مالا وسلاحا بإعتراف السيد حسن نصرالله في خطاباته، فكيف ترون مخاطر ومزايا الدور الإيراني في لبنان؟

 

العلاّمة الأمين:  نحن رفضنا ونرفض أن تكون علاقات إيران مع لبنان من خلال حزب الله وغيره، والمطلوب أن تكون علاقة إيران مع لبنان من خلال الدولة اللبنانية وقوانينها، وطالبنا باندماج سلاح حزب الله وانتظامه في الدولة، وإن إيران بدعمها لبقاء سلاح حزب الله خارج الدولة اللبنانية يلحق أكبر الضرر بقيام الدولة وسلطتها،  وسوف يؤدي باستمراره إلى الإحتراب الداخلي وضرب الصيغة اللبنانية.

 

المظاهرات ضد الطائفية ورموزها

مجلة الأهرام: تتصاعد حدة التظاهرات اللبنانية يوما بعد يوم في ساحتي رياض الصلح والشهداء وسط بيروت بعيدا عن الطائفية الضيقة ، فإلي أي مدي يمكن للمتظاهرين تحقيق مطالبهم التي إرتفع سقفها من حل مشكلة النفايات إلي ضرورة محاسبة الفاسدين وتغيير النظام الطائفي المعمول به في لبنان؟

 

العلاّمة الأمين:  إن التحرّك الشعبي الحاصل في بيروت هذه الأيام يحمل السمات الوطنية العابرة للطوائف والمذاهب والأحزاب الموجودة في السلطة والنظام، وهو يعبر عن درجة كبيرة من الوعي عند اللبنانيين الذين فقدوا الثقة بالنظام الطائفي ورموزه، وهو بداية جريئة تؤسس لمرحلة جديدة في لبنان الواحد وطناً وشعباً ودولة.

 

مجلة الأهرام: يردد المتظاهرون في ساحة رياض الصلح القول بأن الطوائف لاتبني دولة فهل أصابوا؟

 

العلاّمة الأمين:  الطوائف معاً هي التي بنت لبنان، وهي التي تبني لبنان اليوم والغد، ولم تكن مشكلة لبنان في تعدد الطوائف، وإنما المشكلة في المحاصصات الطائفيّة التي أصبحت جزءاً من النظام السياسي، وهي التي قتلت الكفاءة وجعلت من الإنتماء الطائفي والولاء للزعيم الطائفي أساساً في الإختيار.  والمتظاهرون لا يريدون الخروج من طوائفهم، وإنما يريدون الخروج من المنطق الطائفي إلى منطق المواطنة الذي يتساوى فيه جميع اللبنانيين في الحقوق والواجبات.

 

مجلة الأهرام: هل تعتقدون أن إتفاق الطائف الذي أنهي الحرب الأهلية في لبنان له دور في إستمرار التحزب والطائفية حتي الآن في النظام السياسي اللبناني؟

 

العلاّمة الأمين:  المشكلة لم تكن في اتفاق الطائف، وإنما في عدم تطبيقه،  فقد أنهى اتفاق الطائف الحرب المريرة والعبثية، وأعطانا أملاً بلبنان  الوطن الذي يعتمد نظامه السياسي على دولة الإنسان العابرة لحدود الطوائف والمذاهب،  والقائمة على المواطنية،  والناظرة بعدالة إلى الكفاءة.

وقد شكل اتفاق الطائف محطة مهمّة على المستوى النظري لقيام الدولة ولكنْ تعثّرُ تطبيقه في المراحل السابقة، سمح لاستمرار هيمنة الزعامات الطائفية وأحزابها وأدى منطق المحاصصة في السلطة إلى اصطفافات مذهبية ووكالات شبه حصرية في بعض الطوائف،  وحصرية كاملة في بعضها الآخر،  كما هو جارٍ اليوم في الطائفة الشيعية التي استحوذ الثنائي الشيعي («حزب الله» و«أمل»)  عليها بمباركة من القوى السياسية والطائفية الأخرى،  وهذا ما جعل الهيمنة تمتد إلى سائر مفاصل الدولة التي عجزت عن بسط سلطتها،  وتغلّب بذلك منطق الطائفة الطائفي على منطق دولة المؤسسات والقانون التي تهتم بالوطن والمواطن الإنسان بعيداً عن الاستقواء بالتعصب الطائفي والانتماء السياسي والمناطقي.

 

 الإبعاد عن الجنوب

مجلة الأهرام: هناك تباين في وجهات النظر بينكم وبين حزب الله بخصوص خطف الأجانب وحرب يوليو تموز 2006، فما هي الأضرار التي لحقت بسماحتكم جراء إنتقاد مواقف حزب الله علانية؟

 

العلاّمة الأمين:  لقد اختلفت مع الثنائي الشيعي "حزب الله وحركة أمل" قبل حرب تموز يوليو2006 بسبب سياستهما الداخلية التي غذت الإنقسامات الطائفية وأساءت إلى العيش المشترك، وعطلت قيام الدولة، وبسبب ارتباطهما بالسياسة الإيرانية،  ونصحتهما في السرّ قبل العلن، وكان الجواب بالإقصاء والإبعاد لنا من الجنوب بقوة السلاح غير الشرعي في أحداث بيروت ٧ أيار ٢٠٠٨ التي حصلت  بمشاركة من حزب الله وحركة أمل، وقد سيطر مسلحون من حركة أمل على دار الإفتاء الجعفري في مدينة صور في جنوب لبنان حيث كانت مكاتبنا، ولم تتمكن الدولة التي يهيمنون على مفاصلها ويمنعونها من بسط سلطتها من إرجاعنا إلى الجنوب ولا من إرجاع شيء من مستنداتنا ومكتبتنا حتى اليوم!

 

سلاح حزب الله

مجلة الأهرام: هل تعتقدون أن إحتفاظ حزب الله بسلاحه دون بقية الطوائف في لبنان كان لصالح لبنان أم لصالح الحزب؟

 

العلاّمة الأمين:  إن وجود أي سلاح خارج الدولة اللبنانية هو خطر على الدولة ويستدرج إلى الساحة سلاحاً غيره، وهذا ينذر بالحروب الداخلية وتفكيك الدولة والوطن، وهذا ما يعود بالضرر على حزب الله وغيره وكل اللبنانيين، ولذلك فإن المطلوب أن ينتظم كل سلاح في الدولة، وأن ينخرط الجميع في العمل السياسي تحت قوانين الدولة.

 

مجلة الأهرام:  انتقدتم حرب تموز 2006 واعتبر أن الطائفة الشيعية لم تعط الأحزاب وكالة في اجراء أي حرب من الحروب ولا يجوز جعل الجنوب اللبناني ساحة للحرب المفتوحة، ولكن حزب الله مخول بحسب إتفاق الطائف للاحتفاظ بسلاحه من أجل تحرير ماتبقي من الجنوب اللبناني؟

 

العلاّمة الأمين:  إتفاق الطائف نص على سحب سلاح كل الأحزاب والميليشيات، وعدم تطبيق الطائف أعطى الفرصة لاحتفاظ حزب الله بسلاحه تحت ذريعة مقاومة الإحتلال الإسرائيلي، وقد تم تحرير الجنوب وانسحاب إسرائيل في سنة2000 وتوقف عمل المقاومة، ولكن حزب الله بسلاحه انكفأ إلى الداخل في أحداث السابع من أيار2008 ومزارع شبعا المختلف عليها بين لبنان وسورية هي خاضعة لقرار مجلس الأمن 1701 الذي يمنع من السلاح جنوب الليطاني والذي وافق عليه حزب الله، وهو لم يقاتل منذ ذلك الحين من أجل تحريرها، بل هو يشارك اليوم في القتال على الأراضي السورية خلافاً لإرادة الدولة اللبنانية ومعظم الشعب اللبناني.

 

مجلة الأهرام:   قلتم إن وقوف حزب الله إلى جانب النظام السوري في سياسة القمع والاعتماد على الحلول العسكرية والأمنية في مواجهة حراك الشعب السوري المطالب بالإصلاح سياسةٌ ستكون لها انعكاسات سلبية على الداخل اللبناني وعلى علاقات اللبنانيين بعضهم بالبعض، فهل تؤيدون نزع سلاح حزب الله بعدما خرج من لبنان للمشاركة في الحرب داخل سوريا؟

 

 العلاّمة الأمين:  نحن أعلنا عن رأينا بضرورة ألا يبقى سلاح خارج سلطة الدولة اللبنانية، وطالبنا حزب الله منذ إنجاز التحرير سنة 2000 وبعدها باندماج سلاحه في الدولة اللبنانية التي تمتلك وحدها سلطة السلاح وقرار السلم والحرب على أراضيها ومنها، ورفضنا ولا زلنا مشاركته في القتال على الأراضي السورية وغيرها، وندعوه للإنسحاب وتطبيق قوانين الدولة اللبنانية.

 

14 آذار و8 آذار

مجلة الأهرام:   تتلاقى رؤيتكم للدولة المدنية بعيدا عن الطائفية مع رؤية فريق 14 آذار وهذا الأمر يحسبه الشيعة في لبنان ضدكم ، فما هي مبرراتكم للتخلي عن رؤية حزب الله وحركة أمل تجاه الطائفة الشيعية؟

 

العلاّمة الأمين:  مشروع  الدولة المدنية هو مما كنت أطالب به منذ عقود من ثمانينات القرن الماضي وعندما كنت في الجنوب اللبناني قبل ولادة 14 آذار في العام 2005،  وعندما أعلن هذا الفريق انتماءه لمشروع الدولة التقينا معه في المطالبة بهذا المشروع،  الذي آمنت به الطائفة الشيعية منذ تأسيس لبنان،  وصولاً إلى الإمام موسى الصدر،  الذي رسخ هذه الرؤية لمشروع الدولة لدى الطائفة الشيعية،  ولكن جاءت الواجهة السياسية الحالية لتخالف هذا التوجه العام لدى الطائفة الشيعية،  ونحن لم نخالف هذا التوجه العام للطائفة نحو الدولة،  بل خالفنا توجه الثنائي الحزبي "أمل" و"حزب الله" الذي انتزع باسمها وكالة حصرية بقوة السلاح، ووضعها في المركب المخالف لتوجهات شركائها في الوطن من الطوائف الأخرى،  حول مشروع بناء الدولة،  وحول علاقتها بمحيطها العربي.

وشائعة الإنتماء إلى14آذار يقوم بها الثنائي الحزبي "حزب الله وحركة أمل" لتشويه الصورة لدى قواعدهم الحزبية ومنعها من الإستماع للرأي الآخر في ظل الإصطفافات الطائفية والحزبية وقد قلت في مناسبات عديدة: بأنني لا أوافق على كل سياسات 14 آذار، ولا أخالف كل سياسات 8 آذار.

 

المحاصصة الطائفية

مجلة الأهرام:   حزب الله وحركة أمل يمثلان الشيعة في لبنان سياسيا وبالرغم من ذلك هما حليفان في فريق 8 آذار المناهض  لفريق 14آذار الذي يضم السنة ، من وجهة نظركم إلي أي مدي يضر ذلك بالتقارب بين السنة والشيعة في منطقة ملغومة بالحرب المذهبية؟

 

العلاّمة الأمين:  إن التباعد السياسي في لبنان بين السنّة والشيعة تولّد من منطق المحاصصة الطائفية الذي فرضه الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل على الكثير من مؤسسات الدولة، ورضي به الفريق الآخر في 14 آذار، وهذا ما أدّى إلى الإصطفافات الطائفية والمذهبية التي تؤثر على الروابط الوطنيّة والدينيّة الموجودة بين الطوائف، ولذلك فإني أرى أن المشكلة نشأت من الأداء السياسي ومنطق الإستقواء على الدولة، يضاف إلى ذلك الإرتباط بسياسات خارجية وصراعات المنطقة التي ألبست العناوين المذهبية.  

 

مجلة الأهرام:   هل تعتقدون أن التباعد السني الشيعي له دور فيما يحدث في سوريا والعراق ، وما دور إيران في ذلك؟

 

العلاّمة الأمين:  العكس هو الصحيح، إن ما يجري من صراعات في المنطقة وخصوصاً في سوريا والعراق هو من العوامل التي أوجدت التباعد بين السنّة والشيعة في هذه المرحلة، لأن في المتصارعين والمستفيدين من الصراع من أسقطوا عليه العناوين المذهبية للحصول على المزيد من الأتباع والأنصار في معاركهم الهادفة في الأساس للسلطة والنفوذ، ولا شك أن تدخل إيران ووقوفها إلى جانب النظام السوري عسكرياً يساعد على انتشار هذه العناوين المذهبية التي تباعد بين السنّة والشيعة، وقد عاش السنّة والشيعة معاً قروناً عديدة في المنطقة،  ولم تمنعهم الخلافات الفقهية من إقامة الروابط العائلية فيما بينهم والعيش معاً والعمل على بناء الأوطان لأنه لم يكن من صراع بينهم على السلطة والحكم. والذي حدث أخيراً أن هناك دولاً في المنطقة وأحزاباً تريد النفوذ والوصول إلى السلطة أو المزيد منها حاولت توظيف الخلافات المذهبية في مشاريعها وطموحاتها السياسية.

 

المذاهب ليست أديانا

مجلة الأهرام: من وجهة نظركم الفقهية والدينية كيف يمكن التقريب بين السنة والشيعة في المنطقة بعد عقود من دعوة الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر في التقريب بين المذاهب، وتدريس المذهب الجعفري بالأزهر الشريف وإمكانية التعبد به لأهل السنة؟

 

العلاّمة الأمين:  لقد شكل الموقف المشهور عن الإمام الشيخ محمود شلتوت  – رحمه الله- خطوة ذات أهميّة كبرى في التقريب بين أبناء الأمة الواحدة من السنّة والشيعة، وهذا ما يعبر عن انفتاح الأزهر الشريف وريادته للفكر الجامع ووعيه المتقدّم لمخاطر الإنقسام والفرقة، وهذا النهج هو ما يسير عليه الأزهر الشريف اليوم بإمامة الدكتور الشيخ أحمد الطيب الذي يعمل بجد على نشر ثقافة الإعتدال والحوار.

ونحن نرى أن الحوار المطلوب والذي يساهم في عملية التقريب بين المذاهب يجب أن ينطلق مجدّداً من الأزهر الشريف لما له من مكانة علمية ودينية لدى عموم المسلمين.

وليس المطلوب من الحوار أن يصبح المسلمون على مذهب واحد،  وإنما المطلوب أن ننطلق من المشتركات التي تجمع، وما أكثرها، وأن يفهم المسلمون أن تعدد المذاهب لا يخرجهم عن الدين الواحد الذي يتسع لكلِّ الإجتهادات المشروعة المنطلقة من الكتاب والسنة وإن اختلف العلماء في فهم النصوص ووسائل اثباتها،  لأن النصوص الدينية في معظمها ليست من باب الأرقام التي لا تختلف نتائجها،  بل هي نصوصٌ تختلف درجات الوضوح فيها،  وقد يختلف العلماء وأهل الإختصاص في دلالاتها أحياناً وفي ثبوتها سنداً أحياناً أخرى،  وقد يتعارض بعضها مع البعض الآخر،  ولذلك تتعدد آراء الفقهاء ومذاهب المجتهدين،  وما يجب قوله أن المذاهب ليست أدياناً متقابلة وإنما هي نتيجةُ آراءٍ بذل أصحابها مشكورين جهدهم من اجل الوصول إليها،  فإن أصابوا فهم عليها مأجورون،  وإن أخطأوا فهم فيها معذورون.  وتنضوي تلك الآراء رغم اختلافها تحت دين واحد وهو الإسلام الذي يجمعها، فهي اجتهادات تبقى في إطار الإسلام وتحت لوائه،  والمهم أن نُبعد عن أتباع المذاهب صفات التعصب لها والإنغلاق عليها، ودعوى امتلاكهم للحقيقة الشرعية.

 

فصل الدين عن الدولة

مجلة الأهرام:   دعوتم إلى إلغاء التعليم الديني من المدارس الأكاديمية واستبداله بكتاب يعزز القيم وأخلاق الأنبياء ويعزز الولاء للوطن فهل تدعون بذلك لفصل الدين عن السياسة مما يعني أن يكون الولاء للأوطان وليس للولي الفقيه والمذهب؟.

 

العلاّمة الأمين:  الدولة يجب أن تقوم على أساس المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وهذه المهمة لا يخالفها الدين، وقد جاء في بعض النصوص الدينية  (الناس سواسية كأسنان المشط)  ولذلك يجب اعتماد الكتاب الذي يخدم هذه المهمّة وينشر ثقافةً ترسّخ نظرة موحّدة للمواطنين نحو الوطن والدولة وحقوقهم المتساوية، خصوصاً في المجتمعات ذات الطابع المتعدّد في المذاهب والأديان، وأما الخصوصيات الدينية والمذهبية فتؤخذ من المعاهد الدينية.

وبذلك نبعد عن المجتمع شبح الإنقسامات ذات الطابع الديني،  فالمدرسة يجب أن تكون مصنع الشعب الواحد، ونبعد عنه تعدّد الولاءات وتوزّعها بين الدولة وبين من يريد احتكار الولاية الدينية والمذهبية به.

وفصل الدين عن الدولة بهذا المعنى هو رأي ذهب إليه كثير من العلماء والمفكرين المسلمين، ومنهم من قال بأن الدولة هي في الأصل مؤسسة مدنية اقتضاها الإجتماع البشري لانتظام أمورهم،  وهي سابقة في وجودها على الدين والمذهب، وللدولة تكون الولاية الناظمة لأمر المجتمع.

 

أموال الخمس

مجلة الأهرام:  قلتم إن الطائفة الشيعية أغنى الطوائف في العالم،  وأموالها تذهب بذهاب المرجع الديني دون أن يسأل أحد ، فأين تذهب أموال الخمس التي يدفعها الشيعي من ماله؟

العلاّمة الأمين:   قلت هذا الكلام في مقام الدعوة إلى تنظيم المرجعية الدينية عند الشيعة وتحويلها من مرجعيّة الفرد إلى مرجعية المؤسسة التي تستمر بعد غياب فرد وقيام آخر مكانه، وقد فرضت الأحداث المستجدّة في المنطقة أن تسلط الأضواء على المرجعية الدخول في عالم السياسة المباشرة، وأخرجتها عن دورها التقليدي في رعاية الشأن الديني والإهتمام اللازم به.

والمطلوب من المرجعية الشيعية في العراق أن تعيد النظر في وضع إسمها في واجهة الأحداث واستغلاله من قبل بعض الجهات والأحزاب في إذكاء الصراعات تحت العناوين الطائفية والمذهبية،  وأن تكون في موضع الأبوة لجميع المسلمين، فهي ليست مرجعية تحصرها خصوصية القطر الذي تتواجد فيه،  وهي ليست للشيعة وحدهم،  وليست للعراقيين وحدهم،  انها التي تتفاعل مع كل قضايا المسلمين في العالم ،  فتعمل على تعزيز وحدتهم وتمتين الروابط فيما بينهم. ونريد منها المزيد من الإهتمام بالحوزة الدينية في النجف الأشرف وسائر الحوزات الدينية في العالم من خلال تحديث المناهج وإعادة النظر في طرق التدريس ووسائله مما يساعد على مزيد من الوعي والإنفتاح بين المذاهب والأمم والشعوب ،  وقد يكون للسياسة أهلها ولكن الشأن الديني لا يوجد له أهل سوى المرجعية التي قامت على نشر العلوم والمعارف الدينية.

والمطلوب في عملية الإنتقال والتغيير هذه الإعتماد على أسسٍ تنظيمية وقانونية مستفادة من الشرع ومن تجارب الأمم والشعوب وعلوم الإدارة والتنظيم إبتداءً من وصول المرجع الى سدة المرجعية واختياره لها من خلال تنظيم السلك الديني وتشكيل لجنة دينية عليا لتوحيد بيت المال وضبط الأوضاع المالية وترشيد الإنفاق على المشاريع النافعة بالتخطيط لها، والخروج من عشوائية الإنفاق ومنطق التمييز في العطاء بين القريب والبعيد والموالي والمعارض، وإخراج طالب العلم والعلماء من دائرة الإعتماد على الصدقات والتبعية للأحزاب.

والمطلوب إعادة النظر في مالية المرجع في حياته ووضع أسس لتنظيمها وضمان انتقالها الى المرجع الجديد حتى لا يبتدىء من درجة الصفر كما هي الحال السائدة عندنا منذ قرون عديدة دون السؤال عن مالية المرجعية السابقة أين ذهبت؟ وكيف أنفقت؟

 

سب الصحابة وأمهات المؤمنين

مجلة الأهرام: شكلتم مع سماحة الراحل المغفور له السيد محمد حسين فضل الله رأيا معتدلا وسمحا في الوسط الشيعي لاقى ترحيبا كبيرا من المسلمين كافة ولكن لايزال البعض يسب بعض صحابة وزوجات الرسول عليه الصلاة والسلام ، فماذا تقول لهؤلاء وما مدى مشروعية ذلك ؟.

 

العلاّمة الأمين:  إن منطق السبّ وعدم الإحترام للرموز الدينية هو منطق مرفوض ومخالف لآداب الإسلام وتعاليمه، وقد أصدرت كتاباً قبل سنوات باسم  (زبدة التفكير في رفض السبّ والتكفير)  وأظهرت فيه فساد ما يقوم به البعض من إساءات لتلك الرموز التي تتجاوز في رمزيّتها حدود المذاهب والطوائف، فالسيّدة عائشة رضي الله عنها هي أم المؤمنين بنص القرآن الكريم،  وقد جاء في الحديث أن  (المسلم من سَلِمَ الناس من يده ولسانه ) فكيف يجوز التطاول بالسب على أئمة المسلمين والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين وغيرهم من الرموز الدينية لكل المذاهب والأديان. وتبقى المسؤولية على العلماء والمرجعيات الدينية في نشر هذه التعاليم بين الناس لعزل ومحاصرة تلك الفئة الشاذة من المسيئين في كل الطوائف.