المقامات الدينيّة ليست أغلى من البشر… و"السيّدة زينب" تريدنا موحّدين،
السيّد علي الأمين لـ"البيان:
*السلاح يمنع المعارضة الشيعية
*الرد على تفجير السفارة الإيرانية مسؤولية الدولة اللبنانية وحدها
* السنة والشيعة في لبنان هم في الدين والوطن إخوان
ريما طرباه الجندي – صحيفة البيان – طرابلس
تحت بنود تسويةٍ بملامح فارسيّةٍ- غربيّة ترزح منطقةٌ من خليجها إلى محيطها بأمّها وأبيها. صحيحٌ أنّها على نفسها جنت، بأن ربطت المصير بمسير مفاوضاتٍ، تخضع لقانون جبابرة السياسة العالميّة، لكنّ هذه النفس لا تزال عزيزةً. ولا يزال في النفس أصوات عقلٍ وحكمةٍ تصدح على أعتاب الفتنة تنادي القوم أن ارجعوا. ومن الدائرة العملاقة هذه إلى إحدى أصغر دوائرها أي لبنان، يخرج من بين رحم البيئة الشيعيّة أملٌ بعودة اللحمة، التي يكاد يشرذمها حزامٌ ناسفٌ من هنا أو هناك. إنّه العلامة السيّد علي الأمين الذي طرحنا معه في هذه المقابلة الحصريّة أعقد وأكثر الأسئلة حرجاً ودقّةً وحساسيّةً حول العلاقة بين السنّة والشيعة في لبنان والشرق.
"غزوة" السفارة
–بعد العملية الانتحاريّة، هل القول بمحاربة حزب الله للشعب السوريّ وليس للتكفيريّين بات تجنٍّياً؟
لم يكن هناك هجوم على لبنان من قِبل المتقاتلين في سوريا قبل دخول حزب الله إلى سوريا، ولا يصلح أن يكون الأمر المتأخر سبباً لحصول الأمر السابق، فالعكس هو الصحيح. وما حدث أمام السفارة ردّة فعل على سياسة إيران في سوريا. ومن قام بالعمل يحمّل تدخّل حزب الله في سوريا إلى إيران. وليست مهمّة الحزب محاربة ما يسمّى التكفيريين في سوريا، فإنّ تدخّله في القتال هناك صعّد الإحتقانات في المنطقة، وأوجد المناخ وأعطى المبرّرات لانتقال الإرهاب إلى لبنان.
–لماذا تنكرون على الحزب حماية ظهره وحماية مقاماتٍ لها رمزيّة شيعيّة؟
– كان علينا النأي عن الصراعات والنزاعات لأنّه مبدأ انطلق منه أهل البيت. والتدخّل هو خلاف القاعدة. وليس لحزب الله أن يختار الدخول في نزاعات تؤدّي إلى انتقالها إلى لبنان، والتفجير الأخير يدلّ على أنّ مشاركة حزب الله في القتال على الأراضي السورية لم يشكّل حماية له ولا للبنان وإنّما استدرج الصراع إلينا. إيران تعرّضت للخطر من أفغانستان لكنّها لم تلجأ الى أيّ عملٍ استباقيٍّ ضدّها ولم ترسل قوّات لقتال التكفيريين على حدودها. والمقامات الدينيّة ليست أغلى من البشر وعبادة الله ليست مقتصرة عليها، وأصحاب هذه المقامات كانوا في طليعة المدافعين عن وحدة المسلمين وضدّ سفك الدماء، والسيدة زينب تريد من المسلمين أن يكونوا يداً واحدة وأن لا تسفك دماؤهم، وموقفها يمثّل موقف أبيها الإمام عليّ عليه السلام في الحفاظ على وحدة المسلمين عندما قال(لأسلّمَنَّ ما سَلِمَتْ أمور المسلمين).
–هل يتدخّل حزب الله في سوريا دون تكليفٍ شرعيّ من الخامنئي؟ وهل تتصرّف إيران بمعزلٍ عن الرأي الدينيّ لفقهائها؟
الوليّ الفقيه مرجعيّة دينيّة لم يصدر عنها فتوىً بالقتال، والموقف الإيرانيّ بتأييد النظام السوريّ ناشئ من تحالف سياسيّ مع النظام السوريّ. ولم يصدر عن مرجعية العراق ولا عن مرجعية إيران الدينيّة فتوى بشأن قتال حزب الله في سوريا، والسكوت عن ذلك لا يعتبر فتوى مبرّئة للذمّة. وفي كلّ الأحوال، فإنّ الفتوى على تقدير صدورها لا يجوز العمل بها شرعاً وعقلاً إذا خالفت كتاب الله القائل بأنّ الموقف عند صراع الأهل والأشقّاء هو العمل على الإصلاح بينهم وليس بالدخول طرفاً.
–هل المزاج الشيعيّ اليوم سيزداد تمسّكاً بخيار حزب الله أم أنّ الجدل سيبدأ داخل الدائرة الضيّقة لحزب الله؟
في الأصل لم يكن المزاج الشيعيّ مع مشاركة الحزب في معركة سوريا، بل هو مع النأي بالنفس والإصلاح ووقف سفك الدماء، والجدل حول شرعية دخول حزب الله وحول المصلحة منه كان موجوداً منذ البداية، وسيزداد بفعل تداعيات الأحداث.
–هل يمكن أن تصدر فتوى دينيّة صارمة على مستوى رجال دين سنّة وشيعة تحرّم القتال في سوريا؟
– نحن دعونا سابقاً المرجعيات الدينيّة في العالمين العربي والإسلامي إلى اجتماعٍ عاجل لإصدار فتوى بتحريم القتال في سوريا، وقلنا: إنّ دماء أشقائنا وأبنائنا التي تسيل وتسفك في سوريا هي دماء غالية علينا، ولذلك يجب العمل على وقف سفك الدماء، ولا يجوز أن نكتفي بتشييع الذين يقُتلون هناك وكأنّ الأمر لا يعنينا. والمسؤولية الأولى في ذلك تقع على عاتق الموجودين في مواقع السلطة والمسؤولية، ولذلك فإن المطلوب خروج مراجع الدين في العراق وغيره من الدول العربية والإسلامية عن صمتهم وهم يرون ويسمعون بذهاب أبنائهم، الذين يرجعون إليهم في معرفة أحكام الدين، إلى القتال على الأراضي السورية، والدخول في فتنة عمياء فيها خسران الدنيا والدين.
–هل يمكن النظر بعين التعاطف أو الأخذ بالأسباب التخفيفيّة لمن قام بالعمليّتين الانتحاريّتين؟
– إنّ من قام بهذا العمل هو المسؤول وحده عن عمله، وقد أصبح في محكمة ربّه، وهو خير الحاكمين. فجريمته من الجرائم المزدوجة بقتله للأبرياء وقتله لنفسه، وهو بحسب الموازين الشرعيّة ارتكب أفظع المحرّمات، كما جاء في قوله تعالى: (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً).
–كيف سيردّ حزب الله على استهدافه مؤخّراً؟
نرفض أن يقوم حزب الله بأيّ عملٍ انتقاميّ، لأنّ ذلك يزيد النار اشتعالاً ويدخل لبنان في دائرة الخطر الكبير والشر المستطير، والمطلوب أن يكون الردّ على العمليّة هو مسؤوليّة الدولة اللبنانيّة وحدها.
حزب الله ومرجعياته
–هل الاتّفاق الإيرانيّ- الغربي سيفرض على إيران الطلب من الحزب الخروج من سوريا، وماذا سيقول عندئذٍ لجمهوره ولأهالي شهدائه؟
-نحن نرى إيجابيّة في الإتّفاق الإيرانيّ الغربيّ بعودة إيران للحظيرة الدوليّة، ما سينعكس على أماكن الصراع في المنطقة كسوريا وغيرها، والمهمّ أن يتوقّف مسلسل الدمّ والدمار والتشريد بخروج كل الأطراف من الصراع. ونحن نعتقد أنّ حساب الله أعظم من حساب الناس.
–هل هناك تمايز اليوم بين حزب الله وحلفائه في لبنان، على رأسهم حركة أمل والتيّار العوني في ما يخصّ التدخّل في سوريا؟
– لا نرى تمايزاً في المواقف بين حزب الله وقيادة حركة أمل من التدخّل في سوريا. والثنائيّ الشيعيّ هما (إثنان بواحد) لأنّ الرئيس نبيه برّي لا يخالف الحزب الرأي بل ينفّذ له سياسته المرتبطة بالرؤية الإيرانيّة. وأعتقد أنّ التفاهم بين حزب الله والتيار العونيّ أملته ظروف معيّنة، وسوف يتغيّر بتغيّرها.
–هل الجدل الفقهيّ بين العلماء عند الشيعة موجودٌ على غرار الجدل داخل الطائفة السنّيّة على تحليل هذا العمل الانتحاري من عدمه؟
-الجدل الفقهيّ واسع لدى الكثير من الفقهاء المسلمين من مختلف المذاهب الفقهية، وهناك من يعتبر أنّ العمل الانتحاريّ سواء أصاب الأبرياء أم لا، هو عمل محرّم شرعاً، ولا يصحّ أن يوصف بالجهاد أو بالنضال. لأنّ الفاعل هو قاتل لنفسه وقتل النفس من المحرّمات الكبيرة، لأنّ أصل المشروعيّة هي في قتال الإنسان للأعداء، وليست في أن يقتل نفسه.
–متى يصبح الجهاد لازماً عند المسلمين والشيعة تحديداً؟
– لا خلاف بين المسلمين حول الجهاد الدفاعيّ، وأنّه شُرّع لدفع الظلم والعدوان عن الأوطان والإنسان كما جاء في قول الله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ). ولا يكون دفع العدوان والظلم بممارسة العدوان والظلم على الآخرين كما يستفاد من قول الله (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين). وقد ذكر الفقهاء شروطاً عدّة وضوابط للجهاد وأسبابه وأهدافه ومقاصده ووسائله، فهو ليس عملاً فرديّاً عشوائيّاً بل جماعيّاً منظّماً، يُعلن عنه ولي الأمر، ويكون ذا علم ومعرفة وورع في الدين وحكمة وخبرة، عند تعرّض البلاد والعباد لأخطار العدوان، ومن شروطه وجوب الإعداد والاستعداد، فضلاً عن اجتناب إيقاع الأذى بالأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال وأماكن العبادة وغيرها كالشجر والحيوان.
المعارضة الشيعيّة
–ما هي الضمانات التي يمكن أن تقدّموها كمعارضين للثنائيّ الشيعيّ للجمهور الرافض لسياستهما، حتّى يستطيع أن يعبّر عن آرائه بحرّيّة دون تعرّضهم للخطر؟
– تتفاوت درجات المعارضة لهذا الثنائيّ، فمنهم من تعرّض للبطش المسلّح من هذه القوى الحزبيّة المسلّحة ومُنع من التواصل مع القواعد الشعبيّة كما حصل معنا في مدينة صور في أحداث السابع من أيّار، حيث تمّ اجتياح دار الإفتاء الجعفريّ وأخرجونا منها وهي لا تزال بأيديهم حتّى اليوم، ولم نتمكّن من العودة للجنوب منذ ذلك الحين. وبعض المعارضين يخشى التعرّض لبطشهما إذا رفع سقف معارضته، ومنهم من يكتفي بالقول إنّه لا يوافق على السياسة المتبعة. والضمانات للمواطنين هي مسؤوليّة الدولة، إذ ينبغي حماية الحرّيّات وإيجاد المناخ الآمن لمختلف الآراء.
–كيف يمكن اقناع السنّيّ اللبنانيّ أنّ عدوّه ليس الشيعيّ وأنّ هناك مصادرة للرأي الآخر عند الشيعة، خصوصاً أنّه لا يتمّ تظهير سوى التابعين لمنطق حزب الله ومنظومته؟
-السنّة والشيعة هم المسلمون وهم أمّة واحدة كما قال الله: (ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل). وهم إخوانٌ في دين الله كما قال تعالى (إنّما المؤمنون إخوة). وفي لبنان تجمعهم الوحدة الوطنيّة والعيش المشترك مع كلّ الطوائف، والخلافات التي ظهرت هي سياسيّة تعود إلى منطق الإستقواء بالسلاح وضعف الدولة والحكومات التي أعطت وكالة حصريّة عن الطائفة الشيعيّة إلى حزب الله والمنضوين تحت لوائه، وهذا ما جعلها بدون صوت آخر، وأعطى الإنطباع أنّ الشيعة يريدون الإستقواء والنفوذ. ما أدّى إلى تظهير النزاع على أنّه بين المذاهب. والحقيقة أنّ الشريحة الكبرى من الطائفة الشيعيّة تعارض هذه السياسة، ولا تقبل بغير دولة المؤسّسات والقانون مرجعيّة لكلّ اللبنانيّين، ولا ترى بديلاً عن العيش المشترك والوحدة الوطنيّة. لكنّ المشكلة أنّ السلاح أسكتها وصادر رأيها في غياب الدولة التي لا تحتضن المطالبين بها، والتي تقّدم كلّ غنائمها وخدماتها ووظائفها لمن شهر السلاح بوجهها وأسقط هيبتها في أحداث السابع من أيّار وغيرها.