المصدر : جريدة اللواء اللبنانية .
التاريخ : 12 8 2008م – مع إيضاحات
الموضوع : سؤال موجه لسماحة السيد علي الأمين .
ـ هل الشيعة يقبلون مرويّات الصحابة عن النبي (ص) ويعملون بها ؟
انَّ الأخذ بسنّة رسول الله (ص) مما اتفق عليه المسلمون امتثالاً لقول الله تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} مضافاً إلى الروايات المتواترة الداعية للتمسّك بسنَّة رسول الله (ص)، ولم يختلف العلماء المسلمون قاطبة على كون السنّة النبوية مصدراً أساسياً من مصادر الشريعة الإسلامية، ولذلك اهتموا بتدوينها وجمعها، وقد تعددت الكتب الجامعة للحديث واختلفت في أعداد الروايات والرواة، لأن كل عالم دوّن في كتابه ما وصل إليه ولذلك تعددت الكتب الجامعة للحديث، وبعضهم اهتم بجمع ما رآه صحيحاً من الأخبار بنظره فأطلق عليها إسم الصحيح فتعددت كتب الصحيح بتعدد الآراء واختلاف وسائل الوصول وسعة الإطلاع، وبعضهم كان اهتمامه منصبّاً على جمع ما روي عن رسول الله (ص) تاركاً النظر في السند إلى الفقهاء عند القيام بعملية الإستنباط التي تتطلب البحث عن الحجة والدليل، وقد بذل علماء الحديث جهدهم في سبيل الحصول على مرويات السنّة التي استطاعوا الوصول إليها، ولأن مجرد جمع الأحاديث في كتاب أو كتب لا يكفي في إثبات السنّة وقع البحث بين العلماء حول وسائل اثبات السنّة المروية عن رسول الله (ص) وهذا ما أدى إلى ولادة ما يسمى بعلم الرجال حيث تتمُّ فيه دراسة أحوال الرواة ومدى وثاقتهم وعدالتهم وقد اختلفت موازين الجرح والتعديل عندهم· وقد وجدت من خلال دراستي الفقهية في النجف الأشرف وقراءاتي للكتب الفقهية المختلفة أن الإستدلال الفقهي عندنا يعتمد على مرويّاتٍ لصحابة رسول الله (ص) وتستنبط منها القواعد الفقهية والأحكام الشرعية، ولا أنكر أن هناك شيئاً من الخلل في منهج الإستدلال الفقهي المعتمد عند بعض فقهاء المذاهب عموماً، وخصوصاً في علم الرجال وموازين الجرح والتعديل حيث يذهب بعضهم إلى طرح الرواية وعدم العمل بها لأن الراوي ليس من مذهبه وليس له نفس معتقده في المسائل الخلافية مثلاً، ولذلك كنا نقرأ أن هذه الرواية تسقط عن الإعتبار لأن راويها عامي المذهب أو فاسد الإعتقاد، أو لأن الراوي رافضي أو معروف بالتشيّع وغير ذلك من العبارات التي كنّا نشعر بعدم موضوعيتها وبعدم كونها سبباً كافياً لطرح الرواية وعدم العمل بها، خصوصاً وأن المطلوب هو معرفة أحكام الشريعة السمحاء التي لا تنحصر بفريق من الرواة دون فريق اخر ولا علاقة لمعتقد الراوي ومذهبه بعدم صدق الحديث وعدم صدوره عن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، ولذلك تولَّد لدينا إتجاه حول إعادة النظر في منهج الدراسة والإستدلال المعتمد في الدراسة الفقهية التي يغيب عنها الرأي الآخر وهذا ما يشكل عنصر ضعفٍ في عملية استنباط الأحكام الشرعية التي تحتاج إلى البحث الموضوعي عنها في مظانّ وجودها، فكيف يعتقد الفقيه أنه قد وصل إلى حكم الله تعالى عندما يستثني في طريق البحث عن حكم الشريعة الألوف المؤلفة من الروايات والأحاديث والنصوص الدينية لمجرد أن جامع الحديث أو راويه ليس من مذهبه!·
أفلا يحتمل فقيه المذهب الشيعي وجود الحكم الشرعي المبحوث عنه في تلك النصوص التي تخلّى عنها ولم يرجع إليها؟! ولماذا ينحصر الوصول عنده إلى السنّة النبوية بمرويات أئمة أهل البيت؟· أفلا يحتمل فقيه المذهب السنّي وجود الحكم الشرعي الذي يريد الوصول إليه في تلك الروايات التي أسقطها عن الإعتبار ؟.ولماذا ينحصر الوصول إلى السنّة النبوية بالمرويات التي وصلت إلى أصحاب كتب الصحاح ؟.
فأين الموضوعية في طريقة الإستنباط العلميّة؟! وأين البحث والإستقصاء؟! وأين استفراغ الفقيه وسعه وجهده في الوصول إلى الحكم الشرعي؟! بل قد وجدنا من خلال التتّبع أنه قد لا يكون عند الفقيه المجتهد الذي يمارس عملية الإستنباط كتب الحديث المعتمدة عند الطرف الآخر!!· وقد أدى هذا الإنغلاق والطرح المتبادل لهذا العدد الهائل من الروايات إلى عدم الإحاطة اللازمة عند كثير من الفقهاء لأنهم قد انطلقوا في البحث العلمي من وسائل محدودة في عملية الإثبات وأصبح المجتهد منهم فقيهاً لمذهب خاص وليس فقيهاً في الشريعة الإسلامية بمعناها الواسع .
وقد قدمنا اقتراحاً في مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية الذي أقامته مؤسسة الإمام الخوئي سنة ١٩٩٩/ لحل هذه المشكلة من خلال كتاب يجمع السنة النبوية بأسرها ضمن جميع الأبواب الفقهية بحيث يصبح لزاماً على من يقوم بعملية الإستنباط في باب من الأبواب أن يراجع كل ما ورد من روايات بشأنه من مختلف الأفراد والجهات .