الوثيقة الختامية للمؤتمر الدولي (نقض شبهات التطرف والتكفير)
الذي دعت إليه دائرة الإفتاء العام في المملكة الأردنية الهاشمية:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
انطلاقاً من المسؤولية التاريخية للمملكة الأردنية الهاشمية في إبراز صورة الإسلام المشرقة ووقف التجني عليه ورد الشبهات التي تثار حوله مستندة إلى ما ورد في رسالة عمان “رسالة الإسلام السمحة” التي أطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني أعزه الله بشرعية هاشمية موصولة بالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث أُطلقت رسالة عمان عشيّة السابع والعشرين من رمضان المبارك عام 1425هـ/ التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2004م، في عمّان، وغايتها إظهار مقاصد الإسلام والرد على من يحاول تشويه صورته من أعدائه ومن بعض الذين يدّعون الانتساب له ويقومون بأفعال غير مسؤولة باسمه.
واستكمالاً لهذا النهج عقدت دائرة الإفتاء العام هذا المؤتمر الدولي بمشاركة نخبة كريمة من المؤتمرين علماء الأمة الإسلامية لتجتمع كلمتهم على تبني النهج الذي يبين وسطية الإسلام وسماحته، والدفاع عن مبادئه وقيمه الداعية إلى الرحمة والعدل، ومواجهة الأفكار الشاذة والمنحرفة، التي أدت إلى تكفير المسلمين وإراقة دمائهم التزاماً بقول الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/104.
فالأمة الإسلامية أمة واحدة ربها واحد، ونبيها واحد، وتعاليمها واحدة، يقول الله تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)الأنبياء/92، وتتحقق وحدة الأمة بترسيخ مبدأ الأخوة بين المسلمين على أساس الإيمان بالله تعالى اتباعاً للمنهج الإلهي الشامل في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/10، فالعقد بين المؤمنين عقد حقوق واجبة بنفس الإيمان، والتزامها بمنزلة التزام العبادات، وقد امتن الله في كتابه الكريم على عباده المؤمنين أن ألف بين قلوبهم بعد أن كانوا أعداءً فأصبحوا بنعمته إخواناً، وهذا يقتضي الابتعاد عن جميع مظاهر الخلاف التي تؤدي إلى الشقاق والنزاع، وشقّ الصف الإسلامي الواحد، بمجاهدة النفس واتساع الصدر والأفق للوصول إلى ما يحقق السعادة في الدنيا والآخرة.
ولا يجوز تكفير من أقر بالشهادتين إلا إن جاء بما يناقضها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) متفق عليه.
والدولة في الإسلام هي التي تحفظ شؤون البلاد والعباد وتقوم بمقاصد الحكم المطلوبة لتحقيق الأمن والاستقرار وبما يحقق العدالة والمساواة، ولا يجوز لأي جماعة أن تنفرد بأحكام الولاية والخلافة وعقدها من دون الأمة.
إن شمولية رسالة الإسلام التي تقوم على إرساء مبادئ العدل والرحمة والتسامح والسلام بين الناس تؤهله لتنظيم علاقة المسلمين بغيرهم وفق مبادئ إسلامية رصينة تقوم على السلم والتعاون على البر والتقوى، أما الحرب فهي استثناء لها شروطها الشرعية وقواعدها وأخلاقياتها، ولا تكون إلا بإعلان من ولي الأمر الذي يقدر المصالح والمفاسد والمواثيق والأعراف الدولية.
ولا يقتصر الجهاد في المفهوم الإسلامي على القتال وحده، بل يشمل الدعوة إلى الحق والرشاد، بالحكمة والموعظة الحسنة، قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل/ 125.
وأما ما تفعله التنظيمات المتطرفة، من تدمير وتخريب للعمران وحضٍّ للشباب على قتل أنفسهم وأهليهم وزعزعة أمن البلاد والعباد فهذا ليس جهاداً، وإنما هو بغي وعدوان، وإجرام وإفساد. لذلك فإنه يحرم الانتماء إلى هذه التنظيمات، والمقاتلة في صفها أو نصرتها؛ لأنها ترفع راية عمية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّةٍ، أَوْ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ، فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ).
وظاهرة الخوف من الإسلام والمسلمين (الإسلاموفوبيا) وإن كانت ترجع إلى بعض الممارسات الشاذة والمنحرفة التي يمارسها بعض المنتسبين لهذا الدين الحنيف، فإن جزءاً كبيراً منها يعود إلى العنصرية والعداء للإسلام والمسلمين، ولهذا فإننا نحذر من تنامي هذه الظاهرة التي تؤدي إلى تزايد فكر الإرهاب والتطرف.
كما يجب التأكيد على أن فلسطين هي قضية المسلمين الأولى وأن الاحتلال الغاشم لفلسطين، واغتصاب المسجد الأقصى المبارك، قبلة المسلمين الأولى، وإحدى أقدس مقدساتهم، أحد الأسباب الرئيسة لحدوث الاضطرابات في العالم.
والواجب على علماء الأمة الإسلامية الواحدة أن يقوموا بواجبهم الشرعي في رأب صدع الأمة، وتوحيد صفوفها، ومحاربة الأفكار الشاذة والمنحرفة، وبيان زيف شبه المتطرفين، كما يجب عليهم تبيين الفهم الصحيح للإسلام الذي ينبني على أسس سليمة، أولها: التمسك بالقرآن الكريم ونصوصه، والثانية: اتباع بالثابت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والثالث: هو الفهم الصحيح السليم لهذه النصوص من القرآن والسنة في ضوء القواعد الكلية والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية بعيداً عن التحريف والتشويه وليّ أعناق النصوص لتأييد فكر أو انتصار لمذهب أو تبرير لعمل وإيجاد مسوغات له، وطرح الآراء التي انحرفت عن منهج الفهم السليم والإدراك القويم لطبيعة الدين وصلته بالحياة، وأن يعملوا على نشر ثقافة الحوار والاعتدال والتسامح وحسن الظن، وقبول الآخر.
(اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) الزمر/46.
والحمد لله رب العالمين
من كلمة سماحة المفتي العام للمملكة الأردنية الهاشمية الشيخ عبد الكريم الخصاونة في الإفتتاح:
قال سماحة مفتي المملكة عبد الكريم الخصاونة ان المؤتمر ‘يستمد اهميته من الاحداث التي يتعرض لها العالم الاسلامي، ودور المملكة بقيادتها الحكيمة في مواجهة التطرف والارهاب، وما تنهض به دائرة الافتاء العام من جهود لتوجيه انظار المسلمين والعالم نحو القيم الاسلامية الحقيقية التي تدعو الى السماحة والرفق ونبذ التطرف بكافة اشكاله’.
واضاف، ان ‘للفتاوى دورا مهما في كشف مثل هذه الشبهات التي يروج لها المتطرفون وبعض الدوائر التي تتربص بالإسلام وابنائه’، مؤكدا ان دائرة الافتاء العام تتحمل مسؤوليتها الدينية والوطنية لدحض هذه المزاعم وتفنيدها وبيان موقف الشريعة السمحة منها، وقد جاء هذا المؤتمر في سياق هذا الدور الذي تقوم به دار الافتاء الاردنية التي تحظى باحترام كبير في العالم الاسلامي كله.
وقال سماحته : “إن هذا المؤتمر جاء بعد ان اشغل المتطرفون العالم اليوم بقضايا التكفير وأشعلوا نار الفتنة بين المسلمين واستباحوا الأموال والأعراض والأنفس وكفروا الجميع».
واكد ان هذه الفتن حذّر منها جلالة الملك عبدالله الثاني وأنذر من عواقبها الوخيمة وطلب من العلماء وأهل العلم ان يبذلوا جهدهم لانارة عقول الأجيال الشابة كي لا تكون ضحية لهذه العصابات المتطرفة وعلى رأسها داعش «.
وأضاف سماحة المفتي العام للأردن الشيخ عبدالكريم الخصاونة في كلمته الافتتاحية للمؤتمر الذي حضره الأمير هاشم بن الحسين مندوبا عن الملك عبدالله الثاني إن المؤتمر يعقد في توقيت بالغ الأهمية بعد أن أشغل المتطرفون العالم بقضايا التكفير وأشعلوا نار الفتنة بين المسلمين فاستبيحت الدماء والأموال الأعراض وخيمت فتن كقطع الليل المظلم على كثير من العالم العربي ولا يعرف نهايتها إلا الله.
وأكد الخصاونة على أن الأمل بات معقودا على علماء الأمة الإسلامية أن ينيروا بحقيقة الإسلام وقيمه العظيمة ، عقول أجيال الشباب زينة الحاضر والمستقبل..قائلا إننا نستنكر دينيا وأخلاقيا المفهوم المعاصر للإرهاب والذي يراد به الممارسات الخاطئة أيا كان مصدرها وشكلها والمتمثلة في التعدي على الحياة الإنسانية بصورة باغية متجاوزة لأحكام الله .
وقال إن دائرة الإفتاء الأردنية ستبقى وبالتعاون مع المؤسسات الدينية الأخرى منارة تمحو الجهالات والضلالات المتطرفة ..مضيفا نتعاون ونتضامن مع الأمانة العامة للافتاء العالمية التي يرأسها فضيلة مفتى الديار المصرية ونحن أعضاء فيها .
وأشار إلى أن الله سبحانه وصف في كتابه الكريم الأمة الإسلامية بأنها أمة واحدة يشد بعضها بعضا (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) وشهد لها الله بالخيرية (كنتم خير أمة أخرجت للناس)..قائلا إن الأمة الواحدة تكون قوية حية متماسكة قادرة على أداء رسالتها ودورها العظيم والواجب على كل مواطن الانتماء لها والاعتزاز بها والولاء لها .
وأضاف إن حب الوطن من الإيمان..وهذا الواجب لا يقوم على أسس عنصرية أو عصبية بل يقوم رسالة الإسلام السمحة البيضاء النقية البعيدة عن الغلو والتطرف والإرهاب ..محذرا من أن تفريط أي مواطن في واجبه تجاه أمته فإنه سوف يبوء بغضب الله ومقته.
ونبه إلى أن داء هذه الأمة يبدأ من داخلها بالتنازع والتناحر ، لافتا إلى أن التنازع والتناحر لم يحدث إلا بعد ظهور الفرق الحاقدة والعصابات المتطرفة والتي كان أكثرها عداوة وأشدها حقدا وسوءا عصابة داعش الإرهابية.
وقال الخصاونة إن عصابة داعش الإرهابية فارقت الجماعة وحكمت على بلدانها بالكفر وانطلقت إلى آيات أنزلت في الكفار واستحلوا دماء المسلمين وأرواحهم ، وهم لا عن حق يقاتلون .. ولا عن منكر ينهون بل هم في ضلال مبين .