الوحدة الاسلامية في كتاب
(السنة والشيعة أمة واحدة) للعلامة السيد علي الأمين
جريدة اللواء اللبنانية – السبت,3 آذار 2012 الموافق ١٠ ربيع الآخر ١٤٣
أثناء مطالعتي لجملة من الأبحاث وعدد من المصنفات التي تطرقت إلى موضوع السنة والشيعة أو خصصت فيه، وجدت الكثير من الحيف والميل من قبل أصحاب تلك المؤلفات والمقالات، مما تصورت نفسي في ساحة حرب حقيقية تبدأ بالمهاترات والتهم والتصريحات الخطيرة من أطراف متعددة ومختلفة دون مبرر اللهم إلا كون الباحث أو الكاتب ينتمي إلى هذه الجهة أو تلك ويرى بأن الحق معه اينما دار، معتمداً على خياله الخصب في جرح وتعديل هذه الطريقة أو تلك، دون أن يقدم دليلاً واحداً بل يستند في كل ذلك إلى القيل والقال ويعتمد بالنقل عن فلان أو علان وكأنه مقلد حتى في البديهيات، وكأن على عينه وقلبه غشاوة كالذي يصفه الله تعالى في كتابه العزيز من سورة البقرة في قوله: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة} ناسياً بأن من أصول البحث أن يكون الطرف محايداً أولاً وأن يكون الباحث من أتباع الدليل ثانياً وأن يستند في الرد على قول الطرف الآخر لا على التقول عليه ثالثاً، والا فانه إلى الجهل أقرب منه إلى العلم وإلى الجدل أقرب منه إلى المناقشة. إن طرح آراء مختلفة ومناقشتها في المسائل الخلافية من شأنه ان يخفف الهوة بين الإجتهادات ومبانيها عن طريق الإطلاع عليها وممارستها وعندها يخلق روح التسامح بين تلك المذاهب عبر طرح الرأي والرأي الآخر والذي نأمل من خلال ذلك أن يصل إلى مرحلة من مراحل الإندماج في ظل وحدة لا تتأثر في إختلاف وجهات النظر في مثل هذه المسائل الجزئية. وهنا نشير إلى أن المذاهب الإسلامية ليست إلا إجتهادات فقهية ومدارس فكرية. لقد ألف عدد من علماء الإسلام كتباً مفصلة عن الفرق والملل والنحل لم يخل كثير منها من بعد عن الموضوعية بل فقدان لها احياناً، الأمر الذي إنعكس في عدم الدقة والأمانة في عرض آراء وأقوال المذاهب المخالفة وإلزامهم أحياناً بما لا يقولون ونسبة أباطيل اليهم، هذا بالإضافة إلى التحيز والتعصب لمذهب صاحب التأليف ورمي مخالفيه بالضلال بل الكفر. ويكفي مطالعة عناوين بعض الكتب لمعرفة منهجها في الدراسة والبحث. فكما يقال المكتوب يعرف من عنوانه. ولا أريد أن ادخل ببعض أسماء وعناوين بعض الكتب المتشددة والمتطرفة. كما أود إلى الإشارة أيضاً إلى مسألة من الأهمية بمكان من أنه لا يجوز إتهام طائفة برمتها أو مذهب بأسره وتحميله أعباء ومسؤولية قول أو رأي صادر من بعض علماء وفقهاء هذا المذهب ولا سيما إذا كان هذا الرأي أو القول مرتبطاً بأصل من أصول العقيدة لأنه مما لا يخفى من أن المسائل الإعتقادية والتي يجب الإعتقاد بها لا يجوز فيها التقليد مطلقاً بل يجب الإعتقاد بها عن علم ومعرفة ودراية، فإعتقاد فقيه بمسألة مرتبطة بالعقيدة تلزمه ولا تلزم احداً من أبناء طائفته أو ملته أو مذهبه ولا يتحمل عبأها أو مسؤوليتها أحد سواه لأن فهمه في تلك القضية حجة عليه لا على غيره.
نريد اصواتاً حكيمة
لا تصدقوا أبداً بأن المسلمين بكل أطيافهم لا يريدون أن يسمعوا أو ينصتوا لأصوات حكيمة ومعتدلة تنادي وتنطق بالوحدة والإعتدال والتقريب بينهم وليس صحيحاً على الإطلاق أنهم لا يرغبون ان يقرأوا في كتب تدعو إلى التوادد والتآلف بينهم. لكن أقول بكل صراحة اين هي هذه الأصوات الحكيمة والمعتدلة التي تنطق بالوحدة وتنادي بلغة الإعتدال ومنطق الحوار الجاد والبناء بهدف التقريب بين المذاهب الإسلامية وأين هي تلك الكتب التي تدعو المسلمين إلى التوادد والتآلف والمحبة وكم هي هذه الأصوات، إن وجدت وأين تكمن تلك الكتب إن أنجزت في زمن نحتاجه جميعاً إليها أمام هذا الضجيج الهائل والمرتفع من أصوات التطرف والتعصب والتي تخاطب فينا جميعاً العاطفة على أنغام أمور قد مضت وحالات قد انتهت ولم يبق لها عين ولا أثر.
نعم، من بين هذا الضجيج المخيف والأصوات الهادرة المرتفعة المليئة بالتطرف والتعصب ولد كتاب من رحم هذه الأزمة، كتاب لم يقرأ من قبل. إنه كتاب سماحة العلامة المجتهد الفقيه المجدد السيد علي الأمين حفظه الله تعالى والتي تدور حوله هذه الندوة إنه الصوت الهادر بالحق، الصادع بالوحدة والحوار والتقريب بين المسلمين، إنه كتاب الألفة والمحبة والمودة.
نعم إنه سمحة العلامة المتجدد الفقيه المتنور الذي خاطب فينا العقل الذي خلقه الله تعالى وشرفه وفضله على كافة المخلوقات والذي يعتبر دليلاً من الأدلة الشرعية عند المسلمين، هذا العقل الذي خاطبه الله تعالى عندما خلقه كما ورد في بعض المرويات. إن هذا الكتاب «السنة والشيعة أمة واحدة» ينطلق من مبدأ ان جل المذاهب والفرق الإسلامية لا تعدو كونها وجهات نظر مختلفة ومتعددة في فهم الإسلام وكلها نابعة في الأصل من الإسلام الحنيف، تتحرك فيه وتتمسك بأصوله حسب فهمها وترجع إليه طبق إجتهادها وإستنباطها وأكثر انقساماتها لم يكن في الواقع إلا نتيجة لإختلافات وصراعات سياسية أو تاريخية أو اختلافات طبيعية ناشئة حول التفسير والتأويل والإجتهادات الفقهية. فالكل، مسلمون ينتمون لأمة واحدة هي أمة محمد إبن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعبدون إلهاً واحداً هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد، ويؤمنون بكتاب واحد هو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل ابداً ويستقبلون قبلة واحدة هي بيت الله الحرام.
لقد سلك سماحته مسلكاً لم يسلكه أحد من قبل ولن أكون مبالغاً في القول إذا قلت ما قرأناه في هذا الكتاب لم نقرأه من كتاب ولم نسمعه من خطاب. لقد تعرض سماحته في هذا الكتاب إلى أهم نقاط ومسائل الخلاف بين السنة والشيعة مبيناً لها مفصلاً فيها، مناقشاً تلك الآراء والأقوال من خلال أدلة كل طرف أو فريق، متوصلاً في نهاية المطاف بعد جهد كبير قد بذله إلى الجمع والتوفيق ين تلك الآراء والأقوال لدى الفريقين رغم حساسيتها وحرجيتها معلناً بعد ذلك عن إنهاء حالة الخلاف بين المسلمين وذلك من خلال إسقاط أسباب الخلاف مع الإبقاء على ثبوت حق الإختلاف، ومن ان السنة والشيعة أمة واحدة ذات رسالة خالدة، إسلام واحد وإجتهادات متعددة معتمداً في كل ذلك على كتاب الله تعالى والسنة الجامعة، السنة التي تجمع ولا تفرق والتي سبق لسماحته أن أسس لها مستنداً عليها في إستنباطاته وإستدلالاته والتي تبدد كثيراً من مسائل الخلاف بين المسلمين وتجمع بينهم كثيراً في مسائل أخرى.
كلمة أخيرة
وهنا أختم بكلام مبدع لسماحة السيد المجدد في كتاب «السنة والشيعة أمة واحدة» قال«بأن تلك الدعوة التي جمعت بينهم وألفت بين قلوبهم بمبادئها وقيمها لا تزال حتى اليوم تنادينا نحن المسلمين للإيمان بها والإنضواء تحت رايتها بعيداً عن التجربة التي مرت فيما بعد وبعيداً عن الإنقسامات التي حصلت بعدها فتأمرنا بالتمسك بتلك المبادئ التي تدخل وحدها صاحبها في الإسلام أفلا نكون بالإيمان بتلك المبادئ التي آمنوا بها وحدها من المسلمين حقاً، وإن لم نطلع على خلافات الماضين ثم يضيف وهذا ما رأيت فيه طريقاً لنجاة الأمة الواحدة من الشرور والفتن، فليست الفرقة الناجية هي التي تحتكر النجاة لنفسها وأتباعها، وإنما هي التي تسعى لنجاة الأمة بأسرها.
* الكلمة اتي ألقيت في المركز الثقافي الإسلامي- بتصرف