الإثنين , يناير 20 2025

بين النصر والشهادة

بين النصر والشهادة

نداء الوطن – نوال نصر

أسئلة طرحناها على العلامة السيّد علي الأمين:-هل كل من قُتل هو شهيد؟ هل الاستشهاد في صلب الثقافة والمعتقد عند الشيعة؟ وهل عند أئمة أهل البيت الموت هدف؟ وهل للنصر والشهادة معنى واحد؟

العلامة السيّد علي الأمين:

  • إن النّصر والإنتصار من كلمات اللغة العربيّة ذات المعنى التي تعبر عن فكرة من الأفكار التي وضع لها اللفظ في تلك اللغة،ولا يخضع الصّواب فيها والخطأ إلى الإستفتاء وعدد الأفراد والطّوائف،لأن المعيار والميزان في صحّة تطبيق ما يفيده اللفظ من الفكرة والمفهوم على الموضوع الخارجي هو العقل الّذي يعتبر المصدر الأساسي في المعرفة و الإدراك. ونحن لا نرى أن مجرد وقوع القتل لشخص بيد العدوّ يُسَمَّى نصراً،وإن سمّي ذلك شهادة في بعض الأحيان،لأن النّصر بحسب المفهوم من اللغة هو معنىً وجودي يتضمن الغلبة على العدو. وليس النصر معنىً عدميّاً يؤخذ من عدم تحقيق العدوّ لأهدافه المعلنة وغاياته.إن البحث عن معنى الإنتصار لن يخفف من وقع المآسي والمصائب التي حصلت ولن يخفف من الحجم الكبير في الأرواح الغالية التي خسرناها ،ولن يخفف من المعاناة التي عاناها أهلنا بسبب الحرب المدمرة ،وما زالوا يعانون من آثارها في الجنوب والضاحية والبقاع وكل لبنان. وبالرجوع إلى كلمات الفقهاء عن الشهيد والشهادة نجد أن الشهيد عندهم هو الذي قتل في المعركة المأذون فيها شرعاً. والشهادة ليست هدفاً يُسْعَى إلى تحقيقه،وإنما هي وسام مكافأة على ما نزل به وأصابه.وهي-الشهادة-ليست لازمة الحصول في المعركة المأذون فيها شرعاً،فقد تحصل بسبب الدخول فيها،وقد لا تحصل.والمعركة المأذون بها شرعاً كالدفاع عن الوطن ليست عشوائية، بل هي المأذون بها من القيادة الناظمة للأمر التي أعدت لها شروطها التي يتحقق بها دفع العدوان من الإعداد والإستعداد،كما جاء في قول الله تعالى(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم…).وقد ذكرنا في البحث عن واقعة كربلاء التي استشهد فيها الإمام الحسين عليه السلام مع أصحابه وأهل بيته أنها تشكل مدرسة نتعلم منها الدروس في الصبر ورفض القهر والظلم وتشكل مثالاً أعلى لكلمة الحق في وجه الفساد في البلاد والإضطهاد للعباد وشاهداً صارخاً على الوقوف في وجه الحكام الطغاة الذين يواجهون كلمة الاصلاح بالسيوف وقطع الرؤوس.

    ولم تكن كربلاء بفجائعها ونتائجها فعلاً من أفعال الامام الحسين ولا صنيعة من صنائعه لنقتدي به في صنعها بأنفسنا ومجتمعاتنا،وإنما كانت صنيعة سوء من الحاكم الجائر.

    وقلنا إن الأسباب والظروف التي أحاطت بالإمام الحسين ودفعته للخروج وتحمل تلك النتائج هي أسباب خاصة بحركة الإمام الحسين،فهي كما يقال في علم الفقه «قضية في واقعة» يعني هي مرتبطة بتلك الظروف وتكليف خاص بالإمام الحسين عليه السلام .

    وهذا هو ما فهمه أئمة أهل البيت بعد استشهاد الإمام الحسين عليهم السلام،فلم تؤسس حركته عندهم لقاعدة عامة في الجهاد وطلب الإستشهاد،لأنهم لم ينظروا إلى الشهادة التي وقعت في كربلاء كهدف يجب السعي إلى تحقيقه،وإنما كانت نتيجة إصرار النظام على القتل، ولذلك لم تتكرر كربلاء النتائج في حياة الأئمة بعده،مع أن أسباب الظلم والقهر لم تتغير في كثير من مراحل حياتهم إن لم تكن أشدَّ ظلماً وفساداً.

    ولذلك قلنا إن ساحة الجهاد التي نستفيدها من الشريعة ومن أحداث تاريخية ليست ساحة مطاطية تتسع حيناً وتضيق أحياناً أخرى بحسب الأهواء والمصالح والتحالفات السياسية.وقلنا إن ساحة الجهاد بالنسبة إلى الشيعة اللبنانيين لا تختلف عن ساحة الجهاد عند كل الطوائف اللبنانية،إنها الساحة الوطنية التي تجمع كل الطوائف للعمل معاً من أجل بناء لبنان الوطن ودولة المؤسسات والقانون والعمل فيها على صون الوحدة الوطنية والعيش المشترك،فإن وحدتنا الوطنية ووقوفنا وراء الدولة المرجعية الوحيدة لشعبها هما السبيل الوحيد الذي يقودنا إلى تحقيق العدالة والإستقرار والإزدهار،وهو السبيل الوحيد الذي نواجه به الأعداء الطامعين ببلادنا.

شارك المعرفة وانشر