حكمة الله في اختلاف الناس في أشكالهم وأحوالهم
وردت الأسئلة التالية إلى مكتب العلاّمة السيد علي الأمين :
ساني جانج – سيول- كوريا – أتش دبليو بي أل
[السؤال رقم 1] تم خلق الإنسان باعتباره أجمل مخلوق على وجه الأرض. لكنه مكتوب أيضًا في القرآن أن الإنسان ضعيف وعجول. لماذا خلق الله الإنسانككيان ضعيف ومتسرع؟ ماذا عن أولئك الذين يولدون عاجزين ومعاقين؟ هل خلقوا بإرادة الله التي هي خلق أجمل مخلوق؟ – 4:28 يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا – 4:28 – 21:37 خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ – 21:37 [السؤال 2] تم خلق الإنسان كأجمل مخلوق على الأرض (64: 2 ، 87: 2). هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ – 64:2
الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ – 87:2 ثم ، هو غير مؤمن وفاسد من إنشائه الأول؟ ما هو الجمال في عين الله؟ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ – 64:3 سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ – 87:6 [السؤال 3] مكتوب في القرآن الكريم أن السماوات والأرض وما بينهما تم خلقها بالحقيقة (الحق) ولمدة محددة. ما هي الحقيقة (الحق) ، وما هو سبب وضع واستخدام هذا المصطلح؟ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ – 64:3 [السؤال 4] في سورة 15: 28-30 ، خلق الله الإنسان من الطين من طين أسود متغيّر ونفخ فيه. لذلك سجد الملائكة. لمن سجدت الملائكة؟ الله أم البشر؟ – 15:28وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ – 15:28 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ – 15:29 فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ – 15:30
الأجوبة:
- جواب 1 –
تحدث الله الخالق في القرآن عن عملية خلق الإنسان الأولى التي تمثلت بخلق آدم أبي البشر من الطين بدون أبوين، كما جاء في قوله تعالى (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ) وتحدث فيه أيضاً عن تكريم سلالته من بني الإنسان فقال(وكرّمنا بني آدم)، وقد استخلفه في الأرض وجعلها بما فيها وديعة بين يديه والخلافة تعني منح الإنسان السيادة على ما استخلفه الله فيه، وهي تعني أيضاً تحميله المسؤولية، لأن الخلافة تعني أن يقوم الخليفة بدور الإدارة لما استخلف عليه والرعاية والحماية له، وهذا يتضمّن منحه الحريّة والقدرة على القيام بهذا الدور لأنه مع العجز وعدم الإختيار تنتفي المسؤولية. وتحدّث عن انتقال عملية الخلق الأولى للإنسان التي حصلت من الطين بتدخل مباشر من الله بدون أبوين إلى الحديث بشكل عام عن عملية الخلق من أبٍ وأمّ والتي تحصل بسبب العلاقة بين الذكر والأنثى، ومنها يحصل التكاثر، وقد جعل الله رحم الأنثى المصنع الذي تتمّ فيه مراحل تكوين الإنسان في عملية الخلق الجديدة والتي تبدأ من التلقيح بماء الرجل الذي يقذفه في رحمها مروراً بفترة الحمل وانتهاءً بالولادة.
ونفهم أن مما يريده الله من بيان ذلك هو أن يذكّر الإنسان بطريقة الإعجاز في خلقه وبقدومه إلى الدنيا وبأصل وجوده المحدود في الحياة، وليكون على علم دائم بأنه مخلوق لله تعالى، وأن مرجعه إليه ، فليس له أن يتكبر ، وليس له أن يستقوي على غيره من الضعفاء، فهو مهما يبلغ من القوة فإن الله خالقه أشدّ منه قوّة، فهو لن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولاً، وهو عاجز عن خرق القوانين التي أودعها الله في مخلوقاته، قال الله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أنّ الله الذي خلقهم هو أشدُّ منهم قوّةً). وعملية الخلق التي تحصل في رحم الأم من ماء الأب هي مجعولة من الله خالق الذكر والأنثى على نحو قد تؤثر فيها عوامل خارجية كصحة الأبوين ومرضهما وشكلهما وغذاء المرأة في فترة الحمل وبتكوين ماء الرجل وصلاحيته للتلقيح وغير ذلك، ولذا قد تنشأ بعض التشوهات في الجنين بفعل الإنسان أحياناً، وتلك الحالات الخارجة عن حالة الخلق الطبيعية تعتبر عظة للأصحاء ، وتذكيراً لهم بنعمة الخلق التي أنعم الله بها على الإنسان السَّوِيّ، وليشكروا الله عليها، وهي اختبار لهم ليجسّدوا شكرهم بالعمل على عون ومساعدة الضعفاء الذين يختلف تكليفهم عن الأسوياء: (لا يكلّف الله نفساً إلّا وُسْعَهَا).
وقد ورد في النص الديني: (عون الضعيف من أفضل الصدقة) والحياة الدنيا كلها جعلها الله اختباراً للإنسان وميداناً للعمل الصالح للنفس والغير واستباق الخيرات والتنافس على تحقيقها والوصول إليها، والفائزون بهذا الإختبار يوم القيامة هم الصابرون والشاكرون، (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).
وقد ورد في بعض النصوص الدينية أن الله تعالى قال لآدم عندما سأله عن التعدد في خلق ذريته واختلاف أحوالهم:
(أني أنا الله الخالق العليم بعلمي خالفت بين خلقهم وبمشيئتي يمضى فيهم أمري والى تدبيري وتقديري هم صايرون لا تبديل لخلقي، وإنما خلقت الجن والإنس ليعبدوني، وخلقت الجنة لمن عبدني وأطاعني منهم، واتبع رسلي ولا أبالي، وخلقت النار لمن كفر بي وعصاني ولم يتبع رسلي ولا أبالي، وخلقتك وخلقت ذريتك من غير فاقة لي إليك واليهم، وإنما خلقتك وخلقتهم لأبلوك وأبلوهم أيكم أحسن عملا في دار الدنيا في حياتكم وقبل مماتكم، وكذلك خلقت الدنيا والآخرة والحياة والموت والطاعة والمعصية والجنة والنار، وكذلك أردت في تقديري وتدبيري وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم وألوانهم وأعمارهم وأرزاقهم وطاعتهم ومعصيتهم، فجلعت منهم السعيد والشقي، والبصير والأعمى، والقصير والطويل، والجميل والذميم، والعالم والجاهل، والغنى والفقير، والمطيع والعاصي، والصحيح والسقيم، ومن به الزمانة ومن لا عاهة به، فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة فيحمدني على عافيته، وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح فيدعوني ويسألني ان أعافيه ويصبر على بلائي فأثيبه جزيل عطائي، وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني، وينظر الفقير إلى الغني فيدعوني ويسألني، وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني على ما هديته فلذلك خلفتهم لأبلوهم في السراء والضراء، وفيما عافيتهم وفيما ابتليتهم وفيما أعطيتهم وفيما أمنعهم، وانا الله الملك القادر، ولى أن أمضى جميع ما قدرت على ما دبرت ولي ان أغير من ذلك ما شئت إلى ما شئت فأقدم من ذلك ما أخرت وأؤخر ما قدمت، وأنا الله الفعال لما أريد لا أسأل عما أفعل وانا أسأل خلقي عما هم فاعلون).
ولو خلق الله الناس على حال واحدة وصورة واحدة لاختلّ نظام الحياة والعلاقات فيما بينهم، فهم كالداخلين في معسكر واحد وإلى مدرسة واحدة، فإذا كانوا على صورة واحدة وعلى حال واحدة من القدرات والإمكانات يختل نظام المعسكر، فلا يعرف الأعلى رتبة من هو دونه رتبةً، ولمَاذا يكون هذا جنديّاً وذاك ظابطاً وقائداً له؟ولِمَاذا يكون هذا طالباً في المدرسة وذاك أستاذاً له؟ولماذا يكون في الأصل الذكر والأنثى؟.وهكذا تتعدّد الأسئلة عن الإختلاف والتنوّع بين أفراد الإنسان، ومؤداها إبطال كل الفروقات فيما بينهم وإلغاء الحوافز لهم للتغيير والنجاح، وإذا ألغيت الفوارق وبطلت الحوافز بطل السعي إلى العمل وتجمّدت الحياة وتعطّلت.
وهذا إن كشف عن شيء فهو يكشف عن ضرورة التنوّع والتّعدّد في الخلق(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ).
- جواب 2-
قول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ليس حكماً على الإنسان بالكفر والإيمان منذ إنشائه ، بل هو حكاية عن واقع الإنسان الذي جاءته الدعوة إلى الإيمان بالله، فمن أفراد الإنسان من يرفض الدعوة ولا يقبلها، ومنهم من يؤمن بها، وهي إشارة إلى إرادة الإنسان واختياره، فهو يختار الإيمان بإرادته، ويختار الكفر بإرادته، وليس مكرهاً على ما يختاره، كما جاء في قوله تعالى(فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ).
والمقصود من قول الله تعالى: (وصوّركم فأحسن صوركم) هي الطريقة التي تمت بها عملية خلق الإنسان، كما جاء في قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ). فهي ليست ناظرة إلى جمال الشكل في أفراد الإنسان، وإنما إلى الدقّة والإبداع في عمليّة خلق الله الذي سوّى خلقهم بإحكام وإتقان.
ومعيار الجمال عند الله ليس في الشكل، وإنما هو في المضمون، كما في قوله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) (أيكم أحسن عملاً) فالله ينظر إلى حسن الأعمال. وقد ورد في بعض النصوص الدينية: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم “).
وقوله تعالى: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ) هو نهي عن ترك العمل بما يأتيه من تعاليم من الله وتبليغها للناس، فإن الترك من معاني النسيان، وقد يكون المقصود به الإهمال المؤدي للنسيان، وليس النسيان نفسه، لأن النسيان في حدّ نفسه هو حالة غير اختيارية لا يتعلّق بها أمر ولا نهي.
- جواب ٣-
لم يخلق الله السماوات والأرض لغواً وعبثاً، (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) بل خلقهما لغاية، منها استخلاف الإنسان في الأرض، وقد أمره بالعدل والإعمار وحذره من الظلم والفساد، وقال له بأن مصيره إلى الله تعالى.
- جواب 4 –
قال الله للملائكة عن خلق آدم وجعله خليفة في الأرض: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣١)قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢)قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣)وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ).
تخوف الملائكة المطيعون لله من استخلاف الإنسان المخلوق الجديد في الأرض، وقد بدّد الله مخاوفهم وهواجسهم، وأظهر لهم المكانة العليا التي يمكن أن يبلغها هذا الإنسان بقابليته للدرجات الرفيعة من العلم والإيمان، وقد سجدوا بأمر الله لآدم بعدما ظهرت لهم مكانته، والسجود هنا هو سجود تقدير له واحترام، وليس سجود عبادة.