الخميس , مارس 28 2024

دروس فقهية في حكم الإرهاب والعمليات الإنتحارية

حكم الإرهاب والعمليات الإنتحارية في الدروس الفقهية

 

تطرّق العلامة السيد علي الأمين في دروسه الفقهية إلى حكم الإرهاب والعمليّات الإنتحاريّة فجرى البحث حول ثلاث نقاط: العمل الإرهابي، العمليات الإنتحارية، ومناقشة في دليل إباحة العمليات الإنتحارية، وهذا مجمل كلام سماحته:

العمل الإرهابي

على الصعيد الفقهي فإن كلمة الإرهاب قد تستعمل في معنى إخافة البريء المسالم، وهذا المعنى تمنعه الشريعة الإسلامية منعاً باتاً وتعتبره من كبائر المحرمات التي تدخل صاحبها النار وله في الدنيا العقاب الشديد، فكيف إذا أدّى الإرهاب إلى سفك الدماء وقتل الأبرياء الذي تعتبره الشريعة قتلاً للبشريّة جمعاء!؟ كما في قوله تعالى: (  مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).

 وقد وصفت الشريعة السمحاء الذي يشهر السلاح لإخافة الناس وترويعهم ( بالمحارب ) و(المفسد في الأرض) واعتبرت هذا العمل حرباً على الله ورسوله وجزاؤه ما جاء في القرآن الكريم : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.

وصاحب كتاب الوسائل عقد  باباً تحت عنوان ( من شهر السلاح لإخافة الناس فهو محارب سواء كان في بلاد الإسلام أو بلاد الشرك) وذكر فيه جملة من الأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بهذا الشأن -الوسائل-ج-18-.

وذكر في باب آخر روايات تتحدث عن حكم القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه منها: (لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه) ومنها (أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه) وفيها أيضاً: (لو أن رجلاً ضرب رجلاً سوطاً لضربه الله سوطاً من نار)الوسائل-ج-18-.

 

– العملية الإنتحارية ليست (إستشهادية)

وأما العملية الإنتحارية فإن المعروف بين الفقهاء أنها تندرج تحت عنوان (قاتل نفسه) وهو من المحرمات التي توعّد الله مرتكبها بالنار، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري: (وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وروى في الوسائل عن الإمام الصادق: (من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها قال الله عز وجل: ” ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا “).

وتحريم قتل الإنسان لنفسه شرعاً يتنافى مع وصف العملية الإنتحارية التي يقوم بها (بالجهادية أو الإستشهادية) لأن (الله لا يُطاع  من حيث يُعصى). ويعتبرها بعض الفقهاء من إلقاء النفس في التهلكة استناداً إلى قوله تعالى: ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ).

 ثم إن الشهادة ليست من أهداف العمل الجهادي الذي يكون في مواجهة الأعداء،فقد تحصل الشهادة بسببه، وقد لا تحصل، فهي نتيجة غير حتمية لمواجهة الأعداء،وعلى تقدير حصولها فهي لم تحصل له من فعل القتل بنفسه، وإنما حصلت له بفعل الأعداء لقتله، كما يشير إلى ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فالمقاتِل في سبيل الله دفعاً للعدوان هو الذي أُذِن له بالقتال وكُتِبَ عليه، والقتال  الذي كتب عليه شيء مختلف عن قتل نفسه، فإنّ القتال الذي كُتِبَ عليه يعني خوض المعركة مع عدوّه، فإن قام العدوُّ بقتله فيها كان شهيداً، والشهيد له معنى خاص عند الفقهاء وأحكامه الخاصة به، فإن الشهيد في تعريفهم المأخوذ من النصوص الشرعية هو خصوص القتيل في المعركة المأذون بها شرعاً، ومعنى القتيل كما يستفاد من صيغته اللغوية هو الذي وقع عليه القتل من غيره، وليس الذي صدر منه القتل لنفسه كما يحصل في العمليات الإنتحارية.

 

المصدر: نشرت في صحيفة اللواء اللبنانية: 7-12- 2013

 النقاش في دليل إباحة العملية الإنتحارية

ذكرنا في البحث السابق الدليل على حرمة العملية الإنتحارية، وقد يستدل على إباحتها بما روي من حديث الغلام الذي قال للملك: (..إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال باسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أمه اصبري فإنك على الحق )، فهو حديث عن حادث وقع في الأمم السابقة على سبيل المعجزة من الله تعالى إظهاراً للإيمان على الشرك، فهو قضيّة في واقعة ليس لها صفة العموم، وقد حكاها النبي عليه الصلاة والسلام تثبيتاً للمؤمنين برسالته وتشجيعاً لهم على تحمّل المصاعب والعمل على تذليل العقبات التي تعترض طريق التمسّك بالإيمان، وعلى كل تقدير فإن الغلام المؤمن لم يقتل نفسه وإنما الذي قتله الملك المشرك.

وأما ما روي بأنه حدث في عهد الرسول عليه وآله وصحبه الصلاة والسلام بأن كانت هنالك سرية في حرب وقد استعصى عليهم دخول حصن اليهود فقال أحدهم احملوني وألقوا بي إلى الداخل إما أن أهلك وإما أن أستطيع فتح باب الحصن وعند عودتهم أخبروا الرسول بذلك فقال إن كان قد مات فهو شهيد.

فهذا أيضاً لا دلالة فيه على جواز العملية الإنتحارية لأن المقصود من إلقائه داخل الحصن أن ينزلوه في موقع العدو ليقاتله في داخله ، فقد ينجح بقتل العدو القائم على حراسة الحصن فيفتح ثغرة تمكّن أصحابه من دخول الحصن وحصول الفتح، وقد يقتله العدو فيحصل على الشهادة، وليس في ذلك دلالة على أنه قتل نفسه بيده .

وأما ما يسمى بالمصلحة فهي لا تصلح دليلاً مستقلاً على الجواز مع وجود ما يدل بإطلاقه على التحريم كما تقدم، هذا خصوصاً مع كون الحفاظ على النفس من مقاصد الشريعة التي تجب المحافظة عليها وهي من موارد الإحتياط اللازم، فلا يصح التفريط بها إلا بنص صحيح ودليل صريح.

والحاصل مما تقدّم أن عنوان الشهيد بالمعنى الأخص المذكور في كلام الفقهاء لا ينطبق على قاتل نفسه في العملية الإنتحارية.

وما ورد في بعض النصوص من إطلاق عنوان الشهيد على من قُتِل دفاعاً عن ماله وغيره من الموارد كما جاء في بعض الروايات، فهو من باب التوسّع في المعنى والتنزيل له منزلة الشهيد بالمعنى الأخص، فيكون إطلاق الإسم عليه فيها بالمعنى المجازي، ومن تلك الموارد توسّع العرف العام في إطلاق الإسم على من قُتِلَ غيلة لرأيه ومعتقده، وهذا ما يُقال له شهيد بالمعنى الأعم تمييزاً له عن المعنى المقصود شرعاً وهو المعنى الأخص المتقدّم كما عرفت  والله سبحانه هو الأعلم، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.