دعوات التمزيق والطائفية في أوطاننا
العلاّمة السيد علي الأمين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين وجميع عباد الله الصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
إن الدعوات التي تقوم على الطائفية تعرض وحدة الشعب لمخاطر النزاعات والإنقسامات في أوطاننا ودولنا، وهي بذلك تجعل العوائق أمام وحدة الأمة بكل شعوبها ودولها ومكوناتها القائمة على التعددية والتنوع،وهي دعوات تتنافى مع أوامر الشريعة في الدعوة إلى السلم والتعاون على البر والتقوى،كما تتنافى مع نواهيها عن الشقاق والتنازع والتعاون على الإثم والعدوان.
وتقوم هذه الدعوات الطائفية في سبيل الوصول إلى السلطة والحكم بالشحن الطائفي لأتباعها الذي يتولد منه التعصب وما يشبه الكره العنصري،وهذا مما يزرع الشقاق والفرقة والبغضاء بين أبناء الشعب الواحد وبالتالي بين أبناء الأمة الواحدة.
إنها دعوات جاهلية تدعو للعصبية باسم الدين والطائفة، وفي الحديث: (ليس منا من دعا إلى عصبية).
وقد نبه القرآن الكريم إلى هذه الظاهرة التقسيمية وأشباهها ونهى عنها، بقول الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون).
وفي الحديث: (ان كل مسلم أخو المسلم المسلمون اخوة ولا يحل لامرئ من مال أخيه الا ما أعطاه عن طيب نفس ولا تظلموا ولا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض); (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسَّهر).
وقال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
وهذه النصوص من الآيات والأحاديث وغيرها العديد مما هو في معناها توجب علينا أن نعيد النظر في كثير من الأحكام التكفيرية التي تقسم أمتنا الواحدة شيعاً وأحزاباً، والتي تصنفهم إلى طوائف متصارعة تهدد وحدة الأمة ورسالتها المؤتمنة عليها،وأن يتم رفض تلك الفتاوى بالتكفير لأبناء الأمة الواحدة بالرجوع إلى هذه الآيات والأحاديث التي تدعونا إلى الوحدة وتبعدنا عن الفرقة بوصفها المرجع الصالح والوحيد الذي يعتمد القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة الصحيحة المقطوع بثبوتها، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).
-خطر الأحزاب الدينية والدعوات الطائفية على الوحدة
ويظهر أن المحرّك الرئيس لظهور الشحن الطائفي في مجتمعات بلداننا يعود إلى الصراع على السلطة والنفوذ بين الأحزاب الدينية ذات البعد الطائفي والمذهبي أيضاً والجماعات السياسية في الداخل وبين دول اقليمية على مستوى الخارج، وقد زاد من حدّته غياب العلاقات الطبيعية بين الدول العربية والإسلامية خصوصاً بعد أحداث العراق سنة ٢٠٠٣م وما جرى بعدها من صراعات وانقسامات فيه وفي المنطقة مستمرة حتى اليوم .
وقد عاشت مجتمعاتنا في هذه المنطقة في مختلف العهود قروناً عديدة بعيداً عن هذا المنطق الطائفي الظاهر اليوم ولم نكن نسمع بهذه الاختلافات والآراء الشاذة التي نبشت من بطون التاريخ ليستغلها أعداء أمتنا في صناعة الفرقة والبغضاء بين أبنائها، ولم يكن هناك صراع على السلطة والحكم بين الأحزاب الدينية الطائفية وغيرها من أنظمة الحكم والجماعات السياسية وكانت الدعوة هي الغالبة على توجه الحركات الدينية، وكان المسلمون في أوطانهم مع غيرهم من شركائهم في الوطن تجمعهم القضايا العامة كالدّفاع عن الوطن الإسلامي الكبير ومكانته في العالم، وقضاياهم الخاصة في الوحدة الوطنية والحياتيّة المشتركة.
والمطلوب لمواجهة هذه الحالة الطائفية الطارئة التي تهدد الاستقرار في بلداننا وعلاقاتنا مع الشعوب والأمم الأخرى في العالم أن يتحرك – بالدرجة الأولى – ولاة الأمر والحكام في دولنا العربية والإسلامية بالعمل على ترسيخ قواعد المواطنية التي تقوم على العدل والمساواة بين المواطنين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية، وبدعم خطاب الاعتدال الديني والعمل منهم على تنظيم التعليم الديني وإقامة المعاهد الدينية المشتركة، واعتماد الوسائل الإعلامية والقنوات التلفزيونية التي تنشر فكر الوسطية والاعتدال في المجتمع وبذلك نعزّز ارتباط المواطن بالوطن والدولة ومؤسساتها.
والمطلوب منهم أيضاً أن يعيدوا النظر في قوانين تشكيل الأحزاب على أسس دينية وطائفية، فإن الأحزاب يجب أن تقوم على أساس البرامج السياسية والإجتماعية والثقافية النابعة من مصلحة الوطن والمواطن.
وقد أثبتت التجربة للأحزاب الدينية والطائفية في مجتمعاتنا أن الحزب الديني والطائفي يساهم في الفرز الديني والطائفي بين أبناء الوطن الواحد،وبسبب سعي تلك الأحزاب إلى الحكم باسم الدين تعتبر نفسها المرجعية الوحيدة لتفسير الدين ولمصلحة الطائفة،وترى أن المخالف لها مخالف للدين، والموافق لها موافق للدين، فتكون هي المحتكرة للرؤية الدينية ذات البعد الطائفي في مجتمعها وهي التي تعمل على توظيفها في مشاريعها السياسية وطموحاتها السلطوية.
ونتوجه إلى شبابنا بالقول لهم: أنتم أمل الأوطان، وأمل الأمة في بناء مستقبلها وتعزيز مكانتها والوصول بها إلى موقعها الريادي اللائق بها في العالم، وأنتم تعلمون -أيها الأمل الواعد- من خلال تاريخنا وقرآننا المجيد أن وحدة الكلمة كانت في أساس البنيان المرصوص لأمتنا الواحدة كما قال الله تعالى (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).
وإن حضورنا اليوم في مكة المكرمة يضعنا أمام دروس يجب أن نأخذها من الماضي الذي انطلقت منه الدعوة إلى الإسلام، حيث كانت الوحدة أهم التحديات التي واجهها الرسول عليه الصلاة والسلام في الجزيرة العربية التي كانت مسرحاً للفرقة والانقسام، حيث كان الناس فيها يعيشون قبائل وعشائر وصراعات طويلة.
فتمكّن النّبيّ في تلك المرحلة أن يواجه تلك التحديات وأن يحوّل تلك الانقسامات الى وحدة، وقد نوّه القرآن الكريم بهذا الإنجاز الكبير الذي تحقق كما جاء في قول الله تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم، إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً)، قد أنعم الله على الأمة باجتماع شملها ووحدة كلمتها تحت راية التوحيد: ( قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) وقد قال بعض المصلحين أن : (كلمة التوحيد(لا إله إلا الله)هي في توحيد الكلمة.
ونرى أنه عندما انطلق النبي عليه الصلاة والسلام في عملية بناء الدولة في المدينة المنوّرة، أعلن عن وثيقة المدينة المنورة للعيش المشترك بين المسلمين وغير المسلمين وآخى بين المهاجرين والأنصار، ووحّد بين الأوس والخزرج، وفي هذه إشارة واضحة الى أنه لا يمكن أن يكتمل البناء إلا من خلال ركائز الوحدة التي تعتمد على المؤاخاة والعيش المشترك بين كل مكونات المجتمع على اختلاف انتماءات أبنائه ·
ولذلك فإن المطلوب منا جميعاً أن نبتعد عن كل عوامل الفرقة والإنقسام وأن ندرك أن وحدة الأمة هي من مقاصد شرع الله التي يجب علينا اعتمادها والتمسك بها، وبهذا المقصد الشريف يعرف شبابنا بطلان كل دعوة تريد جعلنا طوائف متصارعة ومذاهب متناحرة تحت شعار الدين، فإن الدين هو داعية وحدة وإلفة وليس داعية تمزيق وفرقة.
وأخيراً نجدد الشكر لرابطة العالم الإسلامي وأمينها العام سماحة الشيخ محمد بن عبد الكريم العيسى على جهودهم في سبيل إعلاء كلمة الإسلام وجمع كلمة الأمة ونشر ثقافة السلم والإعتدال، سائلين الله تعالى لهم مزيد التوفيق والنجاح،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
العلاّمة #السيد_علي_الأمين:
ذكرني هذا العنوان، (عنوان الطائفية، و دعوات التمزيق و الطائفية) بشاعرٍ من بلادي في القرن الماضي، تحدث عن الطائفية التي استخدمها السياسيّون و بعض الزعامات من أجل تقسيم الشعب الواحد إلى جماعات و طوائف .
فقال:
وَ تَنَبّهُوا للطَّائِفِيَّةِ و انْثَنَوا
يَتَنَادَمُونَ عَلى فَحِيْحِ الأَرْقَمِالطَّائفيَّة يا لها من نكبةٍ
صَبَّتْ على الفِرْدَوسِ نَارَ جَهَنَّمِقَتلوا الكَفَاءَة بِاسْمِها و مَشَوا
على جُثَثٍ مِنَ الأَخْلَاقِ يَا رَبُّ ارْحَمِالدّينُ نِعمَ الدّين إِن يَكُ دَاعِيَاً
للحُبِّ يَرْوِيْ مِنْ مُحَيَّاهُ الظَّمِيهذه صورةٌ من صور الطائفية التي استغلتها بعض الزعامات و الأحزاب السياسية و القيادات ، وفي كل الأحوال فإن هذه المؤتمرات التي تشكل مدرسة لنا نتخرج منها حاملين خطاب الإعتدال و الدعوة إلى السلام والسلم الإجتماعي في أوطاننا و في بلادنا و في أمتنا يبقى هو نقطة الضوء التي ينبغي أن تتسع و تزداد لأن العالم لن ينظر إلينا من خلال أقوالنا و إنما من خلال أعمالنا، من خلال علاقات بعضنا مع البعض الآخر، من خلال علاقات دولنا و ولاة الأمر فينا مع شعوبهم و مع بعضهم مع البعض الآخر.
هذا هو المعيار الذي يمكن أن يكون منطبقاً مع الحديث الذي يقول : كونوا دُعَاةً لَنَا صَامِتِيْن ، كُونُوا دُعَاةً لنَا بِأَعمَالِكُم وَ لَيسَ بِأقْوَالِكُمْ ).مؤتمر الوحدة الإسلامية الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي تخت عنوان مخاطر التصنيف والإقصاء في مكة المكرمة وحضره أكثر من ١٢٠٠ شخصية من ١٢٧ دولة.