الإثنين , يناير 20 2025

رسول الله وعلاج الفتن والإضطرابات الداخلية

رسول الله وعلاج الفتن والإضطرابات الداخلية

العلامة السيد علي الأمين

روى عبد الله بن مسعود وغيره عن رسول الله صلّى الله عليه وآله الأطهار أنه قال لأصحابه رضي الله عنهم :
(ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها! قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك منّا ذلك ؟
قال : تُؤَدون الحقّ الذي عليكم، وتسألون الله الحقّ الذي لكم ).
والذي يظهر من هذا الحديث وغيره كما جاء في روايات أخرى، منها" إنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض "أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعلم باندلاع صراعات داخليّة في الأمّة بسبب منطق الإستئثار في السلطة ومواردها،وهو منطق موجود في الطبع البشري، فقد يرى بعضهم أنه الأحق من غيره والأولى، وهو ليس كذلك، فيبعد غيره ممن هو أولى منه، وقد يقرب البعيد، ويبعد القريب،وقد يمنع المستحق من حقّه، وهذه من الأمور المستنكرة.
وهذا المنطق لا شكّ بأنه يؤدي إلى ولادة الخلاف والنزاع بين الأفراد والجماعات في مختلف الميادين، كما نراه في الصراعات داخل الدول والأحزاب ومختلف الإدارات والمؤسسات، وهذا ما يعود بالأخطار وأفدح الأضرار على المجتمع في الإستقرار والإستمرار، وقد كانت وصيّة رسول الله لأمّته في مواجهة هذا المنكر الكبير والذي ينذر بشرٍّ مستطير بالإصطبار والإبتعاد عن وسائل انتزاع الحق بالقوّة لما فيه من المفاسد الكبيرة التي تطيح بالحق الضائع وتعرض سلامة المجتمع إلى الخطر، وأوصى بأداء ما على الفرد والجماعة من حقوق ترتبط بالحفاظ على النظام العام.
ولا تتنافى هذه الوصيّة مع ما دلّ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما دلّ على أن "من أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر"فإن وصيّة النبيّ بالصبر إنّما هي لاجتناب إدخال عنصر القوّة على المطالبة بالحقوق وليست لعدم إظهارها ولا لعدم الإعلان عن الأخطاء المستنكرة، فإن الأمور المنكرة التي جاءت في الوصية تبقى مندرجة تحت أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كقوله تعالى(ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون).
وعلى هذا النهج النبوي سار أئمة أهل البيت عليهم السلام وغيرهم الكثير من أئمة العلم والدين من السلف الصالح في عصور عديدة، وقد عبّر الإمام علي عليه السلام عن هذا النهج بقوله لبني هاشم وغيرهم عندما ظهرت بوادر الصراع على الخلافة(شقُّوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرّجوا عن طرق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة…) وبقوله(لأسلِّمَنَّ ما سلمت أمور المسلمين..)
وقد ابتعدوا عن الصراع على السلطة وأعطوا البعد الروحي والثقافي للإسلام وحافظوا على تعاليمه وتشريعاته،وفي الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين ما يؤكد على هذه المسيرة والمدرسة التي حفظت وحدة الامّة من الانقسامات المذهبيّة الحادة وقلّلت من آثارها السلبيّة واستمرّ الأئمة على هذا النهج من بعده يحملون لواء العلم والمعرفة بعيدا عن صراعات السلطة والتنازع عليها، فهل كان الأئمة يريدون من دعاء كميل ودعاء أبي حمزة الثمالي وغيرهما من الأدعية والمواقف صراعاً على وزارة هنا وسلطة ونفوذ هناك؟!
لقد قدّموا النماذج الرفيعة والصالحة للإقتداء بوصيّة رسول الله في أمرهم بالمعروف وإنكارهم للمنكر، وفي أدائهم للحق الذي عليهم وطلبهم لحقهم من الله سبحانه وتعالى.

 

شارك المعرفة وانشر