سماحة المفتي السيد علي الأمين لـ "اللــــواء الإسلامي" بمناسبة يوم العمل والعمال في لبنان:
الناّس مسلّطون على أنفسهم فلهم أن لا يبذلوا جهدهم و عرقهم إلاّ بما يستحقّون
و ليس لصاحب العمل أن يحدّد وحده قيمة الجهد الذي يبذله العامل
1- يحتفل لبنان في مطلع ايار من كل عام بعيد العمال فما رأيكم بهذه المناسبة؟
أن عيد العمّال يعتبر مناسبة كريمة و فرصة نعبّر فيها للعامل عن الشّكر و التقدير لما يقوم به من دور فعّال في الحياة الّتي يمنحها القيمة من خلال جهده و عطائه و لنظهر له أنّ كلّ مظاهر التقّدم و العمران التي حصلت عليها الإنسانية كانت بسسب العمل و العاملين و في ذلك تشجيع للعمّال على الاستمرار في الانتاج و مواصلة السير في طريق العمل النافع الذي يشكل قاعدة للنهوض الاقتصادي الّذي يؤدّي الى الاصلاح و التّغيير نحو الأحسن في الحقوق السياسية و الاجتماعية، و عيد العمّال هو فرصة أيضاً للوقوف إلى جانب هذه الطبقة العمّالية الكادحة وإظهار التأييد لها في مطالبها لرفع المعاناة عنها و إزالة الظّلم اللاحق بها من خلال عدم إعطاء العمل قيمته الواقعية و بالتالي حرمان العامل من حقوقه الأساسية في الطبابة و التّعليم و ضمان عيش كريم في فترة التقاعد عن العمل.
2- اي دور للسادة العلماء في الحث على العمل في ظل تحول المجتمع إلى مهن تؤدي إلى كسب المال بالمال (البورصة والمضاربات وتبديل العملة والوسطاء)·· الخ؟
إن من الأدوار المهمّة التي يقوم بها العلماء في مجتمعاتهم هو دور التّعليم و التّوجيه و الإرشاد إلى العمل النّافع و هم يشكّلون بذلك جزءاً من التكوين الثّقافي في المجتمع الباعث على تحديد السّلوك و تنشيطه باتّجاه اختيار الأحسن وإرادة العمل المنتج الّذي يحدث التّغيير في حياة الفرد و المجتمع ليس على مستوى جمع المال و كسبه بأيّة وسيلة من الوسائل لأنّ هذا تكون له ارتداداته السّلبيّة على حياة الأفراد و المجتمعات حيث يصبح التنافس فيها على المال فقط بعيداً عن الإعمار و التّطوير و الإنتاج والإبداع و ينعكس سلباً على طبيعة العلاقات الإجتماعية التي يجب أن تقوم على التنافس على الخيرات ومكارم الأخلاق و عدم اكل المال بالباطل و عدم كنز المال الّذي ينتهي مع صاحبه إلى الزّوال و لذلك لا يجب أن نهوّن من هذا الدّور التعليمي الّذي يساهم في تحديد الجهة الّتي ينبغي أن يتحرّك العمل باتجاهها و يمنع من طغيان الحالة الماديّة على مختلف نواحي الحياة.
وهل ترون ان دور العالم يقتصر على التوجيه والارشاد ام المشاركة ميدانياً بالعمل يعتبر من الضرورات؟
ج-3 لا يجب أن يقتصر دور العالم على مجرّد التّوجيه و الإرشاد حيث لم يكن التّبليغ مهنة منفصلة في الماضي عن العمل المنتج بل كان التبليغ الديني رسالة يمارسها العالم و غيره في إطار المهنة و العمل الّذي يقوم به في حياته و حياة مجتمعه كما كان هو ديدن الأنبياء و الرّسل الذين كانوا يقومون بدور التّبليغ الدّيني إلى جانب الأعمال الأخرى الّتي كانوا يزاولونها كرعاية الغنم و زراعة الأرض و صناعة الدروع و غيرها من المهن الّتي كانت موجودة كما يحدّثنا التّاريخ الدّيني و قد جاء في بعض النّصوص الدّينية أن النّبي ذهب مع جماعة من أصحابه خارج المدينة و جاء بعضهم بشاة فاجتمعوا على ذبحها و سلخها و تقطيعها فقال (ص) : وأنا أجمع الحطب.
و مدحوا يوماً شخصاً أمامه (ص) بأنّه صائم النّهار قائم الليل فقال ومن يعود على عياله ؟ فقالوا نحن نعمل و نعود على عياله : فقال (ص) : كلّكم أفضل منه.
كيف نقدم للجيل الجديد القدوة الحسنة على صعيد العمل؟
إنّ إيجاد فرص العمل للجيل الجديد يجب أن يقع في سلّم الأولويات عند كلّ المسؤولين و في مختلف المواقع و القدوة الحسنة هي من الأمور الضّرورية لنجاح العمل بعد وجوده و عندما توضع التشريعات و القوانين التي تصون العمل و العمّال و تنشأ معها الهيئات الرّقابية التّي تعتمد مبدأ الثّواب و العقاب في الانتاج و التقاعس و عندما تطبّق القوانين على كلّ الأشخاص و في مختلف المواقع نكون قد أوجدنا القدوة الصالحة في العمل التي يسير عليها العاملون. فالنلس يجب أن يكونوا سواسية أمام القانون الحاكم و المحكوم و العامل و رب العمل.
اي موقف للاسلام من الاضرابات العمالية وما يشابهها من أساليب الاحتجاج؟
إنّ تحسين ظروف العمل و العمّال هي من الحقوق التي شرّعها الله سبحانه وتعالى فالناّس مسلّطون على أنفسهم فلهم أن لا يبذلوا جهدهم و عرقهم إلاّ بما يستحقّون و ليس لصاحب العمل أن يحدّد وحده قيمة الجهد الذي يبذله العامل و على هذا الأساس فللعامل أن يطالب بزيادة الأجر بعيداً عن الضّرر و الضّرار و في قوله تعالى: ( و لاتأكلوا اموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراض..) إشارة إلى أنّ رضا العامل شرط في نفوذ المعاملات و العقود و قد جاء في الحديث ( أعطوا العامل أجره قبل أن يجفّ عرقه).
ماذا تقولون للعمال في عيدهم في لبنان؟
نقول لهم بوركت جهودكم و عطاءاتكم لمجتمعاتكم التي تشكّلون لها عماد الاستمرار و التّطوّر و أنتم المباركون كما جاء في بعض الأحاديث الدينية و أنتم سفراء اللّه في أرضه لأنكم تعمرون الأرض الّتي أنشأنا اللّه منها و استعمرنا فيها و أنتم أصحاب الأيدي التّي يحبّها الله و رسوله فهنيئاً لكم عيدكم و هنيئاً لكم أعمالكم التي تٌردٌّ عليكم و هي جزء من الطّاعة و العبادة لله تعالى ونحن معكم في المسيرة لتحقيق الأمال و الطّموحات و دمتم عماداً للوطن و شعلة للحق و مصباحاً للعدل.( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون).
" حوار: خالد اللحام