-أسباب التطرّف والإرهاب
-الإدارة الأميركية وأحداث المنطقة -الإحتقانات الطائفية
المرجع الديني اللبناني السيد علي الأمين لـ “الزمان”: الإحتقان الطائفي في الدول العربية يرجع إلى صراع الأحزاب الدينية على السلطة
– MARCH 4, 2015
حاوره مصطفى عمارة – صحيفة الزمان الدولية
شهدت القاهرة مؤخرا مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الاسلامية والذي خصص جلساته لمناقشة ظاهرة الارهاب والتطرف التي اجتاحت العالمين العربي والاسلامي وعقب انتهاء جلسات المؤتمر كان ل “الزمان” هذا الحوار مع المرجع الديني اللبناني السيد على الامين
دور الأزهر الهام ومسؤولية الحكام وولاة الأمر
-قلل بعضهم من اهمية المؤتمرات التي تعقدها مؤسسة الازهر وعدد من المؤسسات الدينية الاخرى لمعالجة عدد من القضايا الاسلامية كقضية التطرف والارهاب خاصة ان القرارات والتوصيات التي يتم التوصل اليها لا تتعدى قاعة المؤتمرات. فكيف ترى هذا؟ وكيف يمكن تفعيل تلك القرارات؟
- يكتسب المؤتمر الذي عقده الأزهر أخيراً أهمّيّةً إستثنائية في الظروف الراهنة التي علت فيها أصوات التّطرّف والإرهاب تحت شعارات دينيّة، والأزهر باعتباره مرجعيّة دينيّة كبرى في العالم الإسلامي فإن لكلمته التّأثير في إبطال تلك الشعارات الدينيّة التي يتسلّح بها المتطرّفون وسلب الشّرعية عنهم، وهذه المؤتمرات تساهم في نشر الوعي الديني لدى المسلمين وتكشف أساليب استغلال الدّين في تلك المشاريع الهدّامة، وأمّا تنفيذ ما يصدر عن هذه المؤتمرات فنحن نعتقد أنه يحتاج إلى مساعدة الحكام وولاة الأمر الذين يمتلكون الوسائل والأدوات لتحويلها إلى واقع ملموس، وإلى دعم خطاب الإعتدال منهم ليغدو مرجعية للشارع الإسلامي مؤثرة في آرائه وانتماءاته.
ظاهرة التطرّف والإرهاب
-ما هي رؤيتك للاسباب الحقيقية لنمو ظاهرة الارهاب والتطرف خلال السنوات الاخيرة؟
- يبدو للمتابع للأحداث في منطقتنا التي كانت مجتمعاتها بعيدة حتى الأمس القريب عن الظواهر العنيفة للتطرّف والإرهاب هو الإستبداد الذي مارسته بعض الدول والأنظمة في شعوبها واعتمادها على أدوات القمع الأمنية والعسكرية لمعارضيها، يضاف إلى ذلك غياب العدالة الإجتماعية والحريات الأساسية عنها، وهذا ما شكّل مناخاً للتّعبئة والعداوة، وأدّت أساليب المواجهة العسكرية من تلك الأنظمة لشعوبها إلى استدراج العنف إلى ساحات الصّراع فالدم يستسقي الدم كما قال العرب القدامى، وهذا النهج الذي اعتمدته بعض الدول في قمع شعوبها أدّى إلى ضعف تلك الدول وعجزها عن الحلول الواقعية التي تخمد النيران التي أشعلتها باستبدادها، وظهرت الطائفية البعيدة عن الوطنيّة في دول أخرى مضافاً إلى الإستبداد مما أدّى إلى الاصطفافات المذهبية التي استفادت منها التنظيمات المتطرّفة التي فرضت سلطتها على الأماكن الخارجة عن سيطرة تلك الدول، وهذا ما أوجد المناخ لولادة ونشاط تلك التّنظيمات مستغلّة حالات القمع والقهر والمظاهر الطائفية وآثارها السيّئة، ولا يمكننا أن نغفل من الأسباب المغذّيّة للتطرّف والمستدرجة له إلى المنطقة قضية الشعب الفلسطيني، فإن من أسباب التطرّف والإرهاب أيضاً استمرار مأساة الشعب الفلسطيني الذي تتكرر بشكل شبه يومي أحزانه ومآسيه منذ عقود مع عجز المجتمع الدولي عن إيجاد الحلّ العادل لقضيّته.
-ظهرت في السنوات الاخيرة عبر الفضائيات عدد من الدعاة الذين بثوا الفكر المتطرف والفتاوي الهدامة. فهل انتشار تلك الظاهرة راجع الى تراجع دور المؤسسات الدينية وتسييسها؟
- لا شكّ بأن بعض الفضائيات عملت على نبش الكثير من دفائن الماضي وأرجعتنا إلى تاريخ الصراع بين المذاهب، وهي بذلك أضافت صعوبات جديدة أمام عمليات التّقريب بين المذاهب والأديان التي كانت ضعيفة أصلاً لغياب الإهتمام اللازم بها من قبل المؤسسات الدينية.
الإحتقانات الطائفية والمذهبية
-هل ترى ان الاحتقان المذهبي والطائفي الذي برز في عدد من البلدان العربية مؤخرا لتدخلات خارجية ام ماذا؟
- إن السبب الرئيسي في ظهور الطائفية العنيفة في مجتمعاتنا يعود إلى الصراع على السلطة بين الأحزاب الدينية و الجماعات السياسية المحلّية في الدول التي توجد فيها تعدّدية طائفية ومذهبيّة تدعمها دول اقليمية متصارعة على النفوذ في المنطقة ، وقد زاد من حدّته غياب العلاقات الطبيعية بين الدول العربية والإسلامية في المنطقة خصوصاً بعد أحداث العراق.
لقد عاش السنة و الشيعة إخوانا في مجتمعاتهم وأوطانهم قروناً عديدة وسيبقون كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وكانوا يختلفون في قضايا تاريخية ودينية تبعاً لاختلاف الإجتهادات ولم يؤثر ذلك على علاقاتهم الأخوية وعيشهم المشترك لأنه لم يكن فيما بينهم صراع داخلي على السلطة والحكم.
– يرى البعض ان احد اسباب الاحتقان بين السنة والشيعة يرجع الى ممارسات بعض الشيعة من سب الصحابة فهل هذا هو السبب الوحيد لهذا الاحتقان؟ وهل الأمر يتطلب موقف واضح من المرجعيات الشيعية من تلك القضية؟
- المطلوب من المرجعيات الدينية الشيعية الإجتماع لإصدار فتوى صريحة بتحريم الإساءة إلى الرموز الدينية تقطع الطريق على العاملين لزرع الفتنة والفرقة بين أبناء الأمّة الواحدة، ولا أعتقد أن السبب الوحيد للإحتقان السنّي الشيعي هو إساءة بعض السفهاء والعصاة إلى الصحابة رضي الله عنهم، وإن تمَّ استغلال بعض الجهات لتلك الإساءات في عصر الفضائيات لنشرها بهدف زيادة الإحتقانات الطائفية والمذهبية لأغراض سياسية كما تقدّم في الجواب السابق.
صمت الإدارة الأميركية وأحداث العراق والمنطقة
-ما هي رؤيتك لصمت الادارة الامريكية على الممارسات الايرانية في العراق واستهداف الطائفة السنية واستيلاء حلفاء ايران على اليمن؟ وهل يدخل ذلك في اطار صفقة امريكية ايرانية اسرائيلية لتقسيم المنطقة؟
- إن ما جرى في العراق من بداية الغزو الأميركي له وإلى زمن الإنسحاب منه لا يشير إلى أن الإدارة الأميركية كانت جادّة في قيام دولة فاعلة في العراق بعد تهديمها، وصيغة التوزيع الطائفية والعرقية التي اعتمدتها الإدارة الأميركية في العراق أدخلت النزاعات بين الطوائف والمذاهب إليه وعلى عموم المنطقة.
ونحن نعتقد ان أمريكا وايران كسائر الدول التي تبحث عن مصالحها في المنطقة، ولا نستبعد حصول التقارب بينهما في مستقبل الأيام، ولا نرى ان السياسة الايرانية القائمة تخدم المصالح المشتركة بينها وبين الدول العربية وشعوب المنطقة، ولا نرى ان ايران ستكون في منأى عن تداعيات السياسات التي تعمل على استغلال الخلافات التاريخية بين السنة والشيعة وتوظيفها في المشاريع السياسية، وسوف يكون المستفيد الأول من هذه الصراعات إسرائيل وأميركا، ولذلك فإننا نجدد دعوتنا إلى قيام الحوار الجاد بين القيادة الإيرانية وقيادة المملكة العربية السعودية لمنع زيادة الإحتقانات المذهبية في المنطقة وقطع الطريق على التدخلات الأجنبية فيها.
التقريب بين المذاهب
-كيف ترى دعوة عدد من علماء الدين لاحياء فكرة التقريب بين المذاهب؟ وهل يمكن لهذا ان يسهم في تخفيف الاحتقان بين السنة والشيعة؟
- لا شكّ بأن بعث فكرة التقريب من جديد يساهم في تخفيف الإحتقان السنّي الشيعي ويحاصر ثقافة الفرقة والتّطرّف، وقد وجدت في منتصف القرن الماضي هيئة للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة في مصر، وكان لها تأثير محدود على صعيد نخبة من العلماء والمثقفين، ونحن اليوم بحاجة ماسة إلى تفعيل هذه الفكرة وتطويرها لتقوم بالدور الأكثر تأثيراً في ظلّ الخطاب الطائفي والمذهبي المتصاعد في مجتمعاتنا في هذه المرحلة التي تتطلّب بذل المزيد من الجهود الحثيثة لنشر ثقافة الإعتدال والوسطية ودرءاً لمفاسد الفرقة والنزاع.
الأوضاع اللبنانية
-اذا انتقلنا الى الاوضاع اللبنانية ما هو تفسيرك لتفجر الاحداث في هذا التوقيت بين الجيش اللبناني وجماعة النصرة؟وهل يرجع ذلك الى تداعيات الازمة السورية؟
- إن تدخل أطراف لبنانية في القتال على الأراضي السورية من حزب الله وغيره وعدم قيام الدولة اللبنانية بإغلاق حدودها أمام دخول المسلّحين إلى سوريا وخروجهم منها جعلا الأبواب مفتوحة أمام استدراج الأحداث السورية إلى لبنان، فليس من المنطقي أن نطلب من السوريين عدم عبور الحدود للقتال داخل الأراضي اللبنانية في الوقت الذي يعبر فيه لبنانيون الحدود السورية للقتال في سوريا إلى جانب النظام أو ضدّه.
سياسة النأي بالنفس
-هل تتوقعون ان تتسع الاحداث في الفترة القادمة لنشاهد في لبنان نفس سيناريو اليمن والعراق؟
- إذا استمرّت الأمور على ما هي عليه ولم تنفذ الدولة اللبنانية سياسة النأي بالنفس التي أعلنت عنها فإن الأحداث مع الأسف مرشحة إلى مزيد من التّصعيد على الحدود وفي الداخل اللبناني.
-وكيف يمكن تطويق تلك الاحداث؟
- إن منع انتقال الأحداث السورية إلى لبنان يتم من خلال خروج حزب الله وغيره من اللبنانيين من القتال على الأراضي السوريّة، ومن خلال قيام الدولة اللبنانية بالإمساك بالمعابر الحدوديّة ومنع المسلّحين دخولاً وخروجاً إلى سوريا ومنها.
تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية
-استمرار ازمة انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان هل راجع الى سيطرة حزب الله على القرار السياسي بفعل القوة التي يمتلكها؟
إن تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان يرجع بالدرجة الأولى يرجع إلى تحالف قوى ٨ آذار الذي امتنع عن حضور الجلسات الإنتخابية لعدم امتلاكه للأغلبية التي تأتي بمرشحه، وهذا التحالف يشكل حزب الله فيه الطرف الأقوى، ولكن ما كان ليحصل التعطيل لو التزم نواب مختلف الكتل النيابية بالدستور اللبناني الذي لا توجد قوة قضائية لدى الدولة اللبنانية تلزم بموافقته وتحاسب على مخالفته خلافاً لما هو موجود في كل دول العالم .
-كيف ترى الغارة الاسرائيلية الاخيرة على سوريا والتي استهدفت صواريخ لحزب الله؟
- إن إسرائيل غير متضرّرة من استمرار النزاع المسلّح بين النظام السوري والمعارضة لأن في ذلك استنزافاً لقدرات خصومها وإشغالاً لهم بأنفسهم عنها، وإذا حاولت بعض الأطراف أن تستغلّ الظرف لزيادات قدرات لديها ترى إسرائيل فيها خطراً مستقبلياً عليها فإنها تتدخّل بهذا المقدار دون أن يكون منها سعي لإيقاف الحرب الدائرة أو تغليب فريق على آخر.
الأرهاب والعلاقة بين دول الغرب والدول الإسلامية
-في النهاية في ظل الاتهامات الموجهة في الغرب للمسلمين بالارهاب والتطرف كيف يمكن تصحيح تلك الصورة؟
- ليس المطلوب من المسلمين أن يقدموا شهادة حسن سلوك للغرب، ولكن المطلوب أن تقوم حكومات الدول العربية والإسلامية والأفراد والجماعات بتطبيق قيم الرسالة الإسلامية في علاقات بعضهم مع البعض الآخر ومع الآخرين، والعمل على تحقيق العدالة والحرية وحفظ حقوق الإنسان ورعاية خطاب الإعتدال ودعمه، وبذلك هي تقدم الشهادة لله سبحانه وتعالى الذي وصفها بقوله {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}، وإن العالم لن ينظر إلى الإسلام إلا من خلال علاقات المسلمين الجارية في ما بينهم ومع غيرهم من الشعوب والأمم الأخرى.
وقد حاولت بعض وسائل الإعلام وبعض الحكومات الغربية لأغراض سياسية أن تعطي الإرهاب صفة دينية أو صفة لمنطقة معينة باعتبار أن معظم أهلها يؤمنون بالإسلام، مع أن الإرهاب فعل ينتسب إلى فاعله الإنسان مع غض الّنظر عن لونه ومعتقده، وهو فعل ناشئ عن سوء الإرادة والإختيار وهما من الصفات الإنسانية العامة والمشتركة بين الأفراد والجماعات وهي تحصل في كل المجتمعات البشرية. وفي اعتقادي أن محاولة بعض الدوائر تخصيص الإرهاب بالمسلمين يرتبط بطموحات التدخل الخارجي عند بعض الدول وتبريره لدى شعوبها، وهي بهذا التخصيص للإرهاب بأنه إسلامي تساعد على زراعة الكراهية بين أتباع الديانات السماوية وتسيء إلى سبل مكافحة الإرهاب وتعطل الوصول إلى النتيجة المقصودة من محاربته، لعدم إمكان مكافحة مظاهر الإرهاب كافة من حياة المجتمع الدولي إذا حاولنا إدخال عامل الدين أو اللون أو المنطقة في انطباق عنوان الإرهاب على الفعل والفاعل. فالإرهاب ليس شرقيّاً ولا غربيّاً، ولا إسلاميّاً ولا مسيحيّاً، إنه فعل المتعصّبين الأشرار الذين ترفضهم كل شرائع الأرض والسماء.
الحوار بين المسيحية والإسلام
-هل ترى ان الامر يتطلب استئناف الحوار الاسلامي المسيحي للوصول الى فهم مشترك؟
- الحوار مطلوب بين المسيحيّة والإسلام وبين مختلف الثقافات والديانات، فنحن نعيش في عالم تتقلّص فيه المسافات بين الشعوب والأمم، وتتقدّم فيه الدّول في حقول المعرفة والعلوم وامتلاك التقنيات العسكرية المشتملة على أسلحة الدمار الشامل، وليس لنا من خيار سوى الحوار والتفاهم لإبعاد شبح الحروب والنّزاعات التي تهدد السلام العالمي ومصير الإنسان على الأرض.