الأحد , نوفمبر 10 2024

ما هو المطلوب من اللبنانيين الشيعة حالياً؟ العلاّمة السيد علي الأمين – صحيفة الشرق الأوسط

ما هو المطلوب من اللبنانيين الشيعة حالياً؟

العلاّمة السيد علي الأمين

صحيفة الشرق الأوسط

توجهت الانظار في الفترة الاخيرة الى اللبنانيين الشيعة وانطلقت مجموعة من التساؤلات حول الدور والانتماء والمستقبل والمصير داخل الوطن والمحيط، ومن هذه الاسئلة المطروحة اليوم سؤال: ما هو المطلوب من الشيعة حاليا؟
هذا السؤال يجب ان يوجه في الحقيقة الى الواجهة السياسية في الطائفة الشيعية التي امتلكت القرار السياسي والعسكري فيها، لان عموم ابناء الطائفة الشيعية في لبنان لم يكن لهم رأي في ما وصلت اليه الامور وكانوا قد عبّروا عن آرائهم وتطلعاتهم منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي في محطات عديدة عندما اقتطع الجنوب اللبناني من الدولة اللبنانية واصبح تحت سلطة الاحزاب والتنظيمات، ورغم الضغوط التي كانت تمارس على اهل الجنوب في تلك الفترة كانت اصواتهم ترتفع مطالبة بمشروع الدولة وبسط سلطتها الكاملة على الجنوب اللبناني وسواه من المناطق اللبنانية.
وهم ـ اهل الجنوب ـ لم يختاروا قيادتهم السياسية والدينية الا لاعتقادهم ان هذه القيادات واحزابها يعملون على تحقيق مشروع الدولة الواحدة التي تنتظم فيها جميع الطوائف اللبنانية بما في ذلك الطائفة الشيعية التي آمنت بالعيش المشترك مع سائر الطوائف والذي تنبثق منه مؤسسة الدولة الواحدة التي ترعى الجميع وتكون المسؤولة وحدها عن الوطن والمواطن في مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها من الحقول والميادين التي تتولى شؤونها الدول في شعوبها واوطانها.
وليست الدولة انعكاسا لرؤية ايديولوجية خاصة بطائفة او حزب او جماعة خصوصا في المجتمعات المختلطة والمتعددة كما هو الحال في لبنان البلد المتعدد الطوائف الذي تنبثق فيه فكرة الدولة وتنشأ من خلال عقد اجتماعي بين جميع الفئات تتكرس ميثاقا وطنيا يتجاوز الاطر الضيقة والنظرات الاحادية.
وقد التزمت بهذا العقد الاجتماعي المستمر كل الطوائف اللبنانية بما في ذلك الطائفة الشيعية منذ قيامة لبنان، ولا يزال هذا الامر اساسا يحظى بإجماع اللبنانيين من كل الطوائف، وهو اليوم اكثر رسوخا وثباتا في نفوسهم وقناعاتهم وهم اكثر تمسكا به كثابت من ثوابت الوطن النهائي الذي لا يتبدل مهما تغيّرت الظروف وتبدلت الاحوال.
وهذا الذي ذكرناه كان جزءا لا يتجزأ من مشروع الامام موسى الصدر الذي اعطته الطائفة الشيعية التأييد على اساسه لما فيه من تأكيد للوحدة الوطنية التي تتعاظم قوتها وتزدهر امكاناتها من خلال مشروع الدولة الواحدة ولذلك قال في 30ـ7ـ1978 :(لا حل للبنان الا في اقامة الشرعية ولا شرعية الا بتذويب الدويلات ايا كانت صيغتها وشكلها وفعلها).وقد كان مشروعه في غاية الوضوح في شأن الانتماء الوطني والعربي للشيعة اللبنانيين والاندماج الكلي في مشروع الدولة الواحدة.
والمطلوب من القيادات السياسية في الطائفة الشيعية اليوم ان يجسدوا مشروع الامام الذي يحملون لواءه وليس المطلوب ان يذكرونا بأقواله فنحن لا نريد الايقاع الصدري في الاقوال (كما يقول بعض الكتاب) ولكننا نريد ذلك في المواقف والاعمال لان الامام الصدر لم يكن نشيدا او اغنية ذات ايقاع شعري وموسيقي وانما كان صاحب مشروع سياسي اراد من خلاله عودة الجنوب الى احضان الدولة اللبنانية المسؤولة وحدها عن الامن والدفاع عن الوطن والتي يشارك الجميع فيها من خلال المؤسسات الدستورية والقانونية التي تشكل المرجعية الوحيدة في البلاد في مختلف الشؤون والمجالات وهي الحكم في فصل الخلافات والمصدر الوحيد في اتخاذ القرارات. ومن داخل المؤسسات يتم العمل على اصلاح النظام السياسي وتطويره وصولا الى غاية الحماية والعدالة الاجتماعية.
والفرصة اليوم متاحة اكثر من اي وقت مضى لتحقيق هذا المشروع لوجود اهتمام غير مسبوق من الداخل اللبناني حكومة وشعبا بمشروع الدولة وبسط سلطتها الكاملة على الجنوب اللبناني وسائر المناطق اللبنانية.
ويواكب هذا الاهتمام الوطني اهتمام دولي كبير يتمثل في ارسال قوات طوارئ دولية لتعزيز ومساعدة الجيش اللبناني في مهمة بسط سلطة الدولة وحماية البلاد من الاعتداءات الاسرائيلية وبذلك يتحقق مطلب الشعب بعودة الدولة سلطة وحيدة في الجنوب وتتحقق حماية البلاد من الاعتداءات الاسرائيلية حيث توجد ضمانات دولية من خلال وجود قوات الطوارئ الدولية ودورها الذي يمنع اسرائيل من تنفيذ اعتداءاتها وتحقيق اطماعها.
ويتعزز هذا المنع من خلال تقوية الجيش اللبناني بالعدة والعدد، ولا شك في ان انضمام عناصر المقاومة الى هذا الجيش سيعطيه المزيد من القوة وليس في الانضمام الى الجيش الوطني والاندماج فيه تراجع عن الهدف المعلن بحماية لبنان، وأيضا ليس الانخراط في صفوف الجيش اللبناني تراجع عن المطالبة بقوة الدولة لان انضمام المقاومة القوية الى الجيش وسائر المؤسسات سيعطي الدولة المزيد من القوة في مختلف المجالات، وايضا ليس في انضمام المقاومة الى مؤسسات الدولة العسكرية وغيرها انتقاص من موقع حزب الله لانه لا ينضم الى الجيش والدولة من موقع المهزوم والضعيف لانه لا يزال قويا عسكريا وشعبيا وبذلك يكون ما لديه من سلاح منه واليه عندما يصبح جزءا من المؤسسة العسكرية. وهذا الامر يجعل حزب الله في الموقع الاقوى في الدولة ومؤسساتها والاكثر حظوة وتأييدا عند الشيعة وسائر اللبنانيين التواقين الى دولة واحدة طال انتظارها، يقوى بها جميع اللبنانيين وتقوى بانضمام الجميع اليها.
وعندئذ يتحقق مشروع الامام الصدر بالدولة الواحدة التي ينضوي جميع اللبنانيين تحت لوائها ونؤسس بذلك لقيامة لبنان القوي في مواجهة الاخطار الخارجية والمتماسك داخليا وننطلق جميعا في عمل سياسي لتحقيق كل الاهداف لأهلنا الصابرين وشعبنا الصامد الذي يستحق الحياة الآمنة والمزدهرة.
* نقلا عن صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية
الخميـس 20 شعبـان 1427 هـ 14 سبتمبر 2006 العدد 10152