السبت , ديسمبر 14 2024

طالب علم ديني – لبنان

سؤال : سماحة السيد إطّلعت على موقعكم في صفحة الانترنت في صفحة السؤال والجواب فرأيت فيه أنّكم تقولون بعدم انحصار (أولي الأمر ) بأئمّة أهل البيت (ع) لأنّ اللّفظ موضوع في اللّغة العربيّة لمعنى عام ولكن يوجد لديّ سؤال وهو قوله تعالى في سورة المائدة ( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) يدلّ على تعيين أولي الأمر لأن الآية نزلت في الإمام علي (ع) مع وجود الروايات الكثيرة الواردة من طرق أهل البيت (ع) والدّالة على أنّ المقصود من أولي الأمر هم الأئمة الإثنا عشر (ع) . فما هو رأيكم في هذه المسألة ولكم الشكر..


جواب: ” بسم الله الرحمن الرحيم  الأخ العزيز صاحب الفضيلة سلام عليك وبعد. فقد ذكرت في بعض الأجوبة السّابقة حول آية 59 من سورة النساء ( يا أيها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر  منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر …) أنّ الآية المباركة يظهر من خلال سياقها وخطابها الموجّه للّذين آمنوا أنها بصدد إرشاد جماعة المؤمنين إلى لوازم إيمانهم بالله ورسوله وفيها ما ينتظم به أمر جماعتهم ويحفظ تماسكهم ويعزز الرّوابط القائمة بين أفرادهم ويقع في أولويات هذا التّنظيم تعيين مرجعيّة لهم يأخذون منها الأوامر والنّواهي والإرشادات والتعليمات ويرجعون إليها في حلّ الخلافات الطّارئة والنّزاعات المنتظرة الّتي لا تخلو منها جماعة بشريّة. والخلاصة انّ الآية المباركة  تؤسس لنظم أمر الجماعة من خلال أوامر الطّاعة الّتي تستلزم إعطاء الولاية لمن أثبتت له الطّاعة وفيها سلطة الأمر والنّهي وحسم الخلافات والنّزاعات وظاهر الآية المباركة اختصاص هذا النّحو من الولاية بالرّسول (ص) حيث لم ترجع الآية المباركة المتنازعين إلى أولي الأمر وهذا يعتبر بمثابة القرينة المتّصلة على انّ الطّاعة الثّابتة لأولي الأمر هي الطّاعة في إطار الكتاب والسّنّة وليست طاعة مستقلّة وليست بصدد إعطاء ولاية وسلطة لهم بنفس رتبة وسلطة النّبي (ص).


وبكلمة أخرى نقول :إنّ الآية المباركة تدلُّنا على فعليّة موضوع الأمر بالطّاعة المتمثّل بالرّسول وأولي الأمر باعتبار أنّ الآية المباركة لم تأمر بالطّاعة لموضوع افتراضي غير قائم بالفعل ولو ببعض أفراده كما هو واضح فهي دعوة لطاعة من هو رسول بالفعل ولمن ينطبق عليهم عنوان أولي الأمر بالفعل كما يقول علماء أصول الفقه في البحث عن دلالة الإسم المشتق وأنّه ظاهر في الذّات الّتي تحمل الإسم والعنوان بالفعل والحال.


وإذا كانت الطّاعة الثابتة للرّسول وأولي الأمر فعليّة باعتبار فعليّة الموضوع كما عرفت فلا يمكن أن تكون طاعة أولي الأمر في نفس رتبة طاعة الرسول لأنّ ذلك يستلزم أن تكون الولاية المعطاة لأولي الأمر في نفس الوقت الّذي تكون الولاية الفعليّة ثابتة للنبيّ (ص) مع أنّ الولاية في عهده لا تكون إلاّ للنبيّ وحده ولا يشاركه فيها غيره. وهذا يعني أنّ الولاية الثابتة لأولي الأمر في الآية ليست ولاية سياسيّة مستقلّة وإنما هي ولاية داخلة في إطار الولاية الثابتة للرّسول الّتي تشكل مرجعية لأولي الأمر وغيرهم. وهذا يعني أنّ الطّاعة الثّابتة لأولي الأمر في عهد رسول الله (ص) قد ثبتت لهم بوصفهم جزءاً من نظام التّوجيه والإدارة الّذي يتولّى  وضعه وتنفيذه الرّسول بأمر من الله تعالى ولذلك كان الرّجوع في الآية المباركة عند الاختلاف والنّزاع إلى صاحب الولاية الّذي يخضع له نظام الإدارة والتوجيه العام ولم يكن الرّجوع في الآية المباركة إلى أولي الأمر لأنّ الخلاف قد يكون معهم أو في أمورٍ لا يفصل فيها إلاّ صاحب الولاية والسّلطة العليا المتّصل بالوحي الإلهي ولذلك قلنا بأنّ طاعة أولي الأمر يمكن أن نطلق عليها عنوان ( الطّاعة النّظاميّة) أو ( الطّاعة الإداريّة ) المرتبطة بنظم الأمر وهي في كلّ الأحوال تكون مقيّدة بالرجوع إلى الله والرّسول في حياته وإلى الكتاب والسنّة بعد وفاته كما هو مفاد جملة من النّصوص الآمرة بالرّجوع إلى الكتاب والسنّة.


وعلى ضوء ما ذكرناه لك تعرف أنّ قوله تعالى في سورة المائدة ( إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون) آية 55 ليس وارداً في إثبات الولاية السياسيّة للإمام أمير المؤمنين (ع) بناءاً على ما هو المشهور في سبب نزول الآية المباركة عند تصدّقه بالخاتم وهو يصلّي في المسجد. وما ذكرته أنت في السؤال قد سمعته من بعض أساتذتنا في النجف الأشرف رحمهم الله في تفسير آية أولي الأمر وتطبيقها على آية سورة المائدة ( إنّما وليّكم ..) على أساس أن الآية الأولى تأمر بالردّ إلى الله عند وقوع المنازعة وقد حصلت في أولي الأمر الّذين يفسرهم قوله تعالى في الآية الأخرى ( إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا ) ولعلّ ذلك كان لاعتقاده أن لفظة ( وليّ ) هي مفرد لكلمة ( أولي الأمر ) مع أنّ جمع ولي هو أولياء وليس ( أولي الأمر) حيث إنّه جمع لا مفرد له من لفظه هذا مضافاً إلى انّه لو طبّقنا كلمة (أولي الأمر) على كلمة ( إنّما وليّكم ) لزم انطباق عنوان أولي الأمر على الله ورسوله والّذين آمنوا لعدم تكرار كلمة (ولي ) في الآية الّذي يعني وحدة المعنى في الجميع وهذا من التّفسير الغريب مع انّك قد عرفت أنّ آية (أولي الأمر ) ليست في مقام إعطاء الولاية المستقلّة السياسيّة لهم في عهد رسول الله (ص) . هذا مع انّه لو تمّ هذا التفسير لأدّى إلى حصر أولي الأمر بالإمام علي (ع) وهو خلاف ما ذهب إليه بعض المفسّرين من حصر أولي الأمر بالأئمة المعصومين (ع) من خلال نصوص عديدة يتعيّن حملها على أنّها في مقام ذكر المصاديق وليست في مقام التّفسير الحصريّ لأنّه لا معنى لأن يأتي التفسير لأولي الأمر متأخّراً عن زمن النّزول إلى زمن ورود تلك النّصوص كما يقال نفس المعنى بالنّسبة إلى آية ( إنّما وليّكم .. ) حيث إنّها كانت من آخر ما نزل على النّبي (ص) وكانت سورة النّساء قد نزلت قبل ذلك بكثير مع أنّ المسلمين كانوا بحاجة لفهم المقصود من أولي الأمر في وقت النّزول ولذلك كلّه نقول بأنّ الأوفق بقواعد التّفسير أن يبقى معنى ( أولي الأمر ) عامّاً شاملاً للأئمّة المعصومين وغيرهم ويبقى معنى ( الوليّ ) في قوله تعالى ( إنما وليكم الله ورسوله والّذين آمنوا … ) بمعنى المؤيد والمعين والحافظ والمرشد وضدِّ العدوّ وغير ذلك من المعاني المتقاربة كما في قوله تعالى ( الله وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النور ) ( وما لكم من دون الله من وليّ ولا نصير ) ( والله وليّ المؤمنين ) ( ما لك من الله من وليّ ولا واق) ( وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله وليّ المتّقين ) (..فإذا الّذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم ) وغيرها من الآيات الّتي ورد فيها لفظ الوليّ بعيداً عن معنى الولاية السياسيّة وهكذا بالنسبة إلى الآية الواردة في سورة المائدة فهي ليست بصدد إعطاء الولاية السياسيّة للوليّ وإلاّ لورد على هذا الرّأي ما ورد من إشكال على حمل آية أولي الأمر في سورة النّساء على هذا المعنى السياسيّ البعيد والّذي لا يستقيم مع وجود الولاية السياسيّة الفعليّة لرسول الله (ص). ولكنّ الآية المذكورة في سورة المائدة هي بصدد بيان أنّ المؤمنين لا يتّخذون أعداء دينهم أولياء من دون الله ورسوله والّذين آمنوا، وأنّهم في مواجهة اعداء الرّسالة الّتي آمنوا بها ليسوا وحيدين فالله معهم ورسوله والّذين آمنوا يشدّون أزرهم ويرشدونهم سواء السبيل، و ورود الآية بمناسبة تصدّق الإمام علي (ع) بخاتمه لا يتنافى مع بقاء الآية على عمومها فإنّ المورد لا يخصّص الوارد كما هو مقرّر في قواعد علم أصول الفقه ويؤيّد ذلك ما ورد في آيات أخرى من أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض فهذا يعني أنّ الوليّ للمؤمنين ليس محصوراً بآية سورة المائدة ( إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا …) والّذي يبدو لي أنّ الإضطراب الّذي وقع فيه بعض مفسّرينا القدامى والجدد ناشئ من إسقاط المعلومات المسبقة والموروثة على ظاهر الآيات المباركة وهو ما أدّى إلى التكلّف في حملها على غير معانيها الظّاهرة فافهم واغتنم. أرشدنا الله وإيّاك سواء السّبيل والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.”


 

شارك المعرفة وانشر