سماحة العلاّمة السيد علي الأمين في جواب لسؤال حول عيد المولد النبوي الشريف:
لقد اعتادت المجتمعات والأمم في الماضي والحاضر على اتخاذ مناسبات من أحداث ووقائع مميّزة جرت في تاريخها سواء كانت إيجابية أو سلبية للإستفادة منها في حياتها وأخذ الدروس والعبر منها،فتجعل يوماً لعظمائها لحثّ الأجيال على الإقتداء بهم،كما تجعل يوماً لشهداء الدفاع عن الأوطان وتحريرها من الإحتلال الأجنبي والإستقلال عنه،وكما يجري في زماننا من جعل يوم لحقوق الإنسان أو المرأة أو الطفل وغير ذلك من القضايا التي يراد توجيه الأنظار إليها وطنيّاً أو عالميّاً،وكما يحصل في منطقتنا العربية من جعل يوم لمأساة فلسطين وكما يحصل في اليابان من جعل يوم لمأساة هيروشيما بسبب الحرب العالمية الثانية وغيرهما من المناسبات العامّة والخاصّة التي تقام في العالم ويتم التذكير بها وإقامة الإحتفالات لها لأغراض متعدّدة تختلف باختلاف السياسات والثقافات،ومنها العادات والتقاليد التي تختلف بين شعب وآخر.
ومن هذه المناسبات التي يعبّر فيها المحتفلون عن فرحهم وسرورهم والإرتباط بصاحبها هي الإحتفال بالمولد النبوي الشريف،فإننا لا نرى ما يمنع شرعاً من اتخاذ يوم مولده عليه الصلاة والسلام مناسبة يحتفل فيها بتلاوة شيء من سيرته ومدحه والثناء عليه بهدف أخذ الدروس والعظات منها وتوجيه الناس نحوها،ولا يعتبر هذا العمل من إدخال ما ليس من الدين في الدين ليكون بدعة محرّمة،لأن الإحتفال بمولده الشريف بالمعنى الذي ذكرناه لا يكون بمعنى جعله عيداً بالمعنى الشرعي كعيدي الفطر والأضحى،لأن العيد بالمعنى الشرعي هو من الأمور الموقوفة على تصريح الشرع بها،ومن عجائب الأمور أن بعض أهل العلم لا ينكرون إقامة عيد وطني لبلادهم ولكنهم ينكرون إقامة عيد للمولد النبوي الشريف !
وعلى كل حال فإن المهم في المقام الرجوع إلى الكتاب والسنّة،وليس فيهما ما يمنع من الإحتفال بمناسبة دينية أو وطنية من دون اعتبارها عيداً بالمعنى الشرعي وعبادة من العبادات، لأن العبادات الشرعية ومناسباتها وأسبابها محصورة بالمنصوص عليها، وما نحن فيه لم يصدر من الشرع نهي عنه فيبقى على أصل الإباحة كما يقول علماء أصول الفقه،والله ولي التوفيق والسداد.