غِـيـَـرُ الدهر
-خذ صورتي عبرةً إن كنت تعتبرُ
فَهْيَ المثالُ لدهرٍ كلُّهُ غِيَـــــرُ
-بالأمس كنت فتىً بالبأس يدَّثِرُ
في وجهه المشرقان الشمس والقمرُ
-واليوم أصبحت شيخاً يشتكي سقماً
قد خانه المرشدان السمع والبصرُ
-وغاب عني كثير كنت أعلمه
وليس لي عن غدي علمٌ ولا خبرُ
-لكنني قد رأيت العمر منصرماً
يوماً فيوماً إلى أن يأتيَ السَّفَرُ
-وقد علمت بأجدادٍ لنا سلفوا
باتوا على موعدٍ والموعدُ السَّحرُ
-ومـا الحيـاة التـي نحيــا ونـهجرها
إلا سحابة صيف فاتها المطرُ
-والعيشُ في سقمٍ في جنبه هرمٌ
كالأرض جفَّتْ فلا ماءٌ ولا شَجَرُ
والمرء عند بلوغ العمر أرذلَهُ
يغدو هشيماً فلا ظلٌّ ولا ثمرُ
-ومــا المقيـم بدارٍ كُلـــها نكــــــدٌ
إلا مســجىً يعــاني وهـو يُحتضــرُ
-وكيف ينجـو مــن الأهوال ساكنها
وهي التي لم يفارق صفوها الكدرُ
-فـي كــل يومٍ لنــا خــلٌّ نودعـــــه
لم يطرد الموت عنه الصّـارم الذّكرُ
-فهو القضاء الــذي تفني مخالبه
كل البرايا فلا يُبقى ولا يذرُ
-يأتي الممات وما اقسى منازله
سَوقٌ وجذبٌ وبيتٌ جوفه الحفرُ
-هذي الحياة وبعضٌ من مشاهدها
فـتُــوةٌ وشبـــابٌ ثمَّ تـنـدَثِــرُ
-مضى شبابي ولم أشعر بفرقته
حتى أتى المنذران الشيب والكِبَرُ
-وبين أمسي ويومي قد قضت أممٌ
لم يبق من جمعها عين ٌ ولا أثرُ
-ونحن نمضي على درب الألى تركوا
الدنيا ولم يغنهم حرصٌ ولا حذرُ
-يا حسرةً لم تزل في النفس لوعتها
على شباب بعمر الورد قد قُبِروا
قد أطفأ الموت أقماراً لهم سطعت
وخلَّفوا في الحشى ناراً لها سُعُرُ
-لم يبق لي في رصيد العمر باقيةٌ
إلا ثــمالة كأس ثمَّ تـنـكَـسِــرُ
-يا ويلتي إن مضت باللهو خاتمتي
والمرء يجهل ما يخفي له القدرُ
-مولاي فارحم فقيراً أنت مقصدُهُ
يا كاشفاً ضرَّ من أزرى به الضررُ
-وادفع وساوس نفسٍ زاغ صاحبها
هي العدو وفيها يكمن الخطرُ
-واغفر إلهي ذنوباً لستُ أنكرها
أنت الغفور ومنك الصفح يُنتظرُ
*غير الدهر – قصيدة للعلامة المجتهد السيد علي الامين بعد عيادة احد العلماء الربانيين