كربلاء بين الماضي والحاضر
العلاّمة السيد علي الأمين: الإمام الحسين يريدنا من أجل إحقاق حق في الحاضر وإبطال باطل في الحاضر وليس الماضي.
لا يمكننا أن نصنع هذا المجتمع وهذا الوطن إلا بقواعد المحبة التي تشكل البذرة الصالحة لتحقيق العدالة في هذا الوطن. أما أن نتبارى غداً يوم العاشر على من يجمع أكثر من الناس، هل هذا ما يريده الإمام الحسين؟!
عندما كنت في العراق، وكانت في يوم العاشر تخرج المواكب بعشرات الألوف، فسأل بعض الصحافيين الأجانب آنذاك: “هل بقيت الحكومة في بغداد؟” هذا الصحفي كان يظن أن هذه المظاهرة لأجل مطالب شعبية ضد الحكومة، فأجابوه: ” نعم الحكومة لا تزال موجودة”. فقال لهم :” هل يعقل هذه المظاهرة بمئات الألوف والحكومة لا تزال موجودة؟” فأجابوه: ” هذه المظاهرة ليست ضد هذه الحكومة القائمة، إنما هي ضد حكومة بادت قبل 1400 سنة”. فأجابهم : ” إذاً هذه مظاهرة فاشلة لا تحقق أهدافها”.
ونحن غدا يوم العاشر ندعو أتباعنا للتظاهر والتجمع بعشرات الألوف، ضد من؟ ولماذا تغلقون الطرقات؟.يقولون: ضد حكومة يزيد، أين هي حكومة يزيد؟ هي انتهت قبل 1350 سنة …وإذا قيل لهم تظاهروا من أجل حكومة حاضرة رفعت الأسعار وفرضت الضرائب وانعدمت فيها فرص العمل، والفساد كثير فيها والهدر … تراهم لا علاقة لهم بالتظاهرات!!! هل هذا يريده الحسين؟
ألا يريد منك الحسين أن تتظاهر من أجل لقمة عيش الفقير؟ أم يريدك أن تتظاهر ضد حكومة بادت قبل مئات الأعوام؟ هذا ليس له معنى!
نحن مطلوب منا أن نحقق أهداف الإمام الحسين .. أهداف الإمام الحسين خرج من أجل الناس.
تسمعون هذه الأيام أن أكثر الإخوان الذين يصعدون المنبر من نواب ومن علماء، يحولون قضية كربلاء على أميركا والخارج، هذا جيد ، ولكن يا أخي ثورة الإمام الحسين هي قامت في الأصل ضد الظلم الداخلي. كان الحاكم جائراً وظالماً وكانت حقوق الناس مهدورة وانطلق الإمام الحسين من أجل الإصلاح الداخلي في أمة جدّه … إسرائيل دولة غاصبة معتدية ظالمة تقتل الناس الأبرياء وتسفك الدماء ظلماً وعدواناً، ولكن نحن لا نستطيع التفريق بين ظلم خارجي وظلم داخلي. أنت إذا أردت أن تكون حسينيا، لا تستطيع أن تقول بأن ظلم إسرائيل مرفوض ونريد محاربتها، وتترك الظلم الواقع على الفقير ،ولا تسعى إلى تحصيل حقه! أليس هذا ظلماً، هذا ليس منطقياً. الظلم أمة واحدة، ذات رسالة فاسدة. الإمام قال لنا كونوا ضد الظلم، وليس أن نفرق بين ظالم وظالم، قال” كونا للظالم خصما، وللمظلوم عونا”. لا فرق بين مظلوم وآخر. لا شك بأننا نعبئ أنفسنا ضد ذلك الظلم الذي يستهدف أهلنا في فلسطين وفي أفغانستان وفي كثير من دول العالم الثالث التي يعج فيها الظلم …لكن ألا نريد أن نستنكر الظلم الداخلي هنا؟!! هذا الظلم الفاحش في مجتمعنا، فئة ثرية لها كل الضمانات ، وفئة مستضعفة ليس لها أية ضمانة … مثلاً قبل عدة أيام تظاهروا لأجل منح مدرسية، وإذ به لا منح مدرسية ولا أجور نقل… ما هذا المنطق، هل هذا هو الواقع؟ ومن الذي طلب منهم أن لا يتظاهروا؟ جماعاتنا طلبوا منهم أن لا يتظاهروا … حسنا: لا تتظاهرون ضد حكومة تغتصب حقوق العمال والفقراء والمحرومين، وعندما يأتي العاشر تقولون لنا أخرجوا إلى الشارع واندبوا والطموا؟ على من نندب ونلطم يا أخي؟ ، قاريء العزاء يقول لنا: أعظم ما يشجي الغيور،أن زينب وأهل بيتها النساء، صاروا يأخذونهن من بلد إلى بلد تراهم الناس … ماذا تفعلون يوم العاشر؟!! تطلبون من النساء والبنات أن يخرجن إلى الشارع يلطمن؟ علامَ هذا لعمل؟ هل هذا عمل يرضي زينب سلام الله عليها؟ هذا أمر غير مفهوم! أم هو تنافس من أجل جمع العدد الأكبر! أنا أرى أنه تنافس من أجل جمع العدد الأكبر، وليس من أجل من يعمل الخير أكثر … لماذا؟ أنتم تبكون على زينب وعلى سكينة وعلى الرباب، لأنهم أخذوهن إلى الشام ومن بلد إلى بلد … ما هذا المنطق … هل هذا ما يريده الإمام الحسين؟ الإمام الحسين يريد منا أن نحقق الأهداف التي انطلق من أجلها. يريد منا أن نكون متآخين في الله، يريد منا أن نكون متعاضدين متضامنين، من أجل إحقاق حق في الحاضر وإبطال باطل في الحاضر، وليس أن نذهب إلى الماضي … الماضي انتهينا منه، هل نرجع الحق لأصحابه يعني هل نستطيع ان نخلع يزيد عن السلطة ونعطيها للإمام الحسين، مضت تلك المرحلة .. مدرسة كربلاء تجاوزت بمكانها المكان، وبزمانها الزمان لشمول الأهداف وعموميتها، أهدافها تجاوزت الزمان والمكان، ونحن نحاول أن نعود إلى المكان الماضي وإلى الزمان الماضي ونترك الحاضر. الحسيني هو الذي يسعى من أجل أن يحقق العدالة لشعبه وأمته ومجتمعه ووطنه. أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب أبي عبد الله..
الجنوب، لبنان – 2000 م